اللاهوت المقارن

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

لا خلاص إلا بدم المسيح وحده

5 لا
خلاص إلا بدم المسيح وحده

6 شروط
الخلاص بدم المسيح

7 1- شرط
الإيمان

8 أ- ما
هو الإيمان؟

9 ب-
الإيمان والمحبة

10 ج-
المؤمنون و المُختارون

11 2-
أهمية المعمودية للخلاص

12
ممارسة المعمودية منذ البدء

13 شرح
“أهمية المعمودية” لاهوتياً

14 أ-
بدأ الخلاص بالموت

15 ب-
يستمر الخلاص بالموت

16 ج-
يتم الخلاص بالموت

17
الأسرار اللازمة للخلاص

18 1- سر
المسحة المقدسة

19 2- سر
الإفخارستيا | التناول

20 3- سر
التوبة

21
الأعمال الصالحة

 

5- لا خلاص إلا بدم
المسيح وحده

لا إيمان ولا أعمال
بدون هذا الدم. ان الإيمان هو إيمان بدم المسيح، والأعمال هى أعمال مؤسسة على
استحقاقات دم المسيح. وكما يقول الرسول بولس: (بدون سفك دم لا تحدث مغفرة) (عب 9:
22).

فما هو اذن مركز دم
المسيح في قضية الخلاص؟ وما هو مركز الايمان..؟ وما هو مركز الأعمال؟

 

الأعمال بدون دم المسيح

لا يوجد خلاص الا بدم
المسيح، جميع الأعمال الصالحة مهما سمت، مهما علت، مهما كملت، لا يمكن أن تخلص
الانسان بدون دم المسيح.

 

لذلك فان الأبرار الذين
أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة في العهد القديم، انتظروا هم أيضا في الجحيم الى أن
أخرجهم منه السيد المسيح بعد صلبه.

 

ان الأعمال الصالحة
وحدها لا يمكن أن تخلص الانسان بدون الايمان بدم المسيح والا كان الوثنيون ذوو
الأعمال الصالحة يخلصون بأعمالهم!! حاشا.

 

وكقاعدة عامة أقولها
لكم:

 

جميع الآيات التي وردت
في الكتاب المقدس تهاجم الأعمال، هى عن الأعمال وحدها بدون دم المسيح، أو عن أعمال
الناموس (الخاصة بشريعة العهد القديم)

 

لذلك عندما يقول
الرسول: (لا بأعمال في بر عملناها) (تى 3: 5)، أو عندما يقول: (ليس من أعمال كيلا
يفتخر أحد) (أف 2: 9) انما يقصد الأعمال وحدها بدون دم المسيح. وهكذا ان وجد انسان
يعمل أعمالا صالحة، وهو غير مؤمن، فان بر الناموس هذا لا يفيده شيئاً وأعماله
الصالحة وحدها لا تخلصه بدون الايمان.

 

مثل هذا الشخص غير
المؤمن، تقول له: ان أعمالك كلها لا تكفئ آمن بالرب يسوع فتخلص.

 

هناك فرق جوهرى أساسى
بين الكلام الذي يقال للمؤمن، والكلام الذي يقال لغير المؤمن. في حديثك مع غير
المؤمن، يجب أن تحطم جميع الأعمال، كلها بدون دم المسيح لا تفيد شيئا، مثل هذا
تقول له: أن أعمالك لا تخلصك.. الذي يخلصك هو دم المسيح. ان دم المسيح هونقطة
البدء في موضوع الخلاص.

 

ولكن بعد أن يؤمن،
ينبغى أن تحدثه عن الأعمال الصالحة التي تليق بايمانه، لأن الايمان بدون أعمال
ميت. (يع 2: 20)

 

لماذا لا يكون الخلاص
الا بدم المسيح..؟

1- الخطية هى عصيان
لله، وتعد على حقوقه، وعدم محبة له..

 

والله غير محدود، اذن
فالخطية غير محدودة لأنها موجهة ضد الله غير المحدود.

 

ومهما عمل الانسان فان
أعماله محدودة، لذلك لا تغفر الخطية الا كفارة غير محدودة..

 

ولا يوجد غير محدود الا
الله. لذلك لم يكن هناك حل لمغفرة الخطية سوى أن يتجسد الله ذاته ويموت. ويكون
موته كفارة غير محدودة، توفى عدل الله غير المحدود، في الاقتصاص من الخطية غير
المحدودة. الموجهة ضد الله غير المحدود.

 

2- هذا الكلام ينطبق
على خطيئة آدم كما ينطبق على خطية أى انسان، لأن الخطية هى الخطية، وعدل الله هو
هو، وعقاب الخطية تفتقدنا، وقد افتقدنا فملا وخلصتنا بدم المسيح الذي به وحده
الخلاص.

 

3-من أجل هذا قال
معلمنا بولس الرسول: (متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه
الله كفارة بالايمان بدمه لاظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السابقة) (رو 3:
25). وقال أيضا: (الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى
القصد والنعمة التي أعطيت لنا) (2 تى 1: 9)

 

وقال أيضا: (لا بأعمال
في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح
القدس) (تى 3: 4، 5). وقال أيضا: (لأنكم بالنعمة مخلصون، بالايمان. وذلك ليس منكم،
هو عطية الله. ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد) (أف 2: 8).

 

وقال أيضا: (فان كان
بالنعمة، فليس بعد بالأعمال، والا فليست النعمة بعد نعمة) (رو 11: 6).

 

اننا نورد هذه الآيات
التي يستخدمها البروتستانت، ولا نخبئها، لأننا لا ننكر نعمة الله علينا، ولا ننكر
خلاص الله المجانى الذي أعطاه لنا، ولا ننكر أننا كنا كلنا (أمواتا بالذنوب
والخطايا (أف 2: 1).

 

ولولا دمه الأقدس
لهلكنا جميعاً.

 

ولكننا نضع هذه الآيات
في موضعها الحقيقى، ونعترف أننا خلصنا بدم المسيح.

 

4-ولكننا نقول أن دم
المسيح شئ، واستحقاق دم المسيح ش آخر. ان دم المسيح كاف لمغفرة خطايا العالم كله،
فهل حظى العالم كله بالغفران؟!

 

لقد (أحب العالم حتى
بذل ابنه الوحيد) (يو 3: 16) فهل خلص العالم كله بهذا البذل، أم خلص فقط (كل من
يؤمن به)؟

 

اذن فدم المسيح موجود،
مستعد، مستعد أن يخلص، وكاف للخلاص، ولكن للخلاص شروطا يجب ان تستوفى حتى يكون
الخاطئ مستحقا لهذا الدم الذي به الخلاص.

 

وهكذا أيضا يقول يوحنا
الحبيب فى رسالته الأولى عن المسيح أنه (كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل
لخطايا كل العالم أيضا) (1 يو 2: 2) كفارة المسيح اذن غير محدودة تكفى لمغفرة جميع
الخطايا لجميع الناس في جميع الأجيال، في الماضى وفى الحاضر وفى المستقبل.

 

ولكن مع وجود دم المسيح
هناك أشخاص هلكوا، وأشخاص يهلكون، وأشخاص سيهلكون! ذلك لأن استحقاقات دم المسيح
لها شروط معينة.

 

6- شروط الخلاص بدم
المسيح

أريد من جهة هذه الشروط
أن أضع أماكم أربعة أمور جوهرية جداً وهى:

1- الايمان

2- المعمودية

3- الأسرار الكنسية
اللازمة للخلاص

4- الأعمال الصالحة

 

7- شرط الإيمان

والإيمان شرط أساسى
لاستحقاق دم المسيح. وهكذا قال السيد المسيح عن نفسه: (.. لكى لا يهلك كل من يؤمن
به بل تكون له الحياة الأبدية) (يو 3: 16).

 

وتظهر أهمية هذا الشرط
لاستحقاق دم المسيح، من قول الكتاب في نفس الإصحاح من فم السيد المسيح نفسه:

 

(الذى يؤمن به لا يدان.
والذى لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد) (يو 3: 18)

 

ويظهر هذا الشرط أيضا
من قول يوحنا الرسول في خاتمة إنجيله: (.. وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو
المسيح هو ابن الله، ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه) (يو 20: 31). هناك شرط
إذن وهو أن الخلاص يكون لكم إذا آمنتم.

 

وبهذا وعظ بولس الرسول
في أنطاكية قائلا: (.. انه بهذا ينادى لكم بغفران الخطايا. وبهذا يتبرر كل من
يؤمن..) (أع 13: 38، 39).

 

وقد وضح ربنا يسوع
المسيح أنه بدون شرط الإيمان هذا لا يمكن أن يكون خلاص بقوله لليهود:

 

(إن لم تؤمنوا إني أنا
هو تموتون في خطاياكم) (يو 8: 24).

 

ما أخطر هذه العبارة
(تموتون فى خطاياكم)! دم المسيح موجود، قادر أن يخلص. ولكنه لا يمكن أن يخلصك
بدونك.

 

يجب أن تقدم شرط
الإيمان، لكى تخلص بدم المسيح. إنه الشرط الأول، ولكنه ليس الشرط الوحيد. إنه الخطوة
التى تؤهلك للمعمودية.

 

شرط الإيمان هذا ورد في
قول بولس وسيلا لحافظ السجن (آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك) (أع 16: 31).

 

8- ما هو الإيمان؟

إن كلمة الإيمان كلمة
واسعة جداً جداً، تدخل فيها أمور كثيرة. وإن كان بولس الرسول قد قال اننا (قد
تبررنا بالإيمان) (رو 5: 11) فماذا يقصد بهذا الايمان قد تبررنا به؟

 

لذلك يضع بولس الرسول
أمامنا سؤالا خطيراً جداً في موضوع الايمان. اذ يقول (جربوا أنفسكم، هل أنتم في
الإيمان..؟ امتحنوا أنفسكم) (2 كو 13: 5) إذن لابد أن نختبر أنفسنا ونرى هل نحن
حقا في الإيمان أم لا. ما هو هذا الإيمان..؟

 

إيمان حى..

ان الايمان اللازم
للخلاص لابد أن يكون ايمانا حياً. وهذا الأمر وضحه على أكمل وجه معلمنا يعقوب
الرسول اذ قال: (ان الايمان بدون أعمال ميت) (يع 2: 20) وكرر هذا المعنى قائلا:
(لأنه كما أن الجسد بدون الروح ميت، هكذا الايمان بدون أعمال ميت) (يع 2: 26).

 

ومثل هذا الإيمان
الميت، أى الخالى من الأعمال، لا يقدر أن يخلص أحدا. وهكذا يقول معلمنا يعقوب
الرسول: (ما المنفعة يا اخوتى إن قال أحد أن له إيمانا ولكن ليس له أعمال؟! هل
يقدر الإيمان أن يخلصه؟!) (يع 2: 14)

 

حقا أن الرسول قد قال
اننا قد تبررنا بالايمان. ولكن هذا الايمان له صفتان هامتان. ايمان حى وايمان
عامل. وفى هاتين الصفتين كلتيهما نرى الأعمال الصالحة.

 

ولا نظن أحداً من
البروتستانت – مهما أنكر الأعمال – يستطيع في أمر الخلاص أن يعلم بالايمان غير
العامل. فالرسول يقول: (أن الشياطين يؤمنون ويقشعرون) (يع 2: 19).

 

فهل تقصد بالإيمان أيها
الأخ ايمانا من نوع ايمان الشياطين الذين ليست لهم أعمال صالحة، وانما هم يؤمنون،
ويقشعرون من هول شرورهم وفسادهم؟!!

 

إن عبارة الحى العامل
قد تتسع فى مداها حتى تشمل الحياة الروحية كلها

 

كيف يمكن أن تشمل
الحياة الروحية كلها..؟ أميلوا آذانكم أيها الاخوة الأحباء إلى قول الرسول.

 

الإيمان العامل
بالمحبة..

قال بولس الرسول: (لأنه
في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة) (غل
5: 6) فماذا تعنى صفة (العامل بالمحبة) ما هى هذه المحبة، وكيف تكون؟

 

ان هذه المحبة شرحها
بولس الرسول، مستدلا عليها بجمهرة من الأعمال الصالحة، اذ قال: (المحبة تتأنى
وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ، ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها،
ولا تحقد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق، وتحتمل كل شئ، وتصدق كل
شئ، وترجو كل شئ، وتصبر على كل شئ) (1 كو 13: 4 – 7)

 

فاذا كان الايمان هو
هذا الايمان العامل بالمحبة، فانه سيشمل ولا شك هذه هذه الصفات كلها، وكلها أعمال.
هنا تبدو المسيحية في جوهرها، أنها ليست مجرد آية، وانما هى روح وحياة (يو 6: 63)
حقاً كما قال الكتاب أن الحرف يقتل ولكن الروح يحيى.. الحرف يقول لك أن هناك شيئا
اسمه الايمان. وأما الروح فيشرح لك كنه الايمان وانه يشمل الأعمال الصالحة كلها.

 

فهل اخوتنا المعارضون
يقصدون الإيمان بهذا المعنى الواسع الذي يشمل الحياة الروحية كلها.

 

الذى أشار اليه بولس
الرسول فى الاصحاح الحادى عشر من الرسالة إلى العبرانيين عند حديثه عن رجال
الإيمان..؟ أم هم يقصدون مجرد الإيمان خلوا من صفاته السابق ذكرها!؟

 

ان كان الأمر هكذا
فلنتناقش، لكى ما نرى هل يقدر هذا الايمان أن يخلصهم حسبما تعجب يعقوب الرسول.

 

9- الإيمان والمحبة

ان الذين يقولون أن
الإيمان وحده هو الذي يبرر الإنسان، ويوقفون الإيمان كعنصر قائم بذاته بعيدا عن
الأعمال، هؤلاء لا أوقفهم أنا، بل يوقفهم بولس الرسول أمام آية جبارة هى قوله: (أن
كان لى الإيمان حتى أنقل الجبال وليست لى محبة فلست شيئا) (1 كو 13: 2).. فهل
تريدون إيمانا أكثر من هذا..؟

 

وأنت أيها الأخ، مهما
ارتفعت فى الإيمان، ما هى أقصى درجة ستصل اليها..؟ هل ستصل إلى كل الإيمان الذي
ينقل الجبال..؟

 

صدقنى، حتى لو وصلت الى
هذه الدرجة أيضا، وليست لك محبة، فلست شيئاً! لا يستطيع هذا الإيمان أن يخلصك
أنت…! إن كان بولس الرسول بكل إيمانه ليس شيئا بدون المحبة، فكم بالأولى أنت.

 

لهذا فان الرسول وضع
المحبة فى درجة أعظم من الإيمان. اذ قال: (أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء
والمحبة، هذه الثلاثة وأعظمهن المحبة) (1كو 13: 13).

 

10- المؤمنون و
المُختارون

قلنا إن الإيمان ينبغى
أن يكون إيمانا حيا وإيمانا عاملا بالمحبة ولكن البعض يبالغ أحيانا في تعريف كلمة
المؤمنين، حتى ترادف كلمة (المختارين).

 

وهكذا ينادى أمثال
هؤلاء بأن المؤمن لا يمكن أن يهلك، وإذا سمعوا أو قرأوا عن مؤمن قد هلك يقولون أن
هذا لم يكن مؤمنا حسب مفهموهم الخاص!! لا شك أن المختارين لا يمكن أن يهلكوا. ولكن
من قال أن المؤمنين هم المختارين؟!

 

إن الكتاب المقدس
أعطانا معانى كثيرة لكلمة الإيمان: فذكر مرة: الشياطين يؤمنون ويقشعرون (يع 2:
19). وقال بولس الرسول في تعريفه للايمان أنه هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا
ترى (عب 11: 1).

 

وقد شرح لنا الكتاب أن
هناك نوعا من الإيمان الميت.

 

ومع انه ميت إلا أن
الرسول سماء إيمانا. كما أعطانا مثلا عن الإيمان الخالى من الأعمال الذي لا يقدر
أن يخلص أحداً، ألا أن الرسول سماء إيماناً

 

وقد ذكر الكتاب أن
الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله (رو 3: 12) فهل الجميع لم يكونوا مؤمنين،
وقد خلت الأرض من الإيمان؟! أم أن الله أطلق لقب الإيمان حتى على الذين يخطئون وهم
مؤمنون.

 

أن أمثال هؤلاء الخطاة
لم يحرمهم الرب من لقب المؤمنين.

 

فقد قال الرب على لسان
أرميا النبى (شعبى عمل شرين: تركونى أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم
آباراً، آباراً مشققة لا تضبط ماءاً.. شعبى قد نسينى أياماً بلا عدد) (أر 2: 13،
22) ومع كل هذا سماهم شعبه. كما قال على لسان أشعياء النبى: (ربيت بنين ونشأتهم
أما هم فعصوا على) (أش 1: 2) فعلى الرغم من عصيانهم سماهم بنين. ويذكرنا هذا بما
قاله عن الابن الضال (ابنى هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد) (لو 15: 24).

 

فعلى الرغم من ضلاله
وموته الروحى سماه ابنا.

 

وفيقول الرسول (وان كان
لى كل الإيمان حتى أنقل الجبال وليست لى محبة فلست شيئاً) (1 كو 13: 2) دليل آخر
على إطلاق حالة الإيمان على الإنسان الخالى من المحبة الذي هو ليس شيئا ً.

 

بل ان الرب أطلق لقب
المؤمنين على الذين يشبهون البذار التي سقطت على الصخر ولما نبتت جفت. فقال:
(والذين على الصخر هم الذين على الصخر ولما نبتت جفت. فقال: (والذين على الصخر هم
الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح وهؤلاء ليس لهم أصل، فيؤمنون إلى حين، وفى وقت
التجربة يرتدون) (لو 8: 6، 13).

 

وطبعا هؤلاء المرتدين
لا يمكن أن نسميهم مختارين مع أن السيد المسيح له المجد فيهم بأنهم كانوا مؤمنين
إلى حين. ويشبه هؤلاء طبعاً الذين قال عنهم الرسول: (ولكن الروح يقول صريحا أنه فى
الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين) (1تى 4:
1). وطبعا هؤلاء لا يمكن أن نسميهم مختارين مع انهم عاشوا في الإيمان قبل أن
يرتدوا.

 

لعله قد وضح الآن كثيرا
بأن هناك فرقا بين الكلمتين. إن كل المختارين مؤمنون ولكن ليس كل المؤمنين
مختارين، إذ قد يرتد بعضهم عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين.

 

على أن هذه النقطة أيها
الأحباء لنا رجعة إليها بعد حين،نتركها الآن قليلا لكى نتحدث عن الشرط الثانى
للخلاص والمدخل الأساسى له وهو المعمودية.

 

11- أهمية المعمودية
للخلاص

تظهر أهمية المعمودية
من قول السيد المسيح لنيقوديموس (الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق، لا
يقدر أن يرى ملكوت الله) (يو 3: 3). وقد شرح معنى هذه الولادة، فأجاب على سؤال
نيقوديموس بقوله (الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر
أن يدخل ملكوت الله) (يو 3: 5)

 

وهذه آية صريحة تعنى
أنه بدون المعمودية لا يقدر الإنسان أن يدخل الملكوت، ولا يقدر أن يعاينه. وبهذا
يكون الخلاص عن طريق المعمودية التي يمهد لها الإيمان.

 

وهكذا قال السيد المسيح
في صراحة ووضوح (من آمن واعتمد خلص) (مر 16: 16) وهكذا أيضا عندما أرسل تلاميذه
لنشر ملكوته على الأرض قال لهم (فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب
والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به)

 

(مت 28: 19، 20) وهذه
الآية تدل على أن الخلاص يلزمه الإيمان الذي يأتى بالتلمذة، والمعمودية تدل على أن
الخلاص يلزمه الإيمان الذي يأتى بالتلمذة، والمعمودية التي هى الباب المباشر،
والأعمال الصالحة بحفظ الوصايا. فلو كانت المعمودية غير لازمة للخلاص، لكان يكفى
أن يقول الرب لتلاميذه: (اذهبوا وبشروا بالإيمان) بدون ذكر للمعمودية..

 

ومعلمنا بولس الرسول
يشرح كيف أن الخلاص يكون بالمعمودية، وكيف أنها هى الميلاد الثانى، بقوله في
رسالته إلى تلميذه تيطس أسقف كريت، حيث يقول (ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله
واحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى
وتجديد الروح القدس) (تى 3: 4، 5).

 

12- ممارسة المعمودية
منذ البدء

هذا المبدأ أسسه السيد
المسيح (من آمن واعتمد خلص) اتبعته الكنيسة منذ البدء، ففى يوم الخمسين بعد أن وقف
بطرس الرسول رافعا صوته بكلمة الإيمان، ونخس السامعون في قلوبهم، (قال لهم بطرس:
توبوا ليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح
القدس) (أع 2: 37، 38) وهذه الآية صريحة في أنه يكون بالمعمودية مغفرة الخطايا.
وكيف يخلص الإنسان بدون مغفرة خطاياه؟! إذن فالمعمودية لازمة لخلاص الإنسان، فبها
تغفر خطاياه. وبها يمهد لقبول الروح القدس.

 

وعطية الروح القدس،
ننالها فى السر الثانى من أسرار الكنيسة، سر المسحة المقدسة، أو سر الميرون.
والآية السابقة تدل على هذه المعانى كلها.

 

فى يوم الخمسين بعد أن
تكلم بطرس عن المعمودية (قبلوا كلامه بفرح، واعتمدوا، وانضم في ذلك اليوم نحو
ثلاثة ألاف نفس)

 

فلو كان الإيمان وحده
يخلص الإنسان ماذا كانت الحاجة إلى أن يعتمد في يوم واحد 3000 نفس؟! ما كان أسهل
أن يقول لهم الرسل: (ما دمتم قد آمتم أيها الأخوة، فاذهبوا على بركة الله، هذا
يكفى، لقد خلصتم وانتهى الأمر..)!!

 

وهكذا نرى أيضا أن
الخصى الحبشى بعد أن آمن على يد فيلبس، قال له مباشرة ماذا يمنع أن أعتمد؟) (أع 8:
36). وهكذا نزل به فيلبس إلى الماء فعمده.. وذهب في طريقه فرحاً.

 

وسجان فيلبي الذي آمن
على يدى بولس وسيلا (اعتمد في الحال هو والذين له أجمعي) (أع 16: 33).

 

وكرنيليوس أيضا الذي
ظهر له ملاك الله، وقال له صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارا أمام الله، هو أيضا بعد أن
كلمه بطرس بكلمة الحياة، وبعد أن حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون
الكلمة (حينئذ أجاب بطرس: أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين
قبلوا الروح القدس كما نحن أيضا وأمر أن يعتمدوا باسم الرب) (أع 10: 47، 49).

 

وليديا بائعة الأرجوان،
لما آمنت على يد بولس الرسول (اعتمدت هى وأهل بيتها) (أع 16: 15)

 

جميلة تلك العبارة التي
قالها بولس الرسول عن العماد (لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح)
(غلا 3: 27). اذن في المعمودية يلبس الإنسان المسيح. أى خلاص أعظم من هذا..

 

أن المعمودية هى الباب الذي
يدخل منه الإنسان إلى الخلاص، والإيمان تمهيد لها.

 

نقول هذا لأن كثيراً من
البروتستانت يظنون أن الإنسان يكفيه أيمانه ليخلصه..! أو يظنون أن الميلاد الثانى
يأتى بالإيمان وليس بالمعمودية! لا يرون أن المعمودية هى الميلاد الثانى، على
الرغم من صراحة الآية بغسل الميلاد الثانى (تى 3: 5)!!

 

وأيضا على الرغم من قول
الرسول في رسالته إلى أفسس (أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة
وأسلم نفسه لأجلها، لكى يقدسها مطهراً أياها بغسل الماء بالكلمة، لكى يحضرها لنفسه
كنيسة مجيدة لا دنس فيها) (أف 5: 25، 26).

 

(لكى يقدسها مطهراً
إياها بغسل الماء بالكلمة).. والبروتستانت العبارة معناها يقدسها بالكلمة! تاركين
ومن إليهم يدعون أن هذه عبارة غسل الماء كأن لا معنى لها..

 

ان (الكلمة) هنا تعنى
التبشير. فماذا تعنى عبارة (غسل الماء)؟ تعنى المعمودية التي يصل إليها الإنسان
بالتبشير أى بالكلمة. وهكذا تنطبق وصية السيد المسيح (تلمذوهم.. وعمدوهم..).
(تلمذوهم) بالكلمة. (وعمدوهم) بغسل الماء.

 

13- شرح “أهمية
المعمودية” لاهوتياً

ما هو جوهر التعليم
المسيحى عن المعمودية كوسيلة للخلاص. لماذا هى لازمة للخلاص؟ ولماذا لا يمكن لأحد
أن يخلص بدونها؟ المسألة واضحة جداً، نشرحها فيما يلى:

 

يقول الكتاب (أجرة
الخطيئة هى موت) رو 6: 23) اذن لابد من الموت، ولابد أن طريق الخلاص يبدأ بالموت..
ويستمر الخلاص بالموت.. وآخر مرحلة للخلاص تأتى بالموت.

 

يبدأ الخلاص بالموت،
وينتهى بالموت، ويستمر بالموت، لأن أجرة الخطيئة هى موت.

 

فما معنى هذا الكلام؟

أ- بدأ الخلاص بالموت

ب- يستمر الخلاص بالموت

ج- يتم الخلاص بالموت

 

14- بدأ الخلاص بالموت

بدأ الخلاص بموت المسيح
على الصليب، حيث دفع ثمن الخطيئة،

واشترانا بدمه. وكيف
يصل إليك الخلاص؟ يصل إليك بالموت. وكيف ذلك..؟ المسيح بموته أعطى الخلاص.

 

ولكى يكون لك أنت نصيب
في هذا الخلاص، لابد أن تشترك مع المسيح في موته:

 

تموت مع المسيح، وتقوم
معه، لكى تتمجد معه. ولذلك يقول بولس الرسول (لأعرفه وقوة قيامته وشركة الامه،
متشبها بموته) (فى 3: 10).

 

إن لم تدخل في هذا
الموت، يلحقك الموت الثانى الذي هو العذاب الأبدى في بحيرة النار (رؤ 20: 14)

 

وكيف تدخل في هذا
الموت؟ كيف تشترك مع المسيح في موته؟ إن ذلك يتم بالمعمودية. ولهذا يقول بولس
الرسول (أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته. فدفنا معه
بالمعمودية للموت.. (رو6: 3، 4).

 

وموتنا مع المسيح،
ودفننا معه، هو الذي يجعلنا نشترك معه في أمجاد قيامته. ولذلك يقول بولس الرسول
(لأنه ان كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضا بقيامته.. فان كنا قد متنا
مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضا معه) (رو 6 5، 8).

 

نلخص الموضوع اذن في
الكلمات الآتية:

أجرة الخطيئة هى موت.
فلابد أن يموت الإنسان ويدفن.. ولكن المسيح قد مات عنا. وعلينا أن نشترك معه في
موته، حتى لا نكون بعيدين عن استحقاقات موت المسيح.

 

لا يجوز أبداً أن نترك
المسيح يموت وحده عنا، دون أن نشترك معه في موته، أو على الأقل نتشبه بموته، ندخل
في شركة آلامه متشبهين بموته) وهكذا قال الرسول: (متنا معه.. دفنا معه.. قد صرنا
متحدين معه بشبه موته.. انساننا العتيق قد صلب معه.. فان كنا قد متنا مع المسيح
نؤمن أننا سنحيا أيضا معه) (رو 6: 3 – 8)

 

وهذا الموت شرحه الكتاب
أنه يتم بالمعمودية. نغطس فيها تماما كأننا ندفن في جرن المعمودية، كما قال بولس:
(دفنا معه بالمعمودية للموت) (رو 6: 4). ثم نقوم من هذا الماء في جدة الحياة)
(عالمين هذا أن انساننا العتيق قد صلب ليبطل جسد الخطيئة).

 

المعمودية إذن لازمة
للخلاص، لأنها شركة في موت المسيح، لأنها إيمان بالموت كوسيلة للحياة، واعتراف بأن
أجرة الخطيئة هى موت.

 

إن الذين يقولون أن
الخلاص يتم بمجرد الإيمان وحده، بدون معمودية، لم يفهموا بعد ما هو الإيمان.
فلنحاول أن نناقش الأمر معا لنفهمه.

 

ما هو الإيمان..؟ هو أن
تؤمن أن الخطيئة أجرتها الموت، وتؤمن أن المسيح قد مات عنك، وتؤمن أنك يجب أن تموت
معا لتحيا أيضاً معه.. وهكذا يقودك الإيمان إلى ما قلناه:

 

قلنا أن الخلاص قد بدأ
بالموت. موت المسيح. هذا هو الخلاص الذي قد قد دفع ثمنه، وقلنا أننا بدأنا أن نحصل
على هذا الخلاص بالموت، إذ متنا مع المسيح ودفنا معه بالمعمودية. هذا هو الخلاص
الذي نلناه.

 

نقول أيضاً أن هذا
الخلاص يستمر بالموت.

 

15- يستمر الخلاص
بالموت

وهكذا يقول بولس
الرسول: (كذلك أنتم أيضاً، أحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطيئة، ولكن أحياء لله
بالمسيح يسوع.. إذن لا تملكن الخطيئة المائت لكى تطيعوها في شهواته) (رو 6: 11،
12)

 

هذا الكلام جميل جداً،
يشرح لنا الإيمان الأرثوذكسى تماما (لا تملكن الخطيئة في جسدكم المائت). لقد دخلنا
الخلاص بالموت. ولابد أن يستمر جسدنا مائتاً عن الشهوات العالمية. وطالما هو مائت،
فان الخلاص يسرى فيه. أما أن بدأت شهوات الجسد تقوم من هذا الموت وتتحرك، فاننا
نكون حينئذ عرضة لأن نفقد الخلاص، لأن الخلاص لا يتم إلا بالموت.

 

لذلك فاننا نصلى إلى
الله في قطع الساعة التاسعة ونقول: (أمت حواسنا الجسمانية أيها المسيح الهنا
ونجنا)

 

ولعل هذا تنفيذ لقول
الكتاب: (ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون) (رو 8: 13).

 

ألا يقول بولس الرسول:
(إذن الموت يعمل فينا) (2كو 4: 12).

 

وهكذا يقول بولس الرسول
أيضا (لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت من أجل يسوع، لكى تظهر حياة يسوع أيضا
فى جسدنا المائت) (2 كو 4: 11). ويقول أيضا ً: (إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت
بسبب الخطيئة،وأما الروح فحياة بسبب البر) (رو 8: 10).

 

كما يقول أيضاً: أننا
من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح) (رو 8: 36). وهكذا نعيش (حاملين
في الجسد كل حين اماتة الرب يسوع، لكى تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا) (2 كو 4:
10).

 

إذن طالما نسير في طريق
الخلاص لابد ان يكون الجسد ميتاً عن الخطيئة، لابد أن يعمل الموت فينا.

 

انسان يقول إنه قد خلص،
وهو يحب العالم أو الأشياء التي في العالم، هذا بالحقيقة واهم (لأن محبة العالم
عداوة لله) (يع 4: 4).

 

إن الخلاص يستمر
بالموت، موت أعمال الجسد، موت شهوات الجسد،؟ موت عن العالم والمادة وطلباتها
المحاربة للروح.

 

ما معنى (نخلص
بحياته)..؟

هنا تقف أمامنا الآية
التي تقول: (لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيراً
ونحن مصالحون نخلص بحياته) (رو 5: 10). ما معنى (نخلص بحياته)؟

 

أما أن يكون معناها
أننا نخلص بحياته كشفيع، ككاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق (يقدر أن يخلص أيضا
إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حى كل حين ليشفع فيهم) (عب 7: 25).
فنحن نخلص بحياته كشفيع. لأننا باستمرار نخطئ. وإن أخطأنا (فلنا شفيع عند الآب،
يسوع المسيح البار) (1 يو 2: 1)

 

ونلاحظ هنا أن استمرار
شفاعة المسيح فينا، معناه استمرار احتياجنا إلى الخلاص في كل حين، واستمرار عمل
الخلاص فينا.

 

على أن هناك معنى جميلا
ً آخر لعبارة نخلص بحياته. وهو قول بولس الرسول: (مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا بل
المسيح يحيا فى) (غلا 2: 20) يقول: (مع المسيح صلبت)، هذا هو الموت (صلب الجسد مع
الأهواء والشهوات) كما يقول الرسول (غل 5: 24).

 

بهذا نخلص، عندما يكون
المسيح هو الذي يحيا فينا. وعبارة (أحيا لا أنا) معناها تسليم الإرادة تسليماً كاملاً
للرب. بحيث يقول الإنسان باستمرار: (لتكن لا ارادتى بل ارادتك). يكون كأنه ميت،
غير موجود، يحيا لا هو، بل المسيح هو الذي يحيا فيه.

 

يقول للمسيح: اننى أخلص
بموتك، وأخلص بحياتك فى) وهذه هى الفكرة السليمة عن الخلاص في المفهوم الأرثوذكسى:

 

نحن قد خلصنا بموت
المسيح عندما متنا معه في المعمودية. ونخلص أيضاً بحياة المسيح فينا، بتسليمنا
الكامل لمشيئته في حياتنا، قائلين مع الرسول: (أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى)

 

16- يتم الخلاص بالموت

قلنا أن الخلاص يبدأ
بالموت فى المعمودية، ويستمر بالموت عن شهوات العالم. فالى متى..؟

 

يقول الكتاب: (كن
أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة) (رؤ 2: 10).

 

وهكذا يستمر فيك، حتى
يموت الجسد فعلا. طالما أنت تميت أعمال الجسد، فأنت ما تزال سائراً فى الخلاص.
ومتى تصل إلى نهاية الطريق..؟

 

تصل إليها عندما تموت،
وتنقل إلى العالم الآخر.

أنت إذن ما تزال سائراً
في الطريق. فهل تقف في نصفه وتصيح قائلاً (قد خلصت)؟‍!

تواضع يا أخى، واستمع
إلى قول الرسول: (انظروا إلى نهاية سيرتهم) (عب 13: 7).

لا تفتخر باطلاً،
فكثيرون قد بدأوا بالروح وكملوا بالجسد (غل 3: 3).

على أننا سنعرض لهذا
الموضوع بالتفصيل إن شاء الله عندما نتكلم على اتمام الخلاص.

 

17- الأسرار اللازمة
للخلاص

هناك أسرار قد لا تلزمك
شخصياً لخلاصك. فأنت لا تتزوج، وإن كنت ثمرة لزواج. وقد لا تصاب بمرض تحتاج فيه
إلى سر مسحة المرضى. وقد لا تصير كاهناً وإن كنت تحتاج لسر الكهنوت ليقدم لك عمل
الروح القدس في الأسرار اللازمة لك شخصياً لخلاصك. فأنت يلزمك بلا شك سر
المعمودية، وقد تحدثنا عنه – كذلك يلزمك سر مسحة الروح القدس (الميرون)، وسر
التوبة، وسر الافخارستيا (التناول).

 

وسنتكلم الأن عن أهمية
كل من هذه الأسرار على حدة:

سر المسحة المقدسة

سر الإفخارستيا
“التناول”

سر التوبة

 

18- سر المسحة المقدسة

ولما دعا بطرس اليهود
للمعمودية، قال لهم: (توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران
الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس) (أع 2: 38). فما هى عطية الروح القدس هذه..؟
وهل هى لازمة في حياتنا للخلاص وما أهميتها وهل يمكن أن نخلص بدونها.

 

لا يمكن إطلاقا أن نخلص
بدونها، لأن حياتنا الروحية كلها هى عبارة عن استجابة إرادتنا لعمل الروح القدس
فينا. وإن كنا لا نأخذ عطية الروح القدس، فباطلة وهالكة هى حياتنا عن هذه النعمة
التي أخذناها من سر المسحة المقدسة نصرخ باستمرار ونقول: (روحك القدوس لا تنزعه
منا،) والا هلكنا.

 

إن حياتك الروحية لا
تعتمد مطلقا على ذراعك البشرى، وإنما هى شركة الروح القدس كما سنشرح في الفصل
الخاص بالجهاد والنعمة.

 

لابد إذن من سر المسحة
المقدسة، تلك التي تكلم عنها يوحنا الرسول فقال: (وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس
وتعلمون كل شئ) (وأما المسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن
يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهى حق) (1 يو 2: 20، 27).

 

لكى تعرف أهمية الروح
القدس لخلاصك، نسأل سؤالا وهو: هل تستطيع أن تحيا حياة روحية بدون عمل الروح القدس
فيك..؟ هل تستطيع أن تسير في طريق الخلاص بدون عمل الروح القدس معك..؟ لا يمكن.
إذن لابد من المسحة.

 

لذلك أهتم الرسل بعطية
الروح القدس للمؤمن، وكانوا ينالونها في بادئ الأمر بوضع أيدى الرسل، قبل أن
يستخدم الميرون.

 

نرى ذلك واضحاً في قصة
إيمان السامرة،

حيث اعتبرت مكملة
للايمان والعماد، يقول الكتاب: (ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قبلت
كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذان لما نزلا صليا لأجلهم لكى يقبلوا
الروح القدس؟ لأنه لم يكن قد حل بعد على أحد منهم، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب
يسوع. حينئذ وضعا الأيادى عليهم، فقبلوا الروح القدس) (أع 8: 14 – 17)..

 

إذن لم تكن المعمودية
كافية لأهل السامرة، بل كان لابد لهم أن يقبلوا الروح القدس.

 

نفس الكلام أيضاً. يمكن
أن يقال عن إيمان أهل أفسس.

 

لما ذهب بولس هناك وجد
تلاميذ. فقال لهم: (هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم..؟ قالوا له ولا سمعنا أنه
يوجد الروح القدس) (أع 19: 2، 3) إذ كانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا فقط. فلما
كلمهم بولس: (اعتمدوا باسم الرب يسوع. ولما وضع بولس يديه عليهم. حل الروح القدس
عليهم).

 

إننا بالمعمودية نشترك
مع المسيح في موته، وننال البنوة. وبالروح القدس نحيا الحياة اللائقة بنا كبنين
وكلا الأمرين لازم لخلاصنا.

 

19- سر الإفخارستيا |
التناول

لكى ندرك أهمية التناول
من جسد الرب ودمه، يكفى من باب الاختصار أن نذكر قول المسيح: (الحق الحق أقول لكم!
إن لم تاكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدى
ويشرب دمى، فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير.. من يأكل جسدى ويشرب دمى
يثبت في وأنا فيه) (يو 6: 53 – 58). هنا نرى الحياة الأبدية متعلقة بالتناول من
جسد الرب، بحيث أن الذي لا يتناول لا تكون له حياة، أى يهلك.. أتسأل بعد هذا عن
لزوم التناول للخلاص؟!

 

إن كنا أرثوذكسى ونؤمن
بالإيمان الأررثوذكسى، فنحن إذن نؤمن بما نقوله في القداس الإلهى عن جسد الرب الذى
نتناوله: (يعطى عنا خلاصاً وغفرانا للخطايا، وحياة أبدية لكل من يتناول منه) أيسأل
أحد ويقول: (هل ممكن الخلاص بدون تناول؟ أقول كلا، لا يمكن. لأن جسد الرب يعطى عنا
خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه.

 

فكيف نشرح هذا من
الناحية اللاهوتية..؟

إن المعمودية قد خلصتك
من الخطيئة الأصلية، وهذا هو الخلاص الأول الذي نلته. والمعمودية قد صيرتك ابنا
لله وجعلتك مستحقاً لنوال استحقاقات الدم. ولكنك في كل يوم تخطئ، وتحتاج أن تمحى
خطيئتك بالدم (إن قلنا أنه ليس لنا خطيئة، نضل أنفسنا وليس الحق فينا) (1يو 1: 8)
أنت إذن في كل يوم تخطئ وتحتاج إلى جسد المسيح المذبوح عنك. تحتاج إلى الذبيحة
المقدسة كفارة لخطاياك. وما الذبيحة المقدسة في سر الافخارستيا سوى امتداد لذبيحة
المسيح. لذلك لا يمكن أن تخلص من خطاياك بدونها، هذه التى تعطى عنا خلاصاً وغفرانا
للخطايا. كما أن بها نثبت في الرب كما قال.

 

قد يأتيك إنسان ويقول
لك: أتريد أن تخلص..؟ اطرح نفسك تحت قدمى المسيح، وقل له: افبلنى يا يسوع!! هذا
الكلام يا اخوتى يحتاج إلى اجراءات تنفيذية.. أتريد أن يقبلك المسيح..؟ هناك طريق
للخلاص يقبلك به: تموت مع المسيح وتدفن معه بالمعمودية فيقبلك. تمسح بالروح القدس
فيقبلك. تأكل جسده وتشرب دمه لكى تثبت فيه وهذا يقبلك. تعترف بخطاياك فيقبلك..

 

هذا هو الطريق العملى
الذي يقبلك بها الرب. أما أن تطلب منه قبولك دون أن تسير في طريقه الذي رسمه، فهذا
كلام لائق.

 

وبالمثل نقول عن عبارة
(سلم حياتكم ليسوع)..! ما أسهل أن يلفظ إنسان مثل هذا الكلام، وما اصعب أن
ينفذه..! هل تظنون تسليم الحياة شئ هين؟! إن كل جهادنا الروحى يتركز في هذه
العبارة (تسليم الحياة)! ففيها يسلم الإنسان إرادته للرب، ويسلم قلبه وعواطفه،
ويسلم الإنسان إرادته للرب، ويسلم قلبه وعواطفه، ويسلم عزيمته، ويسلم فكره.. أى
يعمل أعمالاً تليق بالتوبة.

 

وإن كنا نتكلم عن سر
الافخارستيا فلابد أن نسبقه بكلام عن سر التوبة.

 

20- سر التوبة

هل تلزم التوبة
للخلاص..؟ نعم بل انه بدون التوبة لا يكون لك خلاص.. لعلك تسأل: كيف هذا..؟ اننى
آمنت وتعمدت وتبررت… نعم انك قد تعمدت، ونجوت من الخطيئة الأصلية، ولكن ماذا عن
خطاياك الفعلية التي ترتكبها كل يوم، أين تهرب منها؟ وكيف تهرب منها؟

 

هل الإيمان والمعمودية
يجعلانك لا تخطئ بعدهما أبدأ؟! كلا بلا شك. هوذا يوحنا الرسول يقرر بأنه (إن قلنا
إنه ليس لنا خطيئة نضل أنفسنا وليس الحق فينا) (1 يو 1: 8). وذلك لأنه (ليس أحد
صالحاً الا واحد وهو الله) (مت 19: 17). لأننا لإى أشياء كثيرة نعثر جميعنا) (يع
3: 2) وليس أحد لا خطيئة ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض كما نصلى في أوشية
الراقدين.. فماذا نقول عن هذه الخطايا كلها..؟ كيف يخلص منها الإنسان..؟ أليس
بالتوبة..؟

 

لعل أحد يهمس في أذنك
قائلا: (آمن فقط.. آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك)..! إن هذه الآية أيها الأخ
الحبيب قد قلناها فيما مضى قبل المعمودية. أما عن خطاياك بعد المعمودية فينصحك
بخصوصها يوحنا الرسول قائلاً ك (إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا
خطايانا ويطهرنا من كل اثم) (1يو 1: 9). وعنها يقول الكتاب: (من يكتم خطاياه لا
ينجح.. ومن يقر بها ويتركها يرحم) (أم 28: 13).. من أجل هذا وضعت لنا الكنيسة
المقدسة سر التوبة.

 

فما دام الإنسان المؤمن
معرضاً للسقوط في كل وقت، ومعرضاً للهلاك بخطيئته على الرغم من إيمانه، وما دام
الإنسان في حرب دائمة ضد الخطيئة كثيراً ما يزل فيها ويعثر ويسقط كل يوم، لذل وضع
الله لنا التوبة نتجدد بها ونتطهر ونغتسل من خطيتنا. والتوبة عمل لا ينكر أحد من
البروتوستانت أهميته ولزومه ويدخل في التوبة الندم والنوح والاعتراف والعزيمة على
ترك الخطيئة، وكلها أعمال.

 

لا أقول أنه بالتوبة
وحدها يخلص الإنسان، فالتوبة بدون دم المسيح لا فائدة منها. ولكنى أقول ان التوبة
تجعل الإنسان مستحقاً لأن يغتسل وتطهر بدم المسيح فيخلص.

 

دم المسيح مثل كنز
عظيم، ولكننا نقترب إليه بالتوبة، ونأخذ منه فنغتنى. أما اذا لم نستعمل التوبة،
فان الكنز يبقى كنزا محتفظاً بقيمته، ونبقى نحن بعيدين عنه، فقراء نهلك جوعا0 حنان
الأب موجود، والثوب الجديد موجود والعجل المسمن موجود، ولكن على الابن الضال أن
يقترب الى الآب بالتوبة ليحظى بكل هذه.. فلنعترف اذن بأن: (الله أعطى الأمم التوبة
للحياة) (أع 18).

 

إن أهمية التوبة يوضحها
قول السيد المسيح له المجد: (إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون) (لو 13: 3).

 

فهذه الآية تدل على أن
التوبة وسيلة للخلاص تنجى من الهلاك، وتدل أيضا على أنه بدون التوبة يهلك الإنسان
الخاطئ. (فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة
الجهل) (أع 17: 30). وليس أن يتوبوا فقط، وإنما يتبع ذلك أيضاً أن يعملوا (أعمالا
تليق بالتوبة) (أع 26: 20).

 

هذه التوبة ينادى بها
الرسل والقديسين كوسيلة للخلاص من الهلاك المعد للخطاة.

 

فبطرس الرسول يقول عن
الله أنه (يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أناس، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة)
(2 بط 3: 9) فهنا مقابلة بين التوبة والهلاك، تعنى أن من يقبل إلى التوبة يخلص
وينجو من الهلاك، والعكس بالعكس..

 

وبولس الرسول يشرح
الغضب المعد لغير التائبين الذين يتعرضون لدينونة الله العادلة فيقول: (أم تستهين.
بغنى لطفه وامهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة.
ولكنه من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبا ليوم الغضب واستعلان دينونة
الله العادلة الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله) (رو 2: 4 – 6)

 

هذه التوبة لم يطلبها
الله من الأمم فقط ومن غير المؤمنين،

وإنما طلبها أيضا في
سفر الرؤيا من ملائكة كنائس آسيا.

 

فقال لملاك كنيسة أفسس
(فاذكر من أين سقطت وتب، واعمل الأعمال الأولى. وإلا فانى آتيك عن قريب وأزحزح
منارتك من مكانها إن لم تتب) (رؤ 2: 16) وقال لملاك كنيسة ساردس: (فاذكر كيف أخذت
وسمعت واحفظ وتب. فانى إن لم تسهر أقدم عليك كلص، ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك)
(رؤ 3: 3). وقال أيضاً لملاك كنيسة لاوديكيا: (كن غيوراً وتب) (رؤ 3: 19).

 

لا تظن يا أخى إن خطية
آدم وحده هى التي كانت تستحق الموت.

 

وانما عموما أجرة
الخطيئة هى موت. وكل خطية ترتكبها بعد معموديتك يمكن أن تكون سبباً في هلاكك إن لم
تتب.

 

وسر التوبة في الكنيسة
يسمى أيضا سر الاعتراف. فأنت تحتاج أن تأتى وتقر بخطاياك لكى تأخذ عنها حلاً من
الكاهن فتغفر لك.

 

وقد مارست الكنيسة
المقدسة سر الاعتراف منذ البدء. ففى أيام الرسل يقول الكتاب: (كان كثيرون من الذين
آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم) (أع 19: 18) وحتى قبل الرسل يقول الكتاب عن
يوحنا المعمدان: (واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم، (مت 3: 6)

 

فى طريق خلاصك إذن،
ليتك تستفيد من قول السيد المسيح لتلاميذه: (.. اقبلوا الروح القدس. من غفرتم
خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت) (يو 20: 22، 23)

 

21- الأعمال الصالحة

تكلمنا الآن عن الخلاص
بدم المسيح،

وكيف أن استحقاق دم
المسيح يلزم له الإيمان،

والمعمودية،

وسر المسحة المقدسة،
وسر التوبة، وسر الافخارستيا.

وبقى أن نتحدث عن
الأعمال ومركزها في قضية الخلاص. وقد أفردنا لهذا الموضوع فصلا خاصاً لأهميته.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى