اللاهوت المقارن

125- مائدة الرب في الإفخارستيا هي امتداد وليس تكرار



125- مائدة الرب في الإفخارستيا هي امتداد وليس تكرار

125- مائدة الرب في الإفخارستيا هي امتداد وليس
تكرار

مذبح
الرب الذي هو مائدة الرب في الإفخارستيا؛ هو نفسه الصليب.. فذبيحة الصليب هى واحدة
لا تتكرر، لكنها تمتد. لم تمتد ذبيحة الصليب بعدها فقط، بل امتدت قبلها أيضاً،
بدليل أن السيد المسيح قدّم جسده ودمه في ليلة آلامه بنفسه قبل صلبه. فذبيحة
الإفخارستيا (سر الشكر) من الممكن أن تمتد عبر الزمان لأن هذا سر فائق وسر إلهى
نقول عنه في القداس الإلهى [ووضع لنا هذا السر العظيم الذي للتقوى] “عظيم هو
سر التقوى” (1تى3: 16) ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم الذي كانت فترة حياته من
سنة 347م إلى سنة 407م:

 

ألسنا
نحن نقدم كل يوم قرابين؟ نعم نقدم، ولكنا نصنع تذكار موته. وهذه الذبيحة التى
نقدمها كل يوم هى واحدة لا أكثر لأنه قُدّم مرة واحدة. لأننا دائماً نقدم حملاً
واحداً بعينه، ولا نقدم الآن خروفاً وغداً خروفاً آخر، بل الحمل نفسه دائماً.
فالذبيحة إذن هى واحدة. أو هل المسحاء كثيرون، لأن الذبيحة تُقدَّم في محلات
كثيرة؟ حاشا، لأن المسيح واحد في كل مكان وهو هنا بكليته جسد واحد. وكما أنه
يُقدّم في أماكن متعددة ولا يزال جسداً واحداً لا أجساداً كثيرة هكذا الذبيحة هى
أيضاً واحدة { [1]

 

عندما
نقدم قربان في كنيسة في القاهرة وقربان في كنيسة في الإسكندرية مثلاً ونعمل قداس
هنا وقداس هناك؛ فهذا ليس معناه أن هذه ذبيحة وتلك ذبيحة أخرى، أو أن هذا حمل وذاك
حمل آخر، بل إنه حملٌ واحد ومسيحٌ واحد الذي هو “حمل الله الذي يرفع خطية
العالم” (يو1: 29).

 

لقد
تكلّم المزمور عن ذبيحة العهد القديم “أدخل إلى بيتك بمحرقات أوفيك
نذورى” (مز66: 13) فهو هنا يتكلم عن الذبائح والمحرقات بصيغة الجمع، ولكن
عندما تنبأ أشعياء النبى عن ذبيحة العهد الجديد في مصر كان دقيقاً جداً في تعبيره
” في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها. فيكون
علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر.. فيُعرَفُ الرب في مصر ويَعرِفُ المصريون
الرب في ذلك اليوم، ويقدمون ذبيحة وتقدمة، وينذرون للرب نذراً ويوفون به” (أش
19: 19-21) المقصود بعبارة “وسط أرض مصر” أى “دير العذراء الشهير
بالمحرق” في أسيوط حيث يقع وسط أرض مصر وحيث الحجر الذى جلس عليه الرب يسوع،
و”عمود للرب عند تخمها” حيث كرسى مارمرقس على حدود مصر التخوم الشمالية
..

 

ومن
العجيب أنه يتكلم عن شعب مصر كله ويقول إنهم سوف يقدمون ذبيحة واحدة، من المنطق
عندما يتكلم عن ملايين الناس، يقول يقدمون ذبائح ليس ذبيحة واحدة.. والذى يؤكد أنه
يتكلم بصيغة الجمع؛ قوله “يعرف المصريون الرب” ويقول أيضاً ” في
ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال
لإحداها مدينة الشمس” (أش19: 18) مدينة الشمس التى هى “هليوبوليس”
فهو يتكلم هنا عن العهد الجديد لأنه لم يكن مصرحاً في العهد القديم أن يكون هناك
مذبح للرب خارج عن المذبح الذي أقامه موسى في خيمة الاجتماع ثم استقر بعد ذلك في
أورشليم في هيكل سليمان في المكان الذي اختاره الرب لداود النبى في بيدر أرنان
اليبوسى (انظر 1أي21: 18).

 

ولذلك
حتى الآن لا يستطيع اليهود التابعون لشريعة العهد القديم تقديم أية ذبائح، لأن
الهيكل قد هُدم وزال. والمذبح أيضاً قد زال.. والهيكل لم يُترك فيه حجر على حجر لم
ينقض.. فلا يمكنهم أن يقدموا أى ذبيحة للرب.. ولو فَهِمَ اليهود نبوة أشعياء عن
إقامة مذبح للرب في وسط أرض مصر، لعرِفوا أن العبادة لم تصبح قاصرة على معبد
اليهود (هيكل سليمان) لكنها سوف تنتشر وتكون متاحة في كل مكان، ونرى هذا في حديث
السيد المسيح مع المرأة السامرية عندما سألته قائلة: “آباؤنا سجدوا في هذا
الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغى أن يسجد فيه” (يو4: 20)،
قال لها يسوع “يا امرأة صدقينى إنه تأتى ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم
تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو
من اليهود. ولكن تأتى ساعة وهى الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق.
لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له” (يو4: 21-23). فأصبحت العبادة تُقدم في
أى مكان في العالم، مادامت تُقدم باسم السيد المسيح، وتُقدّم ذبيحة الخلاص
الإفخارستيا التى نتحدث عنها الآن هذه هى مركز العبادة في كنيستنا.

_

1) من
عظات للقديس يوحنا ذهبى الفم على العبرانيين مقالة 17.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى