اللاهوت المقارن

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

الجهاد والنعمة

مقالات ذات صلة

31
الجهاد والنعمة معاً

32 شركة
الروح القدس

33 هل
عمل النعمة معناه إلغاء الحرية الشخصية؟!

34 ضرورة
الجهاد

35 الحرب
الروحية

36
الإيمان والعمل معاً

37 جهاد
الرسل والرعاة

38 العمل
مع الله

39
التداريب الروحية

 

31- الجهاد والنعمة
معاً

إن كانت الأعمال لازمة
للخلاص فهل يخلص الإنسان بأعماله أم بنعمة الروح القدس العاملة معه؟ لقد تطرف
كثيرون فى التحمس لأحد الجانبين، فأخطأوا. وسنحاول في هذا المجال أن نجيب عن هذا
السؤال الهام وهو كيف يخلص الإنسان؟ بالجهاد أم بالنعمة، أم بكليهما معاً؟

 

الجهاد والنعمة معاً

لا يمكن للإنسان أن
يخلص بجهاده وحده. فقد قال السيد المسيح له المجد (بدونى لا تقدرون أن تفعلوا
شيئاً) (يو 15: 15)

 

إذن فذراعك البشرى وحده
– بدون معونة من الله – لا يمكن أن يخلصك، مهما جاهدت ومهما تعبت.

 

وأيضاً النعمة وحدها
الجيش لا تشاء أن تخلصك بدون استجابة ارادتكبها. وما أجمل قول القديس يوحنا ذهبى
الفم (ان الله يريدنا أن يكون مستلقين على ظهورنا ويعطينا الملكوت، لذلك فالنعمة
لا تعمل كل شئ وحدها). فهى ليست مجالا للكسل والتهاون والتراخى.

 

فلا تجلس كسلانا، دون
جهاد فى حياتك، قائلاً في غير فهم: انى نارك نفسى للنعمة تعمل بى ما تشاء!! إن
النعمة فيك يا أخى يسى معناه أن تنام وتتهاون في أداء واجباتك.

 

مثال يشوع وموسى:

كان يشوع بن نون يقود
الجيش ويحارب عماليق، وفى نفس الوقت كان موسى النبى يقف على رأس التلة رافعاً يديه
بالصلاة.. (خر 17: 11)

 

فهل انتصر الشعب عن
طريق جيش يشوع المحارب، أم عن طريق صلاة موسى؟ يخطئ من يركز على واحد من الأمرين
ويهمل الآخر. لأن يشوع وحده حارب بدون صلاة موسى – أى بدون معونة من الله – ما كان
ممكناً أن ينتصر. وصلاة موسى وحدها لم يكن معناها مطلقاً تشجيع الخيش على أن يتراخى
أمام العدو معتمداً على صلاة موسى! الجهاد والصلاة معاً كانا سائرين جنباً إلى
جنب. هذا يجاهد في الحرب، والآخر يرفع يديه بالصلاة. الأثنان متلازمان.

 

32- شركة الروح القدس

* هناك عبارة جميلة، ان
فهمناها فهمنا الكثير عن النعمة والجهاد.

 

تقول البركة الرسولية
” نعمة يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم ” (2 كو 13:
14).

 

فما معنى عبارة شركة
الروح القدس؟

إنها شركة بين اثنين
يعملان سوياً: الروح القدس والانسان. فالروح القدس يقدر أن ينقذك وينجيك، ولكنه لا
يشاء أن يفعل هذا بمفرده، وإنما يريدك أن تشترك معه في تدبير حياتك…

 

وهذه هى شركة الروح
القدس.

لعلك تحتج وتقول: كيف
هذا! ألا يستطيع الروح القدس وحده أن يخلصنى؟

 

نعم أنه يستطيع، ولكنه
لا يشاء لأنه ليست في سياسة الله أن يرغمك على عمل الخير، لأن العمل الذي لا إرادة
لك فيه لا يجوز مطلقاً أن تكافأ عليه.

 

وأن الروح القدس هو
وحده الذي يعمل، فلماذا إذن وجد أبرار وأشرار؟

 

لو أن الأمر يتلخص في
عمل الروح القدس وحده، ما وجد خاطئ واحد على الأرض.

 

أن الروح القدس يستطيع
أن يجعل الخاطئ يتوب، ولكنه لا يشاء أن يفعل هذا ما لم تتحد إرادة هذا الخاطئ
معه..

 

إنها شركة.

أن مجرد وجود إنسان
خاطئ واحد فى العالم، لا يتوب، لهو دليل أكيد على أن النعمة وحدها لا تعمل كل شئ.

 

33- هل عمل النعمة
معناه إلغاء الحرية الشخصية؟!

كلا فحريتك قائمة
وإرادتك قائمة. تسنطيع أن تستجيب لعمل الروح القدس فيك، وأن تشترك معه وتنقاد له.
ويمكنك أيضاً أن توقف عمل الروح القدس فيك إذا أردت. ولذلك يحذرنا الكتاب المقدس
قائلاً: ” لا تطفئوا الروح ” (1تى 5: 19)، ويقول أيضاً ” لا تحزنوا
روح الله القدوس ” (أف 4: 30).

 

النعمة واقفة على الباب
تقرع… ” ها أنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتى وفتح الباب، أدخل
إليه وأتعشى معه وهو معى ” (رؤ 3: 20). وإن لم يفتح، فهو حر، يحدد مصيره كما
يشاء.

 

النعمة تعرض معونتها
عليك. وأنت حر تقبل أتو لا تقبل تعمل أو لا تعمل..

 

إذا اشتركت مع الروح
القدس في العمل، من أجل نفسك، تصل بنعمة الروح القدس إلى كمال القداسة، حسب درجة
استجابتك وأنقيادك. وإذا رفضت الاشتراك، فالنعمة لا تشاء مطلقاً أن ترغمك على
الخير.

 

يتطرق إلى كثير من
الناس، لدرجة أن كلمة الجهاد الشخصى تبدو كما لو كانت هرطقة! كما لو كانت عملاً ضد
الإيمان وضد معونة الله! وهذا كله خطأ.

 

فالنعمة عبارة عن سلاح
مقدم إليك، تستطيع أن تحارب به وتنتصر أن أردت، وتستطيع أن تهمله، وتقابل عدو
الخير وأنت أعزل فتنهزم. وأنت كلا الأمرين حر تنفذ مشيئتك، ومن الخير لك أن تستخدم
السلاح المقدم إليك من أجل خلاص نفسك.

 

وكمثال لهذا الأمر
نقول: لو أن جنوداً أخذوا من قيادتهم أثناء الحرب دبابات ومدافع وقنابل وأسلحة،
وقاتلوا وانتصروا: فهل النصر راجع إلى بسالتهم أم إلى الأسلحة؟ أن بسالتهم وحدها –
بدون أسلحة – ما كانت تكفى مطلقاً للأنتصار، فالحرب تحتاج إلى سلاح. والأسلحة
وحدها، بدون جنود مهرة في الحروب الروحية هى أشتراك بين إرادة الإنسان وأسلحة
الروح.

 

34- ضرورة الجهاد

كثيرة هى النصوص
المقدسة التي تشرح ضرورة الجهاد..نذكر من بينها قول الرسول (لذلك نحن أيضاً اذ لنا
سحابة من الشهود مقدلر هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل والخطيئة المحيطة بنا بسهولة،
ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا) (عب 12: 1). يقول الرسول هذا ثم يوبخ
العبرانيين قائلاً (لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطيئة) (عب 12: 4)

 

فالمروض إذن أن نجاهد،
وليس جهاداً عادياً، إنما جهاد حتى الدم ضد الخطيئة. وإن سأل أحد: إلى متى هذا
الجهاد؟ نقول إنه جهاد العمر كله. وكما يقول الكتاب (الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص)
(مت 10: 22) ورسول الحسن، أكملت السعى، حفظت الإيمان. وأخيراً قد وضع لى اكليل
البر الذي يهبه لى في ذلك اليوم الرب الديان العادل) (2تى 4: 7، 8).

 

إنه جهاد، ولكنه ليس
جهاداً شخصياً منفصلاً عن عمل الله فيه. بل انه يجمع الأثنين معاً اذ يقول عن
كرازته (الأمر الذي لأجله أتعب أيضاً مجاهداً، بحسب عمله الذي يعمل في بقوة) (كو
1: 29).

 

ليس لمن يشاء ولا لمن
يسعى:

أما الذين يتطوفون في
الحديث عن النعمة بحيث يحتقرون عمل الجهاد، فانهم يعترضون بالآية التي تقول (ليس
لمن يشاء ولا من يسعى، بل لله الذي يرحم) (رو 9: 16).

 

فما معنى هذا؟ هل معناه
أن رحمة الله تعطينا الخلاص المجانى، وتنقلنا إلى الملكوت، بدون سعى وبدون مشيئة
صالحة؟! هل معنى هذا أن ينام كل إنسان ويكسل، ولا يسعى نحو الخير، ولا يريده،
مكتفيا بأن يرحمه الله وهو في هذا التراخى؟!

 

مستحيل أن يقصد الرسول.
مستحيل أن يقصد هذا المعنى من قوله ولا لمن يسعى، بينما يقول (جاهدت الجهاد الحسن،
أكملت السعى..)

 

ان الذي قال (ليس لمن
يسعى)، قد أكمل السعى. ونال اكليل البر نتيجة لهذا السعى، ونتيجة لجهاده الحسن.

 

إن الذي قال (ليس لمن
يسعى)، هو الذي قال عن نفسه (ليس أنى قد نلت أو صرت كاملاً، ولكنى أسعى لعلى أدرك
الذى لأجله أدركنى أيضاً المسيح يسوع.. أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسى قد أدركت،
ولكنى أفعل شيئاً واحداً، اذ أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو
الغرض، لأجل جعالة دعوة الله العليا) (فى 3: 12 – 14)

 

إن بولس نفسه يسعى لكى يدرك.
فهل هذا هو مجرد اختبار خاص قد مر بك يا بولس؟ أبداً.. أنه للكل. لذلك يتابع
الرسول كلامه فيقول (فليفتكر هذا جميع الكاملين منا) (فى 3: 15).

 

إن كنت كاملاً إذن عليك
أن تسعى لكى تدرك.

 

وبولس الرسول نفسه
يدعونا جميعاً إلى هذا السعى وهذا الجهاد فيقول: (ألستم تعلمون أن الذين يركضون في
الميدان جميعهم يركضون ولكن واحد يأخذ الجعالة، هكذا اركضوا لكى تنالوا) (1كو 9:
24)

 

ما الذي تطلبه منا أيها
الرسول العظيم؟! كيف نركض والأمر ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى؟! ما الفائدة من أن
نركض وأن نجاهد؟ كفانا أن نجلس كما نحن، وتأتينا النعمة من عند الله، فتنقلنا من
الموت إلى الحياة، وتدخلنا مجانا إلى الملكوت، دون أن نشاء ودون أن نسعى..!

 

أن بولس يكمل كلامه
فيقول (وكل من يجاهد يضبط نفسه فىكل شئ.. إذن أن أركض هكذا… بل أقمع جسدى
واستعبده، حتى بعدما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسى مرفوضاً) (1كو 9: 25 –27) –

 

إذن فهذا الركض وهذا
السعى، ليس لنا فقط نحن المؤمنين الضعفاء وإنما هو للرسل أيضاً. فبولس نفسه يركض.
بولس الذي كان ممتلئاً من الروح القدس، الذي كانت تعمل فيه النعمة أكثر من الجميع،
هو أيضاَ كان محتاجاً أن يركض، وأن يسعى، وأن يكمل السعى، وأن يجاهد الجهاد
الحسن..

 

ويدعونا معه أن نركض
مثله لكى ننال..

 

بل أن بولس العظيم نراه
يقمع جسده ويستعبده، حتى لا يصير هو نفسه مرفوضاً! فان كان بولس الرسول يجاهد
ويخاف أن يرفض فماذا نفعل نحن؟

 

ما معنى إذن قوله (ليس
لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم)؟ معناه أن الملكوت لا تصل إليه بمجرد
مشيئتك فقط، أو بمجرد سعيك فقط، بدون عمل الله معك، وبدون معونة من نعمته، وبدون
شركة الروح القدس.

 

فالجانب الأساسى في
الموضوع يرجع إلى الله الذي يرحم. فالذى يعتمد على مشئته وحده، وعلى سعيه وحده، هو
مخطئ، فأنا أسعى والله يرحم. وعندما يبارك الله سعيى، أرجع الفضل إلى الله وليس
إلى هذا السعى

 

حقيقى ليس لمن يشاء ولا
لمن يسعى، ولكن الله الذي يرحم. ولكن من هوالذى يرحمه الله؟ يقول أحد القديسين (إن
الله يرحم الذين يشاءون والذين يسعون)

 

تذكرنى هذه الآية بقول
بولس الرسول أيضاً (إذن ليس الغارس شيئاً ولا الساقى بل الله الذي ينمى) 1 كو 3:
7).

 

حقيقى أن الفضل لله
الذي ينمى. ولكن الله ينمى الغرس الذي غرس وسقى.

 

ليس معنى الآية أننا لا
نغرس ولا نسقى. قائلين في أنفسنا ليس الغارس شيئاً ولا الساقى، ثم بعد ذلك في
جهالة ننتظر أن الله ينمى!! بل أننا نغرس ونسقى، ونقول ليس الغارس شيئاً ولا
الساقى بل الله الذي ينمى. تماماً مثلما نشاء ونسعى، ونقول ليس لمن يشاء ولا لمن
يسعى بل الله الذي يرحم.

 

35- الحرب الروحية

فلنتأمل شرح الرسول
لهذه الحرب الروحية في الاصحاح السادس من رسالته إلى أفسس اذ يقول:

 

أخيراً يا أخوتى، تقووا
في الرب وفى شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل، لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد
إبليس. فان مصارعتنا.

 

ليست مع دم ولحم، بل مع
الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر،

 

مع أجناد الشر الروحية
في السمويات. من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل. لكى تقروا أن تقاوموا في اليوم
الشرير. وبعد أن تتموا كل شئ، أن تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق، ولابسين
درع البر، وحاذين أرجلكم باستعداد انجيل السلام. حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي
به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح
الذي هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل
مواظبة وطلبة..) (أف 6: 10 – 18).

 

هنا مصارعة، وهنا حرب
روحية، وجهاد. السلاح هو سلاح الله الكامل.

 

ولكن ليس معنى هذا أننا
لا نجاهد. إنما يجب أن تجاهد، وتعتمد على الله في جهادك. لا تكن مثل شخص قدمت إليه
أسلحة الله الروحية، ووقف صامتا لا يستخدمها، ولا يحارب بها الأسلحة موجودة، ولكن
عليه أن يحارب.

 

أسلحة الله لها قوتها،
ولكن إن لم تستخدمها فستنهزم.

 

إن الأشخاص الذين ذكرهم
بولس الرسول باكياً في (فى 3). كان بامكانهم أن يستخدموا كل تلك الأسلحة، ولكنهم
تركوها، ومالت نفوسهم نحو الخطيئة واستسلموا لها فهلكوا في خطاياهم.

 

على أننا في تلك
الأسلحة الروحية نلاحظ البر، والحق، وكلمة الله، والصلاة والطلبة، والسهر.. وكل
هذه أعمال.

 

ومعلمنا بطرس الرسول
يتكلم أيضاً عن هذه الحرب الروحية فيقول (اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر
يجول ملتمساً من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان..) (1 بط 5: 8، 9). أن
ابليس عدونا مثل أسد زائر. فماذا نفعل إذن؟

 

(قاوموه).. أى جاهدوا
واصمدوا واستبسلوا. ولكن ليس اعتمادا على ذراعكم البشرى، بل. قاوموه راسخين فى
الإيمان). هذه الآية تدل على الأمرين معاً: الجهاد في مقاومة الشيطان، والنعمة
التي يعتمد عليها المجاهد بالإيمان.

 

ومثل هذا الجهاد يدعو
إليه بولس الرسول عندما يوبخ العبرانيين قائلا (لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين
ضد الخطيئة) (عب 12: 4)

 

هنا جهاد وهنا مقاومة.
ولكننا لا نقاوم بقوتنا الخاصة وإنما بسلاح الله الكامل، راسخين في الإيمان.

 

وهكذا يقول بولس الرسول
لتلميذه تيموثيئوس (جاهد جهاد الإيمان الحسن). فهنا جهاد وهنا إيمان، والأمر أن
يسيران معاً.

 

ويتحدث بولس الرسول عن جهاده
فيقول (جاهرنا في الهنا أن نكلمكم بانجيل الله في جهاد كثير) (1 تس 2: 2). ويقول
في رسالته إلى كولوسى (2: 1) (فانى أريد ان تعلموا أى جهاد لى لأجلكم).

 

مثال داود وجليات:

كيف انتصر داود على
جليات؟ هل انتصر عليه بنعمة الله ومعونته؟ نعم بلا شك.

 

لقد كان داود معتمداً
على الرب اعتماداً كاملاً. ولذلك قال داود لجليات (أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس،
وأنا أتى إليك باسم رب الجنود). (هذا اليوم يحسبك الرب في يدى، فأقتلك وأقطع
رأسك.. وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب، لأن الحرب للرب،
وهو يدفعكم ليدنا) (1 صم 17: 45 – 47).

 

عظمة داود في هذه الحرب
أنه أدخل الله إلى ميدان القتال.

 

قبل مجئ داود لم يكن
هنا كلام عن الله. كان الكلام فقط عن الرجل الصاعد، الرجل الجبار، الذي يعير الجيش
دون أن يهتم. وكان الكلام أيضاً عن مكافأة الملك لمن يقتل هذا الرجل (1صم 17: 25)

 

أما داود فأدخل اسم
الرب إلى ميدان (آتيك باسم الرب..

 

يحسبك الرب في يدى..
الرب الذى أنقذنى من يد الأسد..

 

لأن الحرب للرب.. ألخ).
ولكن هل اكتفى داود بأن أدخل اسم الرب إلى الميدان قال: بالايمان سأقتل جليات،
بدون عمل وبدون جهاد، لأن الحرب للرب وهو سيدفعه ليدنا..! بدون عمل وبدون جهاد،
لأن الحرب للرب وهو سيدفعه ليدنا..!

 

كلا، بل إن داود (انتخب
خمسة حجارة ملساء من الوادي وجعلها في جرابه، وتقدم نحو الفلسطينى ومقلاعه بيده)
(1 صم 17: 40). وكان لما تقدم جليات للقاء داود (أن داود أسرع وركض نحو الصف
للقائه، ومد يده إلى الكنف، وأخذ منه حجراً، ورماه بالمقلاع، وضرب الفلسطينى في
جبهته، فارتكز الحجر في جبهته وسقط على وجهه إلى الأرض. فتمكن

 

داود منه بالمقلاع
والحجر وضربه وقتله. ولم يكتف بهذا، وإنما – اذ لم يكن له سيف – ركض ووقف فوق
جليات، وأخذ سيفه واخترطه من غمدة، وقتله وقطع به رأسه) (1 صم 17: 48 – 51)

 

حقيقى أن الحرب للرب،
وأن الرب هو الذي حبس جليات في يد داود، ولكن كان لابد لداود أن يحارب، وأن يتقدم
الصف ويركض وينتخب حجارة معينة، وأن يضع الحجر في المقلاع،ويسدد بمهارة. وكان لابد
أيضاً أن يخترط السيف، ويتمكن من الرجل ويقتله..

 

وكل هذه أعمال..

 

ومع كل هذه فنحن نرجع
الفضل فى هذا الأنتصار إلى الله، وليس إلى داود. لأنه كان من الممكن أن الحصاة لا
تأتى في موضع قاتل بالنسبة لجليات فلا يموت بها. ومع داود حارب بكل مهارة. وانتصر،
فأننا مع ذلك نردد قول بولس الرسول (ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى لله الذى يرحم).
لابد من الجهاد والعمل، ومع الجهاد والعمل ننسب النصر لله.

 

36- الإيمان والعمل
معاً

هكذا أيضاً في الجهاد
الروحى.. هى حرب بلا شك. أنت تحارب بكل ما عندك من قوة، والقوة التي عندك هى من
الله. تحارب بكل ما تملك من سلاح، وهذا السلاح هو سلاح الله الكامل.

 

لا تقل: أنى أنام،
وأسبح في الأحلام، وفى أحلامى أرى الله ينقذنى بالنعمة..! إن الله لا ينقذ
الكسالى، والنعمة ليست تشجيعاً على التراخى والتهاون.

 

تلميذ لا يذاكر، ويذهب
إلى الكاهن يطلب صلاته لكى ينجح، مؤمناً بقوة الصلاة.. ما الحكم على هذا المثال؟

 

إن الايمان بدون أعمال
ميت. على التلميذ أن يذاكر، ويطلب الصلاة أيضا. وهكذا يتحد الإيمان والعمل معاً.

 

يقول البعض أن الجهاد
هو ذراع بشرى

 

(وملعون من يتكل على
ذراع بشر). والحقيقة أن الجهاد يصبح ذراعاً بشرياً، لو اعتمد الإنسان على ذاته
فقط، أى لو اعتبر أنه بمجرد جهاده يخلص دون عمل النعمة معه! هنا يقف أمامه قول
السيد الرب (لأنكم بدونى لا تقرون أن تفعلوا شيئاً) (يو 15: 5).

 

إن الحرب بدون سلاح لا
تصلح. والسلاح وحده بدون حرب، وبدون إنسان يستعمله جيداً، لا يمكن أن يجلب النصر.

 

الأثنين متلازمان. وقد
قال بولس الرسول (إن كان أحد يجاهد، لا يكلل إن لم يجاهد قانونياً) (2تى 2: 5).
إذن لابد أن تجاهد، وتجاهد جهاداً قانونياً وبهذا تخلص.

 

37- جهاد الرسل والرعاة

هل الرسل لم يجاهدوا
ولم يتعبوا من أجل الإيمان؟ إن بولس الرسول نفسه يقول (أنا تعبت أكثر من جميعهم)
(1كو 15: 10). كلهم تعبوا، وبولس تعب أكثر، تعباً سجله في رسالته الثانية إلى
كورنثوس (2 كو 11: 23 –33) فاذا كانت المسألة مجرد نعمة، لماذا يتعب بولس؟ وما
لزوم الكرزاة والوعظ والنصح والتبشير والرعاية والتعب؟ وما دامت النعمة تعمل كل
شئ!!

 

لماذا يتعب الراعى، ويرعى
ويفتقد ويجاهد؟ أليس الله قادر أن يتكلم في قلوب الناس ويخلصهم وحده؟! ما لزوم
الرسل إذن وارعاة والوعاظ؟! وما لزوم كل جهاد؟ وهل نسمى كل هذا ذراعاً بشرية؟

 

لو كانت النعمة تعمل
وحدها كل شئ، فالكاهن إذن ينام، ويصلى في قلبه قائلاً: أنت يارب الذي تتولى رعاية
شعبك. من أنا حتى أجاهد وأرعى؟! أليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لك أنت الذي ترعى
الشعب!!

 

والواعظ، لماذا يعظ؟
يكفيه أن ينام في البيت مستريحاً ويقول: نعمتك يارب هى التي تتكلم في قلوب الناس
وترشدهم وتخلصهم!!

 

وأنت، لماذا تتعب نفسك
في حياتك الخاصة، في الصلاة وفى الصوم وفى الجهاد. استريح معتمداً على أن النعمة
تفعل كل شئ!

 

38- العمل مع الله

ونقول هذا لأنه كم من
أناس ضيعوا آخرين بنصيحة خاطئة يقولون فيها: لا تجاهد (لماذا تجاهد؟ إن الله لا
يبدأ في العمل معك إلا عندما تقف أنت! فأبطل عملك لكى يعمل الله!!

 

ما هذا لكلام العجيب
القاتل؟ ما معنى أن تبطل عملك لكى يعمل الله؟! لماذا لا تشترك في العمل مع الله،
فيعمل الله معك، ويعمل الله فيك. كما قال بولس عن نفسه وعن أبلوس (فاننا نحن
عاملان مع الله) (1كو 3: 9)

 

لماذا نفصل عملنا عن
عمل الله؟ لماذا لا نعمل سوياً، نشترك معه وهو معنا. وهكذا يتكلم يوحنا الرسول عن
الرب وعن (الشركة معه) (1 يو 1: 6) كما يتكلم بولس الرسول عن شركة الروح القدس.

 

الله بنعمته، بقوته،
بروحه القدوس، يقول لك: أنا أريد أن أعمل معك لتخليصك. فان قبلت العمل معى تخلص،
وأن لم تقبل فانك تحرم نفسك من هذا الخلاص.. أنا واقف على الباب، أعرض نعمتى
ومحبتى وقوتى ومعونتى وكل الامكانيات اللازمة لخلاص النفس التي أقرع على بابها.
ولكن.. إن فتح أحد الباب لى، أن قبل أن يعمل معى، ان سلمنى أحد ذاته لكى أعمل
فيها، أن استسلم أحد لعملى، حينئذ أشترك معه وهو معى.

 

مثال من التطرف:

من أسواء ما قرأت في
حياتى عن التطرف في انكار قيمة الأعمال، ما كتبه ف0ب0 ما ير في كتابه (مخلصون
ومحفوظون) إن أشد البرتستانت تعصباً في محاربة الجهاد، يقولون أن للانسان جهاداً
واحداً في حياته هو جهاد الصلاة. أما ف0ب0 ماير هذا فانه يحارب أيضاً الجهاد فى
الصلاة.

 

فيقول تحت عنوان (عندما
كففت عن مجهوادتى): (ليس أمامك الا أن تدرك هذه الحقيقة، وهى أنك طالما كنت تصارع
مع الله فانك تخسر أثمن بركاتك!

 

لقد صارع يعقوب مع الله
طول الليل ولم تخسر أثمن بركاتك! لقد صارع يعقوب مع الله طول الليل ولم يتقدم خطوة
واحدة. وعندما لم يستطيع أن يصارع بعد، لأن حق فخذه قد انخلع، وكان على وشك
السقوط، نال البركة التي جعلته رئيساً)!!

 

ويستطرد ماير فيقول:
(لقد تأوهت وجاهدت وتوسلت لكن بلا جدوى (والآن أصمت واسكت!! إن مجهوداتك الجبارة
زارت أمورك تعقيداً)!! ويظل هذا الكاتب البروتستانتى يحارب الصلاة والجهاد والتوسل
والصراع مع الله، إلى أن يقول (أعلم أن الله قادر أن يخلصك.. لقد كان منتظراً كل
هذا الوقت الطويل ليخلصك، وحالما تنتهى مجهوداتك سيبدأ هو)!! وهكذا يدعو إلى ابطال
السعى، قائلاً في باب عنوانه (لا نسعى بل نتقبل): (انك لن تحصل على البركة التي
تتوق إليها بالكفاح والنضال بصرخاتك القوية وصلواتك، بمزيمتك ومساعيك. بل بأن تهدى
نفسك أمام الله وتقبل النعمة).

 

ثم شرح مثلاً لفشل
مجهودات الصلاة، فروى قصة عن إنسان ظل يجاهد سنتين، رفع فيهما صلوات إلى الله
ليهبه للتغلب على تجربته وبدا أن الصلوات لم تسمع. ولما يئس جداً، ولما أبطل
الصلاة، بدأ الله يعمل..!!!

 

هل هذا تعليم يرضى ضمير
أحد؟! والكتاب يدعونا في كل أسفاره، أن نجاهد في الصلاة وأن نصلى بلا انقطاع وأن
نسهر ونصلى.. ولكنه التطرف البروتستانتى في انكار قيمة الجهاد حتى في الصلاة!!

 

39- التداريب الروحية

إن البروتستانت ومن
اليهم ممن يحاربون الجهاد والعمل، يحاربون أيضاً التداريب الروحية، كما لو كانت هى
أيضاً اعتماداً على ذراع بشرية..

 

ونحن نقول أنه إذا سلك
الإنسان في التدريب الروحى معتمداً على قوته الخاصة، فانه يخطئ ولا شك. جيد أن
يدرب إنسان نفسه، ولكن معتمداً على قوة الله، مردداً قول بولس الرسول (أستطيع كل
شئ في المسيح الذي يقوينى) (فى 4: 13).

 

وبولس الرسول يتحدث عن
تداريبه فيقول في سفر الأعمال (كذلك أنا أيضاً أدرب نفسى،

 

ليكون لى دائماً ضمير
بلا عثرة من نحو الله والناس) (أع 24: 16). ويقول في رسالته إلى فيلبى (فى 4:
12).. لقد تدرب في كل شئ، وأصبحت له الحواس مدربة (عب 5: 14).

 

لا مانع إذن من أن
يستخدم المؤمن التداريب الروحية، بل أن يصلى إلى الله ويقول (دربنى في حقك وعلمنى)
(مز 25: 9).

 

ولكن في كل هذه
التداريب يعتمد على قوة الله التي تعينه. وفى كل نجاح له ينسب الفضل لله وليس
لشجاعته الخاصة وضبطه لنفسه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى