اللاهوت الطقسي

(2) الذبائح فى خيمة الشهادة:



(2) الذبائح فى خيمة الشهادة:

(2) الذبائح فى
خيمة الشهادة:

فى مستهل سفر اللاويين نقرأ: “ودعا الرب
موسى وكلَّمه من خيمة الاجتماع” (لاويين 1: 1).
فالرب وجّه الكلام إلى
موسى هنا ليس من جبل سيناء الذى عليه أعطى الناموس، بل من خيمة الاجتماع التى
ملأها مجد الرب. وكلام الرب هنا ليس عن حفظ الناموس بل عن الإقتراب إليه على أساس
الذبيحة.أليس هذا عجيباً؟ أن يتكلم الله من مجده ليوضح الطريق الذى به يستطيع
الإنسان أن يقترب إليه ويُوَهَّل للإقامة فى ذلك المجد إلى الأبد؟!

وأعطى الرب موسى التعليمات الخاصة بالذبائح
المختلفة التى يجب تقديمها للرب فى الخيمة، وتتلخص فيما يأتى:

(أ) الذبائح المقدمة وقود رائحة سرور للرب:
(لاويين1: 1-3: 17)

وتشمل ذبيحة المحرقة وتقدمة القربان وذبيحة
السلامة
.

(ب) الذبائح المقدمة فى حال الخطأ السهو:
(لاويين 4: 1-6: 7)

وتشمل ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم.

وقبل أن ندخل فى تفاصيل هذه الذبائح يلزم أن
نستعرض المواصفات العامة لها التى كانت تشير إلى ذبيحة المسيح الواحدة التى أغنت
عن جميع هذه الذبائح.

فأول شىء يلزم أن نلاحظه
هو: إن الذبيحة التى لا يُؤتى بها إلى باب خيمة الاجتماع بل تُذبح خارجاً تُحسب
على ذلك الإنسان الذى ذبحها أنها سفك دم. والقصد من ذلك هو إعطاء الذبيحة قيمتها
الروحية الفائقة حتى يكون ذبحها لله فقط بغرض التكفير عن خطايا الإنسان.

كان الدم هو الختم الملكى الذى يتقدس به كل شىء
فيصير قدساً للرب، وبغيره لا يصير شىء مقدساً على الإطلاق..”وكل شىء
تقريباً
([1])
يتطهر حسب الناموس بالدم، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عبرانيين 9: 22)
،
والدم هو الحياة. كما ذكر الوحى “الدم هو الحياة” (تكوين 9:
4، تثنية 12: 23)
، “.. وكل نفس من بيت إسرائيل ومن الغرباء النازلين
فى وسطكم يأكل دماً أجعل وجهى ضد النفس الأكلة الدم وأقطعها من شعبها. لأن نفس
الجسد هى فى الدم. فأنا أعطيتك إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لأن الدم يكفّر
عن النفس”
(لاويين 17: 10و11).

إذاً سفك الدم معناه بذل الحياة والذى يقدم دمه
يقدم حياته. وهكذا يمكننا أن ندرك قيمة سفك دم المسيح ابن الله لأجل التكفير عن
حياة العالم كله.

ثانياً: لابد أن تكون الذبيحة
حيوانية غير عاقلة، أى غير قابلة للخطية والتعدى، لذلك أمكن أن تُوضع بديلاً عن
الخاطىء المعترف بخطيته (لاويين 5: 5) وبراءتها من الخطية براءة كاملة جعل
موتها معتبراً فدية أو ضحية حقيقية (تكوين 22: 13)، كذلك كان عدم قابليتها
للخطية إشارة رائعة إلى السيد المسيح الذى لم يخطىء قط، ولم يكن ممكناً أن يخطىء
قط، بسبب لاهوته الذى جعله معصوماً عن الخطأ عصمة كاملة.

لقد كان الحيوان المذبوح ليس خاطئاً، ولكنه حامل
خطية
،
وهكذا فإن المسيح حامل خطية وليس خاطئاً.. يقول الوحى الإلهى بلسان إشعياء
النبى: “كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وُضع عليه إثم
جميعنا”
(إشعياء 53: 6). وهكذا شهد يوحنا المعمدان عن المسيح “هوذا
حمل الله الذى يرفع خطية العالم” (يوحنا 1: 29).
لذلك أمكنه أن
“يحمل خطايانا فى جسده على الصليب” (بطرس الأولى 2: 24)
دون أن يكون
خاطئاً!! بل واستطاع أن يقال عنه إنه “صار خطية لأجلنا” (كورنثوس
الثانية 5: 21)
.

ثالثاً: كان يلزم أن تقدَّم
ذبائح كل يوم، ويُسفك دمها كل يوم، لأن فسادها الطبيعى كان يمنع دوام أثره!! لأنه
دم تيوس وعجول! فالحياة التى فيه أرضية مؤقتة. وكان تكرار سفكه كل يوم بمثابة إعتراف
بعدم نفعه “فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها”
(عبرانيين 7: 18)، وإشارة هامة إلى لزوم ذبيحة تبقى حية تقدم مرة واحدة “الذى
ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه ثم عن
خطايا الشعب، لأنه فعل هذا مرة واحدة، إذ قدم نفسه”
(عبرانيين 7: 27)،
فلا يمنعها الموت عن البقاء (عبرانيين 7: 23)، وإذ تظل كما هى حية يظل دمها
فعالاً إلى أبد الآبدين.

ولم تكن تنفع إلا صاحبها للتكفير عن خطايا السهو
فقط. وكانت لا تقوى إلا على طهارة الجسد فقط (عبرانيين 9: 13).

كان هذا التكرار الممل إشارة إلى عجزها وقصورها
عن تكميل الطهارة وتقديس الضمير، ودليلاً على الحاجة الماسة إلى ذبيحة واحدة كاملة
وقادرة أن تكمِّل ما عجزت عنه هذه الذبائح، تلك هى ذبيحة المسيح “دم
المسيح الذى بروح أزلى قدم نفسه لله بلا عيب، يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله
الحى”
(عبرانيين 9: 14).

رابعاً: كما يذكر سفر اللاويين
أنواعاً كثيرة من الذبائح تختلف طرائق تقديمها، مما يشتت ذهن القارىء لأول وهلة من
كثرة تفاصيلها، ولكنها تعكس فى الواقع طبيعة الخطية وتشعباتها وتعقيداتها وما
استلزم ذلك من ذبائح وتقدمات وطقوس كانت كلها إشارة إلى ذبيحة المسيح التى لم يكن
ممكناً قط أن يستوفى عملها ذبيحة واحدة أو طقس واحد من هذه الطقوس.

وفى هذا يقول القديس أفرام السريانى:

(السر الذى كان الخلاص مزمعاً به (أى يدل عليه)،
وهو هرق دم الإله المتجسد الذى هو وحده إنسان بلا عيب، بلا خطيئة، سبق بذلك عليه
وأشار إليه برموز وأمثال، حتى إذا جاء الخلاص الحقيقي بالذبيحة التى تقدر على خلاص
الخطاة، يعلم كل من يؤمن أن إليها كانت الإشارة والرموز)([2]).

خامساً: كانت خيمة الاجتماع
ملوثة بدم الذبائح ومعبقة برائحة الذبائح الحيوانية.. كان منظر الموت والدم والنار
ورائحة الدم والذبائح.. كل هذا كان يُجسِّم لبنى إسرائيل ما هى الخطية وبشاعتها
ونتائجها حتى يشمئزون منها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى