علم المسيح

20- العودة إلى الشاطئ الغربي



20- العودة إلى الشاطئ الغربي

20- العودة إلى الشاطئ الغربي

إقامة ابنة
يايرُس وشفاء نازفة الدم

قصة
هي في حقيقتها قصتان ومعجزتان تداخلتا معاً في حبك جيد يشهد ببراعة الإنجيلي،
فبمجرَّد أن وصل المسيح وجد جمعاً غفيراً يترقَّب وصوله. وكان بينهم شخصية مرموقة
في عين اليهود، وهو رئيس مجمع، عندما تلاقى مع المسيح سجد له. وهذا عمل فريد لم
نسمع به من قبل، ولكن الحاجة والضيقة تذلِّل طبع الإنسان.

وكان
هذا الرئيس الذي يُدعى “يايرُس” قد جاء لأن ابنته ذات الاثنتي عشرة سنة
مريضة، وقد دخلت في حالة الخطورة القصوى بانتظار الموت كل لحظة. لهذا اخترق هذا
الرئيس وسط الجموع بسرعة وترجَّى المسيح أن ينقذ ابنته، فاستجاب المسيح واتَّجه
معه نحو البيت.

وهنا اندسَّت امرأة في الخفاء كانت قد أصيبت بنزيف حاد
استمر معها اثنتي عشرة سنة،

وتعالجت كثيراً ولم تُشْفَ، أو حسب قول ق.
مرقس: “تألَّمت كثيراً من أطباء كثيرين وأنفقت كل ما عندها
ولم تنتفع
شيئاً، بل صارت إلى حال أردأ” (مر 26: 5)، ولكن لمَّا جاء ق. لوقا يروي هذه
القصة وهو طبيب، لم يذكر هذا الاتهام ضد أرباب مهنته بل قال بلباقة مدهشة:
“ولم تقدر (هي) أن تُشفى من أحدٍ!”
(لو 43: 8). هذه لمَّا سمعت بيسوع جاءت في الجمع من ورائه ومسَّت هدب ثوبه: “
لأنها
قالت إن مسست ولو ثيابه شُفِيتُ، فللوقت جفَّ ينبوع دمها وعلمت في جسمها أنها قد
برئت من الداء” (مر 5: 28و29). ولكن لم يتركها المسيح تمر، بل التفت نحو
الجمع “شاعراً في نفسه بالقوة التي خرجت منه وقال: مَنْ لمس ثيابي؟” (مر
30: 5). وكان ينظر حوله فرأى التي فعلت هذا فجاءت وهي خائفة وسجدت وقالت الحق
كُلَّه. معنى هذا أن من جسم المسيح تسرَّبت قوة فعلاً ودخلت جسم المرأة وشفتها في
الحال! ولكن المهم أين ذهبت آلام صاحبة النزيف وأوجاعها التي لازمتها اثنتي عشرة سنة؟ نقول: وكأنه حدث تبادل،
فالقوة خرجت من المسيح وذهبت للمرأة
وصنعت
شفاءً وراحة وسلاماً، والآلام والضيقات والأحزان والأوجاع تسرَّبت من المرأة
ليحملها
المسيح في جسده! ألم يكن
إشعياء صادقاً هنا حينما قال: “لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها..”
(إش 4: 53). ولكن تذوب الأحزان في صدر المسيح الواسع والأوجاع تتلاشى بمجرَّد أن
تمسَّه، لأنه هو القدوس!

وهنا
يبدأ يدخل الإنجيل في قصة يايرُس التي ابتدأها فيقول: إنه بينما المسيح يتكلَّم مع
المرأة إذ برُسُل من بيت يايرُس جاءوا على عجل ينعون للرجل موت ابنته، وزادوا من
عندهم أن لا تتعب المعلِّم. وكأن كلمة الموت قادرة أن تلغي عمل المسيح. فانبرى
المسيح يلطِّف من وقوع الخبر على يايرُس بقوله: لا تخف!! آمن فقط. إنها كلمة خرجت
من فم المسيح لتعمل عملها في الحال سواء في قلب الرجل أو في الراقدة على فراش
الموت.

واجه
المسيح المعزِّين وهم يضجُّون بالزمر والطبول كعادة القوم، وأراد أن يسكتهم
ففاجأهم بقوله إن الصبية لم تمت لكنها نائمة، باعتبار سلطان المسيح الذي سيوقظها
من نوم الموت. لم يفهموا الكلام، فضجُّوا بالضحك وهم لا يدرون أنهم يضحكون على
أنفسهم.

ودخل
المسيح ومعه الثلاثة الذين اختارهم دائماً للمثول معه في المناسبات الهامة: بطرس
ويعقوب ويوحنا. ولمَّا دخل أخرج الجميع من أمام الصبية إلاَّ الأب والأُم فقط.
وتقدَّم المسيح نحو الصبية المائتة وأمسك بيدها، وبأمر نادى الصبية: “طليثا،
قومي” (مر 41: 5)، فقامت الصبية في الحال؛ إذ أطاعت الروحُ ربَ الروح، وأذعنت
لصوت المسيح وقامت ومشت أمام والديها “فبُهِتُوا بَهتاً عظيماً” (مر 42:
5)، وقال المسيح أن تُعطى لتأكل وأوصى أن لا يقولوا لأحد.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى