اللاهوت العقيدي

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

انكار الكهنوت وتأميمه

مقالات ذات صلة

2- إنكار الكهنوت وتأميمه

1- منكرو الكهنوت وأدلتهم.

2- ما معنى الكهنوت الروحى أو العام؟

3- تأميم الكهنوت ثورة قديمة أخمدها الرب.

4- هل لا يوجد سوى كاهن واحد؟

 

إعتراضات، والرد عليها:

الذين ينكرون الكهنوت، يتخذون أحد طريقين
متناقضين:

أ- إما أن يقولوا إنه لا يوجد سوى كاهن واحد فقط
لا غير، هو السيد المسيح له المجد، ولا كهنوت للبشر!

 

ب- وإما أن يقولوا إن جميع المؤمنين كهنة، ولا
تفريق أو تمييز بينهم في هذه الناحية! لا أحد أفضل من غيره. وأنهم جميعاً يشاركون
في كل الإمتيازات، ويتحملون كافة المسئوليات في حياة التكريس!

 

3- نصوص يعتمدون عليها في رفض الكهنوت

أما نصوص الكتاب المقدس التي تعتمدون عليها، فهى:

أ- قول القديس بطرس الرسول ” وأما أنتم
فجنس مختار، وكهنوت ملوكى، أمة مقدسة، وشعب اقتناء” (1بط 2: 9).

 

ويرون أن هذه الآية تدل على أن الشعب كله كهنوت.
فلا يوجد أشخاص مميزون هم الكهنة!

 

ب- ما ورد في سفر الرؤيا (1: 6) ” وجعلنا
ملوكاً وكهنة لله أبيه”. وسنتناول الرد في حينه على مفهومهم لآيات أخرى،
حينما نتعرض لذلك بالتفصيل في الفصول القادمة. والسؤال الآن هو:

 

هل الكهنوت هو لجميع الناس؟.. أم توجد جماعة
مميزة لهذا العمل الكهنوتى؟

 

فى الواقع أن العبارة التي قالها القديس بطرس
الرسول ” وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوتى ملوكى، أمة مقدسة ” (1بط 2: 9)،
مأخوذة أصر من العهد القديم، من قول الرب لليهود ” وأنتم تكونون لى مملكة
كهنة وأمة مقدسة” (خر 19: 6)

 

و هى لا تعنى أن الشعب كله يمارس أعمال الكهنوت
المعروفة، كما ظن ذلك قورح وداثان وأبيرام ” فاجتمعوا على موسى وهارون وقالوا
لهما: كفاكما. إن كل الجماعة بأسرها مقدسة، وفى وسطها الرب” (عد 16: 3)

 

فعلى الرغم من أن الجماعة كلها مقدسة، ومملكة
كهنة، إلا أن الله الله اختار له كهنة معينين. نفس الوضع فى العهد الجديد.

 

إذن عبارة (مملكة كهنة) أو (كهنوت ملوكى) لا
تعنى أن الأمر مشاع بلا تفريق ولا تمييز. فقد استخدمت نفس العبارة في العهد القديم،
ولم يكن الكهنوت مشاعاً، بل على العكس خصص الله لهذا العمل هارون وبنيه. وكل شخص
غيرهم، كان يتجرأ على مزاولة الكهنوت، كان الرب يعاقبه بشدة تصل إلى القتل. وكان
الكهنة وحدهم هم الذين يقدمون الذبائح، وهم وحدهم الذين يرفعون البخور، ويمارسون
باقى أعمال الكهنوت. ولا يجرؤ أحد على ذلك، ولا حتى الملك الذي يدعى “مسيح
الرب”.

 

كل هذا المنع وشدة العقاب أمر به الرب، على من
أن الشعب كله كان ” مملكة كهنة ” حسب قول الرب.

 

إذن ما معنى عبارة ” مملكة كهنة”..؟
وما هى معنى عبارة ” جعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه”..؟ وهل يوجد كهنوت
عام..؟

 

طبعاً لا يمكن أن تؤخذ عبارة ” كلنا ملوك
وكهنة ” بالمعنى الحرفى. لاحظوا أنه لم يقل ” كلنا كهنة ” وإنما
” ملوك وكهنة”. فإن كانت كلمة ملوك لا تؤخذ بالمعنى الحرفى، فكلمة كهنة
أيضاً لا تؤخذ بالمعنى الحرفى.

 

وواضح أن كلمة ملوك هنا، لا يمكن أن تفهم حرفياً.
فلا يمكن أن يكون جميع الناس ملوكاً: يلبسون التيجان، ويجلسون على عروش، ويحكمون
شعوباً، ويدعون أصحاب جلالة..!

فما داموا ليسوا ملوكاً حرفياً، فلا يكونون كهنة
حرفياً.

إن هذا يدخلنا في موضوع الكهنوت بالمعنى الروحى..

 

4- الكهنوت بالمعنى الروحي

ما هو المعنى الروحى لكلمة كهنوت؟ إنه ولا شك
كهنوت روحى، يقدم فيه المؤمن ذبائح روحية، وبخوراً روحياً، دون أن يكون كاهناً
بالمعنى الحرفى؟ ويمكن أن ينطبق هذا على جميع المؤمنين..

 

يقول المرتل في المزمور ” فلتستقم صلاتى
كالبخور قدامك. وليكن رفع يدى ذبيحة مسائية” (مز 141).

 

هذا هو الكهنوت الروحى: بخور من هذا النوع،
وذبيحة من هذا النوع. وهذا متاح للجميع.. ويقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى
أهل رومية: “أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله، أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية
مقدسة، مرضية عند الله عبادتكم العقلية” (رو 12: 1). هذه هى الذبيحة التي
يمكن أن يقدمها كل مؤمن، وبها يعتبر كاهناً بالمعنى الروحى: “صلب الجسد مع
الأهواء” (غل 5: 24)، أو باقى أعمال الإماتات المتنوعة للجسد، كقول الرسول
” نسلم دائما للموت “، ” الموت يعمل فينا “، ” حاملين في
الجسد كل حين إماته الرب يسوع” (2كو 4: 10 – 12).

 

كل هذه الذبائح الروحية، داخلة في أعمال العبادة
والصلاة.

 

ومن أمثلتها ايضاً ذبيحة التسبيح ” فلنقدم
به كل حين لله ذبيحة التسبيح.. أى ثمر شفاه معترفة إسمه” (عب 13: 15)، أو ما
ورد في (مزمور 116) ” لك أذبح ذبيحة الحمد (أو الشكر)، وكقول الرسول أيضاً
“لا تنسوا فعل الخير والتوزيع، لأنه بذبائح مثل هذه يسر الله” (عب 13: 16)،
ومثلها أيضاً (فى 4: 18).

 

إن تقديم مثل هذه الذبائح، هو المقصود بالكهنوت
العام لجميع المؤمنين. وهذا لا يمنع مطلقا الكهنوت الخاص بتقديم الأسرار المقدسة،
الذي خص به الله أناسا معينين لخدمته.

 

الأمران موجودان معاً، في العهد القديم، وفى
العهد الجديد أيضاً. داود النبى كان صلاته ترتفع كالبخور قدام الله، وكان رفع يديه
ذبيحة مسائية (141). ولكن هل كان يجرؤ داود وهو مسيح الرب، ونبى، أن يقدم ذبيحة
كما يفعل اصغر كاهن من بنى هارون؟! حاشاً..

 

كذلك في العهد الجديد: كل إنسان يستطيع أن يقدم
ذبيحة الحمد، وذبيحة التسبيح، وذبيحة العطاء والتوزيع، ويقدم جسده ذبيحة حية،
ويرفع يديه كذبيحة مسائية.. ولكن هل يجرؤ أحد أن يقدم الذبيحة التي هى جسد الرب
ودمه في سر الإفخارستيا، والتى بها يدعى الكاهن كاهناً في العهد الجيد؟؟ مستحيل..

 

هوذا القديس بولس الرسول يقول عن كهنوت العهد
الجديد ” لا يأخذ أحد هذه الكرامة من نفسه، بل المدعو من الله، كما هرون
أيضاً” (عب 5: 4).

إن كان المدعو من الله هو الكاهن، إذن الكهنوت
ليس للكل، ولا يدعيه كل أحد.

على أن الرغبة في تأميم الكهنوت مسأله قديمة،
فصل فيها الله بعقوبة رادعة، والله لا يتغير..

 

5- الثورة على الكهنوت هي محاولة قديمة فاشلة

مسألة الثورة على الكهنوت، والرغبة في تأميمه،
أى يكون للأمة كلها، على اعتبار أنها ” أمة مقدسة ” و” مملكة كهنة
” هى ثورة قديمة كان أول من قام بها قورح وداثان وأبيرام، وقصتهم معروفة في
الأصحاح 16 من سفر العدد، حيث يقول الكتاب عنهم وعن 250 معهم، امسكوا المجامر
ليرفعوا البخور.

 

فاجتمعوا على موسى وهارون وقالوا لهما ”
كفاكما. إن كل الجماعة بأسرها مقدسة، وفى وسطها الرب. فما بالكما ترتفعان على
جماعة الرب؟!” (عد 16: 3).

 

وباقى القصة معروفة. لقد أمر الرب أن تفتح الأرض
فاها وتبتلع كل هؤلاء، وثبت الرب الكهنوت لهارون وبنيه فقط وليس للكل. وهكذا أخمد
هذه الثورة بحزم.

 

وقال الرب لهارون ” أما أنت معك، فتحفظون
كهنوتكم، مع ما للمذبح، وما هو داخل الحجاب، وتخدمون خدمة. عطية أعطيت كهنوتكم.
والأجنبى الذي يقترب، يقتل” (عد 18: 7).

 

وقد تكررت القصة بصور مختلفة، وتكررت معها:

 

أ- شاول الملك تجرأ أن يصعد المحرقة، كما ورد في
سفر صمؤئيل الأول (1صم 13: 9) فكانت النتيجة أن الرب رفضه، وفارقه روح الرب وبغته
روح ردئ من قبل الرب (1صم 16: 14). مع أن شاول لم يكن شخصاً عادياً، وإنما كان
مسيح الرب، وكان روح الرب قد حل عليه وتنبأ (1صم 10: 10، 11). ولكن كل هذا لم يعطه
الحق في أن يعمل عملاً من أعمال الكهنوت يمكن أن يعمله إبن بسيط من أبناء هرون.

 

ب- وعزيا الملك جرؤ أيضاً أن يمسك مجمرة ليرفع
بخوراً كما ورد في سفر أخبار الأيام الثانى (2أى 26: 19- 21). وفكان النتيجة أن
ضربه الرب بالبرص، وأعتبر عمله خيانة، طردوه، قطعوه من بيت الرب، وظل أبرص إلى يوم
وفاته..

 

هذه أمثلة خطيرة من الكتاب المقدس. ولكن البعض
يحتج ويقول: كل هذا حدث في العهد القديم. أما العهد الجديد فقد تغير فيه الوضع،
الغى كهنوت العهد القديم، ولم تعد هناك واسطة يضعها الله بينه وبين الناس! هنا
ويحق لنا أن نطرح سؤالا هاماً:

 

6- ليس عند الله تغيير

الإعتراض الثانى

يعترض البعض بأن الكهنوت أمر خاص بالعهد القديم
فقط. وهذا يدعونا أن نطرح سؤالاً هاماً وهو:

 

4- هل الله في العهد القديم غير الله في العهد
الجديد؟

أقول هذا، لأننا كلما نثبت عقيدة بآيات من العهد
القديم، يتجرأ البعض على العهد القديم ويحقرونه! ويعتبرون أن مجرد ناموس بعيد عن
النعمة، ويتكلمون عنه بطريقة خالية من الإحترام اللائق بكلام الله. كما لو كانت
تعاليم العهد القديم قد ألغيت! أو أن العهد الجديد قد نسخ العهد القديم!!

 

وللأسف فإن بعض الذين يهاجمون العهد القديم
يضعون في أغلفة ومؤلفاتهم كليشيه كبير للآية المشهورة:

 

” كل الكتاب موحى به من الله”..
فلماذا هذه الجرأة على العهد القديم، وهو جزء من الكتاب؟ ثم هل الله في علاقته
بالبشر قد تغير؟

 

هل هو في العهد القديم يقبل وسطاء بينه وبين
الناس، وفى العهد الجديد يرفض؟ هوذا يعقوب الرسول يقول:

 

إن الله ” ليس عنده تغيير ولا ظل
دوران” (يع 1: 17). بل هو أمس واليوم وإلى الأبد.

 

و السيد المسيح نفسه حينما تعرض للعهد القديم،
في العظة على الجبل، قال كلمات جميلة جداً، نذكر من بينها:

 

” لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو
الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإنى الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض،
لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل..” (مت 5: 17، 18).

 

إذن لا نقول فقط إن العهد القديم لم يلغ، بل أنه
حتى حرف واحد أو نقطه منه لا يمكن أن تزول..

 

ولعل البعض يسأل: هل نحن مطالبون بالعهد القديم،
من جهة السبت، والختان، والأعياد، والذبائح الدموية، والنجاسات والتطهير.. التي
قال عنها الرسول إنها “ظل الأمور العتيدة” (كو 2: 17)؟

 

أقول لك إنك غير مطالب بحرفيتها. ومع ذلك، فإن شيئاً
من أوامر العهد القديم لم ينقض تسأل: وكيف التوفيق إذن؟ تجيبك:

* خذ مثالاً لذلك: وصية حفظ السبت..

 

7- وصية حفظ السبت حالياً

وصية (السبت) Sabbath مازالت قائمة، في جوهرها، من حيث أن تقديس يوماً من الأسبوع للرب.
لم تنقض هذه الوصية أبداً.

ولكن السبت يعنى الراحة. وكانت الأرض تسبت في
العام السابع أى تستريح (لا 25: 2) بغض النظر عن أيام الأسبوع هنا.

فمادام السبت يرمز للراحة، نسأل إذن: متى استراح
الرب؟ كانت الراحة الحقيقية عندما أراح الناس من دينونة الخطية، ومن ثمرة الخطية
ونتيجتها أعنى الموت.

 

أراحنا من دينونة الخطية بصلبه في اليوم السادس.
وأراحنا من الموت بقيامته يوم الأحد. وهكذا اصبح يوم القيامة هو اليوم الذي تمت
فيه الراحة، أى صار السبت الحقيقى، بالمعنى الروحى للسبت وهو الراحة.

 

فالراحة كوصية في الناموس لا تزال قائمة، وتخصيص
يوم للرب لا يزال قائما، من جهة جوهر الوصية وروحها وقصد الرب منها.. أى الراحة.

 

لم ينقض الناموس هنا إطلاقاً، ولا نقضت وصية
السبت، إنما أعطى للسبت مفهومه الروحى. وأصبحنا نعيد لراحة الرب، لسبته في الفداء،
بعد سبته في الخليقة. وقد كانت راحة الرب يوم الأحد، فصار يوم الأحد هو السبت
الجديد، المفهوم الروحى للسبت.

 

أذكر يوم السبت لتقدسه، أو أذكر يوم الرب لتقدسه،
كلاهما بمعنى واحد. ” الروح يحيى، والحرف يقتل” (2كو 3: 6).

 

* مثال آخر: موضوع الختان هل نقضه العهد الجديد؟

 

8- وصية الختان بين العهدين

إن الله لا يضع وصاياه عبثاً، ولا يتغير في
تعليمه. وعندما وضع الختان، قصد به معنى روحيا، ربما لم يفهم الناس وقتذاك سوى
ظاهرة، أما باطنه فاحتاج إلى شرح.

 

كان قطع جزء من الجسد وموته، ويرمز إلى موت
الجسد كله في المعمودية “مدفونين معه في المعمودية” (رو 6: 4) أنظر
أيضاً (كو 2: 11، 12).

 

إذن عملية موت الجسد، المقصودة من الختان، ظلت
قائمة – والوصية لم تنقض. إنما أخذ المعنى الروحى بدلاً من المعنى الحرفى.

 

والسيد المسيح لم ينقض الناموس، إنما شرحه
روحياً..

 

لم ينقض السبت، لكن شرحه بمعنى الراحة، وكملت
الراحة في يوم الأحد. ولم ينقض موت جزء من الجسد عن طريق الختان، إنما كمل هذا
الموت روحياً في المعمودية، التي كان الختان رمزاً لها.. (كو 2: 11، 12).

 

9- الأعياد في العهد القديم والجديد

* الأعياد أيضاً لا تزال باقية، في الوضع الذي
كانت ترمز إليه. كل عيد في العهد القديم، كان يرمز إلى عيد فى العهد الجديد. الفصح
مازال فصحاً. ولكنه أخذ معناه الكامل في السيد المسيح، الذي كان يرمز إليه خروف
الفصح ” لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا” (1كو 5: 7).

 

وعيد الفطير الذي يلى الفصح ويتبعه مباشرة،
مازلنا نعيده في مفهومه الروحى الذي كان الفطير رمزاً إليه ” إذن فلنعيد، ليس
بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل الفطير الإخلاص والحق” (1كو 5: 8).

 

و عيد الخمسين (لا 23)، مازلنا نعيده يوم
الخمسين من القيامة (عيد العنصرة البند كستى).. وهكذا مع باقى الأعياد، إنما تحول
الرمز إلى المرموز إليه. وظلت الوصية قائمة لم تُنْقَض..

 

10- الذبائح والكهنوت بين العهدين

* هكذا الذبائح الدموية، كانت ترمز إلى ذبيحة
السيد المسيح.

مبدأ الذبيحة لم ينقض في العهد الجديد، بل ظل
باقياً، إنما أخذنا المعنى الروحى بدلاً من لمعنى الحرفى.

وهكذا المذبح ظل باقياً في المسيحية، إنما ليس
لذبائح دموية، بل بقى “لفصحنا الذي ذبح لأجلنا”.

 

* الكهنوت بالمثل لم يلغ، إنما تغير من كهنوت
هارونى، إلى كهنوت على طقس ملكي صادق، من كهنوت يقدم ذبائح دموية إلى كهنوت يقدم
الخبز والخمر.

 

كما قال الكتاب “وملكى صادق ملك شاليم،
أخرج حبزاً وخمراً، وكان كاهناً لله العلى” (تك 14: 18). وقد شرح القديس بولس
الرسول أن هذا الكهنوت أفضل من الكهنوت الهارونى. وأن ملكى صادق مشبه بابن الله
(عب 7: 3، 11). واستشهد بنبوءة المزمور ” أنت كاهن إلى الأبد على رتبه ملكى
صادق” (عب 7: 21، مز 110)

 

وقال الرسول إن ” الكهنوت قد تغير”
(عب 7: 12) ولم يقل قد ألغى، تغير من الكهنوت اللاوى إلى كهنوت على طقس ملكى صادق.

 

وهكذا لم تنقض المسيحية الناموس ولا الأنبياء.
إنما ما كان من الناموس مقصوداً بحرفيته، بقى كما هو. وما كان رمزاً، فهمناه في
المرموز إليه. بقى العهد القديم. ولكن السيد المسيح خلع البرقع من على الأذهان
(2كو 3: 14 –16). وصار المؤمنون يرون بعيون روحية..

 

إننى ارجو أن يعطينى الرب فيما بعد، فرصة أكبر
لشرح لكم أهمية العهد القديم، ونظره العهد الجديد إليه.. لأنى للأسف الشديد، قرأت
شتائم كثيرة موجهة إلى الناموس والعهد القديم، أى إلى كلام الله نفسه! بل وشتائم
موجهة إلى قديسى العهد القديم، ووصفهم بأوصاف لا تليق إطلاقاً باحترام القديسين..!

 

يبقى سؤال في هذا الفصل عن الكهنوت وهو:

هل إنتهى الكهنوت؟

 

11- هل انتهى الكهنوت؟!

5- هل انتهى كهنوت البشر يذبيحة المسيح؟

وأصبح هناك كاهن واحد هو المسيح؟

طبعاً عبارة ” إنتهى كهنوت البشر “،
تتعارض مع عبارة ” كلنا ملوك وكهنة”. فإن كانت كلمة ” كهنة ”
لها بالنسبة إلى البشر معنى خاص، فما معنى الكهنوت بالنسبة إلى المسيح؟

 

* هل المسيح كاهن بمعنى أنه ” قدم نفسه
ذبيحة عنا؟

وإن كان كذلك فهل انتهى كهنوت المسيح هو ايضاً
بتقديمه لنفسه ذبيحة، حاشاً.. أم هو كما يقول الكتاب ” كاهن إلى الأبد”
(عب 7: 3، 21، 24)، وهو يقول لنا باستمرار ” خذوا كلوا، هذا هو جسدى. خذوا
إشربوا هذا هو دمى، من يأكل جسدى ويشرب دمى، يثبت في وأنا فيه ” (يو 6: 56).

 

* وإن كان السيد المسيح يقدم جسده ودمه، في كل
جيل، لكل مؤمن، فهل يفعل هذا بنفسه، أم عن طريق رسله ووكلائه الذين يمتد فيهم
العمل الكهنوتى، والذين قال لهم ” إصنعوا هذا لذكرى ” (1كو 11: 25).

 

إذن لا بد من كهنة يصنعون هذا لكره، ويقدمون
جسده ودمه لسائر المؤمنين في سر الإفخارستيا المقدس.

· ثم من قال إن الكتاب لم يذكر كاهناً آخر سوى
المسيح؟!

 

12- بولس.. كاهن

هوذا القديس بولس الرسول يقول “.. حتى أكون
مباشراً لأنجيل المسيح ككاهن، ليكون قربان الأمم مقبولاً مقدساً بالروح
القدس” (رو 15: 16).

 

* إن كان بولس الرسول كاهناً، فكيف يقال إن
كهنوت البشر قد انتهى؟ هل ننكر شهادة الكتاب هذه؟

 

على أن الأخوة الإنجيليين يقولون إن عبارة
(ككاهن) هنا، معناها أنه يشبه نفسه بكاهن!! فهل تحمل العبارة هذا المعنى؟!

 

أباشر عملى ككاهن، أى بصفتى كاهناً.. كما تقول
أحياناً ” أنا كمسيحى عضو في جسد المسيح ” ليس أنك تشبه نفسك بمسيحى، بل
بصفتك مسيحياً.. أو كما تقول ” أنا كإبن الله، لى صورته ومثاله ” فأنت
هنا لا تشبه نفسك بإبن الله، وإنما تقول هذا بصفتك إبناً لله.

 

وقد وردت (الكاف) في الكتاب، كثيراً بهذا المعنى..

 

كما قيل في الإنجيل ” والكلمة صار جسداً،
وحل بيننا، ورأينا مجداً كما لوحيد من الآب” (يو 1: 14).

 

فالكاف هنا ليست للتشبيه، وإنما السيد المسيح
باعتباره الإبن الوحيد للآب، له هذا المجد، وليس مشبهاً بابن وحيد!

 

أو كما يقول بولس الرسول لأهل رومية ” أنهم
لما عرفوا الله، لم يمجدوه أو يشكرون كإله (رو 1: 21)، أى باعتباره إلهاً، وليس
مشبهاً بإله!!

 

بل إن الرسول يقول أيضاً ” إن كنت كإنسان
حاربت وحوشاً في أفسس، فما المنفعة إن كان الموتى لا يقومون” (1كو 15: 32)،
فهل بولس الرسول هنا ليس إنساناً، بل يشبه نفسه بإنسان، حينما يقول كإنسان؟‍! أم
هو يقول إنه بصفته إنساناً قد حارب وحوشاً..

 

كذلك يقول ” يجب أن يكون الأسقف بلا لوم
كوكيل لله” (تى 1 ك 7) أى باعتباره وكيلاً لله وليس كتشبيه..

 

وهكذا حينما يقول ” كخدام لله ” (2كو
6: 4). لا يشبه نفسه وزملاءه بخدام الله، لأن خدمته ليست موضع مناقشة..

 

والأمثلة عديدة في الكتاب، وعلى هذا النحو، قال
بولس الرسول إنه يباشر خدمته للإنجيل بصفته الكهنوتية (1كو 15: 16) لأنه إن كان
يشبه نفسه بكاهن، فأى كاهن يشبه نفسه به، ولم يكن الكهنة في العهد القديم، ولا في
الوثنية يباشرون خدمة الإنجيل..؟!

 

* نقطة أخرى، وهى أن السيد المسيح لم يقل الكتاب
فقط عنه إنه ” كاهن إلى الأبد على طقس ملكي صادق ” إنما قال الكتاب عنه
في مواضع عديدة إنه (رئيس كهنة)

 

13- ما معنى رئيس كهنة؟

· ومادام المسيح رئيس كهنة، إذن هناك كهنة
يرأسهم،

أنظروا ماذا يقول يقول القديس بولس الرسول في
الرسالة إلى العبرانيين:

” من ثم أيها الأخوة القديسون، شركاء
الدعوة السماوية، لاحظوا رسول اعترافنا، ورئيس كهنته يسوع المسيح” (عب 3: 1).

 

” مدعواً من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي
صادق” (عب 5: 10).

 

“.. إلى داخل الحجاب، حيث دخل يسوع كسابق
لأجلنا، صائراً على رتبة ملكى صادق رئيس كهنة إلى الأبد ” عب 6: 20).

 

” رئيس كهنة مجرب في كل شئ مثلنا بلا
خطية” (عب 4: 15).

 

فإن كان المسيح بشهادة الكتاب رئيس كهنة، فمن
يكون الكهنة الذين يرأسهم سوى كهنة العهد الجديد..

 

· في مثل الكرامين الأردياء، الذين يمثلون
الكهنة الأشرار في العهد القديم، لم يقل الكتاب إنه ألغى وظيفة الكرامين إنما
” أوائك الأردياء يهلكهم.. ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين” (مت 21: 41)،
” ملكوت الله ينزع منهم، ويعطى لأمة تعمل اثماره” (مت 21: 43)

 

· نقطة أخرى، وهى أن الكتاب تنبأ عن كهنوت الأمم..

 

14- كهنوت الأمم

فى سفر ملاخى، قال الرب لليهود ” ليست لى
مسرة بكم – قال رب الجنود – ولا أقبل تقدمة من يدكم. لأنه من مشرق الشمس إلى
مغربها إسمى عظيم بين الأمم. وفى كل مكان يقربون لإسمى بخوراً وتقدمة طاهرة. لأن
إسمى عظيم بين الأمم” (ملا 1: 11).

 

فمن هؤلاء الذين سيقدمون للرب بخوراً وتقدمة من
أهل الأمم، سوى كهنوت العهد الجديد..؟

 

وقال لليهود في سفر اشعياء النبى ” ويحضرون
كل إخوتكم كم كل الأمم تقدمه للرب.. واتخذ ايضاً منهم كهنة ولاويين قال الرب”
(أش 66: 19 – 21). ولم نسمع إطلاقاً في العهدالقديم أن الرب اتخذ له كهنة من بين
الأمم ” فيخبرون بمجدى نسمع إطلاقاً في العهد القديم ن الرب اتخذ له كهنة من
بين الأمم ” فيخبرون بمجدى بين الأمم”. إنما كهنة الأمم هم كهنة العصر
المسيحى بلا شك..

 

* إذن الإدعاء بأن السيد المسيح هو الكاهن
الوحيد للعهد الجديد، أن هذا اللقب لم يطلق على أحد من البشر، هو قول لا يسنده
الوحى الإلهى، بل هو ضد تعليم الكتاب.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى