اللاهوت الروحي

الفصل الثانى



الفصل الثانى

الفصل الثانى

8- الغيرة لأجل الله وملكوته

مقالات ذات صلة

هناك دوافع كثيرة للغيرة المقدسة، بعضها خاص
بالله وبعضها خاص بالناس، وبعضها خاص بالعمل ذاته، وبنفس الشخص. أولها الغيرة لأجل
الله وملكوته.

 

الذى يحب الله، يريد أن جميع الناس يحبونه.
ويحترق قلبه بالغيرة إن وجد أناساً بعيدين عن الكل. هو يريد أن يكون الكل لله
” للرب الأرض ووملؤها، المسكونة وجميع الساكنين فيها” (مز 24: 1).

 

والذى يحب الله، يريد أ ملكوت الله ينتشر. ويدخل
الله فى كل قلب، وفى كل بيت، وفى كل مدينة. ويصرخ ليلا ونهاراً، ومن عمق قلبه
” ليأت ملكوتك”. لذلك لا يحتمل أن يوجد مقاومون لله، يحاربون ملكوته..
فبكل جهده يعمل على أن يجذب الكل إلى ملكوت الله.

 

والذى يحب الله، طبيعى أنه يحب أولاده.. فهو
يريد أن الجميع يخلصون، ولا يشرد منهم أحد، ولا يهلك منهم أحد. كل نفس يصادفها
تكون عزيزة عليه، لأنها من أولاد الله، الذين يجب أن تكون لهم صورة الله ومثاله.

 

والذى يحب الله، يجد لذة فى أن يفرح قلب الله.

 

وكيف يفرحه؟ يقول الكتاب ” يكون فرح قدام
ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب” (لو 15: 10). إذن إن أردت أن تفرح قلب الله
قدام ملائكة السماء، حاول أن تقود غيرك غلى التوبة. فيقول الله ” ينبغى أن
نفرح ونسر، لأن ابنى هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالا فوجد” (لو 15: 22).

 

كذلك الذى يحب الله، ينفذ وصاياه.

 

ووصيته تقول ” اطلبوا أولاً ملكوت الله
وبره” (متى 6: 33). وماذا أيضاً؟ إنه يقول ” اعملوا لا للطعام البائد،
بل للطعام الباقى الذى للحياة الأبدية” (يو 6: 27). فعلينا أن نطلب ملكوت
الله بكل قوتنا وبكل مشاعرنا، ونقدم لأولاد الله الطعام الباقى اللازم لأبديتهم.

 

9- غيرة حب الناس وشفقة عليهم

غيرتك على الناس تنبع من محبتك لهم،، ورغبتك فى
خلاصهم.

لذلك اشعرهم بمحبتك. صادقهم. أجعلهم يحبونك،
ويحبون الحياة المقدسة التى تحياها، ويشتاقون أن يكونوا مثلك فى روحياتك التى
تجذبهم إليك، وتجذبهم إلى إلى الله. وثق المحبة لها مفعول كبير وقوى..

 

السيد المسيح أظهر محبته للعشارين، وكان يأكل
معهم أحياناً، بينما كان الفريسيون يحتقرونهم. ولكن محبة المسيح كانت هى الغالبة،
فكسبتهم..

 

ومن محبتك للناس تشفق على مصيرهم الأبدى.

 

هناك آيات فى الكتاب المقدس يقف الخادم أمامها
مرتعباً، مشفقاً على إخوته مثال ذلك قول الرب للهالكين، فى اليوم الأخير:

 

” إذهبوا عنى يا ملاعين، إلى النار البدية،
المعدة لإبليس وملائكته” (مت 25: 41).

 

مساكين هؤلاء الناس الذين سيذهبون إلى النار
المؤبدة، ويكونون فى عشرة إبليس وباقى الشياطين.. فى المكان الذى قال عنه سفر
الرؤيا (رؤ 21: 8):

 

” فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذى هو
الموت الثانى”.

 

هناك حيث يوجد ” الخائفون، وغير المؤمنين،
الرجسون، والقالتلون، الزناة، والسحرة، وعبدة الأوثان، وجميع الكذبة” (رؤ 21:
8).

 

ما أرعب هذا المصير إن تصورنا فيه بعض إخوتنا
وأصدقائنا ومعارفنا، أوأى أحد من البشر عموماً.. هذا المصير الذى قال عنه الرب:

 

” هناك يكون البكاء وصرير الأسنان”
(مت 13: 50)

 

” هكذا يكون فى إنقضاء العالم: يخرج
الملائكة، ويفرزون الأشرار من بين الأبرار، ويطرحونهم فى أتون النار.. ”
” وكما يجمع الزوان ويحرق بالنار، هكذا يكون فى إنقضاء هذا العالم.. (مت 13: 49،
50، 40). بل ما أصعب هذه العبارة، تخرج من فم الرب:

 

” إنى لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلى
الإثم”.

 

هكذا يقول فى اليوم الأخير للذين لم يفعلوا
إرادة الآب الذى فى السموات (مت 7: 21، 23). وهكذا يقول يقول أيضاً للعذارى
الجاهلات: “الحق أقول لكن إنى ما أعرفكن” (مت 25: 12).

 

كلما نتذكر الآيات الخاصة بالأبدية، نخاف على
إخوتنا.

 

الآيات الخاصة بالعذاب الأبدى، وبالظلمة
الخارجية، وبصرخة غنى للعازر يطلب قطرة ماء يبل بها فمه، وهو معذب فى ذلك اللهيب
(لو 16: 24).

 

عندئذ تملك الغيرة على قلوبنا، ونخاف على أولئك
الذين سيهلكون، ويحرمون من الله وملائكته، ويطرحون فى العذاب الأبدى، بلا أمل، بلا
رجاء، وبلا نهاية..

 

ليست المسألة إذن مجرد غيره على ملكوت الله،
وإنما أيضاً هذه الغيرة تحمل داخلها محبة الله، محبة الناس، وإشفاقاً عليهم من
المصير الأبدى..

 

محبة تسعى إلى خلاص هذه الأنفس المهددة بالهلاك
الأبدى. وكما قال القديس بطرس الرسول: “نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس،
الخلاص الذى فتش وبحث عنه أنبياء..” (ابط 1: 9، 10).

 

10- دوافع غيرة بولس الرسول

إنه يقول فى محبته للناس واهتمامه بهم:

” من يضعف، وأنا لا أضعف. من يعثر وأنا لا
ألتهب” (2كو 11: 29).

أى أنه لو مرض أحد، أنا فى تجاوبى معه اصبح كأنى
مريض مثله. ولو أن أحداً عشر أو سقط فى حياته، ألتهب أنا بالغيرة من نحوه لكى أخلص
هذا الإنسان الذى مات المسيح من أجله. وأنقذه من الفتور، لكى يرجع إلى حرارته
الأولى..

 

وكان القديس بولس يستخدم كل الوسائل التى تناسب
الناس لكى يخلصهم. وفى ذلك يقول:

 

” إذ كنت حراً، استعبدت نفسى للجميع، لأربح
الكثيرين ” ” صرت لليهود كيهودى، لأربح اليهود. وللذين تحت الناموس،
كأنى تحت الناموس، لأربح الذين تحت الناموس”. ” صرت للكل كل شئ، لأخلص
على كل حال قوماً” (1كو 9: 19 – 22).

 

إنه كفاح لأجل الناس. يلتمس فيه الرسول كل
الوسائل المناسبة لخلاصهم. المهم أن يخلصوا، بكافة الطرق.

 

وكما يقول القديس يهوذا الرسول: “وارحموا
البعض مميزين، وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار، مبغضين حتى الثوب المدنس من
الجسد” (يه 22 / 23). المهم أن تعمل عملاً، ولا تقف تتفرج.

 

11- الغيرة المقدسة لا تقف تتفرج

نحن لا نستطيع الفرجة على العالم وهو يهلك!

بل لابد أن نعمل عملاً من أجله، مادام بإمكاننا
أن نعمل.. لا يمكنك أن تبصر ناراً تحرق بيتاً وتقف تتفرج. ولا يمكنك أن تبصر أعمى
سيقع فى حفرة، وتقول مع قايين: “أحارس أنا لأخى” (تك 4: 9) انظر هوذا
القديس يعقوب الرسول يقول: “من يعرف أن يعمل حسناً، ولا يفعل، فتلك خطية
له” (يع 4: 17).

 

ما تعرف أن تعمله، إعمله. وكنت لا تعرف، إسال
الذين يعرفون، أو حول الخدمة إلى الذين يعرفون. ولا تقف فى سلبية كاملة. فالسلبية
لا تتفق مع المحبة، ولا مع الغيرة.. كأن خلاص الناس لا يعنيك!!

 

12- قيمة النفس الواحدة

الإنسان المشتعل بالغيرة المقدسة على خلاص الناس،
يقدر قيمة النفس البشرية، أية نفس..

 

إنه يقدر قيمة النفس الواحدة، التى مات المسيح
لأجلها، مثلما سعى الراعى الصالح وراء خروف واحد ضال، حتى وجده فحمله على منكبيه
فرحاً (لو15)

 

ومثال ذلك سعى الرب لخلاص المرأة السامرية.

 

سار من أجلها مسافة طويلة، وهو متعب وجوعان
وعطشان، لدرجة أن الكتاب يقول عنه ” وإذ كان قد تعب من السفر، جلس هكذا على
البئر وكان وقت الساعة السادسة” (يو 4: 6). ولعل أحدهم يسأل: ولماذا هذا
التعب كله؟! إنها امرأة خاطئة وفاسدة. ولكن الرب يجيب: ولكنها ابنتى. وقد جئت لأدعو
الخطاة وليس الأبرار إلى التوبة.

 

ولما دعاه تلاميذه إلى الطعام، قال لهم ”
لى طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم.. أطعامى أن أعمل مشيئة الذى أرسلنى” (يو 4: 32،
34).

 

طعامى هو هذه النفس، التى اتغذى بخلاصها.

 

بخلاصها اشبع وأرتوى واستريح. ذلك لأنه فى
انشغاله بخلاص هذه المرأة أهمل الأكل وهو جوعان، وأهمل الشرب وهو عطشان. ولم يهتم
براحته وهو مرهق ومتعب. كان كل تفكيره هو كيف يخلص هذه المرأة، وكيف يخلص السامرة..

 

هذه هى الغيرة الحقيقية على خلاص النفس.

 

إن المسيحية لم تركز اهتمامها على الجماهير فحسب،
وإنما اهتمت أيضاً بكل نفس على حده.

 

فالمحبة لا تسمح أن يتوه الفرد وسط زحمة
الجماهير. بل كل إنسان يشعر أن الله يهتم به اهتماماً خاصا، والكنيسة تهتم به
اهتماماً خاصاً

 

كان السيد المسيح يعمل وسط الجماهير، مثلما فعل
فى العظة على الجبل، وتحدث إلى الجميع. وكذلك فى معجزة الخمس الخبزات والسمكتين،
كان الرجال الذين يسمعونه خمسة آلاف..

 

ولكن السيد المسيح وسط زحمة الناس، اهتم بزكا.

 

كانت الجموع تزحمة. ومع ذلك التفت السيد إلى زكا،
باهتمام خاص، وناداه بإسمه، ودخل بيته، وقال: “اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت،
إذ هو أيضاً ابن براهيم” (لو 19: 1-9). وعلل السيد المسيح اهتمامه بزكا قائلا
” لأن ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك” (لو 19: 10).

فهل أنت مثله: تطلب وتخلص ما قد هلك؟

 

13- أهمية تخليص النفوس

الذى يدرك أهمية توصيل خلاص المسيح إلى الناس،
يلتهب قلبه بالغيرة للمساهمة فى هذا العمل العظيم الذى قال عنه القديس بطرس الرسول:

 

” نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس”
(1بط 1: 9).

 

واستطرد الرسول قائلا ” الخلاص الذى فتش
وبحث عنه أنبياء..” (1بط 1: 10). ويقول القديس بولس الرسول ” كيف ننجو
نحن، إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره” (عب 2: 3).

 

وقد اعتبر السيد المسيح أن من يجاهد فى هذا
المجال، إنما يعمل معه. فقال:

 

” من لا يجمع معى فهو يفرق” (متى 12: 30).

 

فهل أنت تجمع مع المسيح أم أنت تفرق؟

 

هل أنت تجمع هذه النفس الضائعة، وتحملها على
منكبيك فرحاً، لتضمها إلى المكوت؟ إن الله يريد مثل هؤلاء الذين يجمعون معه، لأن
الحصاد كثير والفعلة قليلون. لذلك أمرنا الرب أن نجعل هذه الطلبة جزءاً من صلواتنا،
فقال:

 

” اطلبون من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى
حصاده” (متى 9: 38).

 

فهل تكون أنت من هؤلاء الفعلة؟ تسعى جاهداً لكة
تهيئ مكاناً للرب فى قلب كل إنسان، واضعاً أمامك أن العالم له كثيرون يخدمونه، بل
يتنافسون فى خدمته. أما الذين يخدمون عمل الرب فهم قليلون. وحتى إن وجد أحياناً
كثيرون، قد لا تكون نوعيتهم صالحة.

 

إن خلاص النفس أهم عندالله من عمل الخلق:

 

لأنه ما فائدة الخليقة، إن كانت تذهب إلى جهنم؟!
ولعلنا نتذكر أن عمل الخلق لم يكلف الله سوى اصدار أمر، كقوله مثلاً ” ليكن
نور ” فكان نور (تك 1: 3)0 أما عمل الخلاص فقد كلفه التجسد واخلاء الذات،
الآلام والصلب والموت وكل ما استلزمه عمل الكفارة والفداء..

 

و هكذا كانت راحة الرب بعد تخليص العالم من
الخطية والموت، أهم من راحتة بعد عملية الخلق. فكان الأحد أهم من السبت. واصبح هو
يوم الرب.

 

العمل فى خلاص النفس، أهم من معجزة اقامة ميت.

 

بل هو اقامة ميت. ولكنه اقامة الروح الميتة،
التى هى أهم من إقامة الجسد الميت ألم يقل الآب فى رجوع الابن الضال ” ابنى
هذا كان ميتاً فعاش. وكان ضالا فوجد” (لو 15: 24). وفى هذا المجال قال القديس
يعقوب الرسول:

 

” من رد خاطئا عن ضلال طريقه، يخلص نفساً
من الموت، ويستر كثرة من الخطايا” (يع 5: 20).

 

إن الشيطان يبذل كل جهده، ليقود النفوس إلى
الموت، بكل الحيل والاغراءات، وبكل الشباك المنصوبة.. أفلا نقف من الناحية المضادة،
لكى نخلص النفوس من الموت. ونكون فى هذه الحالة عاملين مع الله، كما قال القديس
بولس (1كو 3: 9).

 

هذا العمل من أهميته، هو عمل الله والملائكة
والقديسين.

 

إنه عمل الرسل والرعاة والمعلمين، وعمل كل رتب
الكهنوت، وعمل جميع الخدام فى كرم الرب، وعمل ارواح الأبرار فى شفاعاتهم. الكل
يعملون لأجل ملكوت الله وانتشاره، ومن أجل خلاص كل نفس. بل هو عمل مطالب به كل أحد
على قدر امكانياته. وفى هذا يقول القديس يعقوب الرسول:

من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل، فتلك خطية
له” (يع 4: 17).

 

إذن فكل ما تستطيع أن تعمله لأجل الملكوت، إعمله،
واثقاً أن الله يعمل معك. وإن لم تعمل فتلك خطية تحسب عليك..

 

ولعل من أهمية هذا العمل، المكافأة الموضوعة
لأجله.

 

انظروا إلى الآباء الرسل مثلا، يقول لهم السيد
الرب ” متى جلس ابن الإنسان على كرسى مجده، تجلسون أنتم أيضاً على إثنى عشر
كرسياً تدينون اسباط إسرائيل الإثنى عشر” (متى 19: 28).. فإن قلت إن درجة
الرسل درجة عظيمة، أقول لك أمامك نبوءة دانيال النبى عن كل العاملين فى هداية
الخطاة. وقد رود فيها:

 

” الفاهمون يضيئون كضياء الجلد. والذين
ردوا كثيرين إلى البر، كالكواكب إلى أبد الدهور” (دا 12: 3).

 

يضيئون كالكواكب.. ما أعظم هذا المجد. ولهذا نجد
الربفى بداية سفر الرؤيا، وقد رآه يوحنا فى وسط المنائر السبع التى هى السبع
الكنائس، وفى يده اليمنى سبعة كواكب هى ملائكة الكنائس السبع (رؤ 1: 13، 16، 20).

 

 ومن
أهمية خلاص النفس، أنه سبب فرح للرب.

 

ففى قصة الخروف الضال، نجد أن الرب لما وجده
” حمله على منكبية فرحاً” (لو 15: 5). وفى قصة الابن الضال، لما رجع ذبح
الآب العجل المسمن وأقام وليمة وقال لعبيده نأكل ونفرح..

 

فابتدأوا يفرحون” (لو 15: 23، 24). وقال
للأخ الآخر ” كان ينبغى أن نفرح ونسر، لأن أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان
ضالاً فوجد” (لو 15: 23). وفى مثل الدرهم المفقود يقول الكتاب إن الأرملة لما
وجدته، لم تفرح وحدها، وإنما دعت الصديقات والجارات قائلة افرحن معى لأنى وجدت
الدرهم الذى أضعته (لو 15: 9)

 

فإن كنت قد أحزنت الله قبلاً بخطاياك، حاول أن
تفرحه الآن بتوبتك، وبسعيك لخلاص الآخرين.

 

وإن كان يحدث فرح فى السماء ” بخاطئ واحد
يتوب” (لو 15: 10)، فكم يكون الفرح بمن يردون كثيرين إلى البر؟ أليس عملاً
عظيماً أن تفرح قلب الله وقلوب ملائكته، وتعوض الله عن السنين التى أكلها الجراد
(يؤ 2: 5) فى حياتك وحياة الناس..

 

 إن
أبانا إبراهيم أقام حفلة لثلاثة (تك 18).. أما أنت فتقيم حفلة لكل ملائكة السماء
بغيرتك المقدسة التى تساهم فى خلاص آخرين، وفى هدايتهم وانقاذهم من الخطية، أو من
الجهل والإلحاد والاباحية..

 

14- عوائق أمام الغيرة

هناك عوائق قد يضعها البعض أمام الخدمة، تمعنة
من أن يلتهب بالغيرة المقدسة.. والعجيب أن هذه العوائق يلبسها ثوباً روحياً، حتى
يستؤيح ضميره وهو بعيد عن الغيرة وعملها. فما هى هذه العوائق؟

 

1- قد يعتذر العبض بأن اهتمامه بخلاص نفسه،
يعطية فرصة للاهتمام بخلاص الآخرين.

ونحن نقول إنه لا تعارض. فمن الأشياء التى
تساعدك على خلاص نفسك، أن تكون لك محبة نحو الآخرين وخلاصهم إذ كيف تخلص، إن كنت
لا تحب غيرك، ولا تبذل لأجله ولا اقصد بذلك أن ترتئى فوق ما ينبغى (رو 12: 2ى)،
وتقيم نفسك واعظاً ومعلماً لكل أحد، وأنت لا تعرف!! بل ترتئى للتعقل، فى حدود
إمكانياتك، وفى حدود مواهبك..

 

والذى لا تستطيع أن ترشده، صل لأجله..

والصلاة من أجل خلاص الناس، من الأمور الممكنة
لكل أحد، ولا تحتاج إلى مواهب وقدرات..! صارع مع الله فى هذا الأمر، وضع نفسك
أيضاً مع الذين يحتاجون إلى خدمة وإلى صلاة..

 

نقول ايضاً أن هناك فرقاً بين الراهب الذى اغلق
على نفسه فى حياة وحدة وصمت وعبادة، وبين الإنسان الذى يعيش فى العالم، ويشعر بما
يحتاج إليه الناس، ولا يستطيع أن يغلق احشاءه أمامهم (1يو 3: 17).

 

 2- وقد
يعتذر البعض بأن الغيرة تفقده وداعته وتواضعه:

كما لو كانت الوداعة أن يكون الإنسان راكداً لا
يتحرك، أو أن يكون بارداً لا يسخن أبداً!! هل فقد القديس بولس الرسول وداعته حينما
احتدت روحه فيه لما رأى مدينة أثينا مملوءة أصناماً (أع 17: 16). إنه تصرف فى غيرة
مقدسة، وفى نفس الوقت ظل مختفظاً بوداعته.

 

و السيد المسيح الذى نتعلم منه الوداعة والتواضع
(متى 11: 29)، بكل غيرة مقدسة فتل حبلاً وطهر الهيكل.. وبخ الناس، واخرج البهائم،
وقلب موائد الصيارفة. وقال لهم ” بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة
لصوص (متى 21: 12، 13)

 

إن الحياة الروحية ليست حياة سلبية، إنما هى قوة
ايجابية تتكامل فيها لفضائل ولا تتعارض ولا تتناقص.

 

فيمكن أن يكون الإنسان عنده التواضع والوداعة،
وفى نفس الوقت عنده الغيرة والشجاعة والحزم. ويستخدم كل فضيلة من هذه الفضائل فى
وقتها المناسب، باسلوب لا يتعارض مع الفضائل الأخرى. كالأب الذى يعطى إبنه الحنان
حيناً، والتأديب فى حين آخر، دون أن يتناقص مع نفسه.

 

وكمثال للغيرة والوداعة معاً، نذكر داود النبى.

 

كان داود النبى وديعاً بلا شك، إذ قيل فى
المزمور ” اذكر يا رب داود وكل دعته ” ومع ذلك قيل فى نفس المزمور إن
داود ” نذر لإله يعقوب: إنى لا ادخل إلى مسكن بيتى، ولا أصعد على سرير فراشى،
ولا اعطى لعينى نوماً، ولا لأجفانى نعاساً.. إلى أن أجد موضعاً للرب ومسكناً لإله
يعقوب” (مز 132: 3). وهذا هو عمق الغيرة المقدسة مع الوداعة..

 

وكمثال آخر للغيرة والوداعة معاً، نذكر ايضاً
موسى النبى:

 

من جهة الوداعة، قيل عن موسى النبى ” وكان
الرجل موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض” (عدد 12: 3).
وموسى هذا الوديع، لما رأى الشعب يعبد العجل الذهبى، بكل غيرة أحرق هذا العجل
وسحقه وذرى ترابه، وانتهر هارون رئيس الكهنة (خر 32: 19، 20).

 

3- وقد يعتذر البعض بأنه لم يدع إلى الخدمة:

 

ونحن نقول فى ذلك إن التكريس الكامل للخدمة،
لاشك يحتاج إلى دعوة، كالكهنوت مثلاً، إذ قال الرسول: “لا يأخذ أحد هذه
الوظيفة (أو هذه الكرامة) من نفسه، بل المدعو من الله كما هرون أيضاً” (عب 5:
4).

 

ومثل ذلك أيضاً النبوة والرسولية..

هناك أشخاص يدعوهم الرب لخدمته دعوة واضحة، مثل
دعوته لموسى النبى (خر 3)، ودعوته لإشعياء (إش 6)، ودعوته لإرمياء (إر1)، ودعوته
لصموئيل (1صم 3: 10). وبالمثل دعوة الرب للإثنى عشر تلميذاً (مت 10).

 

على أن هناك نوعاً آخر، يجد نفسه ملتهباً بمحبة
الخدمة إلتهاباً لا يملك له مقاومة ويكون هذا الإلتهاب الداخل دعوة إلهية بعمل
النعمة فيه. ويكون قد حركة الرب من الداخل.

 

ويشترك فى ذلك، أن يكون الغرض سليماً، وأن تكون
الوسيلة روحية، ولا يكون الخادم فى خدمته مستقلاً الكنيسة..

 

مثل هذا الشخص، حتى لو أخطأ فى سيلته، يصلح له
الرب هذه الأخطاء أثناء الطريق، ويرسل له من يعلمه، بشرط سلامة الهدف والبعد عن
التمركز حول الذات

 

وهكذا تكون الغيرة المقدسة عملاً من أعمال
النعمة داخل القلب والغيرة فى حد ذاتها لا تحتاج إلى دعوة، بل شعور مقدس سنبغى أن
يكون فى قلوب الكل.

 

إنما الصورة التى تتخذها هذه الغيرة فى العمل،
هى التى قد تحتاج إلى دعوة فى بعض الأحيان. والذى يعيش تحت إرشاد أب روحى، يمكن
لهذا الأب أن يرشده فيما يعمل. وهكذا تكون غيرته ويكون عمله تحت إرشاد وإشراف.

 

هناك حالات تعتبر دعوة بحكم الوصية، أو بحكم
المحبة الأخوية:

 

هل إذا كنت سائراً، ومررت بغريق، أو بمبنى فى
حريق، أو أعمى فى الطريق.. هل تحتج عن ارشاد الأعمى، أو انقاذ الغريق، أو الاتصال
بالمسئولين لاطفاء الحريق.. بحكم أنه لم تصلك دعوة؟! كلا بلاشك. لأن القلب الملتهب
بالمحبة، يلتهب بالغيرة للانقاذ. وتكون كلمة الدعوة هنا مجرد شكليات.. فالدعوة
التى فى داخل القلب هى فوق الرسميات..

 

و هنا نذكر مثال السامرى الصالح (لو 10):

 

هل احتج هذا السامرى بأنه لم يتلق دعوة، أو بأنه
ليست له وظيفة رسمية مثل الكاهن واللاوى؟! أم أنه لما رأى الجريح ” تحنن،
ونقدم زضمد جراحاته..” (لو10: 33، 34). هكذا فى كثير من أنواع الخدمة. وهنا
نذكر ضمناً:

 

4-البعض قد يقول ان العمل الروحى هو مسئولية
رجال الأكليروس على مختلف درجاتهم، ولا شأن لى بذلك.

 

نعم، إنما مسئولية الاكليروس. ولكن رجال
الأكليروس لا يستطيعون أن يعلموا وحدهم، ولابد من تعاون الكل معهم. كما أن منهج
القاء المسئولية على الغير، إنما يتجاهل المسئولية الشخصية النابعة من الحب، ومن
الخوف على الناس من الهلاك. هل مسئولية الآخرين تعفيك من عمل المحبة، إن كان فى
مقدرتك؟!

 

لذلك اهتم بسلامة أخوتك. واعمل كل ما تستطيع لكى
تربح نفوساً للرب. وإياك ان تردد عبارة قايين القائل. ” أحارس أنا لأخى”
(تك 4: 19)..

 

نعم أنت حارس لأخيك. تحرسه بالحب والرعاية.
تحرسه بقلبك وبلسانك، وبجهدك وبصلواتك، وبتعبك وذلك من أجله. لا تترك واحداً من
أخوتك يضل، إن كان بأمكانك أن تنقذه. لأن الله سوف يطالبنا بأنفس أخوتنا فى اليوم
الأخير وبخاصة الذين لم يجدوا أحداً يقف إلى جوارهم، الذين نصلى عنهم فى تحليل نصف
الليل ونقول: اذكر يا رب العاجزين والمنطرحين، والذين ليس لهم أحد يذكرهم”.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى