علم التاريخ

الانشقاق العظيم 1054



الانشقاق العظيم 1054

الانشقاق
العظيم
1054

صدى
الانشقاق العظيم
1054-1098

في
أنطاكية: وتولى السدة البطريركية بعد بطرس الثالث البطاركة يوحنا السادس
فاميليانوس فثيودوسيوس الثاني فنقيفوروس فيوحنا السابع. وجاء في السينوذيكون بعد
بطرس كل من ثيودوسيوس فنيقيفوروس فيوحنا. وجاء في مجموعة لوكيان تحت الرقم
المتسلسل 96 ثيودوسيوس الثالث ثم باسيليوس الثاني 97 ثم بطرس الثالث 98 فثيودسيوس
الثالث 99 فاميليانوس 100 فنيقيفوروس 1010 فيوحنا الرابع 102. وتختلف هذه المراجع
في تعيين سني الرئاسة ولكنها تتقارب في تحديد بداية عهد يوحنا السابع (الرابع في المراجع
الغربية). ويرى رجال الاختصاص أن رئاسة يوحنا السادس امتدت من السنة 1056 حتى
السنة 1057 وأن ثيودوسيوس الثاني تولى من السنة 1057 حتى السنة 1059 وإن رئاسة
اميليانوس انتهت في السنة 1079 وأن نيقيفوروس جاء بين اميليانوس وبين يوحنا السابع
وأن هذا رقي العرش البطريركي في حوالي السنة 1088.

وقضى
التقليد الكنسي بالقول بتساوي البطاركة الخمسة في السلطة وبعدم تدخل أحدهم في شؤون
غيره المحلية. وأعلن بطرس الثالث هذا الموقف قبل حوادث السنة 1054 وبعدها. وكان
ثيودوسيوس الثاني خريزوفرجيس صديق ميخائيل الأول كيرولاريوس فلا عجب إذا امتنع هو
وخلفاؤه في هذه الفترة عن توجيه رسائل الجلوس إلى روما وعن ذكر أحبارها في
الذيبتيخة الأنطاكية. ولكنهم لم يذهبوا إلى أبعد من هذا ولم يتخذوا فيما يظهر أي
قرار مجمعي بشأن مشكلة هومبرتو وحرمه. وهو ما يجمع عليه كبار الثقات في تاريخ
الروم. وجاء في سيرة القديس جاورجيوس الاثونيتي أن ثيودوسيوس الثاني البطريرك
الأنطاكي هدد ملك الكرج في نزاع نشب بينهما حول حقوق الكرسي الأنطاكي بأخبار
البطاركة “الأربعة” بسوء فعله.

 

في
أورشليم: واتخذ بطاركة الكرسي الأورشليمي الموقف نفسه الذي وقفه بطاركة الكرسي
الأنطاكي. وتأثروا بالعوامل نفسها التي دفعت زملاءهم فقالوا بتساوي البطاركة
الخمسة في السلطة. ووقفوا إلى جانب بطريرك القسطنطينية فامتنعوا عن إرسال رسائل
الجلوس إلى روما وعن ذكر أحبارها في الذبتيخية. وكتب سمعان الثاني بطريرك أورشليم
رسالة في هذه الفترة عينها في موضوع الخلاف بين روما والكنائس الشرقية أبان فيها
بوضوح عدم موافقته على زيادة الفيليوكه واعتراضه على استعمال الفطير. وقد أوضح
العلامة الألماني “ميشال” أمر هذه الرسالة فأزاح عنها حجاب الريب الذي
أسدله زميله “لايب” وأكد أن هذه الرسالة هي من قلم البطريرك سمعان وتعود
إلى القرن الحادي عشر.

وقد
سبقت الإشارة إلى الاضطهاد الذي أنزله الحاكم بأمره الفاطمي بالمسيحيين وكنائسهم
في الربع الأول من القرن الحادي عشر. ولم يكن من ينجد كنيسة أورشليم ويقيلها من
عثرتها سوى ملوك الروم. فقسطنطين التاسع هو نفسه جدد كنيسة القيامة بعد تدميرها

إذ
جاء في التاريخ أن: خليفة مصر الحاكم قد أمر بهدم كنيسة القيامة، وقد خرج أمر
الإمامة في هدم كنيسة القيامة على أن يصير سقفها أرضاً وطولها عرضاً. وكان قد كتب
إلى ولاة الأعمال بتمكين المسلمين من هدم الكنائس والديارات فعمّ الهدم فيها من
سنة ثلاث وأربعمائة حتَى ذكر من يوثق به في ذلك أن الذي هدم إلى آخر سنة خمس
وأربعمائة بمصر والشام وأعمالهما من الهياكل التي بناها الروم نيف وثلاثون ألف
بيعة، ونهب ما فيها من آلات الذهب والفضة، وقبض على أوقافها، وكانت أوقافاً جليلة
على مبان عجيبة، وألزم النصارى أن تكون الصلبان في أعناقهم إذا دخلوا الحمام،
وألزم اليهود أن يكون في أعناقهم الأجراس إذا دخلوا الحمام، ثم ألزم اليهود
والنصارى بخروجهم كلهم من أرض مصر إلى بلاد الروم، فاجتمعوا بأسرهم تحت القصر من
القاهرة واستغاثوا ولاذوا بعفو أمير المؤمنين حتى أعفوا من النفي، وفي هذه الحوادث
أسلم كثير من النصارى.

حتى
أن العلماء المسلمين اليوم يرون في هذه الأحداث أنها سبب قيام الحروب الصليبية
وأنها كانت خطأ الدولة الفاطمية، وسوء تصرف من الحاكم، إذ يقول الدكتور عبد السلام
الترمانيني في كتابه “أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين طباعة دار طلاس في
دمشق”: غير أن الأمل الذي تفتح بقيامها -الدولة الفاطمية- لم يلبث غير زمن
قصير، ثم حدثت بها أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية تراخت فيها قوتها وانتهت إلى
الزوال. وقد بدأ هذا التراخي في عهد الحاكم بأمر الله لسوء تصرفاته، ومنها إقدامه
على هدم كنيسة القيامة في القدس وكان هدمها من أسباب قيام الحروب الصليبية.

ونرى
بطاركة أورشليم يكتفون بما اكتفى به زملاؤهم في أنطاكية. ففي السنة 1064 توجه عدد
من أساقفة الغرب يتقدمهم سيغفريد رئيس أساقفة ماينز وعدد من الأشراف وغيرهم إلى
زيارة الأماكن المقدسة. ومرّوا بالقسطنطينية فأكرمهم قسطنطين العاشر وزاروا كنيسة
الحكمة الإلهية. ولدى وصولهم إلى المدينة المقدسة خرج صفرونيوس البطريرك
الأورشليمي بنفسه لملاقاتهم ومعه الاكليروس والشعب والمباخر والشموع وأدخلهم
باحتفاء عظيم كنيسة القبر المقدس. وهو أمر ذو بال في موقف رجال الدين في الغرب
والشرق معاً من حرم هومبرتو وسيميومة المجمع القسطنطيني.

 

في
الإسكندرية: ونكاد لا نعلم شيئاً عن كنيسة الإسكندرية في هذه الفترة. ولا نعلم اسم
البطريرك الذي جلس على كرسي مرقس سنة 1054. ولا يجوز التكهن عند سكوت المصادر
الأولية. وإنّ لا أدري لَمِنَ العلم.!

 

يوحنا
متروبوليت كيف: ودخلت كنيسة روما في نزاع داخلي حول الخلافة فادعى اقليمس الثالث
حق تولي السدة ثلاثين عاماً (1070-1100) فخاصم كلا من غريغوريوس السابع وفيكتوريوس
الثاني واوريانوس الثاني. وحوالي السنة 1080 وفي عهد غريغوريوس السابع كتب اقليمس
الثالث رسالة إلى يوحنا الثاني متروبوليت كيّف راجياً تدخله في القسطنطينية
للاعتراف به بطريركاً وبابا على روما. وكانت كنيسة روسيا لا تزال خاضعة لرئاسة
البطريرك المسكوني وكان يوحنا رئيسها متربوليت كيّف يونانياً يمت بصلة إلى الشاعر
البيزنطي ثيودوروس بروذوموس. فكتب يوحنا الثاني إلى اقليمس الثالث يأسف لانحراف
روما عن قرارات المجامع المسكونية السبعة في أمر الفطير والصوم والمعمودية
والفيليوكِه ونصح إلى اقليمس أن يرسل من يمثله إلى القسطنطينية ليعلن انسجامه مع
التقليد القويم. وبعد ذلك بقليل كتب إلى يوحنا أحد أبنائه الروحيين راجياً تبيان
موقف المؤمن الروسي من الوثنيين واليهود واللاتين. فأجابه المتروبوليت بأنه لا
يجوز التناول مع من يقدس على الفطير أو مع أولئك الذين لا يطبقون قرارات المجامع
المسكونية في الصوم. ولكنه أجاز الاشتراك مع هؤلاء إذا أدى عدم الاشتراك إلى العداوة
والحقد. لم يشجع التزاوج مع اللاتين.

 

ثيوفيلاكتوس
متروبوليت أخريدة: وفي السنة 1090 كتب الشماس نيقولاوس القسطنطيني إلى ثيوفيلاكتوس
متروبوليت اخريدة يسأل رأيه في أخطاء اللاتين. وكان ثيوفيلاكتوس أعلم علماء زمانه
درس على بسلّوس في جامعة القسطنطينية وعني بتهذيب ميخائيل السابع ابن قسطنطين. ثم
اضطر أن يقبل التسقف على كنيسة أخريدة تنفيذاً لرغبة صديقه البطريرك المسكوني
نيقيفوروس الثالث وقياماً بواجب أرثوذكسي كبير نظراً للمشادة حول تبعية كنيسة
بلغاريا. وساءه تطرف الشماس نيقولاوس فكتب إليه يوجب الاعتدال والمحبة. وأكد أن
الاختلاف في الصوم والزواج وفي المعمودية لا يشكل خطأً مهماً. وقال أنه من المضحك
أن نقاطع اللاتين لأن اكليروسهم يحلق اللحى ويلبس الخواتم ويرتدي الأثواب الحريرية
الملونة. ولم يرَ في عدم زواج الكهنة خطيئة مميتة كما أنه لم يجد في الأسفار
المقدسة وقرارات المجامع السبعة ما يمنع التقديس على الفطير. وآلمه جداً أن يستمر
الروم في التفتيش عن أخطاء غيرهم وألا يعترفوا بإمكانية وقوعهم في مثل هذه
الأخطاء.

ولكن
ثيوفيلاكتوس خشيء أن يؤدي ادعاء روما بالسلطة على جميع الكنائس واستمساكها بهذا
الادعاء وخروجها عن قرارات المجامع المسكونية بإضافة الفيليوكِه إلى الدستور
المقدس، نقول خشي ثيوفلاكتوس أن يؤدي هذا كله إلى إنشقاق أليم. وعزى هذا العلامة
قول اللاتين بالانبثاق من الآب والابن إلى فقر في الاصطلاحات اللاهوتية اللاتينية
وأبان أن اللفظ اللاتيني للتعبير عن الانبثاق يشمل أربعة معانٍ يعبر عنها اليونان
بأربعة ألفاظ مختلفة. فإذا شاء اللاتين أن يحتفظوا بالفيليوكِه لأغراض تفسيرية
داخلية فلا ما نع شرط أن يذكروا دائماً أن هذا اللفظ لم يرد في الدستور المقدس
-الذي أقرته المجامع المسكونية- الذي يقول به جمهور المؤمنين.

ورأى
ثيوفيلاكتوس لمناسبة أخرى أن إدعاء روما بصحة قول لمجرد صدور هذا القول عن أسقفها
في ظرف رسمي ادعاء مردود “ولو تكلم البابا بصوت بطرس وهزَّ مفاتيح السماء في
وجوهنا”. وأضاف أنه من الهزء ببطرس أن نستند إلى السلطة المستمدة منه لنعلن
عقيدة لم تقرها مجامع الكنيسة.

ويتضح
مما تقدم أن ثيوفيلاكتوس لم يرَ الكنيسة الجامعة منشقة في السنة 1090 ولكنه خشي
إدعاء روما بالسلطة وقولها بالفيليوكِه ورجا ألا تتدخل الكنائس في شؤون بعضها
الداخلية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى