اللاهوت الدفاعي

الباب الأول



الباب الأول

الباب
الأول

الفرق
بين المفسرين العمالقة
وبعض أقلام
المحدثين والمبتدعين

لم
يعد غريباً على وسائل الإعلام أن تطعن فى المسيحية وتسبها وتصف السيد المسيح (له
المجد) والمسيحيين بأوصاف عجيبة. لم يعد غريباً أن يستمع المسيحى فى وسائل الإعلام
أنه كافر. وأن اليهود والنصارى هما كلاب وخنازير وأن السيد المسيح (له المجد) قد
تزوج.
بل إنه فى ليلة
واحدة تزوج من خمس عذارى.. حتى أن كثيراً من المسيحيين أقلعوا عن مشاهدة العديد من
برامج التليفزيون ومسلسلاته التى ربما تتعرض لمثل هذه البذاءات أو التى تسئ إلى
إيمانهم وعقائدهم ومشاعرهم.. وأصبح لدى الغالبية منهم حساسية خاصة تجاه هذه
البرامج، فيحولون مفتاح القنوات بمجرد الإعلان عن هذه البرامج. وكثيراً ما يحدث أن
يكون شخص مسيحى فى زيارة جاره المسلم ويتصادف إذاعة مثل هذه البرامج المسمومة،
وكثيراً ما كان صاحب المنزل رجلاً عاقلاً ونزيهاً) فيقوم بإغلاق جهاز التليفزيون
أو يقوم بتحويل القناة معتذراً بأدب ولطف ومستنكراً ما يقال فى هذه البرامج.

لقد
ظهر خلال السنوات الأخيرة بصفة خاصة بعض الدعاه وبعض الإعلاميين بل وبعض الممثلين
والممثلات والفنانين ومن كل اتجاه. الجميع يتحدثون عن الدين ويسيئون إلى المسيحية
وإلي السيد المسيح، وكأنهم قاموا بدراسة دينهم دراسة كافية وتغلغلوا فى أعماق
أعماقه حتى أنهم لم يعودوا بحاجة للمزيد من دراسته، فتركوا دراسة كتب دينهم
وتفرغوا للمسيحية، وليتهم ينظرون إليها بقداستها كما تحدث عنها القرآن الكريم.
لكنهم اتخذوا منها سلماً يصعدون عليه لأغراضهم وميولهم وأفكارهم الغير صحيحة.

هذا
هو ما يحدث اليوم. كل من يريد أن يكتب فى الأديان فليكتب، سواء عن علم أو جهل..
وخاصة إذا كان يستطيع أن يسب المسيحية والمسيحيين.

ولقد
أثار احد رجال الصحافه بجريدة الأهرام فى مقالين متتالين، الأول بتاريخ 30/5/1992،
والثانى بتاريخ 6/6/1992، قضايا حساسة وحرجة ما كان ينبغى لسيادته أن يتناولها
بمثل ما تناولها به.. لقد تحدث عن تحريف الكتاب المقدس وعن قضية صلب السيد
المسيح.. وكنا نود أن
تتناول الصحف ووسائل
الإعلام نقاط الاتفاق بين الأديان مما يوحد القلوب ويزيد ترابطها، مثل الحديث عن
الفضائل المختلفة كالأمانة والطهارة والمحبة والصدق فى الأديان.. الخ، ولنترك
مجالات الاختلاف، فلكل إنسان ما يؤمن به، ولو شاء الله لجعل الناس جميعاً يدينون
بدين واحد.. لكن محرر الأهرام أعطى لنفسه أن يتهم ويجرح وهو واثق تماماً أنه يستطيع
كل شىء ولا أحد يستطيع أن يقف أمام طغيانه. فهو صاحب قلم والجريدة تخصص لسيادته
صفحة كاملة كل أسبوع يستخدمها فيما يحلو له. فراح يوجه سهامه الطاعنة فى صدور
المسيحيين، واضعاً نفسه فى مكان القاضى والجلاد، بمعنى أنه يستطيع مصادرة الرأى
الآخر إذا وجد. فهو صاحب الأمر والنهى فى هذه الصفحة،

وقفت
ذات يوم أمام أحد باعة الكتب المتواجدين بمحطة السكك الحديدية لشراء الجرائد
اليومية، واستلفت نظرى الكم الهائل من الكتب التى ليس بها إلا السب واللعن فى
المسيحية والمسيحيين، ولقد جاء فى مقدمة أحدها (1) عن المسيحيين أنهم (وحلوا فى الكفر وغرقوا فى براثن الوثنية
اللادينية).

ما
هذا يا سادة؟ يعز على النفس الخوض فى هذه الموضوعات لأننا نحترم ونجل كافة
الأديان، سواء كانت سماوية أو غير سماوية، بل حتي الأديان البدائية. فلكل إنسان
عقيدته التى يؤمن بها والتى يجب احترامها.

كاتبة
تزور وتصدق نفسها وتتهم

كنت
قد كتبت مقالاً بجريدة الميدان عن إنجيل برنابا. ثم فوجئت بإحدى السيدات المحترمات
تكتب تعقيباً على مقالي وتتهمنى بأننى أضفت حرف الجر “على” على ما جاء
فى الكتاب المدعو بإنجيل برنابا، وبالتالي فإن سيادتها تتهمنى بأننى غيرت فى نص
الكتاب المزيف (برنابا)، بينما الواقع أن سيادتها هى التى حرفت وغيرت. فاضطررت أن
أرد على سيادتها وأن أنشر بالجريدة صورة لصفحة من هذا الكتاب المزيف يتضح منها
حقيقة النص الذى قامت سيادتها بتغييره ثم ادعت أننى غيرته. إلى هذا الحد نزيّف
ونتهم الآخرين بالتزييف.

لواء
يلجأ إلى كتب رخيصة نرفض استخدام مثيلاته:

نشر
أحد اللواءات مقالاً تعقيباً على إحدى مقالاتنا وذهب فيه إلى أن الكتاب المقدس قد
أصابه التحريف، وقد لجأ فى تعليقه إلى ما جاء ببعض الكتب الرخيصة التى حاول البعض
فى وقت من الأوقات استخدامها لزرع الفتنة الطائفية بين أبناء الأمة، ولكنها لم
تفلح. وقد قمنا بالرد على سيادته وأعلنا لسيادته أن بين أيدينا عشرات من الكتب
المكتوبة بواسطة كُتاب مسلمين وتطعن فى سلامة القرآن الكريم، ولكننا لا نستخدم مثل
هذه البذاءات ونرفض الكتب الرخيصة. كما أشارت جريدة النبأ فى عددها الصادر بتاريخ
26/1/2003 إلى تداول نسخ محرفة من القرآن
الكريم على
نطاق واسع. فليته ينتقى الكتب الصحيحة وليكتب فى تخصصه إذا أراد الكتابة.

 

هل
السيد المسيح هو توت عنخ آمون؟

هناك
كاتب آخر أصدر كتاباً فى لندن وكتب عنه الكاتب الكبير الوقور الأستاذ محمد سلماوى
فى باب “كتب فى سطور” بجريدة الأهرام بتاريخ 12/6/1992. وقال سيادته فى
هذا الكتاب أن السيد المسيح هو نفسه فرعون مصر توت عنخ آمون، وقد قمنا بالرد عليه
فى نفس المكان بجريدة الأهرام بتاريخ 19/6/1992.

 

كاتب
مصرى يدعى أن السيد المسيح هو فرعون مصر توت عنخ آمون.. عن جريدة الأهرام – الجمعة
19/6/1992

كل
من أراد أن يتطاول فهو يتطاول. ولكن ستأتى ساعة يدرك فيها الجميع من هو السيد
المسيح، له المجد

بعض
الأشخاص المسيحيين بالاسم فقط (وصوليين)

للأسف،
وكما فى كل الأديان نجد قلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من أتباع الدين يكتبون
كتابات غير سوية، ربما لعدم درايتهم بدينهم، وربما يتملقون أصحاب الأديان الأخرى
ظناً منهم أن ذلك قد يوصلهم إلى منصب من المناصب، ولكن هيهات لهم ذلك لأن الحكام
والمسئولين يقظون متنبهون لمثل هؤلاء الوصوليين.

إن
عمالقة المفسرين الأقدميين قد امتازوا بالدرس والبحث مع عفة اللفظ، بعكس ما نراه
اليوم حيث نجد سباقاً فى سب المسيحية والمسيحيين، ومنعاً من الإ طالة سأقدم للقارئ
الحبيب نموذجاً لأحد العمالقة، وهو الإمام الغزالى، حيث يقر الجميع بأنه حجة
الإسلام وإمام عدل يؤتمن به، وليت الجميع يتبعون مثاله.

حجة
الإسلام (الإمام الغزالى)

 (1)
إن حجة الإسلام (الإمام الغزالى) أطاع صوت الضمير والحق والإنصاف فلم يحكم على
الكتاب المقدس بمجرد السماع والشيوع. بل قرأه واستوعب الشئ الكثير منه ونقله إلى
مصنفاته وزين به جيد آرائه وقوى به حجة أقواله. وجعل له مقاماً سامياً مع
اقتباساته الأخرى من القرآن الكريم والحديث. وإننى أؤكد لمن يكتبون ضد الكتاب
المقدس أنهم لو قرأوا كلمات الوحى الإلهى المدونة فى الكتاب المقدس كما قرأها ذلك
العالم الفيلسوف لوجدوا أنفسهم قد أضاعوا سنوات من أعمارهم دون أن ينالوا بركة هذا
الكنز الثمين والنور العظيم.

(2) لم يذكر ولو مرة واحدة
فى مؤلفاته التى تفوق المئة عداً كلمة واحدة تقدح أو تذم فى حق الكتاب المقدس أو
ترميه بالتحريف أو التبديل أو الحذف والتعديل. بل نجده يقول (رأيت فى الإنجيل).

 

(3)
إن الإمام الغزالى لم يكتف بدراسة القرآن الكريم بل إنه لم يغمض عينيه عن الكتاب
المقدس، تنفيذاً لأمر القرآن الكريم (بعكس ما يفعل كثيرون من المعاصرين). فدرس
كثيراً عن موسى وداود والأنبياء وعن السيد المسيح وتلاميذه الحواريين. لقد درس
الكتاب المقدس واقتبس منه واستنار بهديه.

 

(4) لقد أعطى السيد المسيح
مقاماً عظيماً فى كتاباته، فلم يذكره إلا بالتعظيم. بل قال “إن الله فضله عن
غيره” حتى جعله يسلم على نفسه بقوله “سلام علي يوم ولدت.. الخ”. ثم
ميزه عن كل نبى آخر فى حديث الولادة الذى قال فيه ” إن إبليس قال إنه حضر
ولادة كل مولود إلا
عيسى”. ثم ذكر
كثيراً من معجزاته وأسهب فى ذكر صفاته كالزهد والرحمة واللطف فى الحديث ومكارم
الأخلاق.. الخ.

 

فأين
هذا ممن يكتبون الآن؟


تحدث الغزالى عن معجزات السيد المسيح، فقال فى الجزء 3 ص 161 سطر 24من كتاب إحياء
العلوم طبعة المطبعة العامرة الشرقية بمصر سنة 1326 هجرية ” قال الحواريون
لعيسى ما لك تمشى على الماء ولا نقدر على ذلك؟ فقال ما منزلة الدينار والدرهم
عندكم؟ قالوا حسنة. قال ولكنها والمدر عندى سواء “.

وفى
الجزء 3 من الأحياء صفحة 100 سطر 9 ” قال مالك: مرّ عيسى عليه السلام ومعه
الحواريون بجيفة كلب فقال الحواريون ما أنتن ريح هذا الكلب فقال عليه السلام. ما
أشد بياض أسنانه. كأنه نهاهم عن غيبة الكلب وينههم على أنه لا يذكر شئ من خلق الله
إلا أحسنه


لقد اقتبس الإمام الغزالى من الكتاب المقدس نصوصاً عديدة نذكر منها على سبيل
المثال لضيق المجال بعضاً مما جاء فى كتاب إحياء العلوم.

 

جدول
يوضح الاقتباسات التى اقتبسها الإمام الغزالى من الكتاب المقدس

الباب الأولالباب الأولالباب الأولالباب الأولالباب الأولالباب الأولالباب الأولالباب الأول

 

فمن
يشك فى أن الإمام الغزالى رأى الإنجيل حسب قوله عن نفسه وأنه اقتبس منه حرفياً حسب
الترجمة التى كانت فى حياته؟

 

وهناك
أقوال كثيرة أوردها الغزالى منسوبة إلى السيد المسيح، وإن كانت ليست اقتباسات
صريحة من الإنجيل، ولكنها تدلنا على اعتقاد الإمام وقومه فى مقام السيد المسيح.

 

وليس
غروراً اذا قلنا انه يمكننا أن نجمع من بين مؤلفات العلماء المسلمين الأفاضل
والغير متعصبين قدراً هائلاً من نصوص الكتاب المقدس يجعل أفواه القائلين بالتحريف
تسد وتصمت.

 

ليت
الكُتاب المحدثين يسمعون لصوت الإمام الرازى حينما أظهر دهشته عندما كان يسمع أن
أحداً يقول بتحريف التوراة والإنجيل. فقد قال فى تفسيره لما جاء بسورة البقرة 45
” وكيف يمكن (التحريف) فى الكتاب الذى بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر
المشهور فى الشرق والغرب” (الرازى مجلد 3 صفحة 337، 338).

وكرر
الرازى عجبه هذا فى الجزء الرابع صفحة 21،22 إذ قال (لأن إخفاء مثل هذه التفاصيل
التامة فى كتاب وصل إلى أهل الشرق والغرب ممتنع).



(1) لن أذكر أسماء الكتب أو
المؤلفين بقدر الإمكان حتى لا يتصور أصحابها أنهم ذوى مكانة وهم يحاولون الصعود
على أكتاف المسيحية. وهيهات لهم أو لغيرهم ذلك .

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى