علم المسيح

القبض على المسيح في بستان جثسيماني



القبض على المسيح في بستان جثسيماني

القبض على المسيح
في بستان جثسيماني

 

يهوذا
يقود الرؤساء

«وَفِيمَا
هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ ٱلٱثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ
وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ
ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ ٱلشَّعْبِ. وَٱلَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ
عَلامَةً قَائِلاً: «ٱلَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ».
فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: «ٱلسَّلامُ يَا سَيِّدِي!»
وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟» حِينَئِذٍ
تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا ٱلأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ. وَإِذَا
وَاحِدٌ مِنَ ٱلَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَٱسْتَلَّ
سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. فَقَالَ
لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ
يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لا
أَسْتَطِيعُ ٱلآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ
ٱثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ ٱلْمَلائِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ
ٱلْكُتُبُ: أَنَّهُ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟» (متى 26: 47-54).

مقالات ذات صلة

 

نعود
بالفكر إلى الإسخريوطي الذي قضى مع شيوخ اليهود هذه الساعات في التدبير لنجاح
مشروعهم، بينما كان غيرهم من أهل المدينة مثقلين بالنوم بعد وليمة عشاء الفصح،
والمسيح وتلاميذه في البستان. فارق الإسخريوطي المسيح والتلاميذ في علية العشاء،
وهو يعلم أنه لا سلاح معهم إلا السيفين، ولا أنصار لهم بين الشعب في ساعات النوم،
فطمأن شركاءه الرؤساء أن المسيح لن يستخدم قوته المعجزية ليتخلص منهم، لأنه أعلن
مراراً نيّته أن يسلِّم نفسه للصليب، فلا صعوبة تُذكر في القبض عليه في العلية
وتسليمه باكراً للحكومة الرومانية، ما دام الجمهور نائماً.

 

لكنهم
لم يجدوه في العلية، فرأى الإسخريوطي أن يفتشوا عنه في بستان جثسيماني، حيث
يُرجَّح وجوده. فزادوا القوة التي معهم وهيأوا ما يحتاجون إليه لأجل عملهم خارج
المدينة. نعلم أن الذين بلغوا البستان هم يهوذا والجند الروماني المقيم بجوار
الهيكل، الذين وضعهم الوالي تحت إمرة رؤساء اليهود، وخدام رؤساء الكهنة والكتبة
والفريسيين وشيوخ الشعب، حتى أصبحوا جمعاً كثيراً بمشاعل ومصابيح وسلاح بسيوف
وعصيّ. ولئلا يقع غلط في الليل ويقبض الجند على أحد التلاميذ بدلاً من المسيح
فيتسنّى له الهرب من بينهم تحت جناح الليل، تم الاتفاق أن الإسخريوطي الذي يعرف
المسيح جيداً يعطيهم علامة تقيهم من الغلط. وقال لهم: «الذي أقبله هو هو».

 

تقدم
الإسخريوطي إلى المسيح وقال: «السلام يا سيدي». وقبّله لا قبلة واحدة بسيطة بل
قبلات عديدة، كأنه أوفر الناس حباً له. أما المسيح فكان لا يزال يحاول أن يخلّصه
من فساد قلبه إن أمكن، فقال له: «يا صاحب، لماذا جئت؟ يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن
الإنسان؟». وعمل المسيح هذا مع الإسخريوطي مثال مفيد يقدِّم لأعظم الخطاة رجاء بأن
المخلِّص لا يهمله لكثرة شروره. وفيه درس لصيادي النفوس يجعلهم يتمسكون إلى
النهاية بتخليص النفوس الهالكة مهما توغلت في الآثام.

 

يظهر
أن يهوذا وبعض القادة دخلوا البستان، بينما بقي الباقون خارجاً ينتظرون أوامر
القادة. وعندما خرج يهوذا مع المسيح من البستان، رأى المسيح الجمع المحتشد
بالأسلحة، فكان همُّه الأول أن يحمي تلاميذه من الضرر، فسأل الجمهور: «من تطلبون؟»
أجابوه: «يسوع الناصري». فقال لهم «أنا هو». فأرعبتهم هيبته جداً حتى رجعوا إلى
الوراء، هم والخائن، وسقطوا على الأرض. بذلك تأكد لهم أنهم لا يأخذونه دون إرادته.

 

ولما
نهضوا أعاد السؤال عليهم ثانية. فلما أجابوا كالأول، دون أن يتقدموا قال لهم: «قد
قلتُ لكم إني أنا هو، فإنْ كنتمُ تطلبونني فدعوا هؤلاء (أي تلاميذه) يذهبون». وقف
أمامهم كآمِرٍ فأطاعوا. ليست هذه المرة الأولى التي أرعب المسيح فيها جمهوراً
معادياً فأحبط مقاصدهم ضده، لكنها أعظم تلك الحوادث وأغربُها. لقد اكتسب المسيح من
سهره وصلاته وتسليمه للآب في البستان قوة وهَيْبة جديدة. وعندما شاهد أعداؤه هيبته
ظهر جُبْنهُم، لأن ضمائرهم كانت تشهد ضدهم.

 

لم
ينصرف التلاميذ عند قول المسيح لأعدائه: «دعوا هؤلاء يذهبون» لأنهم تذكروا وعْدَهم
أنهم يذهبون معه للسجن والموت، وأن سيدهم قال لهم في هذا المساء: «مَنْ ليس له سيف
فليبعْ ثوبه ويشتري سيفاً». ولما قالوا له: «هنا سيفان». قال لهم: «يكفي» ظنوا أنه
يريدهم أن يدافعوا عنه بالقوة. فلما رأوا أن الذين أمسكوه لم يكتفوا بمَسْكه، بل
أوثقوه (أي ربطوا يديه وراء ظهره، كعادتهم عند مَسْك أصحاب الجرائم الكبيرة»
تحمَّسوا فسألوا سيدهم بعبارة التعظيم أمام خصومه: «يا رب، أنضرب بالسيف؟».

 

يظهر
أن بطرس لاحظ أن المهاجِم الأعظم على سيده، كان عبد رئيس الكهنة، فلم يصبر ليسمع
جواب المسيح، بل استَّل السيف الذي معه، وضرب به هذا العبد (واسمه ملخس) على رأسه
ليقتله، لكنه لم يصِبْ إلا أذنه اليمنى فقطعها. اهتم المسيح حالاً بإصلاح خطأ
بطرس، كما اهتم أن يُظهِر حبَّه لأعدائه واستعدادَه أن يفعل معجزة لخيرهم، وفي
الوقت ذاته يوضح لأعدائه مقامه الحقيقي. لم يتسلطوا عليه إلا برضاه، فأظهر أولاً
استياءه من فعل بطرس، وأمَرَه أن يردَّ سيفه إلى غمده. وذكَّره بالحكمة القديمة
القائلة إن: «الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون». ثم علّمه أنه لا يحتاج إلى بشرٍ
يخلِّصون، فهو لا ينتظر من التلاميذ أن يعِينوه بالقوة. ولو احتاج لمعونة لطلب من
أبيه فيرسل له أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. أَوَلا يعلم بطرس حتى الآن أن
القبض على سيده ينبغي أن يكون لكي تُكمل نبوات التوراة؟ ثم طلب المسيح أن يقدموا
ملخس إليه، وهذا يعني تخفيف القيود التي تقيد يدي المسيح. فلما حلوه، مد يده وشفى
أذن ملخس وفقاً لوصيته: «أحسنوا إلى مبغضيكم». وكانت هذه المعجزة خاتمة معجزاته
قبل صلبه.

 

ولما
عرف التلاميذ أن المسيح لا يطلب مساعدتهم، وأن بقاءهم تحت الخطر لا يفيد سيدهم
شيئاً، تركوه كلهم وهربوا. فتمت نبوته لهم وهم في العلية أنهم جميعاً سيتركونه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى