علم التاريخ

معمودية الهراطقة والجاحدين



معمودية الهراطقة والجاحدين

معمودية
الهراطقة والجاحدين

بعد
أن خف نشاط الهراطقة منذ نهاية القرن الثاني. وبدأ بعضهم يعود إلى حضن الكنيسة.
نشأ خلاف بين الأساقفة حول معمودية هؤلاء. فمنهم من اعترف ومنهم من اوجب معمودية
ثانية. فدعا اغريبينوس أسقف قرطاجة إلى مجمعاً في سنة 217 ونتج عنه عدم الاعتراف
بمعمودية الهراطقة. وفي الشرق عقد فرميليانوس في أيقونية وآخر في سنادة مجمعاً سنة
230 واتخذ قراراً مماثلاً.

 

وفي
روما نشاء شقاق فاتخذ نوفاتيانوس موقفاً شديداً على التائبين وفرض عليهم إعادة
المعمودية وعلى من تساهل معهم. وثابر كرنيليوس تساهل سلفائه ولم يطلب إعادة
التعميد ولكنه لم يتدخل في شؤون أساقفة الشرق وأفريقية.

 

توفي
كرنيلوس في سنة 252 وخلفه على كرسي روما لوقيوس 252-253 ثم اسطفانوس. وكان حاد
الطبع فاشتد الخلاف حول معمودية الهراطقة والجاحدين، ودخلت الكنيسة الجامعة في
أزمة كادت أن تشقها شقاً. ففي سنة 252 أثار ثمانية عشر أسقفاً من نوميدية قضية
إعادة المعمودية أمام مجمع قرطاجة. فأوجب المجمع التمسك بالتقليد المحلي ونهى عن
قبول معمودية الهراطقة والجاحدين. وبعد ذلك بقلبل كتب كبريانوس بالمعنى نفسه في
الإجابة عن سؤال وجهه إليه أسقف موري. وفي خريف 255 وربيع 256 أحب كبريانوس أن
يجلي هذه القضية جلاءً تاماً. فكتب إلى اسطفانوس مبيناً موقف مجمع قرطاجة موجباً
إعادة معمودية الهراطقة والتائبين.

 

فغضب
اسطفانوس وكتب إلى أساقفة أفريقيا موجباً المحافظة على تقاليد رومة الموروثة
مكتفياً بوضع الأيدي على التائبين ومهدداً بقطع العلاقات. وكان قد أرسل انذاراً
مماثلاً إلى كنائس الشرق إلى أساقفة قيليقية وقبدوقية وغلاطية. فدعا كبريانوس إلى
عقد مجمعاً في أول أيلول. حضر المجمع سبة وثمانون أسقفاً وقساوسة وشمامسة كثيرون.
وأيدوا بقرار جديد في جلسات هذا المجمع موقف أفريقيا من معمودية الهراطقة
والجاحدين. وأكد كبريانوس في جلسات هذا المجمع”أن اختلاف الآراء لا يضر ولا
ينافي الإتحاد في الإيمان ولا يفك الربط بين الكنائس”.

 

موقف
كنيسة أنطاكية: تجلى موقفها في رسالة طويلة صاغها أشهر أحبارها آنئذ فرميليانوس
أسقف قبدوقية. وكان الداعي لوضع هذه الرسالة أن كبريانوس أسقف قرطاجة وأساقفة
أفريقيا أوفدوا إلى قيصرية قبدوقية الشماس روغاتيانوس برسالة إلى فرميليانوس.
أوضحوا فيها موقفهم وموقف اسطفانوس.

 

وكان
فرميليانوس قد اشتهر بالتقوى والصلاح والفضل والعلم والمحافظة على سلامة العقيدة. ولكنه
ورث عن أستاذه اوريجانس الاسكندري شيئاً من الكره لرومة. وكان قد أخذ على اسطفانوس
نفسه قلة اهتمامه ببعض الأساقفة الشرقيين الذي أوفدوا إليه. لما اطلع على الاضبارة
وجدها تتفق مع مقرارات مجمعي أيقونية وسنادة المذكوران أعلاه. كتب إلى كبريانوس
رسالة طويلة باليونانية سدّد بها موقفه وانتقد اسطفانوس. وقد ضاع نصها الأصلي ولم
يبقى عنه سوى ترجمته إلى اللاتينية ولعل هذه الترجمة هي لكبريانوس نفسه.

 

وبعد
أن أكد هذا القديس الأنطاكي “أن بيت الرب بيت واحد” وشكر لاسطفانوس
“عنوه” لأنه أتاح له أن يخبر إيمان كبريانوس وحكمته انتقد أسقف روما في
قوله أن الرسل منعوا تعميد الراجعين من الهراطقة. مؤكداً أن الهرطقة ظهرت بعد
الرسل. وبيّن بعد هذا أن الهراطقة بانشقاقهم عن كنيسة المسيح خسروا السلطة والنعمة
اللذين في الكنيسة وأن الولادة الروحية بالتالي لا يمكن أن تتم من دون الروح. ثم استطرد
فأشار إلى الذين عمدهم يوحنا قبل إرسال الروح القدس، عمدهم بولس مرة ثانية
بالمعمودية الروحية ووضع عليهم يده لينالوا الروح القدس. “فما دام بولس عمّد
تلاميذ يوحنا وقد كانوا معمّدين فكيف نقاوم نحن تعميد القادمين من الهرطقات إلى
الكنيسة”.

 

وتخالف
الأحبار وتفرقت كلمتهم وهدد اسطفانوس بقطع العلاقات فأجابه فرميليانوس: “إنك
قد بذرت خصومات لا تُعد ولا تُحصى في كل كنائس المسكونة ويا ليتك تعلم تحت أية
خطيئة وضعت نفسك إذ انفصلت عن هؤلاء الناس جميعهم. وإنك بعملك هذا لا تفصل عن شركة
الاتحاد الكنائسي سوى نفسك فتصبح أنت العاصي”.

 

تدخل
ديونيسيوس الاسكندري: وتوفي اسطفانوس 257 قبل أن ينفذ شيئاً من التهديد، وحل محله
سكستوس “الأسقف الصالح المسالم” وتدخل ديونيسيوس مصلحاً فقرب القلوب
وعادات العلاقات الودية إلى سابق عهدها واتصل أسقف روما الجديد بكبريانوس
وفرميليانوس وغيرهما. ولكن الخلاف في أمر المعمودية ظل قائماً حتى حكم فيه مجمع
نيقية (المجمع المسكوني الأول).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى