اللاهوت الروحي

21- ما هي الصلاة وكيف تكون؟



21- ما هي الصلاة وكيف تكون؟

21- ما هي الصلاة وكيف تكون؟

 في بدء السنة الجديدة وقف كثيرون يصلون، وارتفعت
أكف الضراعة إلى الله..

مقالات ذات صلة

 ووسط صلوات الكثيرين، نريد أن نتحدث اليوم عن
الصلاة: ما هي صلوات مقبولة، وأخرى غير مقبولة؟

 

وما شروط الصلوات
المقبولة؟

 إن الصلاة جزء من طبيعة الإنسان، كأنها غريزة..
ومن هنا كان جميع الناس يصلون.. حتى أن الوثنيين أيضاً يعرفون الصلاة.. إن القلب
بدون الله يشعر بفراغ كبير. فالله له وجود في حياتنا، ليس هو معتزلا عنا، يسميه
الكتاب المقدس: “عمانوئيل” أى الله معنا.. ونلاحظ أن الطفل يقبل فكرة
الله وفكرة الصلاة، بدون شرح، إنها فيه..

 

 إن قلنا إن الإنسان اجتماعى بطبعه، نستطيع أن
نطبق هذه القاعدة جسدياً وروحياً أيضاً.. فروح الإنسان تشتاق إلى الروح الكلى،
وتجد لذة في الالتقاء به والجلوس إليه..

 

 الصلاة إذن هي اشتياق إلى الله.. روح الإنسان
تشتاق إلى عشرة أخرى غير عشرة المادة.. وفى داخل كل منا اشتياق إلى غير المحدود.
واشتياق آخر إلى مثالية عالية غير موجودة في هذا العالم.. ومن هنا يلجأ الإنسان
إلى الله ليشبع شوقه الروحى..

 

 الصلاة هي أعمق ما في الروحيات.. هي تفرغ القلب
لله.. هي عمل الملائكة، وعمل الإنسان عندما يتشبه بالملائكة.. هي عمل النساك
والمتوحدين الذين تركوا كل شيء من أجل محبتهم لله، ووجدوا في هذه المحبة ما يكفيهم
وما يغنيهم.

 

 الصلاة هي راحة النفس. هي الميناء الهادئ الذي
ترسو عنده النفس بعيداً عن أمواج العالم المتلاطمة. الصلاة هي واحة خضراء في برية
العالم القاحلة.. هي الوقت الذي تلتقى فيه النفس بمن يريحها. تجد القلب الكبير
الذي تأتمنه على أسرارها وتستطيع أن تحدثه بكل صراحة عن متاعبها وعن ضعفاتها
وسقطاتها. وهى موقنة تماماً انه لن يحتقر سقوطها، بل يقابلها بكل حنو، ويعينها على
القيام، ويشجعها..

 

الصلاة هي خلوة النفس
مع الله، هي لقاء مع الله، لقاء حب. هي التصاق بالله. هي تلامس قلب الإنسان مع قلب
الله. هي تمتع النفس بالله.. وفى هذا قال داود النبى: “ذوقوا وانظروا ما أطيب
الرب”، وقال أيضاً: “أما أنا فخير لى الالتصاق بالرب”..

 

 الصلاة هي صلة بالله، وربما من هذا المعنى اشتق
اسمها.. وهكذا يكون الإنسان في حالة صلاة، إن وجدت هذه الصلة، وإن شعر بالوجود في
حضرة الله، وإن أحس القلب انه قائم فعلاً أمام الله، يتحدث إليه.. ليس المهم هو
طول الصلاة ونوع الكلام بقدر ما تتركز الأهمية في وجود صلة مع الله.. إن لم توجد
هذه الصلة لا يعتبر الإنسان مصلياً، مهما ركع ومهما سجد ومهما ظن انه كان يتحدث مع
الله.. إن اللمبات الكهربائية مهما كانت قوية وجميلة، فإنها تكون عديمة الفائدة ما
لم يسر فيها التيار.. هكذا الصلاة..

 

 الصلاة هي تقديس للنفس، هيرفع الفكر إلى الله،
ورفع القلب إلى الله. وعندما يرتفع الفكر إلى الله، يبعد عن المادة وعن محبتها
والإنشغال بها، ويكون في مستوى أعلى، في مستوى روحى، وهكذا يتطهر الفكر بالصلاة
ويتنقى، وكذلك القلب.. ويدخل كلاهما في جو آخر له سموه، يدخلان في عشرة الملائكة
وأرواح الأبرار. وبمثل هذه الصلاة تبطل الأفكار الرديئة، وتبطل طياشة الأفكار،
ويتجمع العقل في الله.

 

و بالصلاة يصل الإنسان
إلى ما يسميه القديسون”إستحياء الفكر” أى أن الفكر الذي تقديس بالصلاة
يستحى من التفكير في شيء ردئ. وهكذا يخجل الإنسان من أن يستضيف في ذهنه فكراً
شريرا في الموضع الذي كان يوجد فيه الله في العقل في وقت الصلاة.. وبهذا تساعد
الصلاة على حياة التوبة والنقاوة..

 

لكل هذا كانت الصلاة
رعباً للشياطين.. فالشياطين يخافون جداً من عمل الصلاة، ويرونه سعياً لإمدادات
إلهية ومعونات سماوية تصل إلى النفس، فتحطم قوى الشياطين التي تحاربها. لذلك فان
الشياطين تحاول بكل قوتها أن تعطل الإنسان عن عمل الصلاة، ونقصد الصلوات الروحية
التي تخيفهم.. أما الصلوات الفاترة أو السطحية فلا يهتم الشيطان بمقاومتها. إنها
لا تؤذيه..

 

إن الصلوات الروحية
تسبب حسد الشياطين وتذكرهم بما فقدوه. وتشعرهم بالدالة الموجودة بين الله والإنسان
فيتعبون.. ويحاولون أن يمنعوا الصلاة. فإذا أصر الإنسان على الصلاة، يحاول
الشياطين أن يشتتوا فكره، ويقدموا له تذكارات ومشاغل وأفكاراً ليجذبوه إلى شيء آخر
بعيداً عن الحديث مع الله.

 

الصلاة هي طعام الروح،
هي غذاء الملائكة. هي عاطفة مقدسة تغذى القلب.. بل في أثنائها قد ينسى الجسد أيضاً
طعامه، ولا يشعر بجوع. ومن هنا كان ارتباط الصوم بالصلاة. فعندما تتغذى الروح
بالصلاة. ويمكنها أن ترفع الجسد معها وتشغله عن التفكير في طعامه، وتعطيه طعاماً
آخر. وبهذا تستطيع الروح أن تحمل الحسد.. الصلاة هي حركة القلب ن حتى بدون كلام..
إن الصلاة ليست مجرد حديث فقد تكون خفقة القلب صلاة ن وقد تكون دمعة العين صلاة،
وقد يكون رفع البصر إلى فوق، أو رفع اليدين نوعاً آخر من لصلاة.. إن الله يفهم
اللغة التي نخاطبه بها خارج حدود الألفاظ، كالأب الذي يدرك مشاعر ابنه وطلباته دون
أن يتكلم.. وهكذا يقول داود النبى لله: “أنصت إلى دموعى”. ذلك لأن دموعه
كان لها صوت خفى يسمعه الله..

الصلاة هي تسليم حياتنا
لله، هي إشراكه في حياتنا، هي رفض من الإنسان أن يستقل بحياته بعيداً عن الله.
فبالصلاة نطلب من الله أن يتدخل في حياتنا، ويدبرها حسب مشيئته الصالحة الطوباوية،
معلنين في اتضاع أمام الله أننا لا نستطيع أن نعتمد على أذهاننا وحدها، واننا لا
نقدر أن نعمل شيئ

 

عن الصلاة شرف عظيم،
بها نصعد إلى الله، وبها نتلاقى معه، نحن التراب والرماد. وبالصلاة تتحول النفس
إلى سماء وتتمتع بالوجود في حضرة الله والعجيب أنه مع هذا الشرف العظيم الذي
للصلاة يمتنع البعض عن الصلاة، يمتنع التراب عن مخاطبة رب الأرباب خالق السماء
والأرض الكلى القدرة..

 

ليست الصلاة تفضلا منا
على الله، كما لو كنا نعطى الله شيئا من وقتنا أو من مشاعرنا. وليست هي ضريبة
يفرضها الله علينا. وليست هي عملاً نغصب عليه بأمر سماوى. كلا، إنما الصلاة هي أخذ
لا عطاء. بها نأخذ من الله بركات وعطايا ومواهب دون أن نعطيه شيئاً. وإن كنا نقدم
لله وقتاً أو نقدم له قلباً، فإنما لكي يملأ هذا القلب من محبته، ويقدس هذا الوقت
ببركته.. ان اعتقادنا الخاطئ في أن الصلاة إعطاء هو الذي يجعلنا في كبرياء وتمنع.
نقصر في أدائها، اقصد: نقصر في حق أنفسنا أولاً وقبل كل شيء، لأننا نحن المستفيدون
من الصلاة وليس الله. فلنحاول أن نصلى، لكي نأخذ بركة ومعونة، ولكى نتمتع بالله،
ولكى نتقدس قلوبنا وحياتنا كلها. وإن صلينا، ليتنا نعرف كيف نصلى، وكيف نخاطب الله
الذي له كل مجد وكرامة وعزة إلى الأبد آمين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى