علم التاريخ

3- هيرودس أنتيباس رئيس ربع على الجليل



3- هيرودس أنتيباس رئيس ربع على الجليل

3- هيرودس أنتيباس رئيس ربع
على الجليل

وبيريه ومناطق شرق الأُردن (4ق.م-39م):

أكفأ
الحكَّام الثلاثة الذين خلفوا هيرودس وأكثرهم ذكاءً ومكراً. لم يذكر التاريخ عن
حكمه كثيراً إلاَّ أنه بنى مدينة طبرية لتكون عاصمة الجليل وذلك سنة 26م([1]).
واختار لها أجمل وأخصب بقعة في الجليل على بحيرة جنيسارت “طبرية” في الضفة الغربية
قريباً من قرية عمواس المشهورة بحمَّاماتها الدافئة، وذلك تكريماً لطيباريوس قيصر
الذي كانت تربطه به أواصر المودة والتقدير، التي كان يعتز بها أنتيباس جداً فوق كل
شيء. وقد بنى في طبرية قصوراً عظيمة وعديدة ومنازل كثيرة، وشجَّع السكنى في المدن
سواء من علية القوم أو من الفقراء المعدمين، الذين سهَّل لهم السكنى مجاناً
وأعالهم من أمواله كعمل من أعمال الخير الكثيرة التي اضطلع بها([2]).

وقد
أساء إلى شعور اليهود الوطني بزواجه ابنة ملك العرب أريتاس، مما تسبب في قيام حرب
شديدة بين هيرودس أنتيباس وأريتاس، وهُزم فيها أنتيباس. وزاد إساءة لشعورهم الديني
بتطليقه لهذه الزوجة رغبة في الزواج بامرأة أخيه وهو حي، مما حدا بيوحنا المعمدان
أن يواجهه بهذا الخطأ موبِّخاً لتعديه شرائع الناموس.

ويُلاحَظ
هنا أن الكتاب المقدَّس يذكر أنه تزوَّج هيروديا امرأة أخيه. كما يذكر الكتاب أن
اسمه هيرودس.

ولتوضيح
هذه الوقائع التاريخية نقول إن اسمه الرسمي كان أنتيباس، ولكنه كان يُدعى بلقبه
العام وهو هيرودس، أي أن اسمه كان “هيرودس أنتيباس”، وهو ابن هيرودس الكبير من
زوجته مالثاك السامرية، وهو غير أخيه هيرودس الذي ولده هيرودس الكبير من زوجته
مريمن الثانية الملقَّب فيلبُّس. والمعروف أن هيرودس فيلبُّس بن هيرودس الكبير هو
الذي كانت هيروديا في ذمته كزوجة([3])
وقد اغتصبها “هيرودس أنتيباس” لنفسه بينما كان زوجها “هيرودس فيلبُّس” حيًّا.

ومنعاً
للالتباس يلزمنا أن نقول إنه كان يوجد فيلبُّس آخر اسمه الرسمي “فيلبُّس” وهو الذي
ولده هيرودس الكبير من زوجته المدعوة “كليوباترا الأُورشليمية”، وهو الذي تولَّى
رئاسة ربع على الأقاليم الشمالية، وهذا لم يكن له علاقة بهيروديا نفسها وإنما تزوج
فيما بعد ابنتها سالومة التي كانت قد خلفتها من هيرودس فيلبُّس أخيه، وهي البنت
التي رقصت رقصتها المعروفة المذكورة في الإنجيل والتي كان ثمنها رأس يوحنا
المعمدان([4]).

والمعروف
من الأناجيل ومن ملابسات الحقائق التاريخية أن يوحنا المعمدان كان يمثل رأي غالبية
الشعب اليهودي في إبداء سخطه على هيرودس أنتيباس بسبب تحدِّيه للناموس ومشاعر
الأُمة كلها. وقد سارع هيرودس أنتيباس بقتل يوحنا المعمدان خوفاً من حدوث أي شغب
أو ثورة ضدَّه، الأمر الذي كان يحرص عليه كل الحرص إرضاءً لأسياده الرومان. وقد
ضحَّى هيرودس أنتيباس بتقديره وإعزازه الشديد ليوحنا المعمدان للحفاظ على تقدير
القيصر وإعزازه له([5])،
وقد ذكر يوسيفوس مقدار احترام هيرودس ليوحنا المعمدان. كما ذكر يوسيفوس أن انهزام
هيرودس أنتيباس في حربه مع أريتاس ملك العرب وتحطيم جيشه جاء نتيجة مباشرة لقتله
يوحنا المعمدان([6]).

وكذلك
أيضاً انتهى نصيب هيرودس أنتيباس قاتل يوحنا المعمدان نهاية محزنة سوداء، فقد
أشارت عليه هيروديا أن يذهب إلى روما طمعاً في ازدياد أراضيه وطموحاً في الحصول
على لقب الملوكية، وكل ذلك غيرة من أغريباس الأول أخي هيروديا نفسها، الذي تعيَّن
والياً على اليهودية وأخذ كل مظاهر الملوكية وكرامتها بسبب صداقته وزمالة شبابه مع
غايس كاليجولا الإمبراطور. ولكن لسوء حظ هيرودس أنتيباس أنه بمجرَّد أن وصل إلى
روما سبقته وشاية في حقه من أغريباس الأول نفسه، أخذ بها الإمبراطور كاليجولا وحكم
على هيرودس بالنفي المؤبَّد إلى مدينة ليون بإقليم الغال (فرنسا). وجرَّده من جميع
أمواله وأراضيه، وأُضيفت إلى نصيب أغريباس الأول. ولمَّا علم الإمبراطور أن
هيروديا هي أخت أغريباس صديقه أراد أن يحتفظ لها بأموالها الخاصة ولكنها رفضت،
فأغضبت الإمبراطور وأمر بتجريدها من كل أموالها وأملاكها وضمَّها إلى أغريباس
الأول، وزاد على ذلك بأن نفاها مؤبَّداً مع زوجها في ليون. وانتهى حكم هيرودس في
بداية حكم كاليجولا وبالتحديد في سنة 39م، علماً بأنه هو هيرودس الذي استجوب
المسيح حسب طلب بيلاطس، وأهان المسيح وأمر بجلده.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى