علم المسيح

11- المسيح يُعلن أنه أعظم من الهيكل،



11- المسيح يُعلن أنه أعظم من الهيكل،

11- المسيح يُعلن أنه أعظم من الهيكل،

فهو يبقى
إلى الأبد والهيكل يُهدم إلى التراب

حينما
تجرَّأ الفرِّيسيون وآخذوا المسيح: كيف يفعل تلاميذه ما لا يحل فعله في السبت؟
رآها المسيح تمس شخصه، فرد عليهم مؤنِّباً: كيف أن داود دخل خيمة الاجتماع (وهي
بمثابة الهيكل) وأكل خبز الوجوه هو ورجاله الذي لا يحلُّ أكله إلاَّ للكهنة؟ أو
كيف أن الكهنة يوم السبت يكسرون قوانين السبت لأداء خدمتهم داخل الهيكل. ثم وازن
بين هذين المَثَلين ومَثَل تلاميذه وهم يأكلون الحنطة من سنابلها يوم السبت في
وجوده،
وعلَّق على ذلك بقوله: ” ولكن أقول لكم: إن ههنا أعظم من
الهيكل!”
(مت 12: 16). هذا هو المسيح يُعلن عن ارتفاع قامته
القدسية عن هيكل العبادة والتقديس! فماذا يعني ومَنْ يكون؟

أمَّا
الهيكل فهو أقدس مكان في إسرائيل، بل وفي العالم كله في نظر اليهودي على الأقل،
وفيه فقط تجب العبادة وينبغي التقديس. وبحسب التوراة يكون مكان حضرة الله في ركن
قدس أقداسه الداخلية حيث لا يدخله إلاَّ رئيس الكهنة، ومرَّة واحدة في السنة، وليس
بدون دم المحرقة في يديه ينضحه أمامه ليكفِّر عن خطايا الشعب. كل هذا ويظل الهيكل
بكل مقدَّساته دون قامة المسيح القدسية! مما
يُعلن في الحال أن المسيح هو مجد الله، وبه تصح العبادة لله بالقدر الذي تكون
عبادة
الهيكل من دونها، ويكون المسيح أعظم من الهيكل. فإن أشرق المسيح
فليغرب الهيكل، وإن صلبوه فليُهدم!

والتلاميذ
من حول المسيح كهنة من داخل هيكل يكسرون السبت لأنهم في حضرة رب السبت. والمسيح
معلِّماً تلاميذه هو يهوه فوق جبل موسى يعطي الإنجيل بأعلى وأعمق مما تكون التوراة
والناموس. وحديث التلاميذ إليه هو عبادة وصلاة، والله في السماء يسمع ويُجيب.

وأكل
سنابل الحنطة أمامه هو بعينه أكل الكهنة لخبز الوجوه أمام وجهه!!

فلماذا تزعجون تلاميذي وتتحدَّثون عن السبت وأنتم تجهلون رب السبت؟

ثم
أليس هذا الكلام بعينه هو ما فهمه ق. استفانوس الشهيد وردَّده جهاراً ووجهه يُشرق
نوراً: “لأننا سمعناه يقول: إن يسوع الناصري هذا سينقض هذا الموضع (الهيكل)
ويغيِّر العوائد التي سلَّمنا إياها موسى” (أع 14: 6). هذا قاله ق. استفانوس عن رؤية وسمع سماوي، وهذا عينه
ما شهد به التاريخ
باليوم والساعة،
وأليس هذا عينه هو ما نعيشه نحن اليوم بعد أن تمَّ وتغيَّر كل شيء؟

 

12- عبادة
الله بالروح وبلا هياكل

“حديث
المسيح مع السامرية”

نحن ننتقل هنا من رواية في إنجيل ق. متى إلى رواية في إنجيل
ق. يوحنا، وللقارئ أن يحكم إن

كان هناك فرق! أو إن كان هناك ما يُشبه هذا
القرار الواضح في أيٍّ من الأسفار قاطبة أو أي كتب كانت.

لقد
سار المسيح وتعب من المسير فجلس على حافة بئر لأنه كان عطشاناً، وعطشه لا يرويه
إلاَّ ما يصنعه لتكميل مشيئة أبيه. فساقت الأقدار الإلهية في وقت الظهيرة بحرِّها
القائظ امرأة سامرية جاءت لتستقي، لأنها ارتوت بمسرات الدنيا الكثيرة وظلَّت
عطشانة هي والذين معها. وجاءت بقِدْرِها دون أن تدري لتَرِدَ(
[1]) ماء الحياة الذي تكلَّم عنه
المسيح، هذا كان قَدَرُها. طلب منها المسيح أولاً أن تسقيه
مودَّة فأنكرت عليه طَلَبَهُ لأنه يهودي وهي
سامرية، ولأنه رجل وهي امرأة. ولكنه لما بدأ يتحدَّث معها عرفته في الحال
ليس كالكتبة والفرِّيسيين أنه نبي. فظلَّ يتحدَّث فأدركت أنه أكثر
من نبي، فمَنْ يكون؟ لعلَّه ولعلَّه، فأرادت أن تسأله لتحرجه ليكشف لها عن نفسه:
“آباؤنا سجدوا في هذا الجبل (جرزيم) وأنتم (اليهود) تقولون إن في أُورشليم
“الموضع” الذي ينبغي أن يُسجد فيه؟
قال لها يسوع يا امرأة صدِّقيني
أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أُورشليم تسجدون للآب.” (يو 4:
20و21)

إذن
فالعبادة عند هذا النبي ليست بالمكان والزمان والإنسان؟

تعجَّبت
المرأة وزادت حيرتها، ولكنها بادرت بإحراجه بمعلومة تحمل ما يشبه الفخ لتُخرجه
نهائياً عن صمته ليكشف لها عن نفسه، فصدُقَ حدسها ونجح فخّها. قالت له والقول يحمل
سهماً أصاب كبد الحقيقة: “قالت له المرأة أنا أعلم أن مسيَّا الذي يُقال له
المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء (والمعنى قُلْ الحقيقة). قال لها يسوع: أنا
الذي أُكلِّمك هو!
” (يو 4: 25و26). هذا هو المسيَّا نفسه، وهذا هو تقريره
عن الهيكل والعبادة. فما قاله في إنجيل ق. متى وثَّقه في إنجيل ق. يوحنا: إنه أعظم
من الهيكل، فمتى جاء المسيح فليذهب الهيكل والعبادة فيه. لأنه قال للسامرية ضمن ما
قال: “تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق..
الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا.” (يو 4: 23و24)

فإنْ
ارتفع معنى “الهيكل” من حجارة إلى “الرب الروح من السماء”
ارتفعت العبادة بالضرورة من الجسد إلى الروح ومن الأرض إلى السماء.

فأن
يقول المسيح بنفسه إنه أعظم من الهيكل، فبذلك تكون المسيحية قد ضربت جذورها في
السماء، وارتفعت العبادة بالتالي مما هو للجسد إلى ما هو للروح.

وهذا
هو يسوع المسيح الذي قال عنه الملاك في بشراه للعذراء: “هذا يكون عظيماً
وابن العَلِيِّ يُدعى.” (لو 32: 1)

فهو
وُلد ليكون أعظم من الهيكل، ويتقبَّل العبادة كالعليّ.

13- المسيح
أكمل الناموس ليهدم الناقص فيه

إن
قلنا إن المسيح هدم الناموس نكون قد أخطأنا، وإن قلنا إنه جاء ليكمِّل الناموس فقط
نقع في نفس الخطأ. ولكن الحقيقة أنه هدمه ليكمِّله وأكمله ليهدمه. فقد هدم ما هو
ناقص فيه ليصير كاملاً، وأكمل ما نقص فيه لكي يهدم الناقص منه. فهو لم يمس كمال
الناموس.

فإن كان المسيح قد هدم شيئاً من الناموس فقد هدم ما هو ليس
كاملاً
فيه، هنا
يلزم أن نمسك بقوله: “ما جئت لأنقض بل لأُكمِّل” (مت 17:
5) وهو الجزء الإيجابي. قاله كبرهان وتأكيد أنه لم يجيء لينقض الناموس أو
الأنبياء.

وجئت
“لأكمِّل” هي الواقع العملي في كل تعليمه خاصة فيما يتعلَّق بالعهد
القديم. فلولا مجيء المسيح وأعماله لبقيت جميع النبوَّات بلا معنى ولا تفسير ولا
تكميل. ولكن بأعماله كملت نبوات الأنبياء بكل صدق وأمانة. والناموس كان يضجُّ من
خطايا الناس، والناس كانوا يضجُّون من الناموس؛ فلا الناموس قادر أن يرضى الناس
ويريح ضمائرهم ويكمِّل مطالب نفوسهم وشهوة حبهم لله، ولا الناس راضون عن الناموس
الذي بكثرة بنوده وأوامره ونواهيه تاهت نفوسهم عنه وعن العمل به. وفي نفس الوقت
عجز الناموس عن أن يُشبع قلوبهم من عبادة مقبولة لدى الله. فجاء المسيح ورفع الخطية
التي هي نقطة العجز في الناموس ونقطة العجز في الناس،
التي منعتهم من العبادة
الحُّرة المفرِّحة لله. وألغى كثرة بنود الناموس وأوامره ونواهيه التي أضافها
جماعة الربيِّين والمعلِّمين للناموس على طول المدى، فصار ثقلاً لا يمكن حمله أو
احتماله. فبهذا أكمل المسيح ما يمكن أن يجعل الناموس كاملاً في نظر الناس، وأكمل
عقوبة الخطية ولعنتها في جسده وبرَّأ الإنسان وبرَّره، فبلغت العبادة منتهى كمالها
في نظر الله والناس. فقيل إنه أكمل مطالب الناموس حتى إلى منتهى الكمال الذي أرضى
الله والناس: “قد أُكمل”
[2]) (يو 30: 19). فمن جهة الحذف
والنقض والإلغاء، نعم، حذف ونقض وألغى ما هو عاجز وما هو ناقص في الناموس الذي
جعله غير نافع للعبادة ولا كُفواً أن يوصِّل الإنسان بالله. ومن جهة أنه أكمل،
نعم، أكمل الناموس ليجعله صالحاً لعبادة توصِّل الناس إلى الله، وتُدخِل الخاطئ
إلى ملكوت الله.

فالذي
يقول إن المسيح نقض التوراة والناموس خاطئ هو ومُفْتَرٍ،
لأن المسيح لم ينقض إلاَّ ما هو ليس كاملاً، ونقض ليكمِّل الناموس. فكلمة “النقض”
تحمل في طيَّاتها وصميمها في أعمال المسيح كلمة “التكميل”. فلا
يمكن أن يُذكر النقض خُلْواً من تكميل، ولا التكميل خُلْواً من نقض!!

والمسيح
أمعن في إتقان عملية الهدم والبناء هذه حتى جعل الإنسان وعبادته على مستوى الإنسان
النموذجي الكامل أمام الله والمسيح، لا بالمعنى اللاهوتي للعبادة الروحية وحسب، بل
على الواقع الحي في العالم على طول المدى كما رآها بولس الرسول وعبَّر عنها:
“لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح (الكنيسة)، إلى أن ننتهي
جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل (=) إلى
قياس قامة ملء المسيح.” (أف 4: 12و13)

هذه هي العبادة الكاملة التي أسَّسها المسيح بتعليمه وعمله
ودمه
في ناموس واحد كامل قادر
أن يخلق لله إنساناً كاملاً على قياس قامة ملء المسيح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى