علم الانسان

الخلقة الجديدة للإنسان فى الإيمان المسيحي



الخلقة الجديدة للإنسان فى الإيمان المسيحي

الخلقة
الجديدة للإنسان
فى الإيمان
المسيحي

القمص
متى المسكين

مطبعة
دير القديس أنبا مقار وادي النطرون

الجزء
الأول:
الطبعة الأولى: 1997.

مقالات ذات صلة

الجزء
الثاني
: الطبعة الأولى: 2000.

 

الفهرس

1- خلقة الإنسان الأولى من تراب الأرض وخلقته الثانية من فوق

2- الجسد والروح في الإيمان المسيحي

3- الخليقة الأولى والخليقة الثانية في الإيمان المسيحي ومراحلها
من قبل تأسيس العالم حتى النهاية

4- قيامة المسيح إعلان ميلاد الخليقة الجديدة في الإيمان المسيحي

5- المعمودية بالمفهوم الروحي كمدخل للخليقة الروحانية الجديدة

6- اصطلاحات تخرج إلى النور

7- الإفخارستيا والإنسان الجديد

8- الإنسان الجديد الطريق إليه والتعامل معه

9- هل الإيمان بالمسيح يحتِّم علاقة شخصية بالمسيح؟

10- الترائي قدَّام الله

11- الخليقة الجديدة للإنسان أو الميلاد الثاني

12- الخليقة الجديدة في المسيح

13- الخطية والناموس والفداء والإنسان الجديد والسر المكتوم

14- الخليقة الجديدة والأُخرويات في المزامير والأنبياء

15- الإنسان الجديد ومفاعيل الروح القدس التي دبَّرها الله لبنيانه
وعمله

16- الإنسان الجديد ومدح مجد نعمة الله

17- مخاض الإنسان الجديد

18- الختان في العهد القديم، والخليقة الجديدة في العهد الجديد

19 كشف سر ابن الله المملوء سرًّا والخلقة الروحية الجديدة للإنسان

20- الخليقة الجديدة ووحدة البشرية والحياة الأبدية

21- إستعلانات الله

22- الفصل الأخير التسليم

              

مقدمة

vtvtv

حينما
نتكلَّم عن ميلاد المسيح وموته وقيامته، فنحن نتكلَّم عن أمور حدثت فينا ولنا.

لأن
قولنا إن المسيح قد وُلِد، هذا يعني لاهوتياً أن الكلمة ابن الله أخذ جسداً لنفسه
من العذراء القديسة مريم. وقد اصطفاها عذراء وقديسة لتكون عيِّنة البشرية التي
أخذها لنفسه طاهرة ومقدَّسة، ثم أنها حملت من “الروح القدس”، فتبيَّن أن المولود
منها هو “ابن الله” حسب قول الملاك.

ولكن
شخص الكلمة ابن الله غير محدود، بل هو مطلق وطبيعته لانهائية. لذلك لمَّا أخذ جسده
من العذراء واتَّحد به، نال الجسد صفات ابن الله في اللامحدودية. هذا بالذات
يجعلنا نفهم أن الجسد الذي أخذه المسيح من العذراء القديسة مريم والروح والقدس، هو
أكثر من أن يكون جسداً محدوداً لفرد واحد، إذ حُسِبَ أنه جسد يضم ويجمع في ذاته
البشرية كلها.

لذلك
لَمَّا صُلِب المسيح وهو حامل خطايانا، قال بولس الرسول إننا صُلِبنا معه جميعاً،
ولَمَّا مات قال إننا متنا جميعاً معه، ولَمَّا قام قال إننا قمنا جميعاً معه،
ولَمَّا جلس في السماء قال إننا جلسنا معه في السموات.

كل هذا منبعه سر التجسُّد العجيب لأن طبيعة اللاهوت فيه
اتَّحدت بطبيعة الناسوت فينا، فصار للمسيح كل ما لطبيعة اللاهوت الذي له من صفات
وكل ما لطبيعة الناسوت فينا من الصفات بآن واحد طبيعة واحدة لشخص
واحد دون امتزاج ولا افتراق ولا تغيير.

هذا
يعني أن المسيح احتوى البشرية كلها في ذاته بميلاده العجيب، وهذا تسحَّب بالضرورة
على الصليب والآلام والموت والقيامة. فنحن كلنا صُلبنا معه وهو صُلِب معنا، وذلك
من أجلنا، لأن الموت والآلام والعقوبة هي من نصيبنا ومن استحقاقنا نحن، وهي ليست
لائقة به بتاتاً؛ فهو القدوس الطاهر الذي بلا خطية، أما نحن فقد نلنا من آدم
طبيعتنا البشرية وفيها نصيب اللعنة والموت الأبدي كميراث للخطية.

هذا
الموت وهذه اللعنة في هذه الطبيعة رفعها المسيح عنا بموته وقيامته كما يقول بولس
الرسول:
» الله الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي
أحبنا بها، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح بالنعمة
أنتم مخلَّصون وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع
«(أف 4: 2 6)، أي أننا قد انتقلنا من طبيعة ميِّتة
بالخطية في آدم إلى طبيعة حيَّة بالبر في المسيح. هذا هو موضوع إيماننا وفخر
رجائنا، لأنها عطية موهوبة مجاناً يتحتَّم علينا أن نقبلها بفخر وثقة. اسمع بقية
القول:
» ليُظْهِرَ في الدهور الآتية غِنَى نعمته الفائق باللطف علينا
في المسيح يسوع. لأنكم بالنعمة مخلَّصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله.
ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد.
«(أف 7: 29)

ويقول
بولس الرسول، معتبراً أن المسيح مات وهو يحتوي كل البشرية في جسده، هكذا:
» إن كان واحد
قد مات لأجل الجميع، فالجميع إذاً ماتوا.
«(2كو 14: 5).

يُلاحَظ
هنا أن المسيح ليس واحداً كأي واحد، بل هو واحد كلِّي مطلق بلاهوته الذي أضفى على
الجسد هذه الكلِّية المطلقة الفائقة. فأصبح كل مَنْ يؤمن بالمسيح يكون قد مات معه
وقام، أي استوفى عقوبة آدم وتبرَّأ من الخطية، ونال القيامة التي هي حالة الإنسان
الجديد في المسيح المعتبَرَة خليقة جديدة؛ لأن الكل يموت مع المسيح وهو بحال
الإنسان العتيق، والكل يقوم في المسيح وهو بحال الإنسان الجديد:
» أحيانا مع
المسيح… وأقامنا معه.
«(أف 5: 2و6)

ويعلل
بولس الرسول ذلك بقوله:
» من أجل محبته الكثيرة
التي أحبَّنا بها
«و“بمقتضى غِنَى رحمته”. فنحن الذين حُسِبنا
أمواتاً موتاً أبدياً بمقتضى الذنوب والخطايا، صرنا بالإيمان الذي هو عطية الله
وليس من أعمالنا، أحياءً الآن مع المسيح حياة أبدية وبحال القيامة كخليقة جديدة
داست معه الموت والخطية.

هذا
هو إيماننا المسيحي، الذي بتمسُّكنا به في ثقة، تسري فينا قوة وروح الإنسان الجديد،
لنعمل ونشهد بصدق الله ومحبته.

(يونية
1997)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى