اللاهوت الدفاعي

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل
الأول

الشخصيات
المحورية فى قصة ظهور روح صموئيل النبى

 

يدور محور تلك الحادثة المتعلقة بإستدعاء شاول لروح صموئيل النبى، حول ثلاث شخصيات
محورية هم: صموئيل النبى وشاول الملك وعرافة عين دور، كما جاء فى سفر صموئيل وهو
فى الأصل كتاب واحد، كتب صموئيل النبى ما يختص بأيامه ثم أكمل باقى السفر جاد
وناثان (أخبار الأيام الأول 29 : 29- 30).

وتتناول الإصحاحات (1-7): من سفر صموئيل الأول، دور صموئيل القائد العظيم
الذى جعل من السهل الإنتقال بالشعب من حكم القضاة القبلى، إلى الحكم الملكى. وفى
نفس الوقت أبرز الدور النبوى الذى أصبح له تأثيره الكبير على ملوك إسرائيل.

كما تتناول الإصحاحات (16-31): تاريخ شاول الملك وبغضه الشديد لداود
ومطاردته له، ومقتل شاول وأبنائه في الحرب.

ويذكر الإصحاح (28) قصة المرأة العرافة ببلدة عين دور التى زارها شاول لطلب
إستدعاء روح صموئيل النبى بعد أن كان قد مات.

وفيما يلى عرض لتلك الشخصيات الثلاث:

1- صموئيل النبى:

كانت حنة أم صموئيل عاقراً لم يكن لها أولاد، وفى خيمة الإجتماع فى شيلوه،
صلّت إلى الرب ونذرت نذراً، إن رزقها وأعطاها الرب مولوداً ذكراً، فإنها تكرسه للرب
كل أيام حياته، دون أن يًقص شعر رأسه:

+ (صموئيل الأول 1
: 11)
يا رب الجنود, إن نظرت نظراً إلى مذلة أمتك, وذكرتني ولم تنس
أمتك بل أعطيت أمتك زرع بشر, فإني أعطيه للرب كل أيام حياته, ولا يعلو رأسه موس
.

وأعطاها الرب حسب إيمانها، ووقتها إبتهجت بالروح قائلة:

+ (صموئيل الأول 2): 1 فصلت
حنة وقالت فرح قلبي بالرب ارتفع قرني بالرب اتسع فمي على اعدائي لاني قد ابتهجت
بخلاصك. 2 ليس قدوس مثل الرب لانه ليس غيرك وليس صخرة مثل الهنا. 3 لا تكثروا
الكلام العالي المستعلي ولتبرح وقاحة من افواهكم لان الرب اله عليم وبه توزن
الاعمال. 4 قسي الجبابرة انحطمت والضعفاء تمنطقوا بالباس. 5 الشباعى اجروا انفسهم
بالخبز والجياع كفوا حتى ان العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت. 6
الرب يُميت ويُحيي يُهبط إلى الهاوية ويُصعد.

تذكرنا تلك الصلاه بنفس صلاة السيدة العذراء القديسة مريم عندما قالت:

+ (لوقا 1): 46
فقالت مريم تعظم نفسي الرب. 47 وتبتهج روحي بالله مخلصي. 48 لانه نظر إلى اتضاع
امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني. 49 لان القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس.
50 ورحمته إلى جيل الاجيال للذين يتقونه. 51 صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر
قلوبهم. 52 انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. 53 اشبع الجياع خيرات وصرف
الاغنياء فارغين. 54 عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة. 55 كما كلم اباءنا لابراهيم
ونسله إلى الابد
.

نقف هنا قليلاً للتأمل فى صلاة حنة أم صموئيل فى الآية التالية:

+ (صموئيل الأول 2 : 6) الرب
يُميت ويُحيي يُهبط إلى الهاوية ويًصعد
.

هذه أول مرة فى الكتاب المقدس نقرأ فيها مثل هذا النص، أن الرب يُصعد
الأرواح من الهاوية، (لاحظ تشكيل الفعل هنا مبنى للمجهول)، حتى موسى النبى فى
الأسفار الخمسة لم يذكر شئ مثل ذلك، فمن بداية سفر التكوين كلما نقرأ عن الهاوية،
نجد الكتاب المقدس يقول عن أتقياء الرب: ومات بشيبة صالحة وإنضم إلى قومة ودفن مع
أبائه، أو أحد الآباء مثل يعقوب يقول أنزل بشيبتى إلى الهاوية، ولكن هنا جاءت حنة
أم صموئيل المرأة البسيطة المتضعة، توصف حقيقة غاية فى الروعة والبساطة، وإذ بها
تقول الرب يًصعد من الهاوية، أى أنه هو الذى يقوم بإصعاد الأرواح من الهاوية،
تعبير غاية فى الكمال لقدرة الله الفائقة، بل ولولا تلك الجملة لإنقطع كل رجاء
الآباء الآولين الراقدين على رجاء القيامة وإنتظار لحظة الخلاص التى فيها يأتى لهم
المسيح ويقوم بإصعاد أرواحهم من الهاوية وينقلهم إلى فردوس النعيم.

ولكن ماذا كانت تعنى أم صموئيل النبى العظيم بتلك الكلمات؟!!، هل كانت نبؤة
منها بقيامة الأرواح بعد إتمام الفداء والخلاص بصلب السيد المسيح؟، أم كانت تتكلم
بالروح عن حدث أخر سوف يحدث؟، أو كانت نبؤة تخص إبنها صموئيل، الذى فيما بعد هبط
إلى الهاوية وبقدرة الإلة أصعد الرب روحه مرة أخرى بعد وفاته ليترأى لشاول الملك،
الذى من بعد رقاده تنبأ وأخبر شاول الملك بوفاته ورفع من الأرض صوته بالنبوءة لمحو
إثم الشعب، أم كانت إشارة ونبؤة بالروح عن ظهور موسى النبى مع إيليا النبى على
التجلى؟ ربما!!!. فكما نعلم
أن موسى مات
وذهبت روحه إلى الهاوية، وإيليا صعد بمركبة نارية حياً إلى السماء، وفى التجلى
يقول الكتاب: “
وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه” (متى 17 : 3). “وظهر
لهم إيليا مع موسى وكانا يتكلمان مع يسوع
” (مرقس 9 : 4). فظهور
موسى هنا يعنى أن الله أصعد روحة من الهاوية.

وهنا جاء صعود موسى النبى من الهاوية ليمثل أرواح الراقدين فى الرب، والنفوس
التى رحلت بالجسد لكنها مرتبطة برجاء القيامة، وجاء هبوط إيليا النبى من السماء، ليمثل
أبطال الجهاد، فهو لم يمت بعد … وكأن الكل يلتقون معاً كأحياء فى حضرة الرب. فإن
كان موسى قد تسلم الناموس وإيليا يمثل الأنبياء، فإن تجلى السيد بينهما إنما يشير
إلى أنه هو غاية الناموس ومركز النبؤات. وقد أراد السيد المسيح أن يخبر تلاميذه أن
له سلطان على الحياة والموت، فهو: “
الرب
يُميت ويُحيي يُهبط إلى الهاوية ويًصعد
“.

وإن كان الأمر كذلك، وأنه نبؤة عن إصعاد الرب لروح صموئيل النبى ليظهر لشاول
الملك مرة، ولموسى النبى يوم التجلى مرة أخرى، فإننا لا نجد فى الكتاب المقدس سوى
هذين الحدثين فقط، من حيث إصعاد الرب لأرواح أنبياء العهد القديم. ولنا أن نعلم
مقدار كرامة موسى وصموئيل بالذات لدى الله، فقد قال عنهما داود النبى إن دعوا
الرب، فالله يستجيب لهم طلباتهم: “
موسى وهرون بين كهنته
وصموئيل بين الذين يدعون باسمه دعوا الرب وهو إستجاب لهم
” (مزمور 99 : 6). فقد كان موسى وصموئيل إثنين من أعظم أنبياء الله،
وقد شفع كلاهما فى الشعب عند الله، وعندما أرسل الرب جفافاً على أرض يهوذا، ورفض إستجابة
صلواتهم من أجل المطر، بسبب تعاظم شرهم وخطيتهم، بدرجة عرف معها الله أنهم لن
يرجعوا إليه، ونظراً لحب الرب الشديد لموسى وصموئيل، والذى لا يرفض من أجلهما طلبة
ولا صلاة، وخشية من أن يتشفع بهما الشعب أمامة حتى لو بغير إيمان منهم، سارع بقولة
لإرميا النبى قائلاً: “
ثم قال الرب لى وإن وقف موسى
وصموئيل أمامى لا تكون نفسى نحو هذا الشعب أطرحهم من أمامى فيخرجوا
” (إرميا 15 : 1).

يذكر لنا الكتاب المقدس أيضاً أن صموئيل النبى هو نذير الرب من بطن أمه، بل
وكان يخدم الرب وهو صبى صغير: “
وكان صموئيل يخدم أمام
الرب وهو صبي متمنطق بأفود من كتان
” (صموئيل
الأول 2 : 18).

+ الأفود: هو جبة أى ثوب
طويل من الكتان يلبسة الكاهن. وكان أفود رئيس الكهنة باللون الإسمانجونى (الأزرق
السماوى) ومطرز بألوان أخرى زاهية، وكان الكاهن يلبس صُدرة (صديرى) به أطواق مطرزة
بالذهب لتعلق بالأكتاف. وكان بالصدرة إثنا عشر حجراً كريماً، يمثل كل حجر منها أحد
أسباط بنى إسرائيل. كما يعلق أيضاً على صُدرة الكاهن ناحية القلب، جراب صغير أو
كيس به حجرين مسطحين كالعملة المعدنية، إسم الأول أوريم والثانى تميم.

+ الأوريم والتميم: هما حجرين
صغيرين مسطحين كالعملة المعدنية الآن، كانا يوضعان فى جراب أو كيس معلق على صدرة الكاهن
ناحية القلب، كما قال الكتاب: “
وتجعل في صدرة القضاء
الاوريم والتميم لتكون على قلب هارون عند دخوله امام الرب. فيحمل هارون قضاء بني
اسرائيل على قلبه أمام الرب دائما
” (الخروج
28 : 30)، وكان الله يعلن مشيئته من خلالهما. ويظن البعض أن الأوريم كان الجواب
“بلا”. وأن التميم كان الجواب “بنعم”. فكان الكاهن يهزهما فى
الكيس، فيجعل الله الحجر المناسب يسقط. أما الرأى الغالب والأكثر قبولاً، أن لكل
منهما وجه مكتوب علية “نعم” والآخر “لا”، وكان الكاهن يخرج
الاثنين من كيسه، فإذا إستقر الإثنان على الوجهين “نعم”، فيكون جواب
الله بالإيجاب، وإن رسا الإثنان على الوجهين “لا” فيكون جواب الله
بالنفي. أما إذا رسا أحدهما على الوجه “نعم” والآخر على الوجه
“لا”، فيكون معنى هذا أن الله لا يريد الإجابة ويظل الأمر معلقاً
.

ولذلك كانت الجبة هى رداء الكاهن والزى الكهنوتى فى ذلك الوقت،
ويقول الكتاب أن رداء الكاهن كان جبة لونها أزرق سماوى (أسمانجونى) “
وتصنع جبة الرداء كلها من اسمانجونى” (الخروج 28 : 31)، “وصنع
جبة الرداء صنعة النساج كلها من اسمانجوني
” (الخروج 39 : 22). وحنة أم صموئيل عملت له جبة صغيرة
وكانت كل سنة تأتى إليه فى الهيكل تحضر معها جبة جديدة له لكى يلبسها عندما يكبر
من سنة إلى سنة:
“وعملت له أمه جبة صغيرة وأصعدتها له
من سنة إلى سنة عند صعودها مع رجلها لذبح الذبيحة السنوية
” (صموئيل الأول 2 : 19).

كما أن داود النبى أيضاً عندما إحتفل بتابوت العهد فى موكب ملكى
لبس جبة من الكتان: “
وكان داود لابسا جبة من كتان,
وجميع اللاويين حاملين التابوت, … وكان على داود أفود من كتان
” (أخبار الأيام الأول 15 : 27).

          وقد كان
صموئيل ينام فى هيكل الرب الذى فية تابوت العهد:
“وصموئيل
مضطجع في هيكل الرب الذي فيه تابوت الله
” (صموئيل
الأول 3 : 31).

وهو الوحيد الذى كلمة الرب ثلاث مرات فى ليلة واحدة وهو صبى صغير: “فجاء الرب ووقف ودعا كالمرات الأول: «صموئيل صموئيل». فقال صموئيل: «تكلم
لأن عبدك سامع
” (صموئيل الأول 3 : 10).

حتى أن الكتاب المقدس وصفة: “واما
الصبي صموئيل فتزايد نموا وصلاحا لدى الرب والناس ايضا
” (صموئيل الأول 2 : 26).

          وهذا
نفس الوصف الذى قيل عن السيد المسيح: “
واما
يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس
” (لوقا 2 : 52).

          ويغطي
سفر صموئيل الأول فترة حوالي 120 سنة – ابتداء من ولادة صموئيل وحتى موت شاول أول
ملوك إسرائيل. فبعد بعد موت عالى الكاهن وهزيمة بني إسرائيل على يد الفلسطينيين،
أصبح صموئيل كاهنا ونبيا، ثم أخر وأعظم قاضى على إسرائيل. فقد اشتهر بصفته المصلح
الروحي فى زمانة، وهو الذى علّم شعبه كلمة الله بأمانة وقادهم إلى أعلى مستويات
الطاعة لله والتقوى في العبادة التي لم تحدث منذ أيام يشوع. وأسس صموئيل النبى أول
مدرسة للأنبياء. ونتيجة لذلك بدأت راية إسرائيل ترتفع بين الأمم.

وبعد موت عالى الكاهن وأبنائه، جمع صموئيل بني إسرائيل إلى المصفاة (حوالي
خمسة أميال شمال أورشليم) مناديا بيوم عظيم للصلاة والصوم على مستوى الأمة. وكلم
صموئيل كل بيت إسرائيل قائلا: “
إن كنتم بكل قلوبكم
راجعين إلى الرب فانزعوا الآلهة الغريبة والعشتاروث من وسطكم، وأعدوا قلوبكم للرب
واعبدوه وحده فينقذكم من يد الفلسطينيين. فنزع بنو إسرائيل البعليم والعشتاروث
وعبدوا الرب وحده
” (صموئيل الأول 7 : 3-4).

وبينما كان صموئيل يصعد المحرقة تقدم الفلسطينيون لمحاربة إسرائيل، إذ كانوا
يعلمون أن بني إسرائيل
بلا سلاح وبلا
حماية
. ولكن دليل توبة إسرائيل الحقيقية ورجوعهم إلى
الرب كان واضحاً في إيمانهم. فقد قالوا لصموئيل: لا تكف عن الصراخ من أجلنا إلى
الرب إلهنا فيخلصنا من يد الفلسطينيين (صموئيل الأول 7 : 8). فاستجاب الرب
لصلاتهم، فهبت فجأة عاصفة رعدية على الفلسطينيين فهربوا خائفين، ولم يعودوا بعد
للدخول في تخم إسرائيل. “
وكانت يد الرب على الفلسطينيين
كل أيام صموئيل
” (صموئيل الأول 7 : 13).

كان صموئيل هو النبى والكاهن على إسرائيل والقاضى الروحى
المتميز، وقد جعل إبنيه قضاة لإسرائيل (صموئيل الأول 8 : 1)، وذهب إبنا صموئيل
وراء المكسب وأخذ الرشوة وعوّجا القضاء. و
كان صموئيل هو أول من وحد جميع الأسباط في مملكة واحدة. ولكنه عندما تقدم فى
السن، جاء إليه جميع شيوخ إسرائيل إلى الرامة وذكروه كيف أن ابنيه لا يصلحان أن
يأخذا مكانه فى القيادة، وطلبوا منه أن يجعل لهم ملكاً كسائر الشعوب. وحيث أن
الفلسطينيين كانوا يمثلون تهديدا مستمرا لشعب إسرائيل من الجانب الغربي والعمونيين
من الجانب الشرقى، فقرر بنو إسرائيل حاجتهم إلى ملك.

وهذا يبين ضعف إيمانهم بالرب إلة إسرائيل، الذى كان ملكهم الحقيقى. فقد نسوا
أنه بعد موت عالى، تدخل الله وهزم الفلسطينيين عندما قاد صموئيل الشعب في الصلاة،
ولم يكن عندهم أى سلاح وبدون أى حماية. كما نسوا أيضا أن موسى النبى كان قد سبق وحذرهم
من جهة هذا الموضوع: “
14 متى أتيت إلى الأرض التي
يعطيك الرب إلهك وامتلكتها وسكنت فيها فإن قلت: أجعل علي ملكا كجميع الأمم الذين
حولي. 15 فإنك تجعل عليك ملكا الذي يختاره الرب إلهك. من وسط إخوتك تجعل عليك ملكا
(التثنية 14:17-15).

وحيث أن صموئيل النبى قد عاصر معظم فترة ملك شاول، فعلى الأرجح
كان فى حوالى الستين من عمره عندما إجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل النبى
إلى الرامة وطلبوا منه إقامة ملك عليهم، فساء الأمر فى عينيه، فقال
الله لصموئيل اسمع لصوتهم وملك عليهم ملكا فهم لم يرفضوك أنت بل
رفضونى أنا حتى لا أملك عليهم
: “5 وقالوا له: هوذا أنت قد شخت, وابناك لم يسيرا في طريقك. فالآن اجعل لنا
ملكا يقضي لنا كسائر الشعوب. 6 فساء الأمر في عيني صموئيل إذ قالوا: «أعطنا ملكا
يقضي لنا». وصلى صموئيل إلى الرب. 7 فقال الرب لصموئيل: «اسمع لصوت الشعب في كل ما
يقولون لك. لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم. 8 حسب كل
أعمالهم التي عملوا من يوم أصعدتهم من مصر إلى هذا اليوم وتركوني وعبدوا آلهة,
أخرى هكذا هم عاملون بك أيضا
(صموئيل الأول 8 : 5-8).

لم يكن صموئيل يرحب أساساً بإقامة ملك لإسرائيل، بل ساء الأمر في عينيه، وها هو التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى عندما رفض الشعب قديماً أن
يكون الله قائداً عليهم “
قائلين لهارون: اعمل لنا آلهة
تتقدم أمامنا لأن هذا موسى الذي أخرجنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه
” (أعمال الرسل 7 : 40). ولكن كان الإهتمام بأمن وسلامة البلاد الذى أبداه شيوخ إسرائيل لصموئيل النبى مجرد
عذر، ولكنهم إعترفوا فيما بعد بخطأهم قائلين: “
أخطأنا
لأننا تركنا الرب وعبدنا البعليم والعشتاروث. فالآن أنقذنا من يد أعدائنا فنعبدك
(صموئيل الأول
12 : 10).

ونلاحظ أن وجود شاول كملك على إسرائيل، جاء على رغبة ملحة من شعب إسرائيل
وبتفكير مادى بحت هو حمايتهم من يد الأعداء ونسوا يد الله القديرة التى أنقذتهم كل
تلك السنين، حتى أن الله خاطب صموئيل وقال له إسمع لصوت الشعب ولكن بلغهم ماذا
سيفعل معهم الملك الجديد بالتحديد:

(صموئيل الأول
8 : 9-22)
9 فالآن اسمع لصوتهم. ولكن أشهدن عليهم وأخبرهم بقضاء الملك
الذي يملك عليهم. 10 فكلم صموئيل الشعب الذين طلبوا منه ملكا بجميع كلام الرب 11 وقال:
«هذا يكون قضاء الملك الذي يملك عليكم: يأخذ بنيكم ويجعلهم لنفسه, لمراكبه
وفرسانه, فيركضون أمام مراكبه. … 18 فتصرخون في ذلك اليوم من وجه ملككم الذي
اخترتموه لأنفسكم فلا يستجيب لكم الرب في ذلك اليوم». 19 فأبى الشعب أن يسمعوا
لصوت صموئيل وقالوا: «لا بل يكون علينا ملك, 20 فنكون نحن أيضا مثل سائر الشعوب,
ويقضي لنا ملكنا ويخرج أمامنا ويحارب حروبنا». 21 فسمع صموئيل كل كلام الشعب وتكلم
به في أذني الرب. 22 فقال الرب لصموئيل: «اسمع لصوتهم وملك عليهم ملكا»
.

وهكذا رفض الشعب كل نصيحة من صموئيل النبى وأرادوا ملك قويا يملك عليهم،
ويحقق لهم الإنتصارات الحربية وفى هذا صورة لرفض اليهود للسيد المسيح عندما جاء
إليهم ورفضوه. ولذلك إختار لهم الرب حسب رغبتهم شاول، وقال لصموئيل هذا يضبط شعبى
فلما رأى صموئيل شاول قال الرب: «هوذا الرجل الذي كلمتك عنه.
هذا يضبط شعبي
(صموئيل
الأول 9 : 17).

فقد كانت مواصفات شاول حسب المظهر والشكل الخارجى هى التى ترضى الشعب، فقد كان
أجمل وأطول من كل شعب بنى إسرائيل فوافقوا أن يكون ملكاً عليهم، حتى يوم تنصيب
شاول ملكاً نجد صموئيل يخاطب الشعب بمرارة وحزن وأسى قائلاً:

+ (صموئيل الأول
10 : 18-24)
18 هكذا يقول الرب إله إسرائيل: إني أصعدت إسرائيل من مصر
وأنقذتكم من يد المصريين ومن يد جميع الممالك التي ضايقتكم. 19 وأنتم قد رفضتم
اليوم إلهكم الذي هو مخلصكم من جميع الذين يسيئون إليكم ويضايقونكم, وقلتم له: بل
تجعل علينا ملكا. … 21 ثم قدم سبط بنيامين حسب عشائره فأخذت عشيرة مطري, وأخذ
شاول بن قيس. 23 فوقف بين الشعب, فكان أطول من كل الشعب من كتفه فما فوق. 24 فقال
صموئيل لجميع الشعب: «أرأيتم الذي اختاره الرب أنه ليس مثله في جميع الشعب؟» فهتف
كل الشعب وقالوا: «ليحي الملك!»
.

وهكذا قال الشعب ليحى الملك شاول، ونسيوا تمجيد إسم الرب، وتركوا إلههم
ملكهم الحقيقى الذى لم يسلمهم إلى أيدى أعدائهم، وكما هو الحال دائماً، فإن رحمة
الله فاقت جميع التوقعات، ونظر الله إلى شعبة من أجل عهده مع إبراهيم وإسحق
ويعقوب.

وأعطى الله شاول قلباً آخر جديداً، وتحول إلى رجل آخر، وحل على شاول روح الرب
(صموئيل الأول 10 : 6-10). كذلك فإن الرب قد مس قلب جماعة من الرجال البواسل لكى
يتبعوا شاول بإخلاص وأمانة (صموئيل الأول 10 : 26). وأيضاً بدأت فترة ملك شاول بإنتصار
عسكرى مجيد (صموئيل الأول 10 : 6-13).

إن الله لا يهتم بالمظهر الخارجى للإنسان بل ينظر إلى قلبة، فعندما رفض الرب
شاول فيما بعد وطلب من صموئيل النبى أن يذهب إلى بيت يسى لأنه سيختار من هناك
ملكاً من بين أبناء يسى، وكان الرب قد أعلن لصموئيل فيما سبق أن شاول هو الذى
سيملك على الشعب، ولكن هنا أخفى عن صموئيل إسم الملك الجديد، لعلها حكمة الله ليرى
ماذا سيكون إختيار صموئيل:

          ولما ذهب إلى يسى، ورأى أليآب إبن يسى
الكبير وهو شاب فارع طويل القامة إذ بصموئيل يقول عنه ها هو مسيح الرب!!، ولكن
الرب رد على صموئيل أن لا ينظر إلى شكلة وطول قامته، فالإنسان ينظر إلى العينين,
وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب.

(صموئيل الأول 16 : 1-7) 1 فقال
الرب لصموئيل: «حتى متى تنوح على شاول, وأنا قد رفضته عن أن يملك على إسرائيل؟
املأ قرنك دهنا وتعال أرسلك إلى يسى البيتلحمي, لأني قد رأيت لي في بنيه ملكا». …
4 ففعل صموئيل كما تكلم الرب وجاء إلى بيت لحم. فارتعد شيوخ المدينة عند استقباله
وقالوا: «أسلام مجيئك؟» 5 فقال: «سلام. قد جئت لأذبح للرب. تقدسوا وتعالوا معي إلى
الذبيحة». وقدس يسى وبنيه ودعاهم إلى الذبيحة. 6 وكان لما جاءوا أنه رأى أليآب,
فقال: «
إن أمام الرب مسيحه». 7 فقال
الرب لصموئيل: «
لا تنظر إلى منظره وطول قامته
لأني قد رفضته. لأنه ليس كما ينظر الإنسان. لأن الإنسان ينظر إلى العينين, وأما
الرب فإنه ينظر إلى القلب
».

 

2- شاول الملك:

+ (صموئيل الأول 9 : 1-2) 1 وكان رجل من بنيامين اسمه قيس بن أبيئيل بن صرور بن بكورة بن أفيح, ابن
رجل بنياميني جبار بأس. 2 وكان له ابن اسمه شاول, شاب وحسن, ولم يكن رجل في بني
إسرائيل أحسن منه. من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب
.

كان شاول من سبط بنيامين يعيش في جبعة شمال أورشليم، فى بداية حياتة لم يكن
شاول شئ يذكر، حتى هو نفسة فى أول لقاء مع صموئيل النبى، عندما رأى أنه يكلمة
بإحترام وتقدير ودعاة إلى أن يأكل معاه إندهش شاول وقال له:
“فقال شاول: «أما أنا بنياميني من أصغر أسباط إسرائيل, وعشيرتي أصغر كل
عشائر أسباط بنيامين؟ فلماذا تكلمني بمثل هذا الكلام؟
” (صموئيل الأول 9 : 21).

وعندما طلب الشعب من صموئيل أن يقيم عليهم ملكاً، وتم إختيار
شاول لكى يكون ملكاً على إسرائيل، فقد صنع الرب مراحم كثيرة من شاول، فحل عليه روح
الرب وتنبأ وتحول إلى رجل أخر، “
فيحل عليك روح الرب
فتتنبا معهم وتتحول إلى رجل اخر
” (صموئيل
الأول 10 : 6)، وأعطاه الرب قلباً جديداً أخر حتى يسلك فى شرائع الله بعدل
وإستقامة: “
وكان عندما ادار كتفه لكي يذهب من عند
صموئيل ان الله اعطاه قلبا اخر
” (صموئيل
الأول 10 : 9).
وعندما أنهى شاول أولى معاركه،
هتف: “
فى هذا اليوم صنع الرب خلاصا فى إسرائيل” (صموئيل الأول 11 : 13).

ومع الأيام بدأ شاول ينفرد بحكم المملكة وحده دون أخذ مشورة الرب ولا إرشاد
وتوجيه من صموئيل النبى، فكيف هذا وهو الملك!!! وبدأ الشر يملأ المملكة وسادت
الخطيئة، فجمع صموئيل النبى الشعب وأعطاهم علامة أن ثمة أمر عظيم سوف يفعلة الرب
معهم، وهو إن صارت رعود ومطر فى السماء أمام أعينهم بعد قليل، فليعلموا جميعاً
مقدار شرهم العظيم وحصاد الخطية التى جنوها، وعندما دعا صموئيل الرب أعطت السماء رعودا
ومطرا شهادة من الطبيعة على خطيتهم في ذلك اليوم. حتى خاف جميع الشعب ومعهم صموئيل
النبى خوفاً كبيراً من الرب:

+ (صموئيل الأول
12 : 16-18)
16 فالآن امثلوا أيضا وانظروا هذا الأمر العظيم الذي يفعله الرب
أمام أعينكم. 17 أما هو حصاد الحنطة اليوم؟ فإني أدعو الرب فيعطي رعودا ومطرا
فتعلمون وترون أنه عظيم شركم الذي عملتموه في عيني الرب بطلبكم لأنفسكم ملكا». 18 فدعا
صموئيل الرب فأعطى رعودا ومطرا في ذلك اليوم. وخاف جميع الشعب الرب وصموئيل جدا
.

فلم يأتي شاول ثمرة صلوات مقدسة وإنما ثمرة رغبة الشعب في التشبه بالأمم
الأخرى، فمن البداية كان الشعب يصرخ لصموئيل النبي “
اجعل
لنا ملكا يقضي لنا كسائر الأمم
“، لهذا خسر
الشعب الكثير بسبب شاول، وندموا أنهم أرادوا من صموئيل أن يجعل عليهم ملكاً، وهنا
طلبوا من صموئيل أن يصلى من أجلهم، إذ أرادوا لأنفسهم ملكاً وأضافوا إلى جميع
خطاياهم شراً: “
وقال جميع الشعب لصموئيل: «صل عن عبيدك إلى
الرب إلهك حتى لا نموت, لأننا قد أضفنا إلى جميع خطايانا شرا بطلبنا لأنفسنا ملكا
ً” (صموئيل الأول 12 : 19).

وبدأت سقطات شاول الملك المتتالية واحدة تلو الأخرى تأخذه فى هوه سحيقة
بعيداً عن الله وعن تنفيذ وصاياه، فقد رفض الخضوع لله، وإحتقر توبيخ صموئيل له. وبدأ
عرش شاول يتحطم، إذ بدأ الغرور والكبرياء يملأ قلبه، حتى رفضه الله فى النهاية
وفارقة روح الرب، وإبتعد عنه صموئيل النبى. بالفعل ما لبث شاول أن إستقر على عرشه،
حتى بدأت تظهر فى حياتة نقاط ضعف خطيرة جعلت صموئيل يوبخه بشدة قائلا: لأنك رفضت
كلام الرب رفضك من الملك. وقد كانت هذه هي نقطة التحول في حياة شاول، إذ نقرأ بعد
ذلك: وذهب روح الرب من عند شاول، وأمر الرب صموئيل بأن يمسح داود ملكاً عوضاً عنه.
وإذ كان داود يزداد شعبية فى أعين الشعب، كان شاول يزداد غيرة وحقد. وبسبب غيرته
وإرادته العنيدة، قام شاول بمحاولات عقيمة لقتل داود في ثلاث مناسبات. حتى أنه نسى
أعداءه الحقيقيين وتفرغ لمطاردة داود بعد أن عرف أن صموئيل النبى جعلة مسيحاً
للرب، مما إضطر داود أن يعيش مختبئاً حتى وقت موت شاول فى المعركة المأسوية على
جبل جلبوع، وهو هنا رمز لهيرودس الملك الذى أراد قتل مسيح الرب (السيد المسيح)،
فهرب السيد المسيح إلى أرض مصر وظل هناك حتى مات هيرودس (شاول).

 

أخطاء شاول:

1-
عندما إنتشرت عبادة
الأصنام واللجؤ إلى السحرة والجان، لم يقتلهم شاول حسب وصية الرب “
لا تدع ساحرة تعيش” (الخروج 22
: 18)، بل إكتفى بطردهم ونفيهم خارج الأرض. فقد كانت شرائع الله تتكلم بصرامة ضد
السحر، وكانت عقوبة السحر هى الموت، لأنها كانت جريمة ضد الله نفسه. فإستخدام قوى
الشر، هى كسر للوصية الأولى “لا يكن لك آلهة أخرى سواى” فكان السحر
تمرداً ضد الله وسلطانه، فهو فى جوهره تحالف مع الشيطان عوضاً عن التحالف مع الله.
بل وعندما قابل المرأة العرافة لكى تصعد له روح صموئيل النبى، كسر وصية الرب،
وبدلاً من أن يقتلها، أعطاها الأمان وأقسم لها أن لا تموت: “
فحلف لها شاول بالرب: حي هو الرب, إنه لا يلحقك إثم في هذا الأمر” (صموئيل الأول 28 : 10).

2-
بعد إنتصار شاول العظيم
على العمونيين، إختار لنفسه ثلاثة آلاف من إسرائيل ليكونوا جيشاً له بعد سنة واحدة
من حكمة (
صموئيل الأول 13 : 2). ومن المؤسف أنه لم يأخذ رأى الرب فى هذا الأمر، فلم
يستشر الرب فى صلاة ولا استشار صموئيل النبي طلباً للنصيحة. فمن الواضح أن شاول
كان قد تحرك خطوة أبعد نحو الشئ الذى يريده الشعب بأن يكون لهم ملكاً كسائر شعوب
الأرض (
صموئيل الأول 8 : 5). فقد كان الثلاثة آلاف رجلاً يمثلون حرساً مهيباً لشاول، ولكن يبدو
أنه كان مزيجاً من الإفتخار بقدراته الشخصية وأيضاً عدم الإيمان بملك الملوك الذى
له كل جند السموات. وسرعان ما أدى كبرياء شاول وسعية نحو مجدة الذاتى إلى إهماله
كلمة الله مما نتج عنه سلسلة من الهزائم الروحية، فهو بحياة الذات يمثل المسيحي
المتساهل الذي يتصف بالكبرياء والروح العالمية وإرضاء الذات وعدم التأديب (متى
24:16).

3-
شاول الأحمق: كسر شاول وصية الله عندما قدم المحرقة: “فقال شاول: قدموا إلي المحرقة وذبائح السلامة. فأصعد المحرقة” (صموئيل الأول 13 : 9). وهو إثم وتعدى صارخ على شرائع الله،
فلم يجرؤ أحد من قبل على القيام بمثل ذلك، لأن كهنة بنى هارون فقط هم الذين يقدمون
المحرقات والذبائح لله، ومن يفعل ذلك غيرهم يجلب السخط على شعب إسرائيل: “
بل تحفظون أنتم حراسة القدس وحراسة المذبح لكي لا يكون أيضا سخط على بني
إسرائيل
” (العدد 18 : 5). وكان صموئيل قد أمر شاول
ألا يهاجم بل ينتظر حتى يرجع بعد سبعة أيام لكى يقدم للرب الذبائح المطلوبة قبل
الذهاب إلى القتال. ولكن عندما أدرك جيش شاول المكون من ثلاثة آلاف من إسرائيل
القوة العسكرية الهائلة التى للفلسطينيين، تركته الأغلبية واختبأوا في المغاير حتى
لم يتبقّ لشاول سوى 600 جندى. وإذ خاف شاول أن يتأخر صموئيل أكثر من ذلك، أصعد هو
بنفسة المحرقة، وكان لما إنتهى من إصعاد المحرقة إذا صموئيل مقبل. وكان ضمير شاول
قد أخبره أنه قد ارتكب خطأ، إذ اعترف لصموئيل قائلا: قلت الآن ينزل الفلسطينيون
إلى الجلجال فتجلدت وأصعدت المحرقة. كان يظن أن الظروف قد اضطرته إلى ذلك. كانت
المحرقة ترمز إلى التكريس، ولكن عندما تم تقديمها بناء على عدم طاعة وبواسطة شخص
غير مسموح له أن يقدم الذبائح، فإنها تصبح مكرهة، وعند مواجهته بخطئه، ابتدأ شاول
يوجه اللوم إلى صموئيل قائلا: أنت لم تأت في أيام الميعاد، لقد إعتقد شاول أنه من
الضروري تقديم ذبيحة للرب. فهو لم يتحول إلى الأوثان، ولكنه تصور أنه مضطر بسبب
الظروف أن يخالف أوامر الرب على سبيل الاستثناء. ولكن كان صموئيل صريحاً في إجابته
على الملك المتكبر الأحمق لأنه لم يحفظ وصية الرب “
فقال
صموئيل لشاول: «قد انحمقت! لم تحفظ وصية الرب إلهك التي أمرك بها
” (صموئيل الأول 13 : 13).

4-
شاول المتمرد
العنيد
: أراد الله أن يعطى شاول فرصة أخرى، وواجه إختبار
آخر من الرب، عند قول صموئيل له: “
2 هكذا يقول رب الجنود:
إني قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر. 3 فالآن
اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة, طفلا
ورضيعا, بقرا وغنما, جملا وحمارا
». (صموئيل الأول
15 : 2-3). وبالرغم من إنتصار شاول على عماليق فى الحرب، إلا أنه كسر أيضاً أمر
الله، ولم يقتل أجاج ملك عماليق بل أبقاه حياً، بالرغم من أن الله قال له إقتل كل
رجل، وإقتل كل الغنم والبقر، إلا أنه إستبقى هو والشعب أجاج ملك عماليق حياً
وإستبقى من الغنم والبقر أوائل الحرام (وهى أول الأشياء التي يجب قتلها وإبادتها)،
بحجة تقديم الذبيحة، وعندئذ نطق صموئيل بهذا المبدأ الجوهري «
هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة»، وأخبر شاول بأن الرب قد فرق المملكة عنه، وبعدها فارق شاول فراقًا
نهائيًا. لقد كان شاول مهتماً بإرضاء نفسة وغرورة أمام الشعب أكثر من إرضاء الرب
وإستبقى أجاج ملك عماليق حياً ولم يقتلة حتى يرضى كبريائة بأن ملك عماليق تحت رحمتة
الآن وهو رهن قبضة يدية، متناسياً قول الرب بضرورة قتل كل رجل، وحتى لو كان ذلك
الرجل هو ملك عماليق نفسة: “
وعفا شاول والشعب عن أجاج وعن
خيار الغنم والبقر والحملان والخراف وعن كل الجيد, ولم يرضوا أن يحرموها
” (صموئيل الأول 15: 19). ولذلك وصفة صموئيل النبى بأنه
متمرد وعنيد ورافض لكلام الله، وأنه مثله كمثل العرافين والوثنيين: “
لأن التمرد كخطية العرافة, والعناد كالوثن والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب
رفضك من الملك!
” (صموئيل الأول 15 : 23). حتى عند إعترافة
بخطئة أمام صموئيل، كان بدافع الغرور والكبرياء لكى لا يفقد هيبتة وكرامتة أمام
الشعب من رجل الله صموئيل: “
فقال شاول لصموئيل: أخطأت لأني
تعديت قول الرب وكلامك, لأني خفت من الشعب وسمعت لصوتهم
” (صموئيل الأول 15 : 24). فكيف يعترف بخطئة وفى نفس الوقت يلقى باللوم
على الشعب لأنه خاف منهم، ولعل هذا الموقف يذكرنا تماماً عندما سقط أبونا أدم فى
الخطية وقال لله : “
فقال آدم: «المراة التي جعلتها
معي هي اعطتني من الشجرة فاكلت
” (التكوين 3
: 12). فهو لم يخاف من الشعب، كلا!!! بل إفتخر بذاتة وشموخ نفسة بالنصر الذى حققه،
فلو كان يخشى الشعب فعلاً، لما كان أقسم عليهم فى أحد حروبة بعدم الأكل إلى المساء
حتى ينتقم من إعدائه، فالشعب برئ منه: “
وضنك
رجال إسرائيل في ذلك اليوم لأن شاول حلف الشعب قائلا: «ملعون الرجل الذي يأكل خبزا
إلى المساء حتى أنتقم من أعدائي». فلم يذق جميع الشعب خبزا
” (صموئيل الأول 14 : 24).

5-
كان شاول ورجاله
في طرف جبعة فنظروا جيش العدو هاربين ومرتبكين. تعجب شاول لما يحدث، وإذ سأل أن
يبحثوا عمن هم غائب عنهم عرف أن يوناثان وحامل سلاحه غائبان، فطلب من الكاهن أخيا
أن يسأل الرب من خلال الأفود (حسب الترجمة السبعينية)، لكن ضجيج العدو كان يتزايد فتراجع
وقرر أن يتصرف هو بنفسه دون أن يلجأ إلى سؤال الله، ولم يحتمل شاول الانتظار، بل
قال للكاهن كف يدك ومنعه من أن يسأل الرب: “
وفيما
كان شاول يتكلم بعد مع الكاهن, تزايد الضجيج الذى في محلة الفلسطينيين وكثر. فقال
شاول للكاهن: «كف يدك»
” (صموئيل
الأول 14 : 19)، فلم ينتظر أن يسمع كلام الله من الكاهن فكان غير موسى الذى كان
يصلى ويشوع يحارب. إذن شاول كان يعتمد على ذاته وليس على الله. وهذا يكشف طبيعة
شاول المتسرع قليل الصبر الذى يعتمد على ذراعه، فهو يمكنة أن يسأل الرب، لكنه لا
ينتظر أن يسمع الإجابة. وفى تسرعه أسقط إبنه يوناثان فى التعدى عندما أكل، فلقد تصور
شاول أنه لو أكل الجيش فإن هذا يضيع الوقت فلا يستطيع أن يلحق بالأعداء وهو قرار
خاطئ متسرع.

6-
كان شاول بصفتة من
سبط بنيامين، ظالماً ومتحيز لبنى سبطة فقط، فمع كونه ملكًا على كل إسرائيل، لكنه إختار
جميع رجال البلاط وأصحاب المراكز العليا والمقربين له من سبطه وحده، لذا دعاهم
“بنيامينيون” عندما قال: “
إسمعوا
يا بنيامينيون. هل يعطيكم جميعكم ابن يسى حقولاً وكرومًا؟! وهل يجعلكم رؤساء ألوف
ورؤساء مئات؟!
” (صموئيل
الأول
22 : 7). هذه صورة مؤلمة تكشف عن قيادة مملوءة
أنانية تهتم بما لنفسها فقط، وليس بما للجميع. فما أبعد الفارق بين شاول وموسى
النبي، فإن الأخير إختار يشوع بن نون وهو من سبط آخر تلميذًا له ليتسلم القيادة من
بعده وليس لأحد من أولاده.

7-
شاول رجل الدماء
قاتل كهنة الرب
: فقد قتل شاول فى
مذبحة بشعة خمسة وثمانين كاهن من كهنة الرب لابسين أفود كتان بدون أى ذنب، كما قتل
بحد السيف كل الرجال والنساء والأطفال والرضعان والثيران والحمير والغنم فى مدينة
الكهنة خدام الرب: “
16 فقال الملك: «موتا تموت يا
أخيمالك أنت وكل بيت أبيك». 17 وقال الملك للسعاة الواقفين لديه: «دوروا واقتلوا
كهنة الرب, لأن يدهم أيضا مع داود, ولأنهم علموا أنه هارب ولم يخبروني». فلم يرض
عبيد الملك أن يمدوا أيديهم ليقعوا بكهنة الرب. 18 فقال الملك لدواغ: «در أنت وقع
بالكهنة». فدار دواغ الأدومي ووقع هو بالكهنة, وقتل في ذلك اليوم خمسة وثمانين
رجلا لابسي أفود كتان. 19 وضرب نوب مدينة الكهنة بحد السيف: الرجال والنساء والأطفال
والرضعان والثيران والحمير والغنم. 20 فنجا ولد واحد لأخيمالك بن أخيطوب اسمه
أبياثار وهرب إلى داود. 21 وأخبر أبياثار داود بأن شاول قد قتل كهنة الرب
” (صموئيل الأول 22 : 16-21). يالها من مؤامرة بشعة وصفحة
سوداء لوثت تاريخ شاول واقشعرت لها كل أسباط إسرائيل، وكل ذلك بسبب وشاية كاذبة من
شخص واحد له، وبسبب الشك والحقد على داود الذى كان لا يطيق حتى سماع إسمة وكان
يقول عنه إبن يسى كنوع من الإحتقار، فقد ظن شاول أن إبنة يوناثان وداود وكهنة الرب
يدبرون ضدة مؤامرة. فأصدر حكمة بموت أخيمالك وكل بيت أبيه. وهكذا كان هو الخصم وهو
الحكم فى نفس الوقت، ولم يستشر أحد ولم يتقصى عن الحقائق، بل ملأ الشيطان قلبة
بمجرد وشاية من شخص يدعى دواغ الأدومى، وحتى لما طلب من السعاة أن ينفذوا حكم
القتل فى الكهنة رفضوا وخافوا فلم يقبلوا أن يمدوا أيديهم إلى كهنة الرب، ليكونوا
شهودًا على الظلم والعنف وإهانة خدام الرب. أما الخائن دواغ الأدومى الذى وشى بهم
فقام بتنفيذ الأمر وقتل في ذلك اليوم خمسة وثمانين كاهنًا، ليس هذا فحسب بل ذهب
إلى مدينة الكهنة فى نوب ليقتل بحد السيف: الرجال والنساء والأطفال والرضعان
والثيران والحمير والغنم. فلم يخرب شاول مدينة للأعداء بل إحدى مدن شعب الله، فحطم
حياته الداخلية وصار عدوًا ومقاومًا حتى لنفسه. ولم يحدث فى التاريخ اليهودى كلة مثل
هذه المذبحة البشعة، وهكذا فقد شاول وشعب إسرائيل كهنتهم فهم لا يستحقون وجود كهنة
بينهم لشرهم وبعدهم عن الله بطلبهم إقامة ملك عليهم مثل باقى الأمم، ورفضهم ملك
الله عليهم. ولعلنا نلاحظ التناقض الغريب بين هذا الموقف الفاسد وبين الرحمة
الكاذبة التى أبداها شاول في موقف سابق حين عفا عن أجاج ملك عماليق الشرير، بل
وإستبقى بعض مواشية وغنمة، بينما هنا قتل كل مدينة كهنة الرب إله إسرائيل. وعموماً
فقد تحققت كلمات الرب فى بيت عالى الكاهن إذ قُتل أخيمالك والكهنة الذين من نسل
عالى ولم يتبق لأخيمالك سوى ولد واحد إسمة أبياثار هرب إلى داود “
هوذا تأتي أيام أقطع فيها ذراعك وذراع بيت أبيك حتى لا يكون شيخ في بيتك” (صموئيل الأول 2 : 31). وحتى فيما بعد، فقد قام سليمان
بطرد أبياثار عن أن يكون كاهناً للرب لإتمام كلام الرب الذى تكلم به على بيت عالى الكاهن
فى شيلوه (الملوك الأول 2 : 27).

8-
إفتخر شاول لنفسة
ونسب النصر الذى حققة لذاتة، وإنه إنتقم من أعدائه الفلسطينيين “
حتى أنتقم من أعدائي” (صموئيل
الأول 14 : 24)، وحسبهم أعداء له شخصياً، ونسى بكبريائه أنهم أعداء الله وأعداء
شعب إسرائيل وأن الله هو الذى خلصهم: “
فخلص
الرب إسرائيل فى ذلك اليوم
” (صموئيل
الأول 14 : 23).

9-
أخطأ فى منع جيشه من
الأكل إذ تخيل أن النصر هو ثمرة عمله وليس نتيجة الإيمان وهذا عكس يوناثان. بل هو
بقراره جعل يوناثان يتعدى دون أن يعلم. ولم يُعْطِ إعتباراً لحاجات رجاله فكيف
يحاربون وهم جائعون. بل جعلهم يخطأون ويأكلون على الدم من شدة جوعهم، فلم يكن هناك
وقت لديهم حتى تنزف الذبيحة دمها (صموئيل الأول 14 : 32)، وبذلك خالفوا شريعة موسى
التى تنص على أن: “
كل نفس تأكل شيئاً من الدم
تقطع تلك النفس من شعبها
” (اللاويين
7 : 27).

 

3- عرافة عين
دور:

هى إمرأة عرافة لجأ إليها شاول الملك لتستطلع له نتيجة المعركة الوشيكة مع
الفلسطينيين (صموئيل الأول 28 : 7). وكانت تقوم بأعمال السحر والتعامل مع الجان
وإستحضار أرواح الجان وتخدع الناس بأنها أروح الموتى، وكانت تلك المرأة تقيم فى
بلدة إسمها عين دور ومعناها “عين الدار”، وهى تقع على هضبة مرتفعة
يحتلها الأعداء تبعد حوالى عشرة أميال. وهى إحدى المدن التي وقعت في نصيب سبط منسى
غرب الأردن في وسط نصيب سبط يساكر على السفح الشمالي لتل مورة (يشوع 17: 11).
وكانت من المدن التي لم يستطع بنو منسى أن يستخلصوها تماماً من يد الكنعانين (يشوع
17: 12 ,13). ولا يزال اسمها محفوظاً في قرية “عين دور” علي السفح
الشمالي لجبل حرمون (النبي ضاحي)، علي بعد ستة كيلومترات إلي الجنوب من جبل تابور،
ولعل موقعها الحالي هو “خرابة الصفصافة”. ويذكر المزمور الثالث
والثمانون أن سيسرا ويابين ملك مديان قد أبيدا في عين دور (المزامير 83: 9-10).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى