اللاهوت الدستوري

رسالة مجمع انقيرة (358)



رسالة مجمع انقيرة (358)

رسالة
مجمع انقيرة (358)

نؤمن
بالاب والابن والروح القدس. هذا ما علم ربنا يسوع المسيح تلاميذه، قائلا: ”
اذهبوا وعلموا الامم، معمدين اياهم باسم الاب الابن والروح القدس ” 125. لهذا
علينا – نحن الذين ولدنا ثانية بواسطة هذا الايمان – ان نفهم باستقامة، التصورات التى
تنطوى عليها هذه الاسماء.

فهو
لم يقل: عمدوهم باسم الذى لا جسد له والذى تجسد، او باسم السرمدى أو الذى ذاق
الموت، أو باسم غير المولود، لكنه قال: ” باسم الاب والابن والروح القدس
“، حتى نفتكر – لدى سماعنا أسماء طبيعية – أن الاب علة جوهر مشابه له. وحتى
لدى سماعنا اسم الابن، نفكر بابن مشابه للاب الذى هو ابنه. لهذا نؤمن بالاب والابن
والوح القدس. ولسنا نؤمن بالخالق والمخلوق. الان الخالق والمخلوق شىء والاب والابن
شىء اخر، فان كل تصور منهما مباين للاخر.

فعندما
اقول مخلوق، فانى أوكد وجود خالق يسبقه. أما بالنسبة لمفهوم ابن، المستخدم فى
التكلم عن الواقع المادى، فاذا صفيناه من أفكار الاهواء، والسيلان الخاصة بالاباء
والابناء الجسديين، يمكننا ان ندرك كيان الابن اللاجسدى، الاتى من الاب اللاجسدى.

لهذا
الغاية، ربطها الايمان القديم، بتصور المخلوق الناتج عن حقيقية جسدية. وبما أن
تصور المخلوق وحده، لا يغطى مفهوم الابن، مستنتجا من الخالق والمخلوق، عدم امكانية
استيعاب الخالق من قبل الخليقة، واستقرار المخلوق من حيث انه انتاج خالق لا يدرك،
فقد أراد أن يعلمنا، انطلاقا من تصورات الاب والابن الجسديين، والخالق والمخلوق
الجسديين، مفهوم الاب والابن الحق والصحيح.

 

فاذا
ما أسقطنا عن المخلوق، انه كون من الخارج، بماديته وسماته الاخرى، المنطوية فى
كونها خليقة مادية، فيبقى من مفهوم الخليقة فقط، لا استيعابية الخالق وكمال
المخلوق، ومطابقيه مع نية الخالق. واذا أزلنا عن تصور الخالق والمخلوق، كل السمات
الاخرى، معتبرين فى الخالق اللاهوى وحسب، وفى المخلوق الكمال والاستقرار،
والمطابقة لنية الخالق، ينتج عن ذلك، أن علينا ان نستخلص من اسمى الاب والابن،
اللذين انطلقنا من الايمان بهما،تصورا واحدا، مطابقا للايمان المستقيم.

 

واذا
اعتبرنا، حسب ترتيب الافكار هذا، ان الاب ابو الابن، بغض النظر عن الالم والسيلان،
وان الابن لم ينتج من زرع ما، ينم باسهامات ذات طبيعة جسدية، التى تنزع دائما،
وحسب صفات الحقائق المادية، الى النمووالفساد، فلا يبقى لدينا سوى فكر الشبيه
لاننا – نكرر – اذا أزلنا من عملية الخلق، كل ما هو جسدى، يبقى لدينا اللاهوى عند
الخالق، والاستقرار والاتقان ومطابقة المخلوق، هكذا بالنسبة للاب والابن، نزيل كل
السمات الجسدية، فيبقى عندنا فقط ولادة كائن حى، مشابه حسب الجوهر: بالفعل، فان كل
اب يعتبر جوهر مشابه له. ولكن اذا أزلنا ايضا، مع كل الصفات المرتيطة بالاسماء
الجسدية للاب والابن، فكرة الاب علة كائن حى مشابه فى الجوهر، لا نعود نؤمن بالاب
والابن، بل بالخالق والمخلوق، ويكون هذان الاسمان

غير
ملائمين، وخاليين من أى معنى تصورى. فيكون هكذا الواحد خالق، من حيث هو اله، ولكنه
ليس ابا، لانه ينتج عن التفكير الطبيعى، ان الاب ليس اب، بل ابو جوهر مشابه له،
الذى كون بهذه العملية.

ونظرا
لان الاب له المقدرة على اتمام عمليات كثيرة، فيعتبر بواحدة من العمليات خالقا، أى
خالق السماء والارض، وكل ما فيهما. وهو خالق الحقائق غير المنظورة وهو يعتبر فى
ابوته للابن الوحيد لا كخالق بل كاب ولد. واذا خشى احد، معتمدا على فكرة الالم،
الملازمة للاباء والانباء الجسديين، ان يتعرض الوالد الاجسدى لبعض الالم، أو أن
المولود يكون ناقصا، ويقلق لما قد يحصل للاب والابن الجسديين، بالتالى، ينزع فكرة
الابوة والبنوة الحقيقيتين عن الاب والابن، فان مثل هذا، انما يتحدث عن مخلوق، ولا
يستطيع أن يؤكد بنوة الابن الحقيقية.

فان
هو اعتبره أسمى فى العظمة والجلال، كما ان السماء تعلو على جبل، أو على هضبة فانه
يحصيه بين المخلوقات، على الرغم من اعطائه كل هذه العظمة. واذا اعتبره أسمى فى
المكانة والمقام، لانه أول المخلوقات، ولانه ساهم فى عملية خلق الاشياء الاخرى،
فانه يعتبره أيضا هكذا من المخلوقات. فكما ان لا اختلاف، بين حمل الفحم عن الهيكل
بالملقط وليس باليد، واستخدام فن الحدادة الشى عينه، ليطرق صفيحة حديدية (بالطبع
سواء الملقط أو صفيحة الحديد ينتميان الى صنف الخلائق)، هكذا لا يختلف عن البرايا
بشىء الذى به كان شىء، اذا لم يكن ابنا، كما يطرح العقل الطبيعى. فمن حيث انه
مخلوق، سيكون أول الخلائق، والاداة التى بها خلق الخالق الاشياء كلها.

 

لا
يجوز ان يتخيل احد، مفهوم الاب والابن بالمعنى الحصرى والحقيقى، انطلاقا من الذين
ندعوهم عموما ابناء لانه فى مثل هذه الحالة، يكون كثيرون ابناء الله، ومثالا على
ذلك ما تقوله الكتب: ” انى ولدت بنين وكبرتهم، لكنهم تمردوا على ” 126 ؛
و ” أليس لجميعنا أب واحد؟ ” 127 ؛ و ” ان الذين قبلوه، وهم الذين
يؤمنون باسمه ؛فقد مكنهم أن يصيروا أبناء الله: فهم الذين لا من دم، ولا من رغبة
رجل، بل من الله ولدوا ” 128. وكذلك قيل عن المخلوقات الجامدة: ” هو من
ولد قطرات الندى ” 129.

 

 يمكننا
ان نستخلص من الالقاب، فى هذه الامثلة، ان الابن ليس ابنا، ولا يشترك، بما انه
مخلوق على مثالهم، الابن وحده. وعلى العكس من ذلك، تؤمن الكنيسة أن الله ليس خالق
البرايا وحسب،(وهذا ما يعرفه بالطبع اليهود واليونان ايضا)، بل انه ايضا أبو الابن
الوحيد، لان لديه القدرة على الخلق، ولهذا يعتبر خالقا، والقدرة على الولادة
بالمعنى الحقيقى والفريد، ولهذا نعتبره الابن الوحيد. ولكى يعلمنا هذا، يكتب الطوباوى
بولس: ” لهذا أجثو على ركبتى للاب، فمنه تستمد كل أبوة اسمها فى السماء
والارض “130. فكما أن الذين لديهم أبناء مشابهين لهم فى الجوهر، يدعون على
الارض اباء، كذلك يدعى الاب فى السماوات، الذى منه يستمد الاباء على الارض، الاسم
حسب الجوهر، لانهولد من ذاته، حقا وفعليا، الابن المشابه له فى الجوهر. ولا يمكن
تطبيق التصور، الذى يطبق على المدعوين أنبا بالمعنى المجازى أو بالمجانسة، على
الابن الوحيد. اذ اننا نطلق اسم علبة المجوهرات فعليا، على العلبة المصنوعة من خشب
البقس، ونطلق الاسم ذاته بالمعنى العام والمجازى، على العلب المصنوعة من الرصاص
والبرونز، أو من أى مادة أخرى. ولا يعنى هذا النص ولادة حسب الجوهر: ” هو
الذى الذى ولد قطرات الندى “، فهمنا يطبق اسم ابن على الخليقة بالمعنى
المجازى. ولا يعنيه هذا النص ايضا: ” انى ولدت بنين وكبرتهم “131، فهمنا
يعطى اسم الابن، بالمعنى المجازى عطفا وشرفيا. ولا يعنيه ايضا هذا النص: ”
فقد مكنهم ان يصيروا أبناء الله ” 132، اذ ان الاسم منح هنا للدلالة على عظمة
المخلوقات، وتشبهها بالله. ولكننا لا نعتبر الابن الوحيد بهذا المعنى، بل نعتبره
ابنا بالمعنى الحرفى، لانه الوحيد المولود من الاب، والوحيد المشابه للاب فى
الجوهر، ولهذا فهو يعتبر ويدعى ابنه.

 

واذا
لم يستوعب أحد الشرح السليم، لعجز فى التفكير، واعتبر أن الاب تعرض فى الولادة،
للالم أو للانقسام أو للسيلان، فهو يعارض الايمان، الذى يعطينا المعرفة القويمة عن
الاب والابن. واذا ما سالنا شروحا، علينا ان نجسم الامر بالاستفهام منه، كيف يمكن
أن يكون الله قد صلب؟ حكمة هذا العالم وحكماءه،بسبب نقص فى العقل، صارت حماقة
بالكرازة الانجيلية، الاكثر حكمة من حكمة الناس، التى حسبها الطوباوى بولس غير
جديلاة بالاعتبار 133، اذ جعلت لا منطقية ايماننا حكمة المفكرين منطقيا حماقة فقد
قال بولس: ” فان المسيح لم يرسلنى لاعمد، بل لابشر بسر الله، غير معول على
حكمة الكلام، لئلا يبطل صليب المسيح “134. لذا فان من يسبر السر بحكمة
الكلام، بحيث انه يشترك بالحكمة المجعولة حماقة، فهو لا يؤمن بالسر… أما اذا
اعتبر احد، فى هذا المجال، بعد أن يكون قد اقتنع بقوة اللامنطق، أن حكمة العقل
حماقة، ليس بحكمة الكلام، بل ان الايمان وحده يخلص الذين يقبلون البشارة. فذلك لا
يعنى كيفية ولادة الاب للابن دون الم، لئلا يبطل سر بنوة الابن الوحيد للاب، بل
انه يدحض حكمة المماحكين والخبراء التى صارت حماقة، حسبما كتب: ” اين الحكيم؟
أين عالم الشريعة؟ أين المماحك فى هذه الدنيا؟ ” 135. وعليه عدم الجواب بحكمة
الكلام، لئلا يشك فيه بسبب التفكير، ولئلا يبطل السر، أى العقيدة المستقيمة حول
الاب والابن ؛ ولكنه يعلن، دون حاجة الى سند العقل والفكر الجدلى، أن الاب والابن
بحد ذاتهما لا يتالمان، وان الاب ولد الابن دون الم ولا انقسام، وان الابن مشابه
للاب فى الجوهر، كامل من كامل، كائن وابن وحيد: هذا ما يؤمن به المؤمنون، بينما
يشك به الكفرة.

 

وانه
لمن الغباء، أن يظن المرء، عندما يسمع ان كيان الحكمة اتى من الله الحكيم، بحيث
انه اصبح ابا الحكمة التى ولدها، ان الاب تالم فى ولادته الحكمة، من حيث انها اتت
من الله، مشابهة له، هو الحكيم حسب الجوهر. فكان اننا لا نعتبر الله الحكيم حكيما
بالمشاركة، أ من حيث انه يشارك بالحكمة، بل انه حكيم فى الجوهر، هكذا لا يجوز
اعتبار الابن كالحكمة التى نفكر بها: الحكمة منبثقة من جوهر حكيم، هذه الحكمة
الجوهرية التى هى الابن الكائن، مشابهة للاب الحكيم فى الجوهر، الذى منه أخذ
كيانه، الابن الحكمة.

 

وقد
استنتج الطوباوى بولس، الذى يعرف التعاليم اليهودية، والملهم من الروح نفسه، الذى
تكلم فى العهدين القديم والجديد، والذى استخلص معظم أفكاه من العهد القديم، ومثالا
على ذلك المزمورين القائلين: ” وغمر عظيم احكامك ” 136 ” و ”
المياه الغزيزة سبلك، ولا تعرف اثارك ” 137، فاستنتج منها التصور الذى احكام
الرب. فبدلا من ” غمر عظيم “، كتب ” ما بعد غور الغنى ” 138 ؛
وعوضا عن ” وفى المياه الغزيرة سبلك ولا تعرف اثارك “، كتب: ” ما
اعسر ادراكه “، وبدلا من ” وغمر عظيم أحكامك “، كتب: ” ما
اعسر ادراك احكامه، وتبين طرقه ” 139.

وقياسا
على ذلك، وبما عرفه من الحكمة وعلاقتها بالاب والبرايا، يعرض لنا بولس، فى رسائله،
فكره حول الاب والابن، والاشياء التى خلقها الاب بواسطة الابن، فان الحكمة فى
الواقع تقول: ” انا الحكمة اساكن الدهاء…”140 ؛ عندما تبدا الكلام عن
ذاتها، كاداة الخلق تقول: ” بى الملوك يملكون ” 141 و ” ساخبر كم
بكل ما خلق بواسطتى، وساذكر الاشياء كلها منذ بدء الازمنة “. يقول: ”
الرب خلقنى أولى طرقه من اجل أعماله. من الازل أقامنى ؛ وقبل كل شىء ولدت ”
142. وبدلا من ” بدء “، كتب الرسول ” أول ” ؛ وبدلا من ”
ولدنى “، كتب ” مولود ” 143 ؛ وعوضا عن هذه العبارة: ” خلقنى
أولى طرقه ” و ” ولدنى “، كتب: ” بكركل خليقة ” 144.
وعوضا عن ” أسسنى أو أقامنى “، كتب ” فيه خلق كل شى ” 145 ؛
وبدلا من ” بواسطتى، الاشياء منذ بدء الازمنة “، كتب: ” أصحاب
العروش، والسيادات والرئاسات والسلاطين ؛ كل شى خلق به وله ” 146.

 

واذا
كانت كلمات الرسول، تطابق حرفيا كلمات الحكمة (أى ” فى البدء ” تطابق
” أول ” ؛ و ” ولد ” تطابق ” مولود “؛ و ”
خلقنى أولى طرقه من اجل أعماله ” تطابق ” بكر كل خليقة “؛ و ”
أقامنى ” تطابق ” به خلقت “؛ و ” بواسطتى، الاشياء منذ بدء
الازمنة ” تطابق ” به كل الاشياء)، ينتج عن ذلك ان ” صورة ”
147 ايضا، يجب ان تعتبر دون ان يدخل اليها الالم. ولكن ينبغى وضع ” الحكمة
” بدل ” أنا”.

 

وبما
ان الابن حكمة الحكيم، جوهر الجوهر، هكذا تكون صورة الجوهر مشابهة. ولهذا تدرك
الحكمة، التى هى الابن، صورة الله الذى لا يرى. وهكذا تكون جميع الكلمات متطابقة
تماما: ” حكيم ” بدل “الله “،و ” صورة ” بدل ”
حكمة “، و ” أول ” بدل ” البدء “،و ” مولود ”
بدل ” ولد “، وبدل كل هذه العبارة ” خلقنى أولى طرقه من اجل أعماله
“،” ولدنى بكر كل خليقة “، و ” ” به خلقت ” بدل
” أقامنى “، و ” كل شى به وله ” بدلا من ” بواسطتى
“. فمن الواضح اذا، ان أولئك الذين، على الرغم من انهم عارفون أن الابن صورة
الله الذى يرى، يفترون بسفاهة، على التشابه فى الجوهر بين الابن والاب، فانهم
يستوجبون الخزى والعار من الجميع. لان ليس بولس وحده، بل ان يوحنا قلبه، ابن
الرعد، قد أعلن بصورة مماثلة، الفكرة الصحيحة حول الابن، الذى كانت الحكمة قد
ظللته حتى غطته، كما فى الغمام.

 

لنلاحط
ان ما تعلمناه من الحكمة، قد نشره يوحنا فى انجيله الذى بشرنا به. فحيث تقول
الحكمة: ” خلقنى أولى طرقه منذ البدء ” 148، أشار هو ” فى البدء
“، قائلا: ” فى البدء كان الكلمة ” 149، وبدلا من ” خلقنى
” 150، كتب و ” الكلمة هو الله ” 151. لكى نعتقد ان الله الكلمة،
قد انبثق من دون الم من الاب، ليس بامتداد بل بجوهر ثابت ؛ وبدلا من ” ”
كنت عنده ” 152، كتب ” كان لدى الله ” 153. بدلا من ” بى
الاشياء منذ البدء ” 154، كتب ” به كان كل شىء وبدونه ما كان شىء مما
كان ” 155 ؛ وبدلا من ” أقامنى ” 156، كتب ” فيه كانت الحياة
” 157، وهذا ما يعادل تماما ” فيه خلق كل شىء ” 158. وكلماته
” والكلمة صارة جسدا ” 159 تتناسب مع ” الحكمة بنت بيتها ”
160. وعوضا عن ” كنت عنده مهندسا ” 161،كتب ” لا يستطيع الابن أن
يعمل شيئا من عنده، بل لا يفعل الا ما يرى الاب يفعله. فما فعله الاب يفعله الابن
على مثاله ” 162.

هكذا
اذا، لدينا من أفواه شاهدين أو ثلاثة، الشهادة التى تبرهن مشابهة الابن مع الاب
حسب الجوهر 163. فان واحدهم يقول، ان الابن هو حكمة الحكيم، والاخر ان كلمة الله
هو الله الابن الوحيد، والثالث يقول، ان ابن الله صورة. وبنا على ذلك، يعلن الجميع
الى الجميع، ان كلمة الله، الحكمة والصورة – كما قلنا – ابن الله الاب، مشابه له
الجوهر.

 

والافضل
من كل هذا، ان اللوغوس يجعلنا نلمس باليد، كما فعل توما 164، حقيقة مشابهته
الجوهرية، عندما يقول: ” فكما ان الاب له الحياة فى ذاته، فكذلك أعطى الابن،
أن تكون له الحياة فى ذاته ” 165.

 

ولا
ينبغى قطعا فهم هذه الجملة ” كما ان الاب له “، كما لو ان الحياة هى فى
اخر لانه لا يجب علينا ان نعتقد البتة، ان الاب شىء، والحياة التى فيه شىء اخر،
الواحد مالك والاخرى مملوكة، بل ان الاب نفسه هو حياة، دون ان يكون، نتيجة ذلك،
مركبا. وكما انه يملك اعطى الابن ان يقتنى، أى دون ان يكون مركبا مثل الاب.
انطلاقا من هذا يبدوا واضحا، ان الابن يملك الحياة مثل الاب، لكن ليس دون ان يكون
مولودا، بل دون ان يكون مركبا، ويملكها هو، اذا فى الجوهر، ودون ان يكون مركبا مثل
الاب. ومن ناحية اخرى، لمن الجلى، ان التشابه لا يمكنه ان يكون مطابقا تماما، لمن
هو شبيه له، ومثالا على ذلك ابن الله، الذى جعل مشابها للانسان، صار انسانا، لكن
دون ان يتماهى بالتمام مع الانسان.” حققه فى جسد يشبه جسدنا الخاطى ”
166: كان عرضة للشهوات والمشاعر، التى تسبب سقوط الجسد – كالجوع والعطش والاشياء
الاخرى -، ولكنه لم يتماه مع الجسد الخاطىء بالكلية. وهكذا تعلن شهادة رسولية،
مشابهة الابن بالاب حسب الجوهر.

 

فى
الواقع عندما صار الابن مشابها للانسان، كان انسانا، ولكن ليس فى كل شىء. كان
انسانا لانه اتخذ الجسد البشرى، لان ” الكلمة صار جسدا ” 167. ولكنه لم
يكن انسانا لانه لم يولد مثل بقية البشر: فقد ولد، فى الواقع،من دون زرع ولا
اتصال. هكذا ايضا، ان الابن الكائن قبل الدهور هو الله، من حيث انه ابن الله، كما
انه انسان من حيث انه ابن الانسان،. لكنه غير متماه والله الاب الذى ولده، كما انه
غير متماه والانسان، لانه ولد، من حيث هو اله، من دون سيلان ولا الام،كما انه
ولد،من حيث هو انسان، من دون زرع ولا لذة جماع. صار مشابها للجسد الخاطىء لانه كان
فيه، عرضة للجوع والعطش والنعاس، أى عرضة للاهواء التى تدفع الاجساد نحو
الخطيئة،وعلى الرغم من انه خضع لشهوات الجسد هذه، الا انه لم يقترف اى خطيئة. هذا
هو الابن، الذى هو ابن الله وفى صورة ومساو لله 168، وله صفات الالوهية كلها، فهو
كان لا جسديا فى الجوهر، ومشابها للاب فى الالوهية والربوبية واللامادية والفعل.,

 

فكما
انه مشابه للجسد من حيث هو انسان وخاضع للاهواء الجسدية، ولكنه غير متماه معه،
فكذلك هو مشابه لله من حيث هو اله، ولكنه ليس فى صورة الاله، بل فى صورة الله،
وليس مساويا للاله، بل الله 169. وهو يملك الالواهية منذ البدء مثل الاب وكما انه
لم يجر نحو الخطيئة كانسان، لكنه سلك بطريقة مماثلة للانسان فى الفعل، كذلك ”
فما يفعله الاب، يفعله الابن على مثاله ” 170. كما انه هنا، حركته الاهواء
الجسدية ليس على الطريق الخطيئة، فكذلك انه ليستحيل ان يكون مشابها للبشر، لنا نحن
البشر حسب الطبيعة، وهذا مضاد للطبيعة بالنسبة اليه، هو الذى مر من حالة طبيعة،
الى اخرى غير طبيعة، اى من ماله صار انسانا. والا يكون فى مقام طبيعته، مشابها
للاب حسب الطبيعة، وهو الاله المولود من اله. لذا فمن الواضح، ان الذين يرفضون ان
يكون الابن مشابها للاب حسب الطبيعة،لا يعتبرونه ابنا بل مجرد خليقة، ولا يعتبرون
الاب ابا بل خالقا، بينما لا يحمل تصور شبيه الى التماهى بين الاب والابن، بل الى
التشابه حسب الجوهر، الى حقيقة وواقعية ولادته، التى لا توصف من الاب من غير الم.
فكما انه مشابه للانسان وللجسد الخاطىء – وهنا نكرر دائما ما قيل سابقا -، فصار
الابن ليس منماهيا مع الانسان، بل مشابها له حسب جوهر الجسد، فكذلك لم يصبح الابن،
بما مشابه للاب الذى ولده فى الجوهر، متماهيا فى الجوهر مع الاب، بل مشابها له.
171

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى