علم التاريخ

تسلسل الأباطرة وجهاد البابا أثناسيوس ضدهم وضد الأساقفة الآريوسيين



تسلسل الأباطرة وجهاد البابا أثناسيوس ضدهم وضد الأساقفة الآريوسيين

تسلسل
الأباطرة وجهاد البابا أثناسيوس ضدهم وضد الأساقفة الآريوسيين

شخصية
قسطنطينوس:

ان
أشد ما قاساه الأنبا أثناسيوس، بل والأرثوذكسية كان فى عهد ذلك الأمبراطور – لقد
انتشرت الأريوسية فى عهده انتشارا حثيثا فى معظم ارجاء الأمبراطورية.

كان
قسطنطينوس آريوسيا، بينما كان قسطنطين الصغير وأخاه قسطانس ارثوذكسيين.

وبرجوع
البابا أثناسيوس من المنفى الأول فى 23/11/337 م اضطرب الأريوسيين وأخذوا يعملون
فى همة لأقصائه.

تم
تعيين الوالى فبلاجريوس واليا على الأسكندرية من قبل الأمبراطور قسطنطينوس خصيصا
لمحاربة الأنبا أثناسيوس، وفى أثناء هذه الفترة حضر الأنبا أنطونيوس إلى الأسكندرية
عام 338 م لمساندة البابا أثناسيوس فى جهاده ضد الآريوسيين، وهذا يعطينا فكرة أن
الآباء الرهبان برغم اعتزالهم العالم، إلا أنهم مشاركون للكنيسة فى جهادها الروحى
وغير منفصلين عن بقية المؤمنين.

تم
عقد مجمع للآريوسيين فى أنطاكية عام 339 م – حكموا فيه بتجريد الأنبا أثناسيوس من
رتبته، وتم نفيه إلى روما – وكان هذا هو النفى الثانى له، الذى بدأ من 7/4/339 م
وحتى 21/10/346 م. ولعل الأنبا أثناسيوس أختار روما لتعاطف قسطانس امبراطور الغرب
معه، وكذلك الأسقف يوليوس (أسقف روما).

بعد
مقتل قسطانس عام 350م، فى صراعه مع خصمه ماجنتيوس، بدأت فترة اضطهاد ثانية للأنبا
أثناسيوس حيث دس له الآريوسيين مكيدة بأنه كان على اتصال بالثائر ماجنتيوس، حيث تم
نفيه بيد الأمبراطور قسطنطينوس، فذهب إلى الصحراء وتنقل بين الأديرة، وكان هذا
النفى الثالث له عام 355 م لمدة ست سنوات.

بحلول
عام 359 م عمت الآريوسية الأمبراطورية الرومانية شرقا وغربا.

بوفاة
قسطنطينوس تولى جوليان الحكم، وكان يبغض المسيحية، ولكنه أفرج عن جميع المنفيين،
وهكذا عاد الأنبا أثناسيوس للأسكندرية فى 22/2/362 م.

عمل
البابا أثناسيوس على زيادة تأكيد الأرثوذكسية، فعقد مجمعا سنة 362 م قرر فيه ما
يجب اتباعه مع الآريوسيين التائبين ومعاملتهم بالشفقة، وتمكن بذلك أن يكسب عددا
عديدا من الآريوسيين إلى صفوف الكنيسة.

استاء
الأمبراطور جوليان من نشاط البابا أثناسيوس وأمر بنفيه بحجة أن الأعفاء عن المنفيين
هو لرجوعهم لبلادهم فقط وليس لكراسيهم.

وكان
هذا هو النفى الرابع للأنبا أثناسيوس، حيث قضى فترة النفى هذه فى صعيد مصر، وبين
الأديرة بمنطقة طيبة، ووسط الاباء الرهبان.

لم
يكن بوسع الوالى أن يقتل البابا أثناسيوس إذ التف الشعب المصرى كله حول البابا، لا
كزعيم روحى فحسب، بل باعتباره رمزا حيا بطوليا للتحديات المصرية ضد حكومة بيزنطة
المستبدة ومليكها العاصى.

إن
المؤرخين الذين يسقطون – عن عمد – تاريخ العهد القبطى منذ دخول المسيحية إلى مصر
على يد القديس مارمرقس البشير، ولعدة قرون بعد ذلك، إنما يرتكبون جرما كبيرا فى حق
التاريخ المصرى ككل، لقد كانت تلك الفترة مليئة بالنضال الروحى والوطنى فى آن واحد،
ولولا صلابة الأقباط واعتزازهم بهويتهم وعقيدتهم، لضاع من ايدينا ما نفخر به الآن
كمصريين بصفة عامة من اعتزازنا بأصالتنا الفرعونية الممتدة للآف السنين للخلف، وما
كانت مصر تتبوأ مكانتها الآن فى مقدمة دول الشرق الأوسط.

بعد
مقتل جوليان فى 26/6/363 م فى معركة مع الفرس، تولى عرش الأمبراطورية جوفيان الذى
قرر الغاء الأمر الصادر من سلفه ضد البابا أثناسيوس الرسولى.

وعاد
الأنبا أثناسيوس – ولكن لسوء الحظ – لم تطل أيام جوفبان فى الحكم اكثر من 7 أشهر،
ففقد البابا صديقا مسيحيا مخلصا.

وقد
خلفه فى الحكم أخوان: فالنتيان فى الغرب، وفالنس فى الشرق، فكان على البابا أن
ينتظر نفيا آخر كان قصير الأمد.

أصدر
فالنس عام 365 م أمرا بنفى كل الأساقفة الذين سبق أن نفاهم قسطنطينوس وأعادهم
جوليان. فغادر البابا أثناسيوس الأسكندرية وأختبأ فى بيت ريفى عند فرع النيل
الغربى حوالى 5 أشهر من 10/365 م وحتى 2/366 م.

وأمام
ثورة الأقباط عاد البابا من منفاه بكل تكريم إلى الأسكندرية، إلا أن فالنس لم يكن
قد غير اتجاهه وميوله الأريوسية.

 

نياحة
البابا أثناسيوس:

عاد
البابا أثناسيوس من نفيه الخامس والأخير فى فبراير عام 366 م. ليمضى بعد ذلك سبع
سنين يجنى ثمار غرسه طوال ما ولى من السنين. وقد حرص الأمبراطور فالنس على أن لا
يعكر صفو سلامه على أمتداد ما بقى للبابا أثناسيوس من عمر.

وبرغم
تقدم البابا أثناسيوس فى الأيام، إلا أنه لم يفتر عن مقاومة الآريوسية فى كل مكان،
وفى الثانى من مايو سنة 373 م. ودع البابا أثناسيوس الأسكندرى شعب الأسكندرية
ودنياه، بعد أن احتفظ بكنيسة الأسكندرية ومصر جزيرة للنيقية وسط بحر الآريوسية فى
الشرق الرومانى. إذ ظل ستا وأربعين سنة على كرسى الأسقفية يصارع الآريوسيين أساقفة
وأباطرة، ينالون منه ويطاولهم، حتى أعيتهم فى أمره الحيل، وبلغ بهم وبه الصراع
مبلغ الجهد، فتركوه وشأنه.

ولم
توات الأمبراطور الفرصة للأنتقام، إلا بعد وفاة الأنبا أثناسيوس، فأرسل رسله
يؤيدهم جنده، لتحطيم قوة الرهبان بمهاجمة أديرتهم خاصة فى وادى النطرون، لرفع
لوقيوس الأريوسى طريد الأسكندرية أسقفا على الأسكندرية، مما دفع البابا بطرس خليفة
البابا أثناسيوس إلى الفرار بنفسه إلى الغرب محتذيا سبيل سلفه وأستاذه عام (373 م
– 380 م) ولكنه عاد إلى الأسكندرية بعد مصرع الأمبراطور

فالنس،
وتم طرد لوقيوس الآريوسى.

وبمصرع
الأمبراطور فالنس، تولى عرش الأمبراطورية ثيؤدسيوس الكبير، وبدأت فترة جديدة على
الكنيسة المصرية.

لا
يفوتنا قبل الأنتهاء من الحديث عن تلك الفترة المليئة بالأحداث الخطيرة فى تاريخ
الكنيسة، أن نتذكر قول السيد المسيح: “.. على هذه الصخرة أبنى كنيستى، وأبواب
الجحيم لن تقوى عليها “.

إنه
وعد من الله بحماية كنيسته وشعبه إلى المنتهى، نلاحظ أن الأباطرة والحكام الذين
مدوا أيديهم للأساءة للكنيسة منذ فجر المسيحية وحتى تاريخنا الحديث قد أنتهت
حياتهم بالقتل، وظلت الكنيسة باقية وصامدة كما هى.

عندما
تولى الأمبراطور ثيؤدسيوس الكبير عرش الأمبراطورية، ارتاع مما أصاب كنيسة
القسطنطينية على أيدى الاريوسيين، فطلب من البابا بطرس الثانى أن يعاونه على إعادة
الكنيسة إلى سالف مجدها، فبادر البابا السكندرى بتكليف القديس غريغوريوس
الثيئولوغس (الناطق بالإلهيات) أسقف سازيما بآسيا الصغرى بالذهاب إلى القسطنطينية
لتعليم شعبها وتثبيته على الأيمان القويم. ثم رأى البابا السكندرى أن يعزز
غريغوريوس فى جهاده فأرسل إليه نخبة من كهنته برياسة تيموثاوس، الذين أدوا دورهم
الروحى على أكمل وجه وعادوا إلى الأسكندرية مرتاحى الضمير، وعاود تيموثاؤس التعليم
فى مدرسة الأسكندرية الساطعة.

 

نياحة
الأنبا بطرس الثانى:

اقتربت
أيام الأنبا بطرس الثانى من النهاية، وأنتقل إلى اورشليم السمائية، وارتحل إلى
الموضع الذى هرب منه الحزن والكآبة والتنهد بعد أن ساس كنيسة مصر خمس سنوات، وتسعة
أشهر.

ولما
كان الشعب القبطى يعرف عن جهاد تيموثاؤس الروحى والفكرى، ولما كان يجد فيه قبسا من
نور معلمه الكبير الأنبا أثناسيوس، فقد انتخبه ليكون راعيه الأول سنة 76 ش، فأصبح
بذلك الخليفة الثانى والعشرون للقديس مارمرقس الرسول. وفى تلك الفترة رأى بعض
الأساقفة الغربيين اعتبار قوانين المجمع السرديكى متساوية مع مجمع نيقية

*
(مجمع سرديكا – التى تقع على الحدود بين الأمبراطوريتين الشرقية والغربية – عقد
عام 343 م باتفاق بين قسطانس وأخيه قسطنطيوس، بهدف ارجاع السلام والوحدة إلى
الكنيسة والأمبراطورية، إبان الصراع بين الأنبا أثناسيوس والآريوسيين، وقد أكد
المجمع من جديد التمسك بقانون إيمان نيقية، وارجاع الأنبا أثناسيوس إلى كرسيه).

..
غير أن الأساقفة الشرقيين عارضوهم أشد المعارضة، معلنين أن مجمع نيقية لكونه
مسكونيا له الأولوية على مجمع سرديكا لكونه مكانيا، وبعد تبادل الأساقفة الخطابات،
ومجهود الأنبا تيموثاوس، اتفق الأساقفة (شرقا وغربا)، على أن قوانين المجمع
المكانى تأتى فى المرتبة الثانية بعد قوانين المجمع

المسكونى
– ومن ثم كان لمجمع نيقية الأولية على مجمع سرديكا.

 

استمرار
الدور القبطى المؤثر:

مجمع
القسطنطينية سنة 381 م

وانهيار
الآريوسية.

ما
كاد الأساقفة ينتهون من الفصل فى شأن مكانة قوانين نيقية وسرديكا حتى ظهرت بدعة
جديدة فى القسطنطينية مؤداها إنكار لاهوت الروح القدس. فعاد الأساقفة إلى تبادل
الرسائل بوصفهم حماة الأيمان. وأحس الأمبراطور ثيؤدسيوس الكبير بأنه مسئول عن
تدعيم السلام فى الكنيسة، ورأى أن الحالة تستدعى عقد مجمع مسكونى ثانى للفصل فى
هذه البدعة الجديدة. فبعث برسائل الدعوة إلى أساقفة المسكونة لهذا الغرض، ومن ثم
اجتمع فى القسطنطينية مئة وخمسون أسقفا من أساقفة الكنائس

الشرقية
تلبية لهذه الدعوة.

وقد
انعقد هذا المجمع للنظر فى هرطقة كل من:

مقدونيوس،
وهو آريوسى صار أسقفا على القسطنطينية عام 343 م، وأنكر أيضا لاهوت الروح القدس.

وأبوليناريوس،
(310 – 381 م) أسقف اللاذقية الذى قاوم الأريوسيين بشدة، فأنكر وجود النفس البشرية
فى السيد المسيح مدعيا أن اللاهوت قام مقام النفس الناطقة، وأن اللاهوت امتزج
بالناسوت، واعتقد بوجود تفاوت بين الأقانيم، فالروح عظيم، والأبن أعظم منه، والآب
أعظم من كليهما.

ويوسابيوس،
الذى جدد تعاليم سابيلوس: الذى أعتقد أن الثالوث القدوس ذاتا واحدا وليس ثلاثة
أقانيم.

كان
من أشهر المجتمعين الأنبا تيموثاوس بابا الأسكندرية، وملاتيوس أسقف أنطاكية، الذى
كان قد حضر إلى القسطنطينية قبل موعد انعقاده لرسامة غريغوريوس الثيؤلوغس أسقفا
على هذه العاصمة الشرقية، وكيرلس أسقف أورشليم، وغريغوريوس الثيؤلوغوس وغيرهم.
وكان مجمعا شرقيا إذ لم يحضره أحد من أساقفة الغرب رغم توجيه الدعوة إليهم، ورغم
إمتناع كل الأساقفة الغربيين عن حضوره، إلا أنهم أقروا مسكونيته وعملوا بقراراته.

جدير
بالذكر أن كنيسة رومية الرسولية التى تخلفت عن حضور هذا المجمع، وعقدت مجمعا
مكانيا مؤلفا من مئتين وخمسين أسقفا برياسة أسقفها داماسوس – وأمبرسيوس أسقف
ميلانو – هذه الكنائس قد أعترفت جهارا بمسكونية المجمع القسطنطينى، لأن كلا من
أساقفته المئة والخمسين يمثل كنيسة رسولية على النقيض من مجمع داماسوس وامبرسيوس
الذى لم يكن بين أساقفته المئتين والخمسين أسقف يمثل كنيسة رسولية غير داماسوس
أسقف رومية.

وقد
انعقد المجمع المسكونى الثانى فى القسطنطينية فى مايو سنة 381 م. وحضر الأمبراطور
جلسة الأفتتاح معلنا للأساقفة إجلاله لهم وتقديره إياهم، ثم طلب إليهم أن يفحصوا
الموضوع الذى أجتمعوا بسببه – وهو النظر فى بدعة مقدونيوس – بروح التفاهم وسعة
الصدر، وأن يفكروا فى سلام الكنيسة وأهمية الأيمان الذى أئتمنوا عليه.

وقد
بعث أساقفة المجمع القسطنطينى برسالة إلى داماسوس أسقف رومية والأساقفة المجتمعين
معه قالوا لهم فيها: ” إلى أخوتنا الموقرين وشركائنا فى الخدمة الرسولية
داماسوس وأمبرسيوس وجميع الأساقفة المكرمين المجتمعين فى مدينة رومية العظيمة، ومن
المجمع المقدس المؤلف من الأساقفة الأرثوذكسيين الملتئم فى القسطنطينية بدعوة من
الأمبراطور ثيئودسيوس محب المسيح.

,,
كان يسرنا لو أنكم لبيتم دعوة الأمبراطور وجئتم لتجتمعوا معنا وتشاركونا النظر فى
البدعة التى أبتدعها مقدونيوس أسقف القسطنطينية ومؤداها إنكار لاهوت الروح القدس،
أما وأنكم لم تحضروا معنا فإننا سنناقش هذا المبتدع ونوازن الحقائق لنعرف عقيدته
بالضبط ثم نصدر قرارن فى هذا الموضوع الخطير.. “

 

كان
أول عمل قام به هذا المجمع المقدس هو الغاء رسامة مكسيموس الكلبى، وتنصيب غريغوريوس
الثيؤلوغس أسقف سازيما أسقفا على القسطنطينية.

 

(كان
مكسيموس الكلبى قد طمع فى كرسى القسطنطينية، واستغل دهائه فى التقرب من غريغوريوس
الثيؤلوغوس الذى كان آنذاك بالقسطنطينية لمحاربة البدعة الآريوسية، ثم تقرب من
الأنبا بطرس الثانى بابا الأسكندرية فى ذلك الوقت، الذى أرسل معه عددا من
الأساقفته وتمت رسامته أسقفا على القسطنطينية، إلا أن الشعب ثار عليه مطالبين
برسامة غريغوريوس أسقفا على المدينة.

وقد
تألم الأنبا بطرس الثانى لما حدث بالقسطنطينية وحاول جهده أن يزيل ما نشأ عنه من
شكوك وعثرات، إلا أنه رحل عن العالم الفانى قبل أن يسوى هذا الأمر). وقد استند
الآباء فى تنصيب غريغوريوس أسقفا على العاصمة الشرقية إلى القانون ال 14 من قوانين
الرسل ونصه: ” لا يجوز للأسقف أن يغادر جهة إقامته إلى جهة أخرى، ولو أضطره
الكثيرون إلى ذلك، أما إذا كان انتقاله هذا لعلة صوابية – كان يكون فيه فائدة أعظم
لمن يقومون بتلك الجهة لما هو عليه من جدارة فى تعليم حسن العبادة – فلا يكون
انتقاله من تلقاء نفسه، بل بترشيح عدة أساقفة وبتوسل جم.

وقد
سن الرسل هذا القانون إستنادا إلى أن الأسقفية كرامة فى ذاتها موهوبة من الله جل
أسمه ولا ترتكن كرامتها على الأهمية المدنية التى للكرسى الأسقفى – فأسقف أصغر
ايبارشية متساو فى الكرامة مع أسقف العاصمة. لذلك لا يليق بأسقف ما أن يتطلع نحو
أيبارشية أخيه طمعا فى جاه أو مكانة عالمية إذ أنه تجند للسيد المسيح وأخذ منه
الكرامة التى لا تعلوها كرامة.

وكان
الثيئولوغس قد أقيم أسقفا على سازيما ولكنه لم يتسلم مقاليد هذا الكرسى بالفعل لأن
أحد الآريوسيين كان قد اغتصبه منه.

وفى
تلك الأثناء وصل الأنبا تيموثاوس إلى القسطنطينية فعارض هو وبعض أخوته الأساقفة فى
إقامة الثيئولوغوس على الكرسى القسطنطينى فى حين أنه يشغل كرسى سازيما. (لأن ذلك
يعد مخالفا لقوانين الآباء). ولم يجدوا فى القانون الرسولى ال 14 ما يبرر هذا الأنتقال.

ولما
كان الثيئولوغوس من الزاهدين فى المناصب الرفيعة، ولما كان احترامه للكرسى
الأسكندرى قد جعله يعد الجالس عليه أسقفا للكنيسة الجامعة لا لكنيسة الأسكندرية
فحسب، فقد بادر إلى أعلان انسحابه من كرسى القسطنطينية، واعتزازه بكرسى سازيما.
وعمل على التوفيق بين المناصرين له والمعارضين. وقد أهله ما امتاز به من روحانية
للنجاح فى تثبيت دعائم السلام بين جميع أساقفة هذا المجمع المقدس. وقد أجمعوا على
انتخاب نكتاريوس أسقفا للقسطنطينية لأنه كان يحظى باحترام الجميع لما امتاز به من
حكمة وسداد فى الرأى. وقد تولى رئاسة المجمع أيضا.

إلا
أن الأنبا تيموثاوس كان له الدور الرئيسى والفعلى فى إدارة المجمع المقدس، إذ كان
متقدما ومتوليا مناقشة المبتدعين وتوجيه الأسئلة اللاهوتية التى أظهرت هرطقتهم.

وبعد
ذلك انتقل المجمع إلى المناقشة فى بدعة مقدونيوس الأسقف القسطنطينى القائل بأن الروح
القدس مخلوق. وبعد التداول والرجوع إلى الأسفار الإلهية وأقوال الآباء حكموا
بتجريد مقدونيوس من كل رتبة كهنوتية ووقعوا الحرم عليه وعلى بدعته . وبادروا إلى
تثبيت إيمان الكنيسة الجامعة فى الروح القدس فأضافوا إلى نص دستور الأيمان الذى
وضعه مجمع نيقية القائل ” نؤمن بالروح القدس ” قولهم: ” الرب
المحيى المنبثق من الآب المسجودله والممجد مع الآب والأبن الناطق فى الأنبياء
“. ثم أتموا دستور الأيمان بما يلى: ” نؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية.
ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى
“.

وما
أن انتهى المجمع من تتمة دستور الأيمان حتى نزل من المرتفعات الروحية إلى منخفضات
المراتب العالمية، فبدأ الأساقفة يتناقشون فى أيهم أعظم متناسين قول السيد له
المجد ” من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن للجميع عبدا ” (مر 10:
43-44).

وكان
هذا النقاش نتيجة لكون القسطنطينية أصبحت عاصمة الأمبراطورية الشرقية، كما كانت
رومية عاصمة الأمبراطورية الغربية فاطلق آباء هذا المجمع القسطنطينى على العاصمة
الشرقية اسم ” رومية الجديدة ” ورأوا أن يقيسوا الكراسى الأسقفية بمقياس
الأهمية المدنية للكرسى. وعلى هذا المقياس يجب أن يكون أسقف عاصمة الأمبراطورية
الغربية الأسقف الأول فى الكنيسة الجامعة – لا لسبب إلا لأن الظروف السياسية جعلت
من مقر كرسيه العاصمة للدولة. ومن ثم جعلوا لأسقف رومية المكانة الأولى ولأسقف
القسطنطينية المكانة الثانية متناسين أورشليم مدينة الملك العظيم وأم الكنائس.
ومما يدل على أن هذا التصرف كان الأول من نوعه أن مجمع نيقية أول المجامع
المسكونية واعظمها مكانة قد اسند رياسته إلى هوسيوس أسقف قرطبة الذى لم يكن أسقفا
لكرسى رسولى ولا لعاصمة مدنية. لأن آباء مجمع نيقية كانوا لا يزالون متمسكين
بالتعاليم الرسولية القائلة بأن الأسقفية شرف فى ذاتها وأنها منحة إلهية لا صلة
لها بالكرامات العالمية. وعندما أعلن الآباء تسوية القسطنطينية برومية وأن لهاتين
العاصمتين الأولية الكنسية احتج الأنبا تيموثيئوس بقوله: ” لقد علمنا مخلصنا
بأن من أراد أن يكون عظيما فينا فليكن للجميع عبدا. فالأولية الروحية يجب أن تسند
إلى من يمتاز من الأساقفة بالجهاد فى الروحيات. وقد تفانى الأساقفة الأسكندريون فى
خدمة الأيمان الأرثوذكسى، وكانت اخر الخدمات التى أدوها فى هذا السبيل تدعيمهم البنيان
المصدع فى كنيسة القسطنطينية بالذات “.

كان
رد الأنبا تيموثيئوس تحديدا فى النقاط الآتية:

1.
لأنه يعتبر مبررا لأقحام الكراسى الدينية فى الرفعة المدنية.

2.
لأن مجمع نيقية المسكونى الذى تصدى لتحديد مناطق النفوذ للكراسى الرسولية، لم يدون
فى قوانينه، ما يثبت تقدم أحد الكراسى فى الكرامة على سواه بل جعلها فى مرتبة واحدة.

3.
لم تك هناك قوانين سابقة تمنح كرسى روما ” الكرامة الأولى “، حتى يمكن
وضع هذا القانون الذى يعطى لكرسى القسطنطينية ” الكرامة الثانية ”
بعدها.

4.
أن السيد المسيح قد رفض فكرة الرئاسة بين التلاميذ، ومن ثم بين هذه الكراسى الرسولية.

غير
أن آباء المجمع القسطنطينى قد أغفلوا هذا الأحتجاج وأصروا على ما قرروا فى شأن تلك
التسوية بين العاصمتين، وأيدوها فى ثالث القوانين السبعة التى سنوها.

 فلم
ير الأنبا تيموثيئوس أمام هذا الأصرار إلا أن ينسحب من ذلك المجمع هو وأساقفته
عائدين إلى الأسكندرية.

فلما
سمع غريغوريوس الثيئولوغس بما كان – وكان قد غادر القسطنطينية قبل أن يغادرها
الأنبا تيموثيئوس – شق عليه هذا الخلاف وعبر عما خالجه من حزن بقوله:


كم تمنيت من الله أن لا يوجد بين كراسينا الأسقفية كرسى محظوظ ولا كرامة ممتازة
ولا تقدم استبدادى، واننا لم نعرف بغير الفضيلة وحدها! فالأختلاف بين العروش
الكنسية، والدرجات العليا والسفلى، وتقدم أسقف على أسقف وما يستتبع ذلك من نتائج،
كل هذه قد أدت إلى شرور لا حصر لها من غير أن تفيد أحدا، ولقد تسببت شهوة الئاسة
فى سقوط الكثيرين لا من الرعية فقط بل من الرعاة أيضا، هؤلاء الرعاة الذين – مع كونهم
معلمين فى إسرائيل – قد زاغوا عن حق الأنجيل “.

وقد
سن المجمع سبعة قوانين صدق عليها، وهى تبين وتبرهن أن أساس النظام الكنائسى لم يعد
يسير وفق الأعتبارات الدينية بل المدنية.

·
ينص القانون الأول على وجوب التمسك بدستور نيقية، ورفض البدع الغريبة.

·
والثانى على إعادة تحديد مناطق النفوذ الممنوحة للكراسى الرسولية. مع مراعاة ما
حددته نيقية.

·
والثالث ؛ الذى أعترض عليه الأنبا تيموثيئوس، واستمرت الكنيسة القبطية فى عدم قبول
هذا القرار.

·
أما الرابع فخاص بإسقاط ورذل مكسيموس السينيكى الذى سعى للجلوس على كرسى القسطنطينية
بغير حق.

·
والسادس يبين ما ينبغى إتخاذه من تدابير إذا قدمت بعض الدعاوى ضد الأساقفة.

·
أما الخامس والسابع فينظمان ما ينبغى اتخاذه عند رجوع الهراطقة أو أتباعهم، إلى
الأيمان الأرثوذكسى.

هكذا
استفادت كل من الكنيسة والدولة من هذا المجمع، الذى عمد فيه الأمبراطور ثيئودسيوس
إلى فرض الوحدة على العالم المسيحى، كما أعلن فيه نهائيا عدم شرعية المذهب
الآريوسى. وفرض الأمبراطور عقوبات مشددة على أتباع المذهب الآريوسى فى جميع أنحاء
الأمبراطورية، وختم هذا المجمع على انتصار الأرثوذكسية، والذى أعاد التأكيد
والتوسع فى عقيدة نيقية.

 

ويعتبر
مجمع القسطنطينية مكملا لمجمع نيقية من حيث توضيحه علاقة الثالوث فى ذاته. وأن
خروج الكنيسة من مجمعى نيقية والقسطنطينية بتقرير لاهوت السيد المسيح وناسوته
الكاملين يعتبر أعظم نصرة لقضية التجسد والفداء. ولكن يؤخذ على هذا المجمع أنه وضع
بادئة سيئة، استغلتها كنيسة روما فيما بعد لفرض سيطرتها على العالم المسيحى، وكانت
سببا فى الأنقسام بين الشرق والغرب.

فنص
القانون الثالث من قوانين مجمع القسطنطينية يقول: ” ليكن لأسقف القسطنطينية
الكرامة الأولى بعد أسقف روما، لكونها روما الجديدة “. ويبدو أن منح ”
الكرامة الأولى ” لكرسى روما كان السبب الأول لأن يعترف الغربيون بمسكونية
مجمع القسطنطينية على الرغم من عدم حضورهم فيه!!.

ولكن
الكنيسة الشرقية عموما والكنيسة القبطية خاصة لا تعترف بهذه الأولوية، وفقا
لتعاليم السيد المسيح، ولأن البابا تيموثيئوس احتج على هذا القانون فى حينه كما
رأينا. ومما تجدر ملاحظته أن ما أراده المجتمعون لا يتعدى ” كرامة ” دينية
ولم يقصد منها ما ذهب إليه أصحاب دعوى باباوية أسقف روما ورئاسته، فيما بعد لفرض
السلطان الدينى، وإلا ما كان الأساقفة الشرقيون قد وضعوا هذا القانون. والذين
وضعوا هذا القانون قد وقعت عليهم مغبته فى ما بعد.

وكما
عبثت أيدى الغربيين بقوانين مجمع نيقية، فقد عبثت أيضا بإيمان مجمع القسطنطينية.
ففى مجمع توليدو الذى عقد بأسبانيا سنة 589 م أدخلت زيادة على العبارة التى تقول
عن الروح القدس ” المنبثق عن الآب “، فصارت ” المنبثق من الآب
والأبن “. وكانت هذه الزيادة باعثا عظيما على الأنشقاق الدينى بين الشرق والغرب
فى القرن الثامن، والأنفصام التام بينهم فى القرن الحادى عشر. وقد قبلت الكنيسة
الغربية والكنيسة البروتستانتية فيما بعد، هذه الزيادة، ولكن رفضتها وما زالت
ترفضها كل الكنائس الأرثوذكسية، كما أن بعض اللاهوتيين البروتستانت لا يستريحون
لهذه الزيادة، ويظهر ذلك من كتاباتهم.

وفى
احتفال جرى فى روما فى 7 يونية 1981 م، بمرور 16 قرنا على مجمع القسطنطينية تلا
البابا يوحنا بولس الثانى بابا روما قانون الأيمان خلوا من تلك الزيادة، وكان ذلك
حدثا تاريخيا، لكن ذلك لم يعمل به رسميا. إذ فيما يبدو لم يكن إلا حدثا فرديا. لأن
كنيسته ما زالت تردد قانون الأيمان بالأنبثاق من الآب والأبن.

أما
الأنبا تيموثيئوس فلم يكد يصل إلى الأسكندرية (بعد حضور مجمع القسطنطينية) حتى
انتهز فرصة السلام الذى نشر ألويته الأمبراطور ثيئودسيوس الكبير فأخذ فى ترميم
الكنائس التى هدمت إبان الأضطهاد الآريوسى، وفى تشديد قلوب الأرثوذكسيين المتألمة
من جراء هذا الأضطهاد، وإلى جانب هذا العمل الرعوى واصل توجيه رسائله التعليمية
إلى شعبه وإلى مختلف الشعوب المسيحية، وبين الرسائل التى لم تعبث بها يد الدهر
رسالته عن التوبة. وهى رسالة تفيض حنانا على التائبين وتجبر قلوبهم الكسيرة.

ولم
يمنعه انشغاله بالتثقيف والتعليم من أن يكتب تراجم بعض رهبان الصحارى المصرية ومن
بينهم الأب أبوللو الذى شبه بالملائكة. وقد نالت شخصية الأنبا تيموثيئوس من
الأحترام ما حدا بالأمبراطور ثيئودسيوس الكبير أن يطلق عليه لقب ” قديس
” فى الرسالة التى بعثها إلى أوبتاتوس أحد كبار موظفى البلاط الأمبراطورى.

وبعد
أن قضى الأنبا تيموثيئوس ست سنوات وخمسة شهور فى تدبير أمور الكرازة المرقسية
انتقل إلى بيعة الأبكار فى هدوء وسلام. بركته تكون معنا آمين.

 

نبذة
عن الأمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير:

هو
الذى اهتم باصدار الأوامر لعقد المجمع القسطنطينى لبحث بدعة مقدونيوس قبل أن يستفحل
أمرها كان عالى الهمة، حسن الأخلاق، عادل الأحكام، ولذلك لقبه التاريخ: بالملك الأرثوذكسى!.

أصدر
منشورا عام 381 م لجعل الديانة المسيحية، الديانة الرسمية للمملكة، ثم أمر بهدم
المعابد الوثنية، فهدم فى روما وحدها أكثر من 400 معبد كما صرح للبابا الأسكندرى
الأنبا ثاوفيلس بتحويل كافة البرابى ومعابد الأوثان فى مصر إلى كنائس، وكان ضمن
هذه المعابد هيكل سيرابيس بالأسكندرية الذى حوله الأنبا ثاوفيلس إلى كنيستين سميتا
بإسمى اركاديوس وهانوريوس ابنا الأمبراطور.

ولقد
كتب أحد المؤرخين يصف مدى تأثير أمر الأمبراطور السابق فى مصر فقال: ” كان
للمصريين يومئذ أربعون ألف صنم للعبادة فحل محلها دين المسيح الآمر بالتوحيد ومع
ذلك فقد بقى من العاكفين على دين الوثنية كثير بصعيد مصر ولم يمح هذا الدين إلا
بتوالى الأيام وكر الأعوام ورغم قسوة هذا الأمبراطور التى ظهرت فى بعض أحكامه إلا
أنه كان سريع العفو لطيب قلبه وحسن عبادته.

 

أولا:
بيان يوضح تسلسل البطاركة الأقباط فى الفترة القريبة من المجامع المسكونية الثلاث،
مجمع نيقية، ومجمع القسطنطينية، ومجمع أفسس.

 (18):
ألبطريرك أرشيلاوس، تاريخ الرسامة 311 م (تقويم غربى) – سنوات الأقامة سنة واحدة،
أشهر الملوك المعاصرين: ديوقلديانوس.

(19):
البطريرك ألكسندروس – 322 م – 16 سنة – قسطنطين الأول.

(20)
أثناسيوس الرسولى – 328 م – 45 سنة – قسطنطين الأول والثانى ويوليانوس، وجوفيانوس،
وفالتس.

(21)
بطرس الثانى – 373 م – 6 سنوات – فالنس.

(22)
تيموثاوس الأول – 379 م – 6 سنوات – ثيؤدسيوس الأول.

(23)
ثاوفيلس – 385 م – 27 سنة – أركاديوس، وثيؤدسيوس الثانى.

(24)
كيرلس الكبير أو عامود الدين – 412 م – 32 سنة – ثيؤدسيوس الثانى.

(25)
ديسقورس – 444 – 10 سنوات – ثيؤدسيوس الثانى.

(26)
تيموثاوس الثانى – 455 م – 22 سنة – زينون.

 


إننا لا نطيق ولا بوجه من الوجوه، أن يزعزع أحد الأيمان المحدود ؛ أعنى دستور
الأيمان، الذى كتب من آبائنا القديسين.. ولا نسمح لأنفسنا ولا لغيرنا أن يغير كلمة
من الكلمات المسطرة فيه، أو أن يخالف تهجئة واحدة منه! ”

(كيرلس
الكبير من خطاب له بعث به إلى يوحنا بطريرك أنطاكية).

 

ثانيا:
تكملة موضوع مجمع القسطنطينية

وضع
آباء المجمع المسكونى الثانى، الجزء الأخير من قانون الأيمان الخاص بلاهوت الروح القدس
كما أوضحنا، وأبانوا فيه انبثاق الروح القدس من الآب فقط، وتمسكت الكنيسة شرقا
وغربا بما دونه الآباء دون زيادة أو نقص.

ولكن
كنيسة روما، قامت بعد بضع قرون من وضع هذا القانون وأضافت عليه لفظة ” والأبن
” ثم نادت بانبثاق الروح القدس من الآب والأبن.

ولقد
حددت عقيدتها هذه فى المجمع الليونى الثانى الذى التأم فى عهد البابا غريغوريوس
العاشر، حيث أثبت قانون الأيمان مع الزيادة التى ادخلت عليه، فقال ” نؤمن
بالروح القدس المنبثق من الآب والأبن “، كما أعلن المجمع الفلورنتينى قائلا:
” نحدد.. أن الروح القدس منبثق منذ الأزل من الآب والأبن كمن مصدر واحد ومن
نفخة واحدة “!

(كتاب
اللاهوت النظرى للخورى الياس الجميل – المجلد الثانى)

 

ولسنا
ندرى كيف استساغت كنيسة روما لنفسها أن تعبث بقانون الأيمان رغم تحديدات الآباء
القديسين – الذين التأموا فى المجامع المسكونية – التى تحرم كل من تسول له نفسه أن
يحدث تغييرا فيما وضعوه.

على
أن هده الكلمة الواحدة التى أضافوها، قد أحدثت تغييرا فى عقيدة ” انبثاق الروح
القدس ” التى تعتبر من أهم عقائد المسيحية والتى نرى أن ندون عجالة عنها فى
هذا الفصل.

تاريخ
ادخال الزيادة على قانون الأيمان:

أجمع
المؤرخون على أن أول من نادى بهذه العقيدة الغريبة، (عقيدة الأنبثاق من الآب
والأبن) رجل يدعى ” لوكيوس ” ظهر فى الجيل الثامن. ولقد حاول نشر بدعته فى
بلاد الشرق، ولكن أهلها لم يذعنوا له، فتركها ويمم صوب روما، غير أن مساعيه قد
خابت هناك، فذهب إلى فرنسا، وهناك وجد مرتعا خصبا لبث دعوته ولنشر تعليمه، حيث
عضده الأكليروس الفرنسى وساعده الأمبراطور كارلوس الكبير الذى أمر بعقد مجمع فى
مدينة اكوسفرانا سنة 809 م. تقرر فيه قبول إضافة كلمة ” الأبن ” فى
قانون الأيمان رسميا.

ثم
أرسل كارلوس من قبله ثلاثة سفراء للبابا الرومانى لاون الثالث المعاصر له، وطلب
منه أن يوافق على هذا التعليم: ولكن لاون الثالث قد رفض هذا الطلب وأبى أن يسمح
بإدخال أى زيادة على قانون الأيمان! ثم قال لسفراء كارلوس: ” إنى لا أعلم ما
إذا كان الآباء القدماء قد عملوا عملا أفضل بتركهم هذه الكلمة ولا أقدر أن أوكد
أنهم لم يعلموا جيدا هذا الأمر كما نعلمه نحن. لأننى لا أتجاسر أن أشبه نفسى بهم
فضلا عن أن أفضل نفسى عليهم!. ومهما كانت غايتنا حسنة فيجب علينا أن نخشى لئلا نضر
نحن ماهو فى ذاته حسن ببعدنا عن المنهج القديم فى التعليم. لأن الآباء لما منعوا
كل زيادة فى الدستور لم يقسموا النيات إلى نية صالحة ونية رديئة بل منعوا الزيادة
منعا مطلقا حتى لم يسمحوا ولا بأن يفتكر أحد لماذا فعلوا هكذا “.

وبالأضافة
إلى هذا الأقرار الواضح، قام البابا لاون الثالث بعقد مجمع فى عام 810 م قرر فيه
حرم كل من يقول بالزيادة أو يعتقد بها، ولتثبيت المعتقد القويم أخرج لوحين من
النحاس كان القانون القسطنطينى منقوشا عليها باللغتين اليونانية واللاتينية
وعلقهما على باب الكنيسة ثم أمر بنقش الدستور المذكور على لوحين آخرين من الفضة،
وبعدما تم ذلك وضع هذين اللوحين على الباب المقابل لقبر القديسين بطرس وبولس، وذلك
بعد أن كتب على اللوحين إقراره الاتى:


أنا لاون قد نصبت هذين اللوحين حبا بالأيمان الأرثوذكسى وحفظا له “.

 ولما
مات لاون الثالث خلفه على كرسى رومية البابا بنديكتوس الثالث، عام 855 م، الذى عمل
جاهدا على مقاومة هذا التعديل على قانون الأيمان.

ولقد
حافظ اكثر البابوات الذين خلفوا البابا بنديكتوس الثالث على سلامة القانون من
الزيادة أو التحريف

ومنذ
ذلك الحين بقيت الزيادة على قانون الأيمان، بين القبول والرفض من بابوات رومية،
الواحد يؤيدها والآخر يرفضها، إلا أن قام البابا بنديكتوس الثامن الذى عين عام
1012 م، فقرر إضافتها رسميا فى دستور إيمان اللاتين عام 1014 م، وهذا يعنى أن
كنيسة رومية لم تقبل زيادة قانون الأيمان إلا فى أوائل القرن الحادى عشر.

والآن
بعد أن عرفنا تاريخ ظهور التعليم الغريب نرى أن نثبت صحة عقيدتنا الأرثوذكسية التى
تقول وفقا لما قررته المجامع المسكونية بانبثاق الروح القدس من الآب فقط.

 

الأدلة
الكتابية والمجمعية:

فى
الكتاب المقدس ثلاث شهادات إلهية نطق بها السيد المسيح حيث قال:

1-
” وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذى
لا يستطيع العالم أن يقبله ” (يو 14 16، 17).

2-
” وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب بأسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم
بكل ما قلته لكم ” (بو 14: 26).

3-
” ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق
فهو يشهد لى ” (يو 15: 26).

 

الأدلة
النقلية:

1-
قال القديس أثناسيوس الرسولى فى المجلد الثانى لأنطيوخس: ” كما أن قرص الشمس
هو وحده علة وغير مولود من أحد، أما الشعاع فمولود ومعلول من القرص، والنور منبثق
وبارز من القرص وحده، وهو بالشعاع مرسل ومشرق على الأرض، هكذا الله الآب وحده علة
الأثنين وغير مولود، أما الأبن فإنه من الآب وحده معلول ومولود، والروح نفسه من
الآب وحده معلول ومنبثق وهو بالأبن مرسل إلى

العالم
“.

2-
وقال القديس باسيليوس الكبير: ” كما أن الكلمة الخالق شيد السماء هكذا الوح القدس
الصادر من الله الذى من الآب ينبثق “.

3-
وقال القديس كيرلس الأسكندرى فى مقالة له عن اللاهوت: ” أما الثلاثة الأقانيم
فقد تعرف ويؤمن بها فى الآب الذى لا إيتداء له والأبن الوحيد والروح القدس المنبثق
من الآب وحده، فهو ليس مولودا من الأبن لكنه منبثق من الآب وحده، وكما أن الإبن من
الآب على جهة الولادة، هكذا الروح من الآب على جهة الأنبثاق “.

كما
لا زالت كتابات آباء الكنيسة الغربية – التى قبلت هذه الزيادة أخيرا، وغيرت
عقيدتها فى انبثاق الروح القدس – تشهد معنا بصحة عقيدتنا الأرثوذكسية، التى هى
عقيدة الكنيسة جمعاء منذ فجر المسيحية. وفى الكتب الطقسية الكاثوليكية، ما يثبت
صحة العقيدة الأرثوذكسية!، مثل ماجاء فى كتاب الخولاجى المطبوع فى رومية عام 1736
م مانصه: ” روح الحق أتى من الآب واستراح على رؤوس التلاميذ الأطهار وحل فى
أفواههم.. الروح القدس غير المستحيل المتيلط المحيى المنبثق من الآب الذى نطق فى
الأنبياء حل على آبائنا كوعد المسيح وتكلموا بكل لغة “.

 

==

المراجع

(1)
تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا

(2)
الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة – للأسقف الأنبا إيسيذورس ج1 ص 483

(3)
تاريخ الكنيسة القبطية – إصدار كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل وما رمينا بستاتين
إيلاند بنيويورك

(4)
أيريس حبيب المصرى – قصة الكنيسة القبطية – طبعة 1998 – مكتبة كنيسة مار جرجس
بأسبورتنج – أسكندرية –

(5)
تاريخ الاباء البطاركة للأنبا يوساب أسقف فوه من آباء القرن 12 أعده للنشر
للباحثين والمهتمين بالدراسات القبطية الراهب القس صموئيل السريانى والأستاذ نبيه
كامل

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى