بدع وهرطقات

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

تحول السبتيين الأدفنتست إلى اليهودية

 

أما وقد أنكروا كمال ناسوت الرب
يسوع وقالوا” إن المسيح لبس طبيعة بشرية خاطئة مثل كل أبناء آدم (الكتاب
يتكلم صفحة 197) وأنكروا كمال كفارته على الصليب كما سبقت الإشارة كان طبيعياً أن
يتجهوا إلى الناموس للتبرير وهذا ما قالوه صراحة في (كتاب “مصير العالم”
صفحة 195) إذ قالوا” إن موت المسيح ما كان له من هدف آخر غير إعطاء الخاطىء
إمكانية الطاعة للناموس. الطاعة التي بدونها لا يمكن الحصول على شيء”. في
أقوالهم هذه نجد ارتدادهم عن النعمة. إذ لا يمكن أن نكون تحت الناموس وتحت النعمة
في وقت واحد: هما شيئان متباينان كما جاء في (يوحنا 1: 17) “لأن الناموس
بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا”. الناموس هو “قوة
الخطية” (1كو 15: 56) أما النعمة فهي قوة القداسة. الناموس يطالب الإنسان أن
يعطى مع أنه مفلس ومديون. لكن النعمة تعطى “ومن ملئه (المسيح) نحن جميعاً
أخذنا ونعمة فوق نعمة” (يوحنا 1: 16) ليس ما يقدمه الإنسان إلى الله هو ما
يجعله مسيحياً بل ما يأخذه من الله. والمسيحيون مطوبون لأنهم جميعهم أخذوا
“ونعمة فوق نعمة”. من يلجأ إلى الناموس فكأنه يبطل نعمة الله (أي يجعلها
باطلة) وهذا ما قاله بولس الرسول للغلاطيين “لست أبّطل نعمة الله. لأنه لو
كان بالناموس برّ فالمسيح إذاً مات بلا سبب” وبعد ذلك مباشرة يوبخهم ذلك
التوبيخ الشديد “أيها الغلاطيين الأغبياء…” (غلا 2: 21، 3: 2).

 وفي تعليمهم نجد ارتداداً صريحاً
لليهودية أو بالحري ارتداداً إلى صورة مشوهة من اليهودية – نقول صورة مشوهة لسببي
– أولاً ليس من حق الأمم أن يضعوا أنفسهم تحت الناموس الذي أعطى فقط لبني اسرائيل
كما قال الرب لهم “إياكم فقط عرفت من جميع القبائل الأرض لذلك أعاقبكم على
جميع ذنوبكم” (عاموس 3: 2) وثانياً لأن الله لم يكن يقصد أن يتعامل مع
الإنسان على مبدأ الناموس فهو يعلم أن الإنسان لا يمكن أن يتبرر بالناموس وإنما
الناموس كان اختباراً للإنسان والنتيجة فشل الإنسان في ظل الناموس. صحيح أنه لم
يعط إلا للأمة الإسرائيلية فقط كعينة من البشر وكان فشلها عظيماً. وإذ اتضح فشل
الإنسان أتى الله إليه بالنعمة. والنعمة وحدها هي طريق الله إلى الإنسان وطريق
الإنسان إلى الله.

 في ارتدادهم إلى اليهودية جعلوا
الخلاص بالأعمال الناموسية والامتناع عن بعض الأطعمة. فالمتقدم للمعمودية يتعهد
“بالامتناع عن لحم الخنزير وكل اللحوم غير الطاهرة حسب الناموس وزادوا على
ذلك الامتناع عن بعض المشروبات” (كتابهم قاعدة الكنيسة صفحة 80) ولكي تكمل
الصورة اليهودية حتموا بضرورة حفظ يوم السبت كما جاء في شريعة موسى “من غروب
الشمس يوم الجمعة إلى غروب شمس السبت” (كتاب مختصر قانون الكنيسة صفحة 79).

 يذكر في سفر الأعمال أن اليهود
الذين اعترفوا بالمسيح كانوا غيورين للناموس بطقوسه وفرائضه. إن الطقوس والفرائض
بحسب الناموس كانت مرتبة من الله إذ جعلها سياجاً للأمة الإسرائيلية لكي يفصل
الشعب عن الشعوب الوثنية في داخل حظيرة. أمة مستقرة في أرضها مسيّج حولها بسياج
الناموس والفرائض (متى 21: 33) وقد دخل المسيح إلى تلك الحظيرة بواسطة الباب ليدعو
خرافه الخاصة (أي المؤمنين به) يدعوهم بأسماء (لأنه عرفهم بالاسم) ويخرجهم من
الحظيرة اليهودية ويضمهم إلى المؤمنين به من الأمم وقد جعلهم “راعية
واحدة” أي قطيعاً صغيراً واحداً راعيها الواحد (يوحنا 10: 1، 3، 16).
المسيحيون الحقيقيون رعية واحدة راحلة إلى المجد وراء راعيها (عب 3: 1) ولا توجد
بعد حظيرة للرب على الأرض.

 بسبب عدم الروحانية أو بسبب عدم
وجود إيمان حقيقي، كان كثيرون من اليهود الذين آمنوا بالمسيح غيورين للناموس
(أعمال 21: 20) لأن هذا كان امتيازاً لهم عن الأمم الوثنية، فكانوا يحنون للناموس.
لكن ما هو عذر المسيحيين من الأمم الذين لم يوضعوا قط تحت الناموس؟ ما هو عذرهم أن
يجعلوا أنفسهم تحت الناموس وفرائضه؟ السبب هو ميل الإنسان الطبيعي للديانة الجسدية.
أما المسيحية فلا يقال عنها أنها ديانة لأنها شيء جديد روحي أساسها “المسيح
المقام من بين الأموات” والإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده
جهالة (أمور الله بالنسبة له جهالة) ولا يقدر أن يعرفه لأنه يحكم فيه روحاً (1 كو
2: 14). والسبب الثاني هو أنه منذ بداية تاريخ الكنيسة دخل معلمون كذبة من اليهود
وسط كنائس الأمم وجعلوا يعلمون المؤمنين من الأمم لأنهم يجب أن يضيفوا شيئاً من
الفرائض الناموسية علاوة على إيمانهم بالمسيح. وهذا ما نجده تاريخياً في سفر
العمال (أع 15) وقد صار البت في هذا الموضوع في مجمع الرسل والأخوة المشايخ في
أورشليم بقرار نصه كالآتي ” الرسل والأخوة المشايخ يهدون سلاماً إلى الأخوة
الذين من الأمم… إذ قد سمعنا أن أناساً خارجين من عندنا (أي من أورشليم
واليهودية) أزعجوكم بأقوال مقلبين أنفسكم وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس.
الذين نحن لم نأمرهم…لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً آخر
غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والخنوق والزنا…
الخ” (أع 15: 23 – 29) وليس في هذا القرار شيء من الناموس. لأن نجاسات
الأصنام ويرتبط بها الزنا أيضاً (الأكل من ذبائح الأوثان والزنا رؤ 2: 14) كانت
محرمة على البشر قبل إعطاء الناموس وكذلك المخنوق والدم (لأن المخنوق دمه فيه)
(انظر تكوين 9: 2 – 6).

 كان ذلك كافياً جداً لكي يسترشد به
من يريد أن يسلك بحسب حق الإنجيل لكن ماذا حدث بعد ذلك بسنوات قليلة؟ نفهم من
رسالة غلاطية التي كتبت بعد قرار مجمع أورشليم بحوالي خمس سنوات (كتبت سنة 54م.
تقرباً) أن هذا المرض انتشر كوباء بين كنائس غلاطية أي كنائس عديدة في مقاطعة
غلاطية. لذلك كتب إليهم بولس الرسول تلك الرسالة بغضب مقدس. والرسالة خالية من
التسليمات بخلاف رسائله الأخرى دليل خطورة الحالة فيقول لهم “إني أتعجب أنكم
تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى انجيل آخر (ص 1: 6) ليس هو
آخر (أي ليس إنجيلا على الإطلاق بل هو يهودية مشوهة): غير أنه يوجد قوم يزعجونكم
ويريدون أن يحولوا انجيل المسيح” (غلا 1: 6، 7). إن التحول عن الإنجيل إلى
الناموس يسميه الرسول بولس “ازعاجاً” وهي نفس الكلمة التي قالها الرسل
والأخوة المشايخ في الرسالة المرسلة لكنائس الأمم بخصوص الموضوع نفسه “أناساً
خارجين من عندنا (من اليهودية) قد أزعجوكم… قائلين أن تحفظوا الناموس” (أع
15) هذا الانزعاج نجده حادثاً الآن من السبتيين الذين ينادون بحفظ الناموس وبدون
الطاعة للناموس لا يمكن الحصول على شيء (كتاب مصر العالم صفحة 195) كما قال
المعلمون الكذبة للأخوة في أنطاكيا “لا يمكنكم أن تخلصوا” وبعبارة أخرى
لا ينفعكم المسيح شيئاً.

 إن الرسول بولس خاطب كنائس غلاطية
بكلمات قاسية بسبب غيرته على مجد الرب يسوع فقال لهم “أيها الغلاطيون الأغبياء
من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق. أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم
مصلوباً” (غلا 3: 1) أي أن الرسول بولس عندما كرز لهم رسم أمامهم الصليب
بأهواله. كرز لهم بمسيح متضع وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب، حدثهم عن
ساعات الظلمة الثلاث عندما كان المتألم القدوس يحتمل قصاص خطايانا من العدل الإلهي.
عندما شرب الكأس المريرة التي ملأتها خطايانا، صارخاً صرخة الكفارة “إلهي
إلهي لماذا تركتني؟”. لقد برر الله في تركه له حين شرب كأس خطايانا المرة (مز
22). جميع المؤمنين يؤمنون أن المسيح أخذ مكانهم على الصليب وأنه “أسلم من
أجل خطاياهم وأقيم لأجل تبريرهم” (رومية 4: 25). جميع المؤمنين الحقيقيين
يحسبون أنه عند الصليب انتهت صلتهم بالجسد والعالم والناموس.

 يقول الرسول لهم “من
رقاكم؟” أي من أخذكم بمكر وخداع وجذب أفكاركم حتى لا تذعنوا للحق؟ فالتعاليم
الكاذبة لها دائماً مظهر خداع وحكاية حكمة (2 كو) والمعلمون الكذبة “بالكلام
الطيب والقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء” (رو 16: 18) ثم يقول لهم في (ع 2)
“أريد أن أتعلم منكم هذا فقط أبأعمال الناموس أخذتم الروح القدس أم بخبر
الإيمان أي أن الروح القدس في المؤمنين كختم ملكية الرب لهم برهان أنهم أصبحوا
ملكاً للرب إلى الأبد. وإن كان أحد ليس له روح المسيح أي الروح القدس فذلك الشخص
ليس المسيح” (رو 8: 9) لأن السبتيين الذين يبنون الخلاص على الأعمال
الناموسية يقولون أن المؤمن معرض أن يهلك إذ تقول مسز هوايت “أن المسيحي
المولود ثانية من الله يمكن أن يسقط من النعمة ويصير إلى الهلاك الأبدي”
(كتابها “مأساة العصور” ف 28 صفحة 523) ولكن هذا موضوع آخر.

 ويستمر الرسول في توبيخه لهم
قائلاً في (ع 3) “أهكذا أنتم أغبياء؟ أبعدما ابتدأتم بالروح تكلمون الآن
بالجسد؟” لقد نالوا الروح القدس بعد أن ولدوا من الله ثانية وبه نالوا الحياة
الجديدة، ولكنهم بفعل المعلمين الكذبة أرادوا أن يرجعوا للناموس ليتخذوه قاعدة
لسلوكهم، فكأنهم بعد أن بدأوا بالروح يسعون إلى تكميل أنفسهم بأعمال الناموس، أي
أنهم يرجعون إلى الجسد. ذلك الشيء الفاسد الذي نبذه الله، ليكملوا أنفسهم به. كأن
الروح القدس الذي بدأ العمل لا يقدر أن يكمل أنفسنا؟ حاشا. ماذا يقول الرسول في
(رو 5: 10) “لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى
كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته” كما يقول أيضاً في (عب 7: 25) “إنه
يقدر أن يخلص إلى التمام… إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم” ثم في (ع 10)
يقول لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة لأنه مكتوب ملعون كل من لا
يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به” ثم في (ع16) يقول
“أما المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي نسله” أي المسيح. والمواعيد كانت
بدون شرط (أي مواعيد نعمة) ولا يمكن أن يبطلها الناموس الذي جاء بعد 430 سنة من
إعطاء المواعيد. وهنا يأتي السؤال: إذا كان الناموس لا يعطى وعداً ولا يستطيع أن
يبطل وعداً فلماذا أعطى؟ كما يقول فلماذا الناموس (ع 19)؟.

 الإجابة في (ع 24) “إن
الناموس كان مؤدبنا إلى المسيح” أي المعلم الذي يقود تلاميذه إلى المسيح،
كأنه يقول للناس “لا يمكن لأحد من البشر أن يقف أمام الله على أساس أعماله
“ولا واحد” (رو 3: 12) كما يقول داود أيضاً “لا تدخل في المحاكمة
مع عبدك فإنه لن يتبرر قدامك حي” (مز 143: 2) لأن مقياس قداسة الله أعظم مما
نظن أو نفتكر. ولا يمكن أن يقف إنسان أمام الله إلا في حمى دم المسيح. أوراق التين
(أعمال الإنسان) لم تستطع أن تستر عرى آدم. لا شيء من صنع الإنسان يمكن أن يخفى
حقيقة الإنسان عن عيني الله ولا بد من ذبيحة المسيح. وعن طريق الذبيحة صنع الرب
لآدم وحواء “أقمصة من جلد وألبسهما”.

 ثم بعد ذلك في الإصحاح التالي (غلا
4: 8، 9) يقول الرسول للغلاطيين الذين كانوا أمماً منساقين إلى الأوثان “إذ
كنتم لا تعرفون الله استعبدتم للأوثان وأما الآن إذ عرفتم الله… كيف ترجعون
أيضاً إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التي يريدون أن تستعبدوا لها من جديد”
حقاً ما أخطر هذه الأقوال التي معناها أنهم إذا خضعوا للفرائض الناموسية (مع أنها
كانت مرتبة لشعب الله قديماً) لا يكونون راجعين لليهودية بل كأنهم رجعوا للأوثان!
هذا ما تقوله كلمة الله! وهذه هي النتيجة الحتمية لمن لا يكتفي بالمسيح “الذي
صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء” (1 كو 1: 30).

 وماذا تقول كلمة الله لليهودي الذي
آمن بالمسيح وعرف المسيح كالذبيحة الواحدة التي أبطلت كل الذبائح التي كانت تقدم
قديماً بسبب عدم نفعها. بعد أن قدم الله المسيح كالواسطة الوحيدة للخلاص
“وليس بأحد غيره الخلاص” (أع 4: 12) لم يعد الرب يعترف بالعبادة
اليهودية. فالراجع لليهودية في الحقيقة هو راجع للوثنية كما قال الرب في إشعياء
“من يصعد تقدمة يصعد دم خنزير، من يذبح شاة فهو ناحر كلب من أحرق لباناً فهو
مبارك وثناً” (إشعياء 66: 3).

 وبعد ذلك في (ع 21) يقول لهم
“قولوا لي أنتم الذين تريدون أن تكونوا تحت الناموس ألستم تسمعون الناموس؟ ثم
يأتي بقصة هاجر وسارة كرمز لعهدين: عهد الناموس وعهد النعمة: أي العبودية للفرائض
الناموسية والحرية المسيحية. لكن ماذا يقول الكتاب؟ اطرد الجارية وابنها ومعنى ذلك
أنه لا خلط بين الناموس والنعمة. لا يمكن أن تكون تحت الناموس وتحت النعمة في وقت
واحد.

 وبعد ذلك في (ص 5: 1 – 4) يقول لهم
“فأثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنير
عبودية” (أي نير الناموس). وهذا ما قاله الرسول بطرس في مجمع أورشليم (أع 15:
10) “فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا
نحن أن نحمله”. إن نير الناموس هو نير عبودية. ثم في (ع 2) يقول لهم “ها
أنا بولس أقول لكم…” أي بولس الذي كان غيوراً للناموس أكثر من غيره
“أقول لكم إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً” وذلك كان رداً على
المعلمين الكذبة الذين كرزوا بالختان والناموس قائلين للأخوة إن لم تختتنوا حسب
عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا” (أع 15: 1، 2).

 ثم يقول لهم “لكن أشهد أيضاً
لكل انسان مختتن أنه ملتزم أن يعمل بكل الناموس” هذه أقوال خطيرة معناها: أن
الإنسان الذي يضع نفسه تحت التزام فريضة ناموسية سواء كانت فريضة الختان أو حفظ
السبت هو تحت التزام أن يعمل بكل الناموس. كل الناموس والفرائض الناموسية وليس أن
يختار بعض الفرائض كما يحلو له. إنه “ملتزم” ولكن عليه أن يعلم جيداً
أنه قد انفصل عن المسيح وارتبط بالناموس. هذا ما يقوله الرسول في العدد التالي
مباشرة “قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم من
النعمة” (ع 4) أي صيرتم عمل المسيح كأنه باطل بالنسبة لكم، لأنكم التجأتم إلى
الناموس تريدون أن تتبرروا به. سبق أن قال لهم في (ص 2: 21) “لست أبطل نعمة
الله (أي لست أجعلها باطلة بمحاولتي الرجوع للناموس) لأنه إن كان بالناموس بر
فالمسيح إذاً مات بلا سبب”. وهنا يقول لهم أنهم تبطلوا عن المسيح نفسه لذا
سقطوا من النعمة.

 ورسالة غلاطية مكملة لرسالة رومية
التي هي بالحقيقة الإنجيل الكامل كما يقول الرسول الملهم في افتتاحية الرسالة. والافتتاحية
هي عنوان الرسالة متكلماً عن الإنجيل “انجيل الله” (ع 1). ثم
“انجيل ابنه” (ع 9). ثم “انجيل المسيح” (ع 16) هذه الرسالة
تتكلم عن التبرير وكيف يتبرر الإنسان وهو خاطىء أمام الله الذي هو قدوس لا يطيق
الشر. وملخص الرسالة “أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس”
(رو 3: 28).

 يقول الرسول في افتتاحية الرسالة
“الذي به (يسوع المسيح) لأجل اسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع
الأمم” (ص 1: 5). والمقصود “بإطاعة الإيمان” هو طاعة الإنسان للحق
وقبول النفس لشهادة الله عن ابنه. أي خضوع النفس لبر الله حيث يكرز بالإنجيل لجميع
الشعوب، ليس لكي يطيعوا الناموس الذي أعطى لأمه واحدة أي الأمة الإسرائيلية كعينة
من البشر، بل “لإطاعة الإيمان في جميع الأمم”.

 في الإصحاح الأول يرينا شر الأمم
وفي الإصحاح الثاني يرينا شر اليهود وينتهي إلى هذه النتيجة “لأننا قد شكونا
(تبرهن لنا) أن اليهود والأمم أجمعين تحت الخطية. كما هو مكتوب أنه ليس بار ولا
واحد” (ص 3: 9، 10) ثم يقول “لكي يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص
من الله. لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه. لأن بالناموس معرفة
الخطية” (ع 19، 20) أي أن الناموس كان بمثابة المرآة التي كشفت عيوب الإنسان
لكنها لا تصلح عيوبه.

 وإذ ثبت فساد الإنسان حينئذ تداخل
الله بالنعمة كما يقول بداية من ع 21 “وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون
الناموس مشهوداً له من الناموس والأنبياء. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل
وعلى كل الذين يؤمنون (أي مقدم إلى كل الناس لكنه يستقر فقط على كل الذين يؤمنون).
لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجاناً بنعمته بالفداء
الذي بيسوع المسيح. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه… ليكون الله باراً
(عادلاً) ويبرر من هو من الإيمان بيسوع” (ع 21 – 26) ثم في (28) يصل إلى هذه
النتيجة المباركة “إذاً نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال
الناموس”. نفهم من ذلك أن الله بار (عادل) عندما يبرر الخاطىء الذي يؤمن
بالمسيح (أي يحتمي في قيمة دمه الثمين) لأن الله قد استوفى حقه في الصليب والله
بار (عادل) عندما يدين كل من لا يؤمن بالمسيح لأن الإنسان بلا عذر بعد أن رفض خلاص
الله.

 في (إصحاح 4) يعطينا مثالين
للتبرير بالإيمان بدون الأعمال أحدهما من الناموس والثاني من الأنبياء (ابراهيم
وداود) كما سبق وقال في الإصحاح السابق عن بر الله الذي ظهر الآن في زمن النعمة
مشهوداً له من الناموس والأنبياء (3: 21). وفي نهاية الإصحاح يقول “أن المسيح
أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا” أي أن قيامة المسيح كانت إعلاناً من
جانب الله بأن عمله له المجد كان كاملاً على الصليب (وليس سنة 1844 كما يقول
السبتيون). وكل من يؤمن قد تبرر بل “والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً”
(رو 8: 5) لأنهم متحدون مع المسيح الذي هو ممجد الآن عن يمين الله. لا يقول أنه
سيمجدهم، بل مجدهم فعلاً لأنهم “في المسيح الممجد”.

 وبناء على إيماننا هذا وتبريرنا من
جانب الله أصبح لنا سلام من الله (منذ ساعة الإيمان) كما أننا حالياً نقيم نحن
المؤمنون في النعمة ونفتخر على رجاء المجد (ص 5: 1، 2) مجدنا الحاضر مستتر في
المسيح. لكننا الآن نفتخر على رجاء المجد أي في المستقبل عندما يظهر المسيح بالمجد
سنظهر نحن أيضاً معه (كولوسي 3: 4).

 ثم في (ص 5: 12) يتكلم عن الخطية
أي الطبيعة الساقطة الموروثة من آدم والتي هي مصدر الخطايا الفعلية. وعلاجها في
(إصحاح 6) إذ يقول “عالمين أن إنساننا العتيق قد صلب معه لكي يبطل جسد الخطية
كي لا نعود نستعبد أيضاً للخطية، لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية” (6: 6،7).

 في (ص 5: 12) يرينا أن الخطية دخلت
إلى العالم بواسطة إنسان واحد (آدم) لكن علاج الله الكامل للخطية (وهي علة الإنسان
الكاملة) بواسطة الإنسان الواحد يسوع المسيح الذي أتى بالنعمة للخطاة (ع 15)
“لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد… هكذا أيضاً بإطاعة الواحد (الرب يسوع
المسيح الذي أطاع حتى الموت موت الصليب) سيجعل الكثيرون (أي جميع المؤمنين به)
أبراراً. وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية (ع 19، 20). الناموس لم ينشيء خطية
لأن الخطية كانت موجودة قبل الناموس. لكنه أظهر تعدياً بالنسبة للذين هم تحت
الناموس. لكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً فيالها من نعمة متفاضلة للإنسان
الخاطيء. أما تمسكه بالناموس فهو رفض لهذه النعمة.

 في (ص 6: 6) يقول “عالمين أن
إنساننا العتيق قد صلب معه (شرعاً) أي أننا نؤمن أن الله وضع كل مؤمن في المسيح
(شرعاً) عند موته – أن موضوع هذا الإصحاح ليس موت المسيح لأجلي ولكن موتي أنا
المؤمن مع المسيح. لذلك يقول احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله
بالمسيح يسوع ربنا (ع 11) لأن هذه نظرة الله للمؤمن المتحد مع المسيح. ليس الخطية
التي ماتت ولكن أنا بالنسبة للخطية ولكن من الناحية الأخرى أنا حي لله بيسوع
المسيح. الله لا يرى إلا حياة المسيح في المؤمنين. ثم يقول قدموا ذواتكم لله
كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله (ع 13). طريق القداسة ليس بعد “اعمل
هذا أو لا تعمل ذلك” كما يقول الناموس ولكن تقديم ذاتي لله أي أتجه إلى الله
الذي يملأني بالمسيح. وهذه هي القداسة. الانفصال إلى الله أي كل الكيان ينحاز
ويتجه إلى الله. في (رو 8: 10) يقول “إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب
الخطية وأما الروح فحياة بسبب البر” “المسيح فيكم” أي يملأ كيانكم
وتفكيركم. موضوع مشغولية القلب والفكر. بحياته وروحه. فالجسد بسبب وجود المسيح
فيكم، يصبح في حكم الموت بالنسبة للخطية. أما الروح (الروح القدس) فحياة بسبب البر
أي لا نتاج البر.

 هذه الأقوال في غاية الأهمية،
وتأسيساً عليها فإن المؤمن يحسب ميتاً بالنسبة للخطية أي أنه أعتق من سيادتها. ثم
في (ص 7 من نفس الرسالة) تأسيساً على أن المؤمن مات مع المسيح فقد أصبح ميتاً
بالنسبة للناموس أي أعتق من سيادته. لأن الناموس يسود على الإنسان ما دام حياً (ص
7: 1) وتأسيساً على ذلك يقول الرسول “إذاً يا أخوتي انتم أيضاً قد متم
للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي أقيم من الأموات، لنثمر لله” (7: 4).
كما قال في (ص 6: 22) “وأما الآن إذ أعتقتم من الخطية وصرتم عبيداً لله فلكم
ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية” أي كمال التمتع بالحياة الأبدية.

 في القسم الأول من رسالة رومية (ص
1 – 8) رأينا انجيل نعمة الله مقدماً للجميع – لليهود والأمم – على السواء لأنه لا
فرق إذا الجميع أخطأوا وطوبى للذين يؤمنون. وهنا يأتي السؤال: أين مواعيد الله
بخصوص شعبه القديم (اسرائيل). المواعيد المعطاة للآباء وأين النبوات التي فاضت بها
نبوات الأنبياء عن بركتهم في الأيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت
يهوذا عهداً جديداً ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم… اجعل شريعتي في داخلهم
وأكتبها على قلوبهم… سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم لأني أصفح عن إثمهم…”
(قارن الأعداد من 35 – 37).

 وهذا ما تتكلم عنه الإصحاحات (9 –
11) من هذه الرسالة. يقول في (ص 11: 1) “ألعل الله رفض شعبه؟ الإجابة حاشا!
أي؟أن هذا الفكر مستبعد تماماً ولا يجوز أن يقال مثل هذا الكلام نظير القول في (ص
9: 14) ألعل عند الله ظلماً؟ والإجابة: حاشا! “لأن الله ليس إنساناً فيكذب
ولا ابن آدم فيندم. هل يقول ولا يفعل أو يتكلم ولا يفي” (عد 23: 19)
“لأن هبات الله ودعوته هب بلا ندامة” (رومية 11: 29) وذلك بعد قوله
“إن القساوة حصلت جزئياً لاسرائيل إلى أن يدخل ملؤ الأمم وهكذا سيخلص جميع
اسرائيل (أي يخلص كأمة) كما وعد الرب “لن يكف من أن يكون أمة أمامي كل
الأيام” (أرميا 31: 36) ونواة الأمة هي البقية التي سترفض عبادة الوحش والنبي
الكذاب. وكما سبقت الإشارة عند الكلام عن أسابيع دانيال (الفصل الأول) سوف نتكلم
بالتفصيل عن خلاص اسرائيل النهائي عند الكلام عن “عبد أو هلال أو سبت”
(كولوسي 2: 16، 17).

 

ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص
ما قد هلك لوقا 19: 10

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى