اللاهوت الروحي

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل
السادس

عيد
الصليب

42-
عيد الصليب: الاحتفال بظهور الصليب

تحتفل
الكنيسة بظهور الصليب المجيد الذي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح احتفالين الأول في
اليوم السابع عشر من شهر توت سنة326م، على يد الملكة البارة القديسة هيلانة، والدة
الامبراطور قسطنطين الكبير، لأن هذه القديسة – وقت أن قبل ابنها قسطنطين الإيمان
بالمسيح – نذرت أن تمضى إلى أورشليم. فأعد ابنها البار كل شئ لاتمام هذه الزيارة
المقدسة.

مقالات ذات صلة

ولما
وصلت إلى أورشليم ومعها عسكر عظيم وسألت عن مكان الصليب لم يُعلمها به أحد، فأخذت
شيخاً من اليهود، وضيقت عليه بالجوع والعطش، حتى اضطر إلى الارشاد عن المكان الذي
يُحتمل وجود الصليب فيه بكيمان الجلجثة. فاشارت بتنظيف الجلجثة، فعثرت على ثلاثة
صلبان، وذلك في 326م. ولما لم يعرفوا الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح أحضروا
ميتاً ووضعوا عليه أحد الصلبان فلم يقم، وكذا عملوا في الآخر، ولكنهم لما وضعوا
على الميت الصليب الثالث قام لوقته.

فتحققوا
بذلك أنه صليب السيد المسيح. فسجدت له الملكة هيلانة وكل الشعب المؤمن، وأرسلت
جزءاً منه إلى ابنها قسطنطين مع المسامير، وأسرعت في تشييد الكنائس المذكورة في
اليوم السابع عشر

والاحتفال
الثانى الذي تقيم فيه الكنيسة تذكار الصليب في اليوم العاشر من برمهات. وكان على
يد الامبراطور هرقل فى628 م. وذلك أنه لما ارتد الفرس منهزمين من مصر إلى بلادهم
أمام هرقل حدث أنه عند مرورهم على بيت المقدس دخل أحد امراء الفرس كنيسة الصليب
التي شيدتها الملكة هيلانة. فرأى ضوءاً ساطعاً يشع من قطعة خشبية موضوعة على مكان
محلى بالذهب. فمد يده الأمير إليها، فخرجت منها نار وأحرقت أصابعه. فأعلمه النصارى
أن هذه قاعدة الصليب المقدس، كما قصوا عليه أيضاً أمر اكتشافه، وأنه لا يستطيع أن
يمسها إلا المسيحى. فاحتال على شماسين كانا قائمين بحراستها، وأجزل لهما العطاء
على أن يحملا هذه القطعة ويذهبا بها معه إلى بلاده مع من سباهم من شعب أورشليم.

وسمع
هرقل ملك الروم بذلك، فذهب بجيشه إلى بلاد الفرس وحاربهم وخذلهم وقتل منهم كثيرين.
وجعل يطوف تلك البلاد يبحث عن هذه القطعة فلم يعثر عليها. لأن الأمير كان قد حفر
في بستانه حفرة وأمر الشماسين بوضع هذا الصندوق فيها وردمها ثم قتلهما. ورأت ذلك
إحدى سباياه وهى ابنة أحد الكهنة، وكانت تتطلع من طاقة بطريق الصدفة، فأسرعت إلى
هرقل الملك وأعلمته بما كانت قد رأته فقصد ومعه الاسقافة والكهنة والعسكر إلى ذلك
الموضع وحفروا فعثروا على الصندوق بما فيه فأخرجوا القطعة المقدسة سنة 628م.
ولفوها في أقمشة فاخرة وأخذها هرقل إلى مدينة القسطنطينية وأودعاها هناك باحتفال
عظيم.

 

43-
طقس دورة الصليب

في
صلاة رفع بخور باكر في عيدى الصليب، تحتفل الكنيسة بالصليب وتكرمه بطريقة بديعة
مؤثرة للغاية فيحمل الشمامسة الصليب المقدس مزيناً بالورود ومضاء بثلاث شمعات
ويطوفون البيعة به والكهنة لابسين البرانس حاملين المجامر.

ويبدأون
بدورة الصليب حول المذبح ثم يقفون أمام باب الهيكل الكبير ويقرأون فصلاً من
الإنجيل ثم يردون مرد الصليب ثم يقفون أمام أيقونة السيدة العذراء ويقرأون فصلاً
من الانجيل.. وهكذا إلى أن يرجعوا مرة أخرى.

ولكن
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا كل هذا الطقس وما هو السر وراء هذه الدورة التي قد
تُعمل بطريقة شكلية وقراءات سريعة آلية تفقدها معناها؟!

*
الواقع أن الكنيسة تكرم الصليب حياً معاشاً فيها بوضوح على مستويين:

1)
الصليب الحىَّ والمعلن في الكنيسة كمبنى وممارسة وعبادة توصل النفس الى حياة
أبدية.

2)
الصليب الحىَّ المعلن في الكنيسة كنفوس قديسين مكملين في المجد مبنيين كحجارة حية
بيتاً روحياً.

ففى
دورة الصليب عندما نقف أمام الهيكل وأبواب الكنيسة واللقان والمعمودية.. الخ فنحن
في الواقع نُعَّيد للصليب من خلال عبادتنا الكنسية ودخولنا إلى بيت الله وفى جميع
الممارسات الأخرى.

*
وعندما نقف أمام أيقونات القديسة مريم العذراء والملائكة والشهداء والقديسين فنحن
في الواقع لا نتذكر القديسين تذكاراً نفسياً بل ندخل معهم في شركة حياتهم وجهادهم
وفضائلهم وبالاختصار في شركة مع الروح الذي فيهم.

إن
القديس أعطى ذاته كلية لله ليحل فيه وينيره. فذكرنا للقديسين إذن يكون بمثابة
تنمية وتعميق لشركتنا مع المسيح وفى ذات الوقت دخول وارتباط بالخليقة الجديدة وفى
سر قداستها.

والصليب
في حقيقته هو الصلح بين السمائيين والأرضيين، والرباط الذي يربط هذه الطبيعة
الممجدة فيهم والتى لا تزال في طريقها للتمجيد فينا.

 

44-
لحن الاحتفال بالصليب

وهو
اللحن الذي يقال في أحد الشعانين، لحن الانتصار فأحد الشعانين هو بداية الصليب،
بدخول الرب الانتصارى راكباً على أتان وجحش ابن أتان كالتدبير وهذا اللحن يشيع في
النفس الفرح والغبطة.

والصليب
في واقعه هو ملكوت الله وهو الوسيلة التي استرد بها الرب جنسنا من قبضة العدو..
وعن طريق الصليب نزل إلى الجحيم وسبى سبياً وأعطى الناس كرامات. والرب ملك
بالصليب، نعم ملك على المديونين عندما قال قد أُكمل وسدد ديون الجميع، وملك على
المذنبين حين صلب بينهم وأحصى مع أثمة، وملك على الراجعين والتائبين حينما فتح
ذراعيه بالصليب ليحتضنهم. فلحن الصليب هو اللحن الملكى الذي عندما تصرخ به الكنيسة
تتوافق مع تسبيح الأطفال في هيكل أورشليم يوم دخول الرب الانتصارى وهم يقولون
أوصنا مبارك الملك الآتى باسم الرب.

{1}
أمام الهيكل الكبير: مز103: 4، مز137: 1-(يو1: 44-50)

نعيد
للصليب المعلن لنا في هيكل الله ومذبحه المقدس. فالواقف أمام الهيكل كمن يقف أمام
الجلجثة تماماً..

المذبح
هو الصليب وجسد ودم عمانوئيل موضوعان عليه.

الذي
يقبل المذبح بفمه يقبل الصليب ويكرمه والساجد أمام باب الهيكل يحسب مع الساجدين
على أعتاب السماء.

التعييد
للصليب من هذا المكان يكون بمثابة اكتشاف الأسرار التي تشتهى الملائكة أن تطلع
عليها داخل الهيكل.

{2}
أمام أيقونة السيدة العذراء مز86: 2، 5، 7 (لو1: 39-56).

السيدة
العذراء تعتبر أول من حمل الصليب وانحنت تحته بالطاعة المطلقة.

الصليب
في حياة العذراء ايمان بسببه تطوبها جميع الأجيال على الأرض وفى السماء ”
فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى”. (لو1: 48).

الصليب
في حياة العذراء تسبيح وابتهاج وفرح لا ينطق به.


تعظم نفسى الرب. وتبتهج روحى بالله مخلصى”. (لو1: 46، 47)

{3}
أمام أيقونة الملاك غبريال مز33: 6، 7(لو1: 26-38).

مع
أن الملائكة الأطهار لم يشتركوا معنا في حمل الصليب مادياً، إذ أنهم أرواح مقدسة
غير قابلة للآلام إلا أنهم اشتركوا معنا في أفراح الصليب وانتصاراته على سلطان
الظلمة والموت.

{4}
أمام أيقونة الملاك ميخائيل مز102: 17، 18 (مت13: 44-53).

القيامة
التي بشرنا بها رئيس الملائكة ميخائيل هى جوهر الصليب لأن الرب ارتضى أن يعلق على
الصليب لأنه قادر أن يقوم أيضاً ولأنه ليس ممكناً للموت أن يمسكه لأن فيه كانت
الحياة.

إذن
يستحيل أن نتكلم عن الصليب أو نعيد للصليب منفصلاً عن القيامة ويستحيل أن نبشر
بموت الرب إلا مقترناً بحياة يسوع المسيح الذي مات بل بالحرى قام.

{5}
أمام أيقونة القديس مارمرقس الانجيلى مز67: 13 (لو10: 1-12).

تشبه
بسيده وحمل صليب البشارة وقوة الله للخلاص إلى أرضنا وبشرنا بالسلام ونقلنا من
الظلمة الى استنارة الايمان. بالملك المسيح وعلمنا السجود للثالوث الأقدس وآخيراً
روى بذرة الإيمان التي غرسها في قلوبنا وسقاها بدمه الطاهر في يوم استشهاده.

{6}
أمام أيقونة سادتنا الرسل مز18: 3، 4، (مت10: 1- 8).

اذا
ما وقفنا أمام أيقونة الرسل الأطهار أيقونة أبينا بطرس ومعلمنا بولس، وأمام أيقونة
الاثنى عشر رسولاً مجتمعين مع العذراء القديسة مريم عند حلول الروح القدس عليهم
يوم الخمسين.

نكون
قد وقفنا لنمجد صليب ربنا يسوع المسيح الذي ارتفع في حياتهم، وأضاء فيهم فصاروا
نوراً للعالم وملحاً للأرض.

{7}
أمام أيقونة الشهيد مارجرجس مز96: 11، (لو21: 12، 19).

ظل
هذا الشهيد ممسكاً بصليبه حتى اختلط دمه بالصليب وصار أرق تعبير وأعظم إخلاص
للمسيح المصلوب بل يعتبر تجاوباً مع صليب المسيح إلى أبعد ما يستطيع الانسان
“مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ”. (غل2: 20).

هنا
يشير فصل الإنجيل إلى الصليب الذي احتمله الشهداء لكى نأخذ نحن بركة آبائنا
الشهداء في عبادتنا ونتمثل بهم.

{8}
أما أيقونة أنبا أنطونيوس

المزمور:
“عجيب هو الله فى قديسيه إله اسرائيل هو يعطى قوة وعزاءاً لشعبه. والصديقون
يفرحون ويتهللون ويتنعمون بالسرور هلليلويا”.

الانجيل
(متى 16: 24 – 28).

حياة
القديس أنطونيوس توضح أصالة الاتجاه المسيحى في تطبيق وصايا الإنجيل وحمل الصليب
من اللحظة الأولى التى أضاءت أمامه وصية الانجيل طريق الخلاص والحياة الأبدية.

هنا
الصليب. هو صليب الايمان المعاش. وفصل الانجيل يشير الى الصليب كما عاشه القديس
انطونيوس باختصار.

أنبا
انطونيوس الذي أنار لنا دروب الرب وحمل الصليب خلف سيده الى النهاية.

{9}
أمام الباب البحرى

مزمور:
“مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات..” الإنجيل: (لو13: 23 – 30).

الباب
البحرى هو باب الموعوظين الداخلين ليقبلوا سر العماد المقدس، ووضع المعمودية في
الكنيسة يكون بجوار الباب البحرى من الجهة الغربية.

اذن
يصح أن نسمى هذا الباب باب الدخول إلى الله، باب التوبة وتجديد الحياة وجحد
الشيطان والعالم هنا نقف أمام هذا الباب لنعيد للصليب.

الواقع
أن هذا هو الصليب عينه، الداخل من هذا الباب رفض العالم وكره الطريق الرحب المؤدى
الى الهلاك ورضى أن يموت عن العالم ليحيا لله وأن يصلب الجسد والشهوات والأهواء..
وقبوله المعمودية هو قبوله أن يدفن مع المسيح ويقوم في جدة الحياة..

{10}
أمام اللقان (غسل الأرجل).

مزمور:
“صوت الرب على المياه.إله المجد أرعد. الرب على المياه الكثيرة صوت الرب بقوة
هلليلويا”.

الإنجيل:
(مت3: 13 – 17).

ممارسة
غسل الأرجل في الكنيسة يكمن فيها سر الاتضاع. اتضاع الهنا العجيب. ويعتبر بالدرجة
الأولى مرحلة من مراحل الصليب المجيد.

هيا
يا أخوة نعيد لهذا الصليب العجيب – صليب الأردن – صليب الاعتراف والاغتسال المتكرر
وصليب غسل الأرجل.

{11}
أمام باب الكنيسة القبلى.

مزمور:
“افتحوا لى أبواب العدل لكيما أدخل فيها واعترف للرب”

الإنجيل:
(مت21: 1-11).

هذا
الفصل يذكرنا بدخول الرب ممجداً لأورشليم في وسط تلاميذه ومحاطاً بتسبيحات
شاروبيمية من فم الأطفال.. هكذا الداخل إلى الكنيسة يكون كمن يدخل في موكب يوم
الشعانين..

الصليب
هنا صليب الملك المنتصر الوديع وعلامة القوة والنصرة على العالم والجسد والموت
والشيطان والظلمة التي في العالم.

الداخلون
إلى الكنيسة يرشمون ذواتهم بهذا الصليب المحيي وهم:

1)
يحملون سعف النخل صليب الانتصار ويجدون المسيح الملك قائم في وسط الكنيسة.

2)
خلعوا ثيابهم وفرشوها في الطريق الملوكى.

3)
امتلأت أفواههم فرحاً وألسنتهم تسبيحاً.

{12}
أمام أيقونة يوحنا المعمدان.

مزمور:
“وأنا مثل شجرة الزيتون المثمرة في بيت الله اتمسك باسمك فإنه صالح قدام
ابرارك. هلليلويا”.

الإنجيل:
(لو7: 28 – 35).

تأمل:

*
ما أجمل الصليب في حياتك أيها السابق لابن الله الشاهد للحق من غير محاباة.

*
ما أجمل الصليب كما عشته في النسك والطهارة والتمسك باسم الهك حتى الموت.. السلام
لك أيها الصليب المتربع على عرش قلب يوحنا الكاهن بن الكاهن.. الذي وضع يده على
رأس الذبيحة الحقيقية ربنا يسوع المسيح.

*
ما أحوجنا أن نعيد للصليب في حياتنا.. ونمجده في القديسين الذين نالوا المواعيد
العظمى والثمينة ونظروها من بعيد وحيوها في قلبهم وكرموها في ضمائرهم وتصاغروا
وأقروا أنهم غرباء ونزلاء.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى