علم الكنيسة

الفصل الثالث: الكنيسة من الوجهة المحلية



الفصل الثالث: الكنيسة من الوجهة المحلية

الفصل
الثالث
: الكنيسة من الوجهة المحلية

أولاً
– الأسس الكتابية للاجتماع معاً

لقد
تناولنا في دراستنا السابقة كنيسة الله على أوسع مدى بمنظار شامل، ولقد رأينا بحسب
الكتاب أنها جسد واحد ممتد في كل الأرض، وان المؤمنين أعضاء بعضاً لبعض، مرتبطين
معاً في تلك الوحدانية بروح واحد، ومرتبطين بالمسيح الرأس في المجد. كذلك رأيناها
في مجموعها أنها عروس للمسيح، وأنها أيضاً بيت الله ومكان سكناه على الأرض بالروح.
ثم رأينا أن مواهب الخدمة معطاة لها من المسيح الصاعد لكل الكنيسة لأجل
“بنيان جسد المسيح” (أفسس 4: 12).

 

مقالات ذات صلة

وبعد
أن تناولنا هذه الملامح العامة المشتركة لجسد المسيح أو لكنيسة الله ككل، نأتي
الآن إلى الوجهة المحلية للكنيسة أو الكنيسة في مكان معين. ذلك لأن وحدة الكنيسة
لم يكن مقدراً لها أن تكون وحدة غير منظورة بل عضوية ومنظورة، “ليؤمن
العالم” (يوحنا 17: 21) ولكي تكون الكنيسة ظاهرة في مكان معين، واضح أنها يجب
أن تأخذ شكلاً منظوراً، وهذا هو ما نزمع التأمل فيه.

 

في
أسفار الكتاب المقدس نجد كلمة “كنيسة” مستعملة بثلاثة معاني. أولها
المعنى الغير المحدد الذي ينصرف إلى كل جسد المسيح كما كنا نتأمل فيما سبق من فصول.
وثانيها المعنى المحدد الذي ينصرف إلى جماعة المؤمنين في مكان محدد معين مثل
“الكنيسة التي في أورشليم” (أعمال 8: 1 و 11: 22) أو في أنطاكية (أعمال
13: 1) أو في أفسس (أعمال 20: 17) الخ.. أما المعنى الثالث فهو ينصرف إلى مجموعة
الكنائس في مقاطعة معينة أو إقليم بذاته مثل “كنائس الله التي في
اليهودية” (1 تسالونيكي 2: 14، أعمال 9: 31) و”كنائس آسيا” (1
كورنثوس 16: 19) وكنائس غلاطية (1 كو 16: 1، غلاطية 1: 2) الخ.. وأحياناً تتضمن
بصفة عامة معنى كل كنائس الله كما يقول بولس “الاهتمام بجميع الكنائس”
(2 كورنثوس 11: 28) “وكنائس الله” (2 تسالونيكي 1: 4).

 

 من
الشاهدين الأخيرين اللذين أوردناهما مع استخدام الكلمة في أجزاء أخرى نرى أن
المعنى ينصرف إلى الكنيسة المحلية أو اجتماعات المؤمنين بشكل يتميز بوضوح عن
المعنى المنصرف إلى جسد المسيح الواحد ككل. والآن نتأمل في ما الذي يتكون منه
اجتماع محلي لكنيسة الله وفي العلاقة بين هذه الاجتماعات المحلية والكنيسة في
مجموعها.

 

 كنيسة
الله في مكان معين

 نظرة
على افتتاحية الرسالة الأولى إلى مؤمني كورنثوس تعلّمنا الشيء الكثير عن هذه
النقطة. يقول بولس: “إلى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدسين في المسيح يسوع
المدعوين قديسين مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان لهم
ولنا” (ص 1: 2). في هذه العبارة يستخدم الرسول كلمة “كنيسة الله”
التي هي لقب يطلق على كل جسد المسيح ويطبقها على “كنيسة الله التي في
كورنثوس”. ثم بعد ذلك يصف أولئك الذين يطلق عليهم هذا الاسم بقوله
“المقدسين في المسيح يسوع المدعوين قديسين”، ومعنى هذا إذن أن جميع
المؤمنين بالرب يسوع المسيح في كورنثوس كانوا يكونون “كنيسة الله التي في
كورنثوس”.

 

 لنفهم
هذه النقطة بوضوح ولنلاحظ من هذا الفصل الكتابي أن كنيسة الله في مكان معين إنما
تضم كل مؤمن في هذا المكان مولود ثانية من الله، وكل عضو من أعضاء جسد المسيح. وفي
أيام الرسول كان كل المؤمنين في مكان معين، كانوا يرون ذاهبين معاً كشهادة متحدة
منظورة إلى اجتماع واحد، كتعبير علني في ذلك المكان عن كل جسد المسيح، ومن أجل ذلك
استطاع بولس أن يكتب لكنيسة كورنثوس “أما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه
أفراداً” (1 كورنثوس 12: 27).

 

 لكن
في هذه الأيام التي خربت فيها الشهادة المنظورة، وكثرت فيها الانقسامات، لسنا نجد
جميع المؤمنين الحقيقيين في مكان معين، مجتمعين معاً كشهادة متحدة منظورة، أو
كجماعة واحدة كما كانوا في البداءة. إنهم متفرقون في طوائف ومجموعات مختلفة. لذلك
لا يوجد اجتماع معين بذاته للمؤمنين في مكان ما يمكنه أن يدّعي اليوم أنه
“كنيسة الله” لأن هذا الاسم يطلق على جميع المؤمنين الحقيقيين في المسيح
في ذلك المكان.

 

أساس
الاجتماع

 على
أنه بينما يبدو أنه من المستحيل جمع كل المؤمنين الحقيقيين في مكان ما في اجتماع
واحد، وذلك بسبب حالة الانقسام السائدة في الكنيسة في هذه الأيام، فإنه يبقي
الأساس الكتابي الوحيد للإجتماع الذي عليه كان كل المؤمنين يجتمعون في البداءة،
والذي عليه وحده يمكنهم أبداً أن يجتمعوا معاً، هذا الأساس هو امتلاك الحق العملي
الخاص بوحدة جسد المسيح.

 

 فمهما
كان الخراب من حولنا، ومهما كان عدد الطوائف والجماعات المسيحية فإن الحقيقة
الثابتة الباقية هي أن هناك جسداً واحداً (أفسس 4: 4). والله لا يزال يرى شعبه
المتفرق كجسد واحد. من أجل ذلك فإن الحق الخاص بجسد المسيح الواحد على الأرض هو
أمام الإيمان الأساس الكتابي الوحيد للاجتماع معاً. وبينما لا تستطيع جماعة بعينها
من المؤمنين أن تدعي في هذه الأيام أنها “كنيسة الله” في مكان بعينه إلا
أن أولئك الذين يعترفون بالحق الخاص بوحدة جسد المسيح ويتصرفون على أساسه هم الذين
يمكنهم أن يقولوا بحق وصدق أنهم يجتمعون على أساس كنيسة الله في دائرتهم. هذا
الأساس الذي عليه يجتمعون معاً هو بكل بساطة كونهم أعضاء جسد المسيح بصفة عامة
وليس كونهم يعتنقون مبادئ وتعاليم معينة أو كونهم يتلاقون عند أحكام كنيسة واحدة
أو كونهم أعضاء طائفة معينة، الخ… إنهم بكل بساطة يعترفون بوحدة جميع المؤمنين
الحقيقيين كجسد واحد للمسيح وبكل بساطة يقبلونهم بصفتهم هذه وهذا هو الأساس الوحيد
الكتابي لاجتماعهم معاً ككنيسة الله الحي. هذا هو أول مبدأ حيوي للكنيسة المحلية
المنظورة.

 

الكنيسة
المحلية تمثل كل الكنيسة

 كل
كنيسة محلية أو كل اجتماع للمؤمنين إنما هو جزء من جسد المسيح كله، وهي تمثيل
حقيقية الكنيسة كلها. إنها تُعبّر عن الكنيسة كمجموع، تماماً كما تُعبّر قطرة
صغيرة من الندى، في صورة مصغرة جداً عن ذات الجو ببخاره وسحابه، كما تُعبّر عن ذلك
المحيط الهائل المتدفق بالمياه. وكل مميزات وخواص الكنيسة كمجموع ينبغي أن تُرى في
الكنسية الجزئية المحلية. وينبغي أن لا يكون في الكنيسة المحلية أي شيء لا يتفق
والحقائق التي سبق أن تكلمنا عنها من جهة الكنيسة ككل. إن كل كنيسة هي جزء من
الكنيسة الممتدة وهي تمثلها وتنوب عنها في كل مكان محلي. إذن فالقاعدة الأساسية
الوحيدة التي يمكن للمؤمنين أن يجتمعوا كتابياً عليها في أي مكان هي أنهم كأعضاء
في جسد المسيح وأنهم يملون محلياً كل الكنيسة.

 

 هذا
اجتمع المؤمنون معاً في أيام الكنيسة الأولى وهكذا يجب أن يجتمعوا معاً في هذه
الأيام، إن هم أرادوا أن يصرفا كأعضاء كنيسة الله الحي، وأن يطيعوا ويجلبوا السرور
لربهم ورأسهم. وكل أساس آخر للاجتماع معاً كأن يجتمعوا مثلاً بصفتهم مشيخيين أو
لوثريين أو معمدانيين أو ميثودست أو كاثوليك أو خمسينيين.. الخ. إنما هو إنكار
عملي للحق الخاص بجسد المسيح الواحد واعتراف بجسد أو أجساد أخرى غيره.

 

وحدانية
الروح

 عن
كان هناك جسد واحد من المؤمنين في المسيح يعترف به الله فلماذا لا نرفض كل الأجساد
الأخرى التي صنعها الناس؟ ولماذا لا نجتمع معاً بالبساطة كأعضاء جسد المسيح؟ إن
هذا ليس معناه أن نضيف إلى الأجساد الموجودة جسداً آخر أو وحدة جديدة بل إقرار
بالوحدة التي صنعها روح الله بين جميع المؤمنين الحقيقيين الذين اعتمدوا بروح واحد
إلى جسد واحد. وهكذا في أفسس 4: 3 يحرضنا على الاجتهاد لحفظ وحدانية الروح برباط
السلام.

 

 وغلطة
المسيحية المعترفة هي في تكوين وحدة أو إتحاد من صنعهم أوسع أو أضيق من الوحدانية
التي يكونها الروح القدس إذ يضمون أشخاصاً غير مُخلّصين ليسوا أعضاء في جسد المسيح
وليسوا معتمدين بالروح القدس إلى وحدانية هذا الجسد، أو أنهم يستبعدون مؤمنين
حقيقيين وأعضاء أتقياء في جسد المسيح بسبب مبادئهم الطائفية وتنظيماتهم. وليس هذا
مبدأ ولا مسلك كنيسة الله.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى