اللاهوت الدستوري

ردة إخضاع المرأة لفرائض الشريعة اليهودية



ردة إخضاع المرأة لفرائض الشريعة اليهودية

ردة
إخضاع المرأة لفرائض الشريعة اليهودية

مجدى
صادق

هل
الخلاص بالناموس أم بالنعمة؟

يخبرنا
سفر أعمال الرسل أن أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين قالوا إنه إن
لم يختتن الأمم حسب ناموس موسى لا يمكن أن يخلصوا وأوصوا الأمم بوجوب حفظ
ناموس موسى.

 وبناء
على ذلك تم إعمالا لهذا الناموس منع المرأة الحائض والنفساء من التقرب والتناول
طيلة مدة حيضها التى تبلغ سبعة أيام شهريا أو مدة نفاسها التى تبلغ ثمانون يوما
إذا كان المولود أنثى وأربعون يوما إذا كان المولود ذكرا, وهو ما يترتب عليه
بالتبعية حرمان المواليد من نوال نعمة المعمودية الخلاصية ذات مدة المنع.

 فما
مدى صحة أعمال ناموس الفرائض اليهودية فى عهد النعمة؟

 

أولا:
بطلان ناموس الفرائض اليهودية

 بادىء
ذى بدء علينا أن ندرك أن ناموس الفرائض اليهودية قد أبطل بدم المسيح على الصليب إذ
محا الصك (الناموس) الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضدا لنا, وقد رفعه من الوسط
مسمرا إياه بالصليب (كولوسى 2: 14 – 15) (أفسس 2: 15) إذ كان قائما على فرائض
جسدية فقط موضوعة إلى وقت الإصلاح (العبرانيين 9: 10).

 ورغم
إبطال هذا الناموس بالصليب إلا أن بعض الناشرين نشروا بسبب جهلهم كتب محظورة تتضمن
مغالطات متعلقة بإحتراسات وعوائد وفرائض ناموسية ضمن صلوات الخدمات الكنسية بجهالة
وعدم تمييز.

 من
هذه الصلاوات ذاك الطقس المعروف بطقس تحليل المرأة التى حفظت ناموس الإعتزال
الموسوى باعتبارها نجسة طيلة مدة نفاسها بالمخالفة لتعاليم الرسل (الدسقولية) وتعاليم
العهد الجديد (أعمال الرسل أصحاح 15).

 فالمرأة
المعمدة طاهرة بالمعمودية التى فيها صلبت وماتت ودفنت مع المسيح فى المعمودية التى
فيها أقيمت أيضا.

 وعليه
فالذى يقول أن المرأة التى ولدت بالمعمودية من الله قد صارت نجسة بسبب إيلادها
للأطفال أو بسبب إخراجات طبيعية يكون قد هدم معمودية الله الواحدة وأزدرى بروح
النعمة (العبرانيين 10: 29).

 والمحقق
أن بعض دعاوى التمسك بناموس الفرائض اليهودية طرحت فى مجمع نيقية المسكونى الأمر
الذى يثبته نص مشروع القانون التاسع والعشرين من نصوص القوانين العربية المنسوبة
لنيقية حيث رفض هذا النص بإجماع عام من الكنائس الرسولية بدليل عدم ورود هذا النص
ضمن نصوص تطليسات (مراسيم) قوانين الكنيسة الرسولية.

 ويبدوا
أن هذه الآراء الداعية للتمسك بالإحتراسات الناموسية أزعجت الكنيسة فى عهد
أثناسيوس الرسولى كما أزعجتها فى عهد الرسل (أعمال 15: 24) فكتب رسالة للراهب آمون
عام 354 للميلاد يفند فيها بعض الآراء المغلوطة التى تدعو للعمل بموجب ناموس
الفرائض اليهودية[1] يقول فيها:

 بما
أن سهام إبليس ماكرة ومتنوعة.. ويحاول أن يعيق الأخوة عن الممارسات العادية ملقيا
فيما بينهما سرا أفكارا عن النجاسة والدنس لذلك دعنا بالإيجاز نطرد ضلالة الشرير
بواسطة نعمة المخلص ونثبت فكر البسطاء. لأن كل شىء طاهر للطاهرين (المعمدين) وأما
النجسين وغير المؤمنين (من اليهود والأمم) فليس شىء طاهر بل قد تنجس ذهنهم أيضا
وضميرهم (تيموثاوس الأولى 1: 15).

 وإنى
أتعجب أيضا من خبث الشيطان. لأنه رغم أنه هو الفساد بذاته والسوء بعينه فهو يوعز
بأفكاره تحت مظهر الطهارة وتكون النتيجة فخا لا امتحانا..

 وإذا
كنا نحن ذرية الله (أى مولودين من الله فى المعمودية) حسبما جاء فى سفر أعمال
الرسل فليس فى أجسادنا شىء نجس, ولكننا عندما نرتكب الخطية عندئذ فقط نتنجس, ولكن
عندما يحدث إفراز جسدى لا دخل للإرادة فيه فإننا نعرف بالخبرة أن هذا يحدث كما فى
أشياء أخرى بضرورة الطبيعة.. فمن المعقول أن نقول أن أى إفراز طبيعى لن يقدمنا
أمامه للعقاب.

 

ثانيا:
مغالطات الذين يريدون أن يكونوا تحت الناموس

 هناك
من يستندون لتبرير فرض منع المرأة من التقرب من الأسرار طيلة مدة نفاسها طبقا
لناموس الفرائض اليهودية إلى قول لوقا فى بشارته ” ولما تمت أيام تطهيرها حسب
شريعة موسى صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب ” (لوقا 2: 22).

 وهم
يقولون ” إذا كانت العذراء وهى أم الرب قد أتمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى
فبالأولى جدا أن تتمثل بها النساء فى الخضوع للناموس”.

 لهذا
نجد أنفسنا مضطرين للرد على هذه المغالطة بالقول:

 إن
كان يلزم أن تتمثل النساء بالعذراء فى الخضوع للناموس فلا يتقربن من المقدسات حتى
تمام أيام تطهيرهن. فيلزم أيضا أن يتممن باقى الناموس لأنهن لن يطهرن بحسب هذا
الناموس إلا بتقديم ذبيحة كما قيل فى ناموس الرب زوج يمام أو فرخى حمام (لوقا 2: 24).

 وعلى
هذا القياس أيضا نقول أنه يلزم أن كل الرجال يختتنون لأن الرب نفسه ختن فى اليوم
الثامن حسب الناموس (لوقا 2: 21).

 لكننا
نعلم أنه فى ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدى
الذين تحت الناموس لننال التبنى.

 والمعنى
واضح أن الرب ولد تحت الناموس أى تحت ناموس الموت ليجدد الذين تحت الناموس لننال
روح التبنى أى روح المسيح (رومية 8: 9 , 15).

 فالله
أرسل ابنه فى شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية فى الجسد لكى يتم حكم
الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. فالذين هم فى الجسد لا
يستطيعون أن يرضوا الله وأما أنتم فلستم فى الجسد بل فى الروح إن كان روح الله
ساكنا فيكم.

 ولكن
إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له, وإن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب
الخطية, وأما الروح فحيوة بسبب البر, وإن كان روح الذى أقام يسوع من الأموات ساكنا
فيكم. فالذى أقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم
(رومية 8: 8 – 11) (حزقيال 37: 14) (كورنثوس الأولى 15: 44 – 45).

 وإذ
كنتم أمواتا فى الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا إذ محا
الصك (الناموس) الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضدا لنا, وقد رفعه من الوسط مسمرا
إياه بالصليب (كولوسى 2: 14 – 15) (أفسس 2: 15).. لهذا فإن جميع الذين هم من أعمال
الناموس هم تحت لعنة لأنه مكتوب ملعون كل من لا يثبت فى جميع ما هو مكتوب فى كتاب
الناموس ليعمل به. ولكن أن ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر لأن البار
بالإيمان يحيا (غلاطية 3: 10 – 11) لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذن مات بلا
سبب (غلاطية 2: 21) لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحيى لكان بالحقيقة البر بالناموس.

 فالأعمال
الناموسية إذن لا تفيد الإنسان شيئا لأنه فى المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا
الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة.

 وهذا
ما يؤكده بولس بقوله: إنى عالم ومتيقن فى الرب يسوع أن ليس شىء نجسا فى ذاته إلا من
يحسب شيئا نجسا فله هو نجس (رومية 14: 14).

 وعلى
هذا فإن الذين يوجبون على المرأة أن تعتزل الكنيسة طيلة مدة النفاس أو الحيض حتى
تعود طاهرة طبقا لناموس الفرائض اليهودية يثقلون عليها ويسقطون أنفسهم تحت لعنة
الناموس الأمر الذى لم يأمر به الرسل (أعمال 15: 10 , 19 . 24 , 28 , 29).

 لأنه
من ذا الذى يستطيع أن يتحمل تبعة القول عن إنسان نال المعمودية الواحدة وسكنى
الروح القدس بأنه نجس بسبب إفرازات طبيعية؟

 وكيف
يستقيم ذلك مع قول بولس الرسول ” لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم
المسيح ” (غلاطية 3: 27).

 وقوله:

 ألستم
تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح أفأخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية حاشا.
أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم. إن كان أحد يفسد هيكل
الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذى هو أنتم (كورنثوس الأولى 3: 17).

 فإن
كانت المرأة بالمعمودية قد صارت هيكل الله فكيف نمنعها من دخول الكنيسة والشركة.

 فلنحترس
لأن الله قال لبطرس عن الحيوانات ما طهره الله لا تدنسه أنت (أعمال 10: 15) فإن
كانت الحيوانات قد صارت بأمر الله طاهرة فكم بالحرى أن لا ينجس أحد الذين نالوا
التقديس والتبرير بسكنى الروح القدس فيهم وإلا حسب ضمن المزدرين بروح النعمة وبدم
ابن الله.

 وفى
هذا يقول العظيم فى القديسين كيرلس عمود الدين:

 إذا
ظللنا غير طاهرين علينا أن لا نلمس جسده المقدس إلا عندما نصبح أطهارا بالختان
الحقيقى للروح أى ختان القلب بالروح وهذا لا يكون إن لم يسكن الروح القدس فينا
بالإيمان والمعمودية المقدسة.

 فالكنيسة
تمنع من الاقتراب من المائدة المقدسة كل الموعوظين الذين لم يمتلئوا من الروح
القدس الذى لا يسكن فى الذين لم يقبلوا المعمودية ولكن عندما يصبحون شركاء الروح القدس
(بقبول المعمودية) فلا يوجد ما يمنعهم من لمس مخلصنا المسيح ولذلك كل الذين يرغبون
فى التناول من الأسرار المقدسة يقول لهم خادم الأسرار ” القدسات للقديسين
” معلنا أن الاشتراك فى القدسات هو مكافأة للذين تقدسوا بالروح القدس[2].

 

تعاليم
الرسل ضد الذين يتمسكون بناموس الفرائض اليهودية

يقول
الرسل فى الدسقولية باب 33 ما نصه:

 98
– لأجل أن الإحتلام والفيض فى النوم ولمس الأموات وما شاكل ذلك لا ينجس
المسيحى ولا يمنعه من الصلاة والقربان المقدس. فإن كان أقوام يتحفظون أو يجتهدون
فى العمل بعادات يهودية التى هى اعتبار الإفراز الطبيعى وفيض الله ولمس الأموات
نجاسة كالناموس فليقولوا لنا.. وإذا اتفق وقالوا أن الإمتناع عن هذه الأعمال ظاهر
الوجوب فقد صاروا محرومين من الروح القدس الكائن الدائم كل حين فى المؤمنين.. لأن
الروح القدس لا يفارق أحدا من المسيحيين من المعمودية إلى يوم الممات.

 99
– لأجل أن المرأة الحائض لا تمنع من الصلاة. فإن كنت أيتها المرأة المقيمة فى الدم
سبعة أيام تفتكرين أنك صرت مقفرة من الروح القدس لهذا السبب فإنك إذا مت فجأة
تهلكين وقد صرت غريبة عن الروح القدس. ولكن الروح ساكن فيك بغير افتراق.. فيجب
عليك أن تصلى كل حين وتنالى من الأفخارستيا.. فافهمى أن الصلاة تسمع بواسطة الروح
القدس, والأفخارستيا تقدس بالروح القدس, والكتب المقدسة هى كلمة الروح القدس. فإذا
كان الروح القدس فيك فلماذا تحترسين من الإقتراب من أعمال الروح القدس. مثل الذين
يقولون من يحلف بالمذبح فلا يلتزم أما الذى يحلف بالتقدمة التى على المذبح فإنه
يلتزم. لهذا قال مخلصنا ” أيها الجهال والعميان أيما أعظم التقدمة أم المذبح
الذى يقدس التقدمة؟ إن من يحلف بالمذبح يحلف به وبما عليه ومن يحلف بالهيكل يحلف
به وبالساكن فيه ” (متى 23: 18 – 22).

 فإذا
كان لك الروح القدس وتتحفظين من ثماره فلا تقتربين إليها فاسمعى أيضا من جهة ربنا
يسوع المسيح ” أيتها الجاهلة والعمياء أيما أعظم الخبز أم الروح القدس الذى
يقدس الخبز؟ فإذا كان لك الروح القدس فإنك تراعين عادات باطلة.

 103
– فأنت أيتها المرأة إن كنت كما تقولين بغير روح قدس فى أيام عادات النساء.. قولى
أيتها المرأة التى تظن أنها غير طاهرة طبقا للتثنية طوال السبعة الأيام التى للدم.
كيف ستطهرين بعد هذه الأيام بدون معمودية. فإذا كنت معمدة فإنك تهدمين بأقكارك
معمودية الله الواحدة التى محت خطاياك تماما.. ولن ينفعك احتراس تلك الأيام السبعة
فى شىء بل يضرك بالأكثر لأنك فى فكرك غير طاهرة وستدانين كنجسة – إذ ليس شىء نجسا
فى ذاته إلا من يحسب شيئا نجسا فله هو نجس (رومية 14: 14) – وينطبق هذا على جميع
الذين يراعون باقى النواميس الخاصة بالفيض والعلاقات الزوجية.

 104
– لأجل هذا أيضا أيتها المرأة إبعدى عن كل كلام بطال.. ولا تبعدى عن شىء من العمل
اللائق بسبب ما هو تطهير طبيعى أو بسبب شركة الزواج القانونى أو الولادة أو سقوط
الحمل أو شىء من عيب الجسد لأن هذا الإحتراس هكذا بدعة وبلا طائل وعدم فهم لرجال
جهال.

 122
– فلا تتحفظوا من الأعمال الناموسية والطبيعية وتظنوا أنكم تتنجسون بها, ولا
تطلبوا اعتزالات اليهود والغسلات المختلفة والتطهير [3]
(دسق 33: 98 , 99 , 103, 104 , 122).

 

وصية
الرسل فى مجمع أورشليم

يقول
الرسل فى الدسقولية:

 لأجل
أنه فى ذلك الزمان كانت هذه البدعة الأخيرة المؤدية إلى الضلال تبدو أنها أكثر
قدرة على خداع الناس. حتى أن الكنيسة كلها كانت فى خطر. فاجتمعنا نحن الاثنى عشر
فى أورشليم.. لأن أقواما إنحدروا من اليهودية إلى إنطاكية وعلموا الإخوة الذين فى
هذا الموضع.. أن يختتنوا ويحفظوا التطهيرات التى فى الناموس حينئذ كتبنا إليهم
قائلين ” إذ قد سمعنا أن أناسا خارجين من عندنا أزعجوا أنفسكم بأقوال لم نقلها
قائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس الذين نحن لم نأمرهم. رأينا وقد صرنا بنفس
واحدة. أن نختار رجلين ونرسلهما إليكم مع حبيبنا برنابا وبولس.. لأنه قد رأى الروح
القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح
للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا ” (أعمال أصحاح 15) (دسق 33: 12 – 18).

 هذه
هى تعاليم الرسل التى قرروها فى مجمع أورشليم عندما اجتمعوا للنطر فى البدعة التى
روج لها يهود متنصرون نادوا بلزوم الختان وحفظ الناموس والتطهيرات الناموسية.

 فلنحترس
إذن لأن البدع المتعلقة بالإحتراسات الناموسية هى بدع هلاك لأنها تفرغ عمل المسيح
الخلاصى على الصليب من مضمونه وتسقط من يتمسك بها تحت لعنة الناموس.



[1]
  –  ” الدسقولية ” إعداد  د. وليم سليمان قلاده ص 427
– 432

  
 –   مجموعة الشرع الكنسى ص 882

[2]
 –  ” آلام المسيح وقيامته فى إنجيل القديس يوحنا ”
للقديس كيرلس عمود الدين ص 101

[3]
  –  ” الدسقولية ” د. وليم سليمان قلادة  ص 415 – 427

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى