اللاهوت المقارن

البروتستانت



البروتستانت

البروتستانت

 

الوسط
الذى ظهرت فيه حركة البروتستانت

أولا:
سلطة البابا

كانت
أوربا مقسمة إلى ولايات على رأس كل ولاية رئيس أساقفة، وكل ولاية مقسمة إلى مناطق
أصغر (دوقيات) على رأس كل منها أسقف، وهذه المناطق مقسمة إلى إبروشيات لكل إبروشية
منها كاهن أو أكثر… لقد مثل هذا النظام شبكة متكاملة تغطى جميع مناطق أوربا
وجميعها تدين بالولاء للبابا بالإضافة للأنظمة المختلفة للرهبنة

 

وامتدت
سلطة البابا من الأمور الدينية إلى الأمور الدنيوية، كما شملت سلطة الأساقفة الشؤن
المدنية علاوة على الشؤن الدينية… حتى أن سلطان الإمبراطور أصبح أقل كثيراً من
سلطان البابا

 

كان
رجاله (النظام الكنسى) يمسكون فى أيديهم السلطة الدينية و الدنيوية معاً… و
الويل لمن تحدثه نفسه بأن يثور على نظام الكنيسة أو يقف فى وجهها، لأنهم عندئذ
كانوا يسلمونه للسلطة المدنية لإصدار الحكم عليه ثم يكون نصيبه عامود (خازوق)
الإحراق بعد ذلك فى الميادين العامة أما السلطة المدنية فما كانت تعمل إلا فى خضوع
لأوامرهم ومؤامرتهم

 

+
كان فى أحد الأوقات لروما ثلاث باباوات فى وقت واحد وكان لكل بابا من الثلاثة
حزباُ يؤيده ويحرم الأخرين، وظل هذا الوضع الشاذ حتى عام 1414م عندما أنعقد مجمع
قسطنويا برياسة البابا يوحنا الذى رفض التنازل عن الكرسى الآ بعد غريميه، فواجه
المجمع بخمسين تهمة موجهة ضده

 

منها
انكار الحياة الأبدية وقيامة الأجساد وخلود النفس، وأنه خدم الأسرار المقدسة وهو
متقلداُ سلاحه وانتهى المجمع إلى عزل البابا يوحنا وعزل بندكتوس الثالث عشر،
وأعتزل جريجوريوس الثانى عشر وتم رسامة بابا جديد هو البابا مرتينوس الخامس سنة
1417م

 

ثانياً:
فساد الأكيلروس

نظراً
لأن الدرجات الكهونتية أصبحت تمثل سلطة ومكسباً مادياً لذلك اندفع الكثيرون
يتنافسون للحصول على هذه الدرجات وقدموا فى سبيل ذلك المال والرشاوى المختلفة…
لقد تفشيت السيمونية وسط الكنيسة الكاثوليكية ودخل للكهنوت من يستحق و من لا يستحق
أما الأسقفيات فكانت وقفاً على أبناء الأمراء والأقطاع دون النظر إلى أهليتهم أو
درجة علمهم

 

ثالثاً:
جهل الشعب

انصرف
رجال الدين عن تعليم الشعب، واقتصرت العبادة على أقامة الطقوس التى تتلى بالغلة
اللاتينية التى لا يفهمها القارىء ولا السامع…لقد أفتقر الشعب إلى القدوة وقلت
الروحانية وكثر الكلام والمجادلات والمماحكات الغبية و انتشر السحر والشعوذة وأصبح
الشعب الجاهل يخشى سلطة رجال الدين كما يخشون أعمال السحر

 

رابعاً:
الروح القومية

عانى
الفلاحون والعمال من تسلط وظلم أصحاب الأراضى والمصانع ولاسيما فى بلاد غرب أوربا،
وزاد من هذه المعاناة تسلط باباوات روما وانصراف رجال الدين عن الاهتمام بشؤن
الرعية، وتطور الأمر إلى اشتعال ثورات الفلاحين، وقد أستغل قادة البروتستنت هذه
الظروف لصالح دعوتهم.

 

خامساً:
عصر النهضة

يسمى
القرن الخامس عشر والسادس عشر فى أوربا بعصر النهضة أو عصر الإحياء أو عصر الميلاد
من جديد، وفيه تمت إنجازات هامة فى كافة نواحى العلم، فمثلاً:

 

1.
اكتشف كولمبوس أمريكا، كما اكتشف فاسكودى جاما طريق رأس الرجاء الصالح

2.
أعلن كوبرنيكس أن الشمس ثابتة والأرض هى التى تدور حولها

3.
سنة 1450م تم اختراع آلة الطباعة، وهذا ساعد على سرعة انتشار الأفكار ولاسيما التى
تعارض الكنيسة البابوية

4.
سنة 1453م سقطت القسطنطينية فى يد الأتراك وهرب كثير من علماء اليونان إلى غرب
أوربا حيث أسسوا ” الحركة الإنسانية ” التى تهدف إلى خدمة الإنسان

 

سادساً:
صكوك الغفران

إعتمدت
فكرة صكوك الغفران على عقدتين فى الكنيسة الكاثوليكية،وهما عقيدة زوائد القديسين
وعقيدة المطهر

 

+
عقيدة زوائد القديسين

يعتقد
الكاثوليك بأن القديسين الذين صنعوا أعمال صالحة عظيمة خلال حياتهم تكفيهم ويتبقى
منهم الكثير، وهذه الأعمال الصالحة المتبقية من القديسين يطلقون عليها زوائد
القديسين وهى تعتبر بمثابة كنز يودع فى الكنيسة و من حق الكنيسة الصرف من هذا
الكنز لصالح المحتاجين، بشرط أن يؤدى هؤلاء المحتاجون خدمات جليلة للكنيسة أو يدفعون
جزء من أموالهم للكنيسة.

 

+
عقيدة المطهر

جميع
نفوس المنتقلين ستجوز فى نار المطهر لكى تتطهر من الخطايا والهفوات التى صنعتها،
وكل نفس ستمكث فى المطهر فترة تتناسب مع الخطايا التى صنعتها فالإنسان الذى صنع
خطايا كثيرة يطول وجوده فى المطهر والذى صنع خطايا أقل يقل وجوده فى المطهر.. أما
القديسون فأنهم لايجوزن فى نار المطهر

 

والإنسان
الذى يقتنى صك غفران يمكنه أن يعفى من نار المطهر لمدة20 أو50 أو100 سنة مثلاً كما
يستطيع الشخص أن يحصل على صك غفران لصالح قريب أو عزيز له قد فارق الحياة، وقد
بدأت فكرة صكوك الغفران مع الحروب الصليبية، حيث نادى رجال الدين بأن الجندى الذى
يعترف ويتوب ويتقدم للحرب مخاطراً بحياته يستطيع أن يحصل على صك غفران كتابة
وبموجب هذا الصك يعفى من عذاب المطهر.

 

و
مع الأيام بدأت تباع هذه الصكوك وأصبحت تجارة رابحة شائعة يلجأ أليها البابا كلما
أحتاج إلى المال… كما كانت الصكوك متنوعة ومختلفة فكل صك تتناسب قيمته مع مقدار
الخطية المطلوب غفرانها.

 

وفى
سنة 1513م جلس البابا ليون العاشر على كرسى القديس بطرس، وكان من عائلة مديتشى
الغنية، وهو قد اعتاد على حياة الرفاهية والإسراف والبذخ كما كان يحب الفن
والتعمير وعندما عزم البابا على بعض الإصلاحات بكاتدرائية بطرس الرسول لم يجد
المال الكافى لذلك أصدر فى 31مارس 1515م قرار بيع صكوك الغفران كاملة إى تمنح
الإنسان إعفاء كامل من عقوبة المطهر وليس لفترة محددة… اعترض على هذا معظم
الولايات الألمانية وبحث البابا عن أحد الأساقفة الألمان للتعاون معه فوجد ضالته
المنشودة فى ألبرت رئيس أساقفة ماينسى الذى وصل إلى رئاسة ثلاث إبروشيات عن طريق
الرشوة، رغم أن قانون الكنيسة كان يمنع شغل نفس الشخص لأكثر من منصب ورغم أن عمره
لم يتجاوز الخامسة والعشرين…. وتم الاتفاق بين البابا و ألبرت على بيع صكوك
الغفران فى الأبروشيات الثلاث الخاصته على أن تقسم الحصيلة بينهما

 

واختار
ألبرت رئيس أساقفة ماينسى الكاهن يوحنا ليقوم بحملة دعاية كبيرة لبيع هذه الصكوك،
وسافر يوحنا إلى المدن المختلفة فى موكب ضخم يتقدمه مناد يدعو الجموع لاجتماع لأمر
هام… فيقوم الكاهن يوحنا خطيباً بارعاً يحدثهم عن فوائد صكوك الغفران ويختتم
خطبته بالعبارة الشهيرة التى سجلها التاريخ ” فى نفس اللحظة التى ترن فيها
نقودكم فى الصندوق تخرج النفس المطهرية حرة منطلقة إلى السماء ” هذه الصكوك
أثارت الكثيرين و على رأسهم مارتن لوثر الذى أخذا يهاجم هذه الصكوك فى عظاته…
وفى 31 أكتوبر 1517م كان يوافق عشية عيد القديسين حيث يقبل الآلاف من كل مكان إلى
كاتدرائية فيتمبرج للحصول على الغفران و أنتهز مارتن هذه الفرصة وعلق لوحة على باب
الكاتدرائية تحتوى على 95 احتجاج ضد صكوك الغفران باللغة اللاتينية، وكان قصد
مارتن من الكتابة باللغة اللاتينية و عدم كتابتها بلغة الشعب الألمانية أنها رسالة
موجهة إلى علماء الكنيسة بقصد تصحيح الأوضاع.

 

و
تعجب مارتن عندما وجد هذه الاحتجاجات ترجمت إلى الألمانية ولغات أخرى وطبعت
وانتشرت فى ألمانيا وخارجها وشملت هذه الاحتجاجات:

 

1)
ليس للبابا سلطة على نفوس المنتقلين (الاحتجاج 1-29)

2)
الغفران يتم عن طريق واحد وهو التوبة (الاحتجاج30-68)

3)
مهاجمة الذين يرتكبون الشر بحجة أنهم قد اقتنوا صكوك غفران كاملة (الاحتجاج69-90)

4)
تحذير الشعب من الأنبياء الكذبة الذين ينادون للشعب بالسلام وهم كاذبون ولن يدخل
أحد الملكوت بالمال (الاحتجاج91-95)

 

ومن
أمثلة هذه الاعتراضات:

 

الاعتراض
السادس: ليس من حق البابا أن يغفر خطايا الإنسان ولكنه يعلن للخاطى أن خطاياه غفرت
وذلك فى التوبة والاعتراف

 

الاعتراض
الحادى والعشرين: يضل الذين ينادون بان صكوك الغفران تخلص الإنسان من عقاب الخطية

 

الاعتراض
السابع والعشرون: يضل الذين يقولون بأنه متى رنت النقود فى صندوق الجمع تخلص النفس
من المطهر منطلقة نحو السماء

 

الاعتراض
السادس والثلاثون: المسيحى الحقيقى الذى يترك خطاياه بقلب منسحق نادم تغفر خطاياه،
ولا حاجة لصكوك الغفران…

 

الاعتراض
الثالث والأربعون: على المسيحى أن يفهم حقيقة أن الذى يحسن إلى مسكين أو يقرض
محتاجاً يقوم بعمل أفضل من شراء صك الغفران

 

الاعتراض
الثانى والستون: إن كنز الكنيسة الثمين هو إنجيل نعمة الله

 

وقد
اعتبر البروتستانت يوم 31 أكتوبر 1517 م بداية تاريخ الإصلاح الأنجيلى

 

تعليق:

المسيحية
تفصل بين الأمور الدينية والأمور الدنيوية وليست المسيحية دين ودولة، ولكنها تعترف
بالفصل بين الدين والسياسة كقول السيد المسيح للمجربين ” إعطوا إذا ما لقيصر
لقيصر وما لله لله ” (مت 22: 21)… وسقوط الكنيسة الكاثوليكية فى خطاء الجمع
بين السلطتين الزمنية والدينية أعطى الفرصة للبعض بالاحتجاج، وبينما تفشى الفساد
فى الاكليروس الكاثلويكى، لكن البروتستانت أنفسهم يعترفون بوجود بعض الأفاضل الذين
حفظوا الفضيلة، كما يعترفون بأثر الكنيسة فى المجتمع

 

و
البعض يعتقد أن الكنيسة الكاثلويكية كانت تمنع وتحرم الكتاب المقدس للعامة…. وقد
رأى البعض فى نسختى الكتاب المقدس المربوطتين بالسلاسل فى كل من جامعة إرفورت
والدير الذى ألتحق به لوثر رمزاً على أن الكتاب المقدس كان مسلسلاً ومقيداً
ومغلقاً أمام الجميع…

 

ولكن
الحقيقة – وإن كانت الكنيسة الكاثوليكية فى ذلك العصر لم تشجع بأى حال من الأحوال
العلمانيين على دراسة الكتاب المقدس أو الإطلاع عليه بل احتفظت بحق تفسيرها
لأكليروسها – لكنها لم تحرم الذين يريدون الإطلاع عليه من ذلك… والدليل على ذلك
أن الكنيسة لم تصدر أى قرار ضد أول طبعة من الكتاب المقدس التى ظهرت باللغة
الألمانية فى سنة 1466 م فى مدينة ستراسبورج أى قبل أن يولد مارتن لوثر نفسه.

 

مؤسسى
حركة البروتستانت

يعتبر
مارتن لوثر مؤسس حركة البروتستانت بالإضافة إلى بعض الشخصيات الأخرى

فأين
هم من حياة الشهداء والقديسين…..؟!

ما
مدى وضوح صورة المسيح فيهم…؟!

هل
يمكن أن نأخذ أقوالهم بدون فحص وتدقيق…..؟!

 

(مارتن
لوثر)

ولد
مارتن فى بلدة ايسليبن بألمانيا الشرقية من أسرة ريفية فقيرة، كانت أسرة لوثر أسرة
محافظة لذلك أسرع الأب بعماد أبنه مارتن فى اليوم الثانى لميلاده وأسماه بهذا
الاسم لأنه ولد فى ليلة عيد القديس مارتن.

عاش
مارتن فى بيت يخلو من الرفاهية والراحة نظراً لقلة الدخل وزيادة عدد الأسرة التى
تجمع سبعة بنين مع الأب والأم…..

وكانت
معاملة الأسرة تتسم بالقسوة حتى أن مارتن ضربته أمه بالسياط بسب حبة جوز حتى أنفجر
الدم من جسمه…. لقد ذاق مارتن طعم الحرمان

 

وتأثر
مارتن بأمه التى كانت تخشى الأرواح الشريرة حتى أنها نسبت موت أبها الثانى إلى سحر
جارتها.

 

وأنتقل
الأب من أيسليبن المنطقة الزراعية إلى مدينة مانسفلد بمناجم النحاس والفضة… وبعد
أن كان عاملا بسيطاً صار رئيساً لثلاثة مسابك ثم مالكاً لأثنى عشر مسبكاً، واختير
عضواً فى مجلس المدينة.

 

وفى
السابعة أخذ مارتن طريقه إلى مدرسة مانسفلد وفى المدرسة عانى أيضاً من قسوة
المعلمين، وفى الرابعة عشر أخذ مارتن طريقه إلى مدرسة الآباء الفرنسيسكان ولكنه لم
يمكث بها إلا سبعة أشهر بسب أصابته بمرض شديد فعاد إلى مانسلفد… ولكن رغم قصر
هذه الفترة إلا أن مارتن تأثر جداً بجماعة الفرنسيسكان التى تقوم بممارسات شديدة
فى الزهد والتقشف والإماتات والإتضاع… كانت هذه الجماعة تعيش على الصدقة وانضم
إليها مارتن فكان يجوب الشوارع مع أصدقائه طالباً الصدقة من الناس.

 

وفى
الثامنة عشر فى شهر مايو سنة 1501 م أخذ مارتن طريقه إلى جامعة ارفورت حيث درس
الفلسفة والعلوم الأخرى بجانب دراسته للكتاب المقدس، وكف على القراءة حتى أن
أصدقائه لقبوه بمارتن الفيلسوف… كان موقفه من الدين متناقضاً فهو يحب الأمور
المتعلقة بالدين بينما يرهب الله جداً ويتصوره كديان قاس وقاض مخيف، ولهذا أصبح
يرتعب من الموت… وظل شبح الموت يحاصره فى كل مكان.

 

أنهى
مارتن دراسته وجاء ترتيبه الثانى على دفعته المكونة من سبعة عشر طالباً… وحصل
على البكالوريوس وكلفته إدارة الجامعة بالتدريس… فبدأ يلقى محاضرته فى جامعة
ارفورت وفى نفس الوقت يدرس فى كلية الحقوق، وكان هذا مبعث الفرح والسرور فى نفس
والده.

 

مارتن
الراهب أغسطينوس الأغسطينى: فى 18 يوليو 1505 م ترك مارتن حياة العالم وموقعه فى
الجامعة وذهب إلى دير القديس أغسطينوس وكم كان غضب أبيه لأنه ترك منصبه فى الجامعة
من أجل الدير ولهذا ظل فترة طويلة يهاجمه معلناً عدم رضائه عنه…

 

أمضى
مارتن فترة الاختبار، وفى ديسمبر 1506 م أعلن نذره النهائى للرهبنة ودعى باسم
الراهب أغسطينوس، وفى 4 إبريل 1507 م سيم قساً.

 

اتخذ
مارتن قرار ذهابه للدير وهو غير مقتنع لكنه كان مضطراً بسب ما تعرض له من ظروف
قاسية و أخر هذه الظروف تعرضه لعاصفة كادت أن تقتله فتشفع عندئذ بالقديسة حنة ونذر
نفسه للرهبنة.. ويقول مارتن فى كتاب له سنة 1521 م يخاطب أباه:

 


أتذكر… إنى قلت لك أن دعوة مخيفة من السماء قد وجهت إلى فلم أصر راهباً رغبة منى
أو مسرة فى الرهبنة بل دفعت بطريقة لا تقاوم للنطق بهذا النذر.

 

كان
مارتن يقوم بالممارسات الروحية دون إفراز أو حكمة فلم يوازن بين احتياجات الجسد
واحتياجات الروح… وفى أحد المرات حبس نفسه فى قلايته عدة أيام يصلى حتى فقد
الوعى تماماً، وأضطر الأخوة إلى كسر باب القلاية لكيما ينقذوه…. وعندما أقام أول
قداس تعرض لحالة شديدة من الخوف والانزعاج لأنه شعر أنه يقف أمام الله الذى يهابه
ويهابه، وقد أضر رئيسه أن يسنده لئلا يسقط على الأرض.

 

وفى
أحد المرات تعرض مارتن لمرض خطير حتى أشرف على الموت الذى يخشاه ولاسيما أنه غير
واثق فى غفران خطاياه، وخلال هذه الظروف تقابل مع راهب شيخ اسمه يوحنا ستوبيز ففتح
مارتن قلبه للشيخ وأطلعه على مخاوفه فطمائنه الراهب يوحنا بأن الله يغفر الخطايا
وذكره بقول قانون الأيمان الكاثوليكى ” أومن بغفران الخطايا “.

 

كان
مارتن يبصر الشياطين تحيط به فلم يقوى على انتهارهم كما كان يفعل القديسين ولكنه
فقد سلامه وتعرض للفشل.

 

وفى
أحد الأيام لاحظ الأب يوحنا وجه مارتن عابساً فسأله عن السبب فأجاب مارتن بأن
السبب هو خوفه من عقاب الله بسبب خطاياه… عندئذِ شخص الراهب المختبر حالته وقال
له ” ليس الله هو الغاضب عليك أو الثائر ضدك بل أنت الغاضب والثائر ضد الله

 

و
قد وصل الحد بمارتن إلى كراهية الله البار لأنه وضع فى نفسه أن الله البار لابد أن
ينتقم من الخطاة والآثمة.

 

ورغم
أن يوحنا حاول إنقاذ مارتن من حالة الاضطراب و التشكك فأستدعاه للتدريس فى جامعة
ارفورت سنة1509… إلا أن مشكلة مارتن الثائر ضد الله لم تحل ولم يجد راحة لنفسه و
أيضاً زيارة مارتن لروما لم تمنحه السلام الداخلى

 

وبعد
عودة مارتن من روما واصل تدريسه ودراسته حتى حصل على كتوراة فى العلوم اللاهوتية
فى 19 أكتوبر 1512 م ولكن مشكلة مارتن الثائر ضد الله مازلت قائمة لم تحل…..
فكيف حل مارتن مشكلته…؟؟

 

فكر
مارتن فى فكرة التبرير بالإيمان ولا داعى لأعمال الإنسان فيقول مارتن “و
أخيراً أشفق الله على وعندئذ بدأت أفهم أن عبارة ” بر الله”تعنى أن
الإنسان الذى يؤمن يحيا بالبر الذى يمنحه له الله… كما هو مكتوب،وأما البار
فبالإيمان يحيا، وحلا ً شعرت بأننى أولد من جديد وأن أبواب السماء قد فتحت على
مصراعيها أمامى “

 

أقتنع
مارتن بفكرة التبرير بالإيمان ونادى بها، وظن أنه أدرك ما لم يدركه أحد من قبل،
ليس هو فقط بل وأقل واحد من أتباعه يفوق فى معرفته جميع القديسين السابقين.

 

وعندما
ثار مارتن على صكوك الغفران وعلق 95 احتجاجاً على باب كاتدرائية فيتمبرج يوم 31
أكتوبر 1517م فى عشية عيد القديسين أرسل نسخة إلى ألبرت رئيس أساقفة ماينس الذى
أرسلها بدوره إلى البابا ليون العاشر وذلك أثار البابا والبرت عليه ولم يكف مارتن
عن قوله بأن البابا يحتاج إلى صلاة الإيمان أكثر من حاجته للمال.

 

الحكم
بخطأ لوثر: كلف البابا أحد علمائه ويدعى الكاردينال كاجتان بدراسة احتجاجات لوثر
فقام بدراستها…وفى النهاية حكم بخطأ لوثر…. أما بائعى صكوك الغفران فقد غضبوا
جداً حتى أنهم أخذوا ينادوا بحرق لوثر الهرطقى حياً…. وتم دعوة لوثر أمام مجمع
هيدلبرج فى 25أبريل 1518م.
وأمام المجمع أظهر مارتن روح خضوعه
لسلطان البابا وكتب خطاباً للبابا جاء فيه:

 

“أيها
الأب الأقدس إننى القى بنفسى أمام قداستكم خاضعاً بكل مالى وبكل حالى أحيونى أو
أقتلونى… إرفضوا أو اقبلوا قضيتى… واحكموا بخطائى أو بصوابى… كما تشاءون
وإننى أقبل صوتكم لو كان صوت المسيح متكلماً عاملاً فيكم فأن كنت أستحق الموت فلن
أرفضه “

 

لم
يقتنع لوثر بسحب احتجاجته إلا بعد أن يقتنع بخطئه…وعندما أرسلت نتيجة المجمع إلى
البابا أحال الموضوع إلى بريرياس المسئول عن الشؤن القانونية والمالية، فحكم
بهرطقة لوثر حينئذ أصدرت روما أمرها إلى لوثر بالحضور للمحاكمة….

 

وكان
الإمبراطور متعاطف مع البابا ولهذا كلف كاجتان للقيام بمهمة تسليم لوثر إلى روما
ولكن محاولته فشلت فعاد البابا وأرسل ميلتيتز حاملاً للملك فريدريك فى أحدى يديه
هدية عبارة عن وسام الوردة الذهبية وفى اليد الأخرى سوطاً لعقاب مارتن الهرطقى
ولكن محاولته فشلت أيضاً.

 

الحوار
المفتوح وقرار الحرمان: فى 4 يوليو سنة 1519 م فتحت جامعة ليزبرج أبوابها لإجراء
حوار مفتوح بين الدكتور مارتن المخالف وبين الدكتور جون أك المتعصب لكاثوليكيته…وجرى
الحوار على مدار خمسة أيام ومارتن مصر على عناده حينئذ انطلق اَك إلى بابا روما
الذى فرح بلقائه وتكونت لجنة من اَك وكاجتان واكولينى….فحكمت بحرمان لوثر فى 15
يونيو1520 م.

 

وجاء
الحرمان رداً على 41 احتجاجاً ومنع لوثر من الوعظ والتعليم والكتابة والنشر، وأمر
بحرق كتبه وشمل القرار كل من يؤيد لوثر فى أرائه الخاطئة… ومنح قرار الحرمان
شهرين لمارتن للتراجع عن أفكاره الخاطئة….ومر الشهرين ولم يغير مارتن موقفه

 

واستشاط
مارتن غيظاً من قرار الحرمان وشن هجوماً شنيعاً على الكنيسة ومعتقداتها فأصر ثلاث
كتيبات شملت الكثير من البدع والهرطقات:

 

الكتيب
الأول: كتبه مارتن بالغة الألمانية ووجهه للشعب الألمانى وشمل:

1-
أثارة الشعب الألمانى ضد التدخل الأجنبى (بابا روما).

2-
إعلان فشل الإكليروس فى القيام بعملهم.

3-
خضوع الأباطرة والملوك للبابا أمر خاطىء.

4-
لا يوجد كهنوت خصوصى فكلنا ملوك وكهنة.

5-
قرار الكنيسة بأن رجال الدين وحدهم الذين لهم حق تفسير الكتاب المقدس قرار خاطىء.

 

الكتيب
الثانى: كتبه مارتن بالغلة اللاتينية، ووجهه إلى رجال اللاهوت ودعاه بالأسر
البابلى للكنيسة وجاء فيه:

1-
رفض خمسة أسرار من أسرار الكنيسة السبعة وقبول سرى الإفخارستيا والمعمودية فقط.

2-
فى سر الإفخارستيا لا توجد استحالة… فالخبز لا يتحول إلى جسد المسيح ولا الخمر
يتحول إلى دمه لكن الخبز والخمر يظلان كما هما ويحل المسيح فيهما.

3-
سرى المعمودية والتناول لا ضرورة لهما ولا فائدة منهما.

4-
البابا محتال ودجال، والبابوية هى مملكة بابل التى أسرت

5-
ليس من حق الكنيسة الكاثوليكية أن تمنع الشعب من التناول من الدم.

 

الكتيب
الثالث: ويحمل أسم ” الحرية المسيحية ” وقد أرسله لوثر إلى البابا
كمحاولة صلح مع الكنيسة… وكتب هذا الكتيب بالغلة اللاتينية والألمانية، ويشمل
موقفين متناقضين:

 

*
المسيحى إنسان حر لأن المسيح حرره من الخطية والقلق والخوف والموت والجحيم…..

*
المسيحى إنسان خادم مطيع….

 

كما
تحدث عن التبرير بالإيمان وليس بالأعمال.

 

النيران
المشتعلة: فى العاشر من ديسمبر عام 1520 م دبر لوثر موكباً من دكاترة جامعة
ويتمبرج مع حشد كبير من أصدقائه حتى خرج بهم خارج المدينة، وبجوار نهر الألب أشعل
وثيقة خليقة الله على الأرض مع سلسة من كتب القانون الكنسى التى كانت مقدسة لدى
الكنيسة وذرى رمادها على مياه النهر،معلناً أمام حشود الشعب الألمانى الهاتفة أن
ألمانيا ليست ذيلاً للبابوية… ثم عاد وسط هتافات الشعب إلى بيته.

 

لم
يشعل مارتن النيران فى الكتب الكنسية وقرار الحرمان فقط ولكنه أشعل نيران الحقد
والثورة فى قلوب الشعب الألمانى مسرعاً به إلى هوة الموت.

 

وفى
3يناير سنة1521 م اصدر البابا ليون قراره النهائى بحرمان مارتن لوثر من شركة
الكنيسة واعتباره هرطوقياً ومرفوضاً ومقطوعاً من الكنيسة وبصور هذا القرار اعتبر
مارتن إنسان خارج عن القانون

 

وفى
2 أبريل ترك مارتن مدينة فيتمبرج متجهاً إلى فورمس وقد أوصى فيليب ميلانكثون
باستكمال المسيرة إذا أصابه مكروه وكان فيليب مؤيد وزميل مارتن

 

وفى
17 أبريل وقف لوثر يحاكم أمام مجلس الأمة الألمانى… حضر الجلسة الأمبراطور شارل
الخامس وشقيقه فرديناند دوق النمسا وأربعة من الكرادلة وثلاثين من الأسافقة ورؤساء
الأديرة مع زعماء الشعب… وقف جون اَك يشير إلى حوالى عشرين كتاباً، ويستجوب
مارتن قائلاً: يا مارتن لوثر… هل تعترف بأنك أنت الذى ألفت هذه الكتب، وهل أنت
على أستعداد أن تتراجع عن الأقوال التى خطتها يدك أم أنت مصر على التمسك بها…؟

 

طلب
مارتن فرصة للتفكير لأن الأمر ليس سهلاً… فمنحه الأمبراطور يوماً لأعادة التفكير….
وفى اليوم التالى عندما أعادوا عليه نفس السؤال، أخذ يلف ويدور ويقول أن بعض هذه
الكتب خاصة بالأخلاقيات فلماذا أنكرها؟… والبعض خاص بالبابوية، والبابويين طغوا
وظلموا فكيف أشجع الظلم والطغيان؟… والجزء الثالث يحوى نقد شديد لبعض الأشخاص
وهذا أقدم أعتذارى عنه

 

وجاء
تصريح الأمبراطور كالتالى: وبصفتى سليل أباطرة ألمانيا وأمراء النمسا وبرغنديا
الذين أشتهروا بحماية الأيمان الكاثوليكى، سوف أطرد لوثر الأغسطينى وأحرم عليه أن
يتسبب فى أقل أضطراب بين الشعب وسأطارده وأتباعه كهراطقة جديرين بالحرمان وبكل
وسيلة تؤدى لهلاكهم.. وإننى أطلب من الأمراء أن يؤيدوننى بذلك

 

تمثلية
الأختطاف: وفى نهاية اجتماعات مجلس الأمة، نفذ الأمبراطور وعده… إذا سمح لمارتن
بالعودة سالماً إلى فيتمبرج… لكن أليندر نجح بعد ذلك فى الحصول على وعد من
الأمبراطور بإعادة القبض على مارتن بعد عودته إلى فيتمبرج…

 

وفى
أثناء عودة لوثر إلى فيتمبرج كان اللوثريون يتوقعون أغتياله بخناجر البابويين…
وحدث أثناء العودة ان هجم عليه خمسة من الفرسان واختطفوه، ولم يكن هؤلاء الفرسان
من أعداء لوثر لكنهم من المؤيدين له… خشوا عليه من الإغتيال فاختطفوه وهربوا به
إلى مكان أمين.

 

ذهب
الفرسان بمارتن إلى قلعة فارتبرج حيث خلع ملبس الرهبنة وارتدى ملابس فارس، ووضع فى
عنقه السلسة الذهبية الخاصة بالفرسان، وأطلقوا عليه لقب الفارس “جورج”
واصبح كل من فى القلعة فى خدمته.

 

الأنبياء
الملهمين: وسط خضام هذه المشاكل اقبل بعض الفلاحين والعمال الجهلاء من الشمال،
ونادوا بأنهم ماهمين من الروح القدس ولاحاجة إلى الكتاب المقدس ولا إلى الكنيسة
ولا إلى الأسرار.. وأصبحت فيتمبرج مرتعاً للهراطقة والمبتدعين… أنها ثمرة من
ثمار لوثر…

 

الدمار
والخراب: إنقض أتباع لوثر على الكنائس يحرقون الصور ويحطمون التماثيل ويهدمون
الهياكل وينتهكون حرمة الكنائس وهجموا على الأديرة.. حيث طردوا الرهبان والراهبات.

 

جبرائيل
الأغسطينى: وهو راهب واعظ بدير الرهبان الأغسطينيين فى فيتمبرج.. تأثر بأراء لوثر
وكتب يهاجم الفداس والرهبنة ويقول ” لا أحد من سكان الأديرة يحفظ وصايا الله
ولايقدر أحد أن يخلص تحت القلنسوة وكل من يدخل الدير للرهبنة أنما يدخله بأسم
الشيطان.. أهدموا الأديرة حتى لايبقى حجر على حجر وامحوا أثارها وخلصونا من ملاجىء
الكسل ومواطن الخرافات ومصادرها “

 

ونتيجة
لهذه والأقوال العظات ترك ثلاثة عشر راهباً أغسطينياً الدير ونقضوا نذر الرهبنة

 

عودة
لوثر: عندما سمع لوثر بأنهيار الاوضاع فى فيتمبرج، ترك القلعة وزى الفرسان والسلسة
الذهبية وأسرع إلى فيتمبرج وهاله الخراب الذى وصلت أليه المدينة.. وأخذ لوثر أحد
الأديرة الخاوية مقراً له، وحاول أن يصلح الأحوال.. فماذا حدث…؟

 

وجد
لوثر من يقاموه وينافسه على الزعامة، لقد أصبح للأستاذ الجامعى كارلتسارت مبادئه
وأتباعه.. فتصدى له مارتن وأتهمه بأنه يثير فتنة وأضطراب، وأنتهى الأمر بنفيه
بعيداً عن المدينة، ولكن أتباعه ظلوا يقامون لوثر ويقذفونه بالأحجار.. أيضاً وجد
لوثر مقاومة شديدة من الأنبياء الملهمين الذين نادوا بأن لوثر لايختلف عن البابا
فى شىء، وكانت أفكار هؤلاء الفلاحين والعمال قد أنتشرت وانضم إليهم الكثيرين بفضل
عظاتهم الحماسية والثورية…

 

بحر
الدماء ومائة ألف قتيل: كانت ثمرة كتابات لوثر التطرف الشديد من الناحية الروحية
والجسدية… فالذين فسروا كتابات لوثر بالطريقة الروحية تطرفوا إلى أقصى حد…
ومنهم كارلتسارت هادم الهايكل، ومنزر قائد الأنبياء الملهمين، والذين فسروا كتابات
لوثر بالطريقة الجسدية، سقطوا أيضاً فى التطرف ونادوا بالمساوة والتحر من خدمة
الأمراء والإكليروس و الامتناع عن دفع العشور إلى الكنيسة.

 

وكانت
نتيجة هذه الإثارة اللوثرية اندفاع الفلاحين فى ثورة رهيبة نحو قصور الأمراءة و
الإكليروس يقتلون ويسلبون ويحرقون ويدمرون والشياطين يرقصون فرحاً، وصدر بيان 26
أبريل يستحث الفلاحين ” تقدموا.. تقدموا إلى الأمام.. ولتظل سيوفكم ساخنة
بالدماء دون شفقة.. “

 

ولكن
الأمور لم تسر حسب هوى الفلاحين ولوثر للنهاية، لأن الأمراء استطاعوا توحيد صفوفهم
واستأجروا بعض المحاربين الإيطاليين وأنقلبوا على الفلاحين يعملون فيهم قتلاً
وتنكيلاً وذبحاً وتعذيباً… فماذا كان موقف لوثر عندئذ…؟

 

ومن
عجب العجاب ليس تخلى لوثر عن مساندة الفلاحين، ولكن أنقلابه ضدهم وأنضمامه للجانب
المنتصر.. فتودد للأمراء بل أثارهم ضد الفلاحين وقد سجل التاريخ للوثر صرخته
للأمراء قائلاً ” قاتلوا هؤلاء الفلاحين ككلاب مسعورة “

 

لوثر
ينقض نذره: وفى سن الثانية والأربعين نقض نذر البتولية والرهبنة وتزوج بالرهبة
كاترين هانزفون بورا فى 13 يونيو سنة 1525م وأنجب خمسة أطفال.

 

موت
البابا والملك: انتهت حياة البابا ليون العاشر موتاً بالسم فى أول ديسمبر سنة 1521
م وتولى بعده أدريان السادس الذى كان يرغب فى السلام، ومع هذا أرسل إلى مجلس الأمة
الألمانية يطالبه بالتصدى للوثر الهرطوقى، الإ أنه مات بعد سنتين فقط، أما الملك
فريدريك فقد أنتهت حياته بروتستنتياً.

 

غضب
الأمبراطور: أعلن الإمبراطور شارل غضبه على لوثر، وكتب إلى الأمراء الكاثلويك
يعلمهم بأنه سيقوم بعملية حربية ليمحو مذهب لوثر الملعون والذى كان السبب فى
الذابح والخراب والدمار…

 

بدأت
حرب الإمبراطور شارل الخامس ضد البروتستانت، وكان منتصراً فى البداية.. إلا أن
منتخب سكسونيا ألقى بثقله فى المعركة فهزم جيش الإمبراطور… وعندما شعر شارل
بالفشل تنازل عن العرش لأخيه وذهب ليقيم بأحد الأديرة بأسبانيا…

 

ماذا
فعل أتباع لوثر بروما: لم يكتف البروتستانت بالأنتصار الذى حققوه داخل ألمانيا، بل
كونوا جيشاً بقيادة فرندزبرنج، خرج من ألمانيا وأنضم أليه فى سهول لومبارديا جيش
أسبانيا… وتدفق الألمان والأسبان ينهبون ويقتلون دون مراعاة لأى أعتبار، حتى
الأطفال والنساء لم تشفع لهم استرحماتهم ودموعهم… والويل كل الويل لمن يقع فى
أيديهم من الأساقفة أو الكهنة أو الرهبان…

 

وصلت
حالة اللوثريين إلى حد كبير من الجهل والتخلف والفوضى، حتى أن مارتن عندما قام
بجولة تفقدية مع صديقه ميلانكثون فى عدة مدن ألمانية هاله الجهل الذى يعيش فيه
اللوثريين فكتب كتاباً هما أصول الإيمان المفصل وأصول الإيمان المختصر… يشرح
للشعب الإيمان من وجهة نظره.

 

نهاية
لوثر: مات لوثر أثناء زيارته لبده مانسقلد التى نشأ بها، وذلك فجر يوم الخميس 18
فبراير سنة 1546 م.

 

زونلكى
الراعى المقاتل:

ولد
الريخ زونلكى فى شهر ستمبر 1484 م بسويسرا وأخذ قسطاً من التعليم وفى سن الثانية
والعشرين اختار شعب جلاريس المعلم الريخ ليكون راعياً له فرسم قساً.. ولكن لصغر
سنه كان كثيراً ما يطلق لنفسه العنان فى الملاهى وخلاعة أهل العالم.

الراعى
المقاتل: لم يفصل زونلكى بين الدين والسياسة فعندما هدد ملك فرنسا البابا خرجت
الجيوش السويسرية ومعهم الراعى زونكلى يحمل سيفه للدفاع عن البابا.. وهلك الكثير
من شباب سويسرا بعد أن حققوا نصراً مؤقتاً.

بدأ
الريخ زونلكى يرفض طقوس الكنيسة وصلواتها وأصوامها وطلب من الأكليروس الكاثوليك
رفض البتولية ودعاهم للزواج وشجع الشعب على تحطيم التماثيل وحرق الصور… وأقام
لجنة مختصة لهذا الغرض الذين نفذوا خطة زونلكى.

وبدأ
زونلكى يستخف بالبابا ونتيجة لذلك تجرأ الشعب على انتقاد البابا والسخرية به…

 

وبدأ
الصراع بين اللوثريين والزونلكيين ولكن زونلكى كان يخشى الأنفصال إلى أن حدث
الانشقاق بينهم… أما عن الصراع مع البابويين فقد أستمر مدى الحياة… وقاد
زونلكى شعبه للهلاك عندما أغلق زونلكى أسواق زيورخ فى وجه القادمين أليها فتعرضت
لمجاعة شديدة فأجتمعت جيوش المقاطعة حوالى 8000 جندى وأنضم أليهم جيش بابوى حوالى
ألفين جندى، حينئذً شعر زونلكى بالخطر فدعى شعبه للحرب فلم يطعه إلا 800 شخص معظهم
أخرج بالأكراه… وسريعاً أنتهت الحرب وأنهزم السويسريين وأصبحوا بين قتيل وجريح
ولقى زونلكى مصرعه وكذلك أبنه.

 

جون
كلفن الحاكم بأمر الله:

ولد
جون ببلدة ” نوبون ” التى تبعد عن باريس نحو 45 ميلاً فى 10 يوليو 1509
م.. بدأ جون دراسته ببلدته نوبون.. والعجيب أنه لم بلغ الثانية عشر من عمره منحته
الكنيسة وساماً فأصبح يتمتع بلقب كاهن وذلك أكراماً لوالده.. ولكن بعد فترة بدأت
العلاقات تسؤ بين والده والكنيسة إلى أن تم طرده من الكنيسة وبعها بقليل مات الأب..

ومنذ
تلك اللحظة تحول جون إلى البروتستانتية.. وبدأ جون أصلاح الكنيسة عن طريق الضرب
والجلد القتل والتعذيب والأعدام والنفى للمخالفين وبدأ يتدخل فى حياة الشعب حتى
أنه أمتحن أول طبيب أسنان بنفسه

هذا
هو أحد قادة الأصلاح.. أين هى تصرفاته من رجال الله..؟ أين هو من الأباء القديسين..؟

 

فيليب
ميلنكثون… لاهوتى المحتجين:

ولادته:
ولد من أب يدعى ” جرجس شورتساد ” فى 14 فبراير 1974م وأم تدعى ”
بربارة ” فى بلدة ” برتن ” كان أبوه غنياًُ ومعروف عند الأمراء
وأمه ابنة قاض مرموق اسمه يوحنا ريوتر، وكانت تقرض الشعر وكان أسمه عند ولادته
فيلبس.

 

أعجب
أحد الأشخاص المرموقين بفليبس لذكائه وفطنته، فدعاه باسم ميلنكوث بدل شورتساد،
وكلا الأسمين لهم معنى واحد وهو ” أرض السواد “

 

أعتناق
البروتستانية: بدأ ميلنكوث تتجه أفكاره نحو البروتستانية ورفض الكاثوليكية… وبعد
أن كان يحترم الأيقونات قال فى أواخر حياته

 


أنى أقشعر حينما أذكر الإكرام الذى كنت أقوم به للصور (المعروفة بالأيقونات) حين
كنت بابوياً “

 

فى
كلية فيتمبرج: استدعاه الملك فريدريك للتدريس فى ملية فيتمبرج وكان عمره حينئذ
واحد وعشرين عاماً… كان قصير القامة وضعيف الصوت وكثير الحياء ” ولوثر
ورفقائه حين تعرفوا به لم يتوقعوا منه أموراً عظيمة لصغر سنه وفرط حيائه وجبنه
” ولكن بعد أن ألقى أول خطبة له باللغة اللاتينية تغيرت المشاعر نحوه.

 

وجد
لوثر ضلته المنشودة فهو يؤيده فى جميع أفكاره، وأصبح ميانكوث يمثل الفكر اللاهوتى
للحركة البروتستانتية….. رفض ملينكوث سلطان البابا والأباء والقانون الكنسى،
وأصدر كتاب صغير عن لوثر يظهر فيه أفكار المحتجين من خلال رسالة رومية وركز على
التبرير بالأيمان.

 

قضاياه:
عندما كان لوثر فى القلعة أعلن فيليب ميلنكوث خمسة وخمسين قضية ضد الأيمان منها:

1-
النظر إلى الصليب ليس بعمل صالح… أنما هو للتأمل فى علامة تذكرنا بفداء المسيح.

2-
الاشتراك فى عشاء الرب ليس قياماً بعمل صالح… إنما هو أتيا بما يذكرناً بالنعمة
التى وهبها الله لنا بواسطة المسيح.

 

حاولت
أمه بربارة لإعادته لإلى العقيدة الكاثوليكية ولم تنجح فى هذا….

 

العوامل
التى حدت من انتشار البروتستانتية

نتيجة
لما عانته الشعوب الأوربية من فساد السلطة الكنسية وتفشى نظام الإقطاع وانتشار
الجهل فقد تهيأت قلوب هذه الشعوب لتصبح تربة صالحة تنشأ فيها البروتستانتية
وتترعرع… ونتيجة لجهود لوثر،و زولنكى، وكلفن وغيرهم الكثير والكثير إنتشرت
البروتستانتية وسيطرت على مدن بأكملها بل على دول كاملة…

 

ولقد
أشتد الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت كما رأيناً من قبل وراح ضحية هذا الصراع
مئات الألوف من قتلى وجرحى… كما شعرت الكنيسة الكاثوليكية أنها فى أمس الحاجة
إلى الإصلاح الداخلى… ويمكن أن نذكر بعض العوامل التى حدت من انتشار
البروتستانتية وهى:

 

أولاً
تجاوزات القادة: سنأخذ أمثالاً من تجاوزات الملوك الذين ساندوا الحركة
البروتستانتية من أجل أغراضهم الدنيئة… ومنهم:

 

*
هنرى الثامن (1509- 1547)

ثانياً
ظهور البدع والهرطقات: هيأت البروتستانتية التربة الصالحة لظهور البدع والهرطقات
فظهرت بعض الحركات الخاطئة مثل حركة الأنبياء الملهمين، حركة أعادة المعمودية
والتى نادت بأعادة المعمودية…

 

ثالثاً
التصاق الإنشقاقات البروتستانتية منذ نشأتها: بأنشقاق لوثر عن الكنيسة الكاثوليكية
وضع ذلك بذرة الأنشقاق بين المحتجين فظهر زولنكى ثم أنشق عنه وجاء كلفن وأراد ان
يمسك العصا من المنتصف بين اللوثريين والزولنكيين

 

وتعتبر
تلك من أهم أسباب عدم ثبات الحركة البروتستانتية.. ولكن من أهم الأسباب والتى لم
نذكرها هى أن الطريق الحق يظل ثابت إلى النهاية ضد كل المعوقات بينما الطريق
المعوج والذى يبدو واسعاً عمره قصير ونهايته وشيكة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى