علم

من أجل الفقراء



من أجل الفقراء

من
أجل الفقراء

(1كور
16: 2 – 4)

للقدّيس
يوحنا الذهبي الفم

 

دعوة
إالى الإحسان

1
– اليوم أناشدكم قولاً مسيحياً نافعاً للنفس. الموضوع يدور حول الفقراء الساكنين
في مدينتكم. لقد اندفعتُ في كلامي هذا من مشهد محزنٍ رأيته. عبرتُ السوق والطرقَ
الضيّقة قبل أن أجتمع بكم فرأيتُ أناساً مرميّين بعلل متنوعة. لذا وجدتُ من المفيد
أن أحدّثكم عنهم.

 

الكلام
في الإحسان مفيد في كلّ وقت ونحن كلّنا بحاجة إلى رحمة الله خالقنا لا سيّما في
هذه الأيام التي يزداد فيها البرد. في زمن الصيف يجد الفقراء تعزية الطبيعة
ودِفأها. العراة يكتفون، بدلاً عن اللباس، بأشعة الشمس. يستطيعون النوم ملتحفين
الأرض. يشربون الماء من النبع ويقتاتون العشب والثمار المتوفّرة.

 

يجد
الفقراء أيضاً في وقت الصيف مجالاً للعمل في ورش الأبنية، في الزراعة وفي عمل سفن
البحر. أماّ في أوان الشتاء فهم محارَبون من كلّ جهة: الجوع يتآكل أحشاءهم من
الداخل والبرد يُميت أجسادهم من الخارج. يحتاجون إلى مزيد من الطعام، من اللباس،
من سقف ولحف وأحذية وأشياء أخرى. لا يجدون عملاً يعملونه في الوقت الصعب.

 

لذا
علينا في مثل هذه الحالة أن نمدّ يدَ العون والإحسان إليهم. لنذكر ما فعله بولس
الرسول من أجلهم:

 


فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني
وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأماّ هم فللختان غير أن نذكر الفقراء. وهذا
عينه كنتُ اعتنيت أن أفعله” (غلا 2: 9-10).

 

يذكر
الرسول الفقراء في كلّ رسالة كتبها مع ضرورة الإحسان إليهم. تكلّم مثلاً عن
القيامة ثم انتقل إلى موضوع إعانة فقراء أورشليم قال: ” واماّ من جهة الجمع
إلى القدّيسين فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضاً. في كلّ أول أسبوع
(أي نهار الأحد) ليضع كلّ واحد منكم ما عنده …ومتى حضرتُ فالذين تستحسنونهم أرسلهم
برسائل ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم” (1كور 16: 1-3).

 

لاحظ
كيف استغل الرسول المناسبة ليفتح لهم مثلَ هذا الموضوع. بعد أن ذكرّهم بالدينونة
المستقبلة وبالحياة الأبدية يُدخلهم إلى هذا الموضوع بحيث أن السامع الذي حُمل
بمثلِ هذه الرجاءات المستقبلة وأصبح كلّه عطيّة للآخر، يقتبل نصيحة الرسول مدفوعاً
من بخوف الدينونة واكتساب الرجاءات الصالحة. كلّ من يؤخذ بالقيامة وحياة الآخرة،
لا يعود يعتبر الغنى شيئاً ذا قيمة ولا الذهب ولا الفضة، لا اللباس ولا الرفاهية.
حينئذ يفكرّ أكثر بالفقراء وبإعانتهم.

 

تكلّم
الرسول لا عن الفقراء بل عن ” القدّيسين ” ليحثَّ القراّء على الإعجاب
بالفقراء عندما يكونون مؤمنين والتحفظ من الأغنياء عندما يزدرون الفضيلة. لقد دعا
مثلاً نيرون ” سرَّ الإثم ” بقوله: ” لأن سرّ الإثم الآن يعمل
فقط” (2 تسا 2: 7). في حين يدعو الفقراء المؤمنين ” قدّيسين “.

 

من
هم الفقراء والقديسون

2
– لنتساءل من هم هؤلاء القديّسون؟ يذكرهم الرسول في مكان آخر “ولكن الآن أنا
ذاهبٌ إلى أورشليم لأخدمَ القديّسين” (رو 15: 25). وفي أعمال الرسل في أوان
المجاعة يذكر لوقا هؤلاء القديّسين قائلاً: ” فحتم التلاميذ حسبما تيسّر لكلّ
منهم أن يُرسل كلّ واحد شيئاً خدمةً إلى الأخوة الساكنين في أورشليم” (أع 11:
29).

 

وكما
ذكرنا سابقاً عن الرسول بولس: ” غير أن نذكر الفقراء. وهذا عينه كنتُ
اعتنيتُ[2] أن أفعله” (غلا 2: 10).

 

لقد
توزّع الرسل للبشارة: الرسول بولس للوثنين وبطرس لليهود وتمّ الاتفاق على أن هذا
التوزيع لا يسري على الفقراء. لأنهم جميعاً اعتنوا بفقراء أورشليم المسيحيين
القديّسن فيما بين اليهود.

 

 من
هم إذاً هؤلاء “الفقراء القديّسون” المذكورون في رومية وغلاطية الذين
طلب الرسول المساعدة لهم من أهل مكدونيا؟

 

 هم
الفقراء اليهود الساكنون في أورشليم. لكن لماذا يهتم الرسول بهم بشكل خاص؟ ألم يكن
في كلّ مدينة فقراء؟ لماذا يطلب من الجميع الاهتمامَ بهم؟ الأمر ليس صدفة!

 

 عندما
كان رؤساء الكهنة اليهود يصرخون ” ليس لنا ملكٌ إلاّ قيصر” (يو 19: 15)
كانوا مضطرين لدفع الجزية لقيصر في حين كانوا يحاكمون الشعب بموجب قوانينهم الخاصة.
رجموا استفانوس من دون محاكمة، قتلوا يعقوب أخا الرب من دون الرجوع إلى الرومان،
صلبوا المسيح في حين برّره الحاكم الرومانيّ من التهم. سألوا مرّة يسوع ”
أيجدر إعطاء الجزية لقيصر أم لا؟” (متى 22: 17) فأجابهم يسوع بعد رؤية العملة
” أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” (متى 22: 21).

 

 كلّ
ذلك يدل على أن اليهود المسيحيين[3] كابدوا عذابات جمّة أشدّ من عذابات المسيحيين
في مدن أخرى، لأنه في أماكن أخرى كانت تجري المحاكمات من دون أن يذوق المسيحيوّن
عذابات شديدة. يبدو أن مثل هذه العذابات كانت يجري في اليهودية بسماح من الرومان
ضدّ الذين اعتنقوا الدينَ المسيحي. هكذا جلدوا بولس مراّت عديدة. يذكر الرسول
نفسُه ذلك: ” من اليهود خمس مراّت قبلتُ أربعين جلدةً إلاّ واحدة. ثلاث مراّت
ضُربتُ بالعصي، مرّة رُجمتُ” (2كو 11: 24 – 25).

 

يكتب
بولس أيضاً إلى العبرانيين:


ولكن تذكرّوا الأيامَ السالفة التي فيها بعدما أُنرتم صبرتم على مجاهدة آلام كثيرة.
من جهة مشهورين بتعيرات وضيقات ومن جهة صائرين شركاءَ الذين تُصرّف فيهم هكذا.
لأنكم رثيتم لقيودي أيضاً وقبلتم سلبَ أموالكم بفرح عالمين في أنفسكم أن لكم مالاً
افضل في السماوات وباقياً ” (عب 10: 32 – 34).

 

وعندما
حثّ أهل تسالونيكي ذكر الفقراء اليهود:

 ”
فإنكم أيها الأخوة صرتم متمثّلين بكنائس الله التي هي في اليهودية في المسيح يسوع
لأنكم تألمّتم أنتم أيضاً من أهل عشيرتكم تلك الآلام عينها كما هم أيضاً من
اليهود” (1تس 2: 14).

 

إذاً
اضطُهد المسيحيون اليهود2 أكثر من غيرهم. لذلك يذهب بولس إلى دعوة الإخوة من كلّ
مكان لإعانتهم. نفهم بعد هذا كلّه كيف يحثّ هنا الكورنثيين على إعانة فقراء
أورشليم القديّسين:

 


أماّ من جهة الجمع لأجل القديّسين فكما أَوْصَيْتُ كنائسَ غلاطية هكذا افعلوا أنتم
أيضاً” (1كور 16: 1).

 

3
– لماذا يذكر كنائسَ غلاطية؟ لكي يتقبلوا النصيحة بحماس كبير وينافسوا أهلَ غلاطية
في العطاء. ثم يقول: ” في كلّ أوّل أسبوع (أي كلّ نهار أحد) ليضع كلُّ واحد
منكم ما عنده، خازناً ما تيسّر حتى إذا جئتُ لا يكون جمعٌ حينئذ” (1كور 16: 2).
في مثل هذا اليوم يتوقّف المسيحي عن أشغاله فينصرف أكثر إلى عمل الخير. أنظر كم من
الخيرات حصلتَ عليها في مثل هذا اليوم، يوم عيد تجديد مولد الطبيعة الإنسانية
بأسرها، حين جُعل الإنسان لا يموت مع المسيح القائم من بيت الأموات. اليوم هو
الوقت المناسب لا لتسكروا وترقصوا3، بل لدعم إخوتكم الفقراء المحتاجين، المعذّبين
والقديّسين.

 

 أقول
ذلك كله لتعليمكم. هذه الأقوال لم تُعطَ فقط للكورنثيين بل لكلّ واحد منّا.
فليخزّن كلّ واحد منّا ما تيسّر من المال في يوم الرب يوم الأحد من أجل الفقراء.
ولتصر لكم عادةً متّبعة باستمرار وذلك على الرغم من كلّ الحاجات الضرورية.

 

 الوصيّة
تتوجّه ليس فقط إلى الأغنياء بل إلى الفقراء أيضاً إذ يقول: ” ليضع كلّ واحد
منكم” تتوجّه إذاً إلى الأحرار والعبيد، إلى الرجال والنساء. حتى ولو كنتَ
فقيراً جداً لن تسبقَ تلك الأرملة التي أعطت ثروتها كلّها، ولا أرملة صرفت صيدا
التي لم يمنعها فقرها من استضافة النبي.

 

 لكن
لماذا قال أيضاً ” خازناً ما تيسّر ” أي جامعاً شيئاً فشيئاً ما عنده
حتى لا يخجل عند تقدمته إياّه. ولم يقل ” جامعاً ” بل “خازناً
” كمثل كنز حتى تعلم أن هذه النفقة هي بمثابة كنز لأنه موردٌ ثمين وكنزٌ في
السماء تقتنيه…

 

4
– فليكن كلّ بيت كنيسةً تحتوي على خزانة للفقراء، هذا يشكّل سلاحاً ضدّ الشياطين
يحفظ البيت من الشرور أكثر من عدد كبير من الجنود.

 

وأضاف
” ما تيسّر” لا من أجل الفقراء فحسب بل فائدة تذهب إلى المحسنين أنفسهم،
خصوصاً عندما يُعطون بفرح. لأن الرسول يقول في مكان آخر: ” كلّ واحد كما ينوي
ليس عن حزن واضطرار. لأن المُعطي المسرور يُحبّه الله” (2كور 9: 7).

 

الذي
يودّ توزيع خيراته للفقراء فليفعل ببساطة مبعداً كلّ داعٍ للافتخار. من أئْتُمِنَ
على عمل خيّر ليفعلْه بنشاط دون كسل ” أماّ المُعطي فبسخاء” (رو 12: 8).
أنت تُعطي بفرح فتأخذ أكثر مماّ تعطي. فأعطِ دائماً باهتمام، بحماس، بفرح باستعداد
طيّب.

 

ينصح
أوّلاً أن يكون العطاء من المدينة كلّها. والتقدمة ليست “للفقراء” بل
” للقديّسين”، بالاشتراك مع أهل غلاطية والكنائس الأخرى. ليُجمع الكنزُ
شيئاً فشيئاً حتى يُصبح عادةً، بحريّة وبمقدار استطاعة كلّ واحد. ويُضيف ”
ومتى حضرتُ فالذين تستحسنونهم أُرسلهم برسائل ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم. وإن
كان يستحق أن أذهب أنا أيضاً فسيذهبون معي” (1كور 16: 3 – 4).

 

 لاحظ
التواضع والمحبّة الفائضة لأنه اقترح أن ينتخبوا هم المرسلين ليحملوا الإحسانات
إلى أورشليم.

 

الإحسان
نعمة إالهية

5
– لاحظ كيف أن الرسول بولس لم يستخدم كلمةَ “إحسان ”
éléimosini بل قال ” نعمة “Charis 4 مُبَيِّناً أنه،
كما أن قيامة الأموات هي عمل النعمة الإلهية واخراجَ الشياطين وتطهيرَ البرص، كذلك
مساعدة الفقراء هي أيضاً عمل النعمة الإلهية أكثر من أي عمل آخر. ومع ذلك فإن
العمل هذا يحتاج إلى استعدادنا الخاص لكي نُصبح أهلاً لمثل هذه النعمة.

 

لقد
عزاّهم الرسول بقوله ” فالذين تستحسنونهم أُرسلهم برسائل ليحملوا إحسانكم إلى
أورشليم” وأضاف ” وإن كان يستحق أن أذهب انا أيضاً فسيذهبون معي”
(1كور 16: 3- 4). لاحظ هنا حكمته: لم يرفض الذهاب معهم من جهة، كما لم يؤكّد على
الذهاب معهم بل أسند ذلك إلى رأيهم واختيارهم، مُظهراً أنّه إن كانت المساعدات
تستحقّ الذهاب معهم فسيكون مستعداً لذلك5. إنها تعزية بالنسبة لأهل كورنثس أن
يعرفوا ان الرسولَ مستعدٌ للذهاب معهم، مماّ يزيد في حماسهم ناظرين أيضاً إلى ما
يضيف الرسول من تضحية وبركة وصلوات إلى مثل هذه التقدمات.

 

فالتحق
أنت أيضاً بهم واشترك في حماستهم في العطاء والتعزية. تفكرّ بالفلاّح كيف يبذر
ويصرف من أمواله دون أن يتألم لذلك، بل يعتبر صرفَه نعمةً وربحاً على الرغم من أن
النتيجة بعد غير ظاهرة. وأنتَ لا تصرف أموالك على الفقراء لكي تقتني ربحاً مادياً
بل تُعطيها إلى المسيح نفسه من أجل إفادتك وتعزية. كان يمكن لله أن يُغدق الذهب
على المحتاجين كلّهم لكنه لم يسمح بذلك. هذا ليعطيَك الفرصة لتساهم أنت وتتعزّى.

 

في
الواقع العوزُ مدعاة للفضيلة أكثر من الاكتفاء والذين وقعوا في الخطايا يكسبون
تعزيةً ليست بقليلة عن طريق إغاثة المحتاجين6. فقد أظهر الله اهتماماً كبيراً بهذا
الموضوع حتى أنه عندما اتخذ جسداً وخالط البشر لم يُعرض عن الاهتمام بالفقراء. مع
ذلك كلّه بعدما أطعم الجياع خبزاً بمجرّد أمره وكان باستطاعته أن يقدّم كنوزاً
عديدةً، لم يقمْ بمثل هذا العمل بل أمر تلاميذه أن يهيئوا ” قجَّة ”
ليحفظوا فيها الإحسانات من أجل إعانة الفقراء.

 

عندما
تكلم الرب مع يهوذا بشأن التسليم ولم يفهم التلاميذ ماذا كان يقول، اعتقدوا أنه
يتكلّم عن الفقراء ” إذ كان الصندوق مع يهوذا وكان يحتفظ خفية بالأموال
الموضوعة فيه “. إذاً يُعطي الرب أهميّة كبيرة لعمل الرحمة ليس فقط بداعي
إحسانه لنا بل أيضاً وخاصّةً بداعي إحساننا لبعضنا بعضاً.

 

في
العهد القديم كما في العهد الجديد وضع شرائع عديدة في هذا الشأن وأوصانا أن نكون
محبيّن للفقراء بالقول والعمل. يشير موسى إلى ذلك في كثير من نواميسه ويصرخ
الأنبياء قائلين باسم الله:

 


إنّي أريد رحمةً لا ذبيحة ومعرفةَ الله أكثر من محرقات” (هوشع 6: 6). والأمر
نفسه يقوله الرسلُ كلّهم ويفعلونه، ويفيدون أوّلاً أنفسَهم آخذين من إحسانهم أكثر
مماّ يُعطون.

 

?
أعط ولا تدين

6
– لا أقول هذا كلّه بدون سبب: في كثير من الأحيان، وقبل أن نُعطي الفقراء، نبحث في
تفاصيل حياتهم، في عملهم وصحتهم ونتهمهم بالكسل والبطالة، لذلك يحتمي بعض الفقراء
بمظهر عاهةٍ جسدية ليهربوا من عدم انسانيتنا وقساوتنا باتخاذهم مثل هذه المظاهر.
إن كنت تدينهم في أوان الصيف فهذا محتمل. أماّ أن تكون دياّناً وعديمَ الإنسانية
في أوان البرد والشتاء حاكماً عليهم لأنهم بطاّلون فهذا تعبير عن قساوة كبيرة. أنت
تستند إلى قول الرسول:

 


إن كان أحدٌ لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً” (2تسا3: 10). قالها بولس لكي
تسمعها أنت أيضاً ولا تدين أخاك بسببها بل تدين نفسَك. إن نواميس بولس توضَعْ من
أجل الفقراء بل أيضاً من أجلنا كلّنا. وأقول لك كلمة اخرى ولو ثقيلة عليك:

 

نحن
ندين هؤلاء الفقراء لأنهم عاطلون عن العمل مماّ يدعو في كثير من الأحيان إلى
الغفران. أماّ نحن فنقوم بأعمال بطاّلة أسوأ بكثير. تقول إن لي ثروة أبويّة. قلْ
لي ألأنّ ذاك فقيرٌ وينحدر من عائلة فقيرة فهو يستحق الفقرَ والعوزَ؟! إنه بحاجة
بالأحرى إلى مساعدة الأغنياء. أنت تُمضي أوقاتك في الترف وتدين وتحسب أنك لا تفعل
شيئاً ضاراً؟ هو يتجوّل ليلاً نهاراً بشقاء ودموع وأنت تدينه؟ أهذا المنطق إنساني؟
لذا أقول إن كلام الرسول يتوجّه ليس فقط إلى الفقراء بل إليك أنت أيضاً. فلا
تَعْتَد الإدعاء والحكم بل أيضاً الغفران والرحمة لأن الرسول بعد أن قال: ”
إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً” أضاف: ” أماّ أنتم أيها
الاخوة فلا تفشلوا في عمل الخير” (2تسا 3: 13).

 

وماذا
بعد؟ تقولون إن أولئك الفقراء بطالون، غرباء، أشقياء، غادروا وطنهم ليأتوا مدينتنا
ويتسوّلوا. قلْ لي ألهذا أنت تحزن وتضطرب؟ كان عليك أن تفرح لأنهم يأتون إليك
ويتجوّلون في مدينتك. لماذا تهرب من إسداء المديح لمدينتك وتساهم في إبطال تقليدها
العريق في الضيافة والإحسان؟ ألا تذكر الجوع الذي طرأ على أورشليم ونواحيها
فاضطرَّ المؤمنون لإرسال المعونات إليها عن طريق برنابا وبولس؟ بِمَ نجيب الذين
يذكرّوننا بأجدادنا الذين صرفوا من أموالهم لإغاثة أخوتهم الساكنين بعيداً؟ ونحن
لا نُعطي شيئاً للاّجئين إلينا. نطردهم وندينهم في حين لا نقلّ عنهم شراً وخطيئة.

 

إن
كان الله يفحص حياتنا كما نفحص حياة الفقراء المعوزين فلن نكسب منه أيَّ رحمة.
” لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون” (متى 7: 2). عليك إذاً أن
ترحم أخاك وتغفر له خطاياه لتحظى أنت أيضاً بالرحمة والغفران.

 

لماذا
تبحث في التفاصيل وتضيف على نفسك الهموم؟ قلْ بالأحرى مع الرب: ” صلّوا لأجل
الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السماوات. فإنه
يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويُمطر على الأبرار والظالمين ” (متى 5: 44
– 45).

 

الربّ
يحسن إلى الجميع من دون أن يفحص خطاياهم، مبرهناً بذلك عن محبّته للبشر من غير
تمييز بين الصدّيقين والخطأة. ألا تشبّه به إذاً في أوان الرحمة والإحسان. ساعد
الفقراء وأرحهم من عوزهم وجوعهم. حرّرهم من حزنهم ولا تبحث عمّا عدا ذلك. إن كان
علينا أن ندقّق في حياة البشر فلن نغيثَ أحداً.

 

أرجوكم
أن تبتعدوا عن مثل هذا الفضول إزاءَ الآخرين وتقبلوا على العطاء بسخاء وشجاعة لكي
تحظوا أنتم أيضاً بمحبّه الرب يسوع الذي يليق له المجد والإكرام مع الآب والروح
إلى الدهر. آمين.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى