اللاهوت الدفاعي

هوت_دفاعى_عظمة_الكتاب_المقدس_وحفظ_الله_له_03[1].html



الرد الثالث

هل فقدت
التوراة منذ أيام موسى

وأعاد اليهود
كتابتها من الذاكرة؟

 

 ثم يتخطى سيادة الدكتور كل حدود الحقيقة والبحث
العلمي والمنطق ويقول زاعماً: ” يعترف العهد القديم بان توراة موسي قد
فقدت‏،‏ ولذلك اخذ اليهود يكتبون عنها من الذاكرة ما تناقله كل من الأجداد والآباء
للأحفاد والأبناء عبر أكثر من ثمانية قرون كاملة‏،‏ وذلك في زمن عزرا وقد استغرقت
كتابتها قرابة قرن من الزمان وبذلك اكتملت كتابتها عبر تسعمائة سنه “!! بل
والأغرب أنه يضع آيات قرآنية يخدع بها القاريء زاعما أنها تؤيد أكاذيبه ومزاعمه
الباطلة دون أن تكون لها أدنى صلة بالموضوع فيقول: “‏ ولذلك قال سبحانه في
اليهود‏:…‏ َمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ
لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ
فَاحْذَرُواْ…‏ ‏(‏المائده‏: 41)‏

 وقال عز من قائل‏: ‏ إِنَّا أَنزَلْنَا التوراة
فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ
لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن
كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ‏..‏ ‏(‏المائدة‏: 44)‏.

 ثم يكمل مزاعمه وادعاءاته الباطلة التي لا أساس
لها ولا أصل ولا دليل فيقول: ” ثم فقدت كتابات عزرا أيام اجتياح كل من
انطيوخس الثالث والرابع لأرض فلسطين في الفترة من‏198‏ ق‏.‏م إلى‏164‏ ق‏.‏م‏،‏ ثم
في استباحه هيرودوس الروماني الآدومي في الفترة من‏38‏ ق‏.‏م إلي‏4‏ ق‏.‏م‏
“!!

 ويستمر في ادعاءاته الكاذبة والباطلة والمفتراة
فيقول: ” وعند بعثه المسيح قام اليهود بحرق ما بقي بأيديهم من التوراة لإخفاء
البشارة بكل من نبوته ونبوه محمد صلي الله عليه وسلم وكرروا ذلك بعد بعثه خاتم
الأنبياء والمرسلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين لإخفاء البشارة ببعثته
الشريفة كذلك‏،‏ وصاغوا كتبا جديدة في القرن السابع الميلادي بأوامر من محفل
الشورى اليهودي‏.‏ وقد استمر التحريف فيها لأكثر من ثمانمائة سنه ولم تطبع إلا في
أواخر القرن الخامس عشر الميلادي تحت مسمي العهد القديم وهو مسمي من وضع البشر لان
الله تعالي لم ينزل كتابا بهذا الاسم‏.‏ وحتى هذا المؤلف ظل يتعرض للتحريف بعد
التحريف وللتعديل تلو التعديل‏،‏ وللإضافة والحذف إلي يومنا الراهن‏،‏ ولذلك قال
ربنا تبارك اسمه في اليهود‏:…‏ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ‏…‏
‏(‏المائدة‏: 13).‏

 وسنبرهن بالدليل العلمي والمنطق والوثيقة
والبرهان بطلان وكذب كل ما ادعاه بغير علم ولا دليل ولا منطق في النقطتين
التاليتين:

(1) كانت التوراة
محفوظة أيام موسى النبي: فعندما كتب موسى التوراة أو الأسفار الخمسة حسب وصية الله
له سلمها للكهنة واللاويين الذين كانوا يحفظون ما جاء بها قبل أن تكتب ووضعوها إلى
جوار تابوت العهد في خيمة الاجتماع ” وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة
بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب ولجميع شيوخ إسرائيل ” وقال لهم ” خذوا
كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدا عليكم

” (تث9: 31؛26). وكانت هي أساس ومصدر التعليم والشريعة التي سار بمقتضاها بنو
إسرائيل، الأنبياء والملوك والكهنة والشعب، وحفظوا ما جاء بها بناء على وصية الرب
وموسى النبي لهم والتي تكررت أكثر من 75 مرة في أسفار الخروج واللاويين والعدد
والتثنية. كما تأمر التوراة كل ملك من بنى إسرائيل ” عندما يجلس على كرسي
مملكته يكتب لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة اللاويين فتكون معه
ويقرا فيها كل أيام حياته لكي يتعلم أن يتقي الرب إلهه ويحفظ جميع كلمات هذه
الشريعة وهذه الفرائض ليعمل بها “
(تث18: 17،19).

 

 وكانت هذه التوراة مع يشوع بن نون تلميذ موسى
النبي والذي رآها وهى تكتب ” فقال الرب لموسى أكتب هذا تذكاراً في الكتاب
وضعه في مسامع يشوع
” (خر14: 17)، وبعد موت موسى النبي وتكليف الله ليشوع
لقيادة الشعب أوصاه الله بهذه الوصية قائلا ” إنما كن متشددا وتشجع جدا
لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي لا تمل عنها يمينا ولا
شمالا لكي تفلح حيثما تذهب لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهارا
وليلا لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لانك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح
(يش7: 1،8). وكان يحفظها بنو إسرائيل عن ظهر قلب. لذا يقول المؤرخ
والكاهن اليهودي يوسيفوس معاصر تلاميذ المسيح (36 – 100م) كانت هذه
النواميس محفورة في أرواحهم ومحفوظة في ذاكرتهم وكان لها سلطان أعظم بينهم وهذا ما
نعرفه مما كان عليهم وذلك لما يكابدوه إذا كسروها
(1).

 وكان داود النبي والملك يحفظ هذه التوراة عن ظهر
قلب بناء على وصية الله وكانت وصيته لأبنه سليمان هي ” احفظ شعائر الرب إلهك
إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى
لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت
” (1مل3: 2).

 وكانت التوراة موجودة في كل مراحل تاريخ أنبياء
إسرائيل، ولذا تتكرر في كتب الأنبياء عبارات مثل: ” حسب ما هو مكتوب في
سفر شريعة موسى
” (2مل 6: 14)، “ حسب كل شريعة موسى
(2مل25: 23)، ” حسب كل ما هو مكتوب في شريعة الرب التي أمر بها إسرائيل ” (1أى40: 16)، ” كما هو مكتوب
في شريعة موسى
بالفرح والغناء حسب أمر داود ” (2أى18: 23)، ”
كما هو مكتوب في الشريعة في سفر موسى حيث أمر الرب قائلا ” (2أى4:
25)، ” كناموس موسى رجل الله كان ” (2أى16: 30)، ” كما هو
مكتوب في شريعة الرب
” (2أى3: 31).

 وعندما توقف الكهنة عن قراءة أسفار موسى
الخمسة في الهيكل في أيام حكم الملوك الذين ارتدوا عن عبادة الله الحي وعبدوا
الأوثان مثل منسى (696 – 642 ق م) وآمون (642 – 640 ق م)، لم يترك الله نفسه بلا
شاهد فعند ترميم الهيكل أثناء حكم الملك يوشيا (640 – 609 ق م) وجد حلقيا الكاهن
هذه الأسفار في الهيكل وكانت سبباً في إصلاح عظيم (2مل 22). ويجمع العلماء على أن
هذه الأسفار التي وجدت في الهيكل هي هي نفس النسخة، الأصل، التي كتبها موسى النبي
نفسه بيده أو على أقل تقدير نسخة منقولة عنها مباشرة، وأن كانت الغالبية العظمى
ترى أنها نفس النسخة التي كتبها موسى النبي بنفسه.

 كما كانت توراة موسى النبي وجميع أسفار الأنبياء
الآخرين الذين أتوا حتى إرميا النبي، مع المسبيين في بابل وعلى رأسهم دانيال النبي
والفتية الثلاثة وحزقيال النبي، ويعبر دانيال النبي عن وجود هذه الكتب معه بقوله:
أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي
لكماله سبعين سنة على خراب أورشليم
” (دا2: 9 مع ار11: 25-12).

 وكان هؤلاء المسبيون في بابل متجمعين في منطقة
تل أبيب على نهر خابور (حز15: 3) وكان معهم كهنتهم وشيوخهم فأقاموا المجامع كبديل
للهيكل وذلك لتعليم كلمة الله والصلاة. وكانوا يحتفظون فيها بالأسفار المقدسة التي
كانوا يقرءونها في أيام السبت من كل أسبوع وفي الأعياد ويحفظون منها كلمة الله.
وكانت لهذه المجامع ترتيباتها الخاصة والتي تشمل قراءة ” الشما ” أي
التلاوة وهى الاعتراف بوحدانية الله وتتكون من (تثنية 4: 6-9؛13: 11-21؛عدد37:
15-41) وقراءة الناموس (أسفار موسى الخمسة) الذي كان منقسما إلى مائة وأربعة وخمسين
جزءاً تقرأ بالترتيب على ثلاث سنوات ثم قراءة جزء مناسب من أسفار الأنبياء. كما
كانت تقرأ في جميع المجامع التي انتشرت بين المسبيين كما انتشرت مع انتشار اليهود
في الشتات في بلاد كثيرة مثل عيلام وبارثيا وأرمينيا وميديا وأسيا الصغرى (تركيا)
ومصر، ويذكر سفر أعمال الرسل وجود المجامع بغزارة سواء في فلسطين أو في بلاد
العالم الأخرى؛ في دمشق (أع20: 9) وسلاميس بقبرص (أع5: 13) وبرجة وإنطاكية بيسيدية
(أع14: 13) وايقونية (أع1: 14) وبيرية (أع10: 17) وتسالونيكي (أع1: 17) وافسس
(أع19: 18) باليونان وآسيا الصغرى وروما…الخ. ويعبر القديس بطرس عن قراءة
التوراة في مئات المجامع في مدن كثيرة هذه بقوله أمام الرسل والمشايخ بأورشليم
لان موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به إذ يقرأ في المجامع
كل سبت “
(أع21: 15). وهذا يؤكد لنا وجود نسخ من الأسفار المقدسة في كل
مكان في العالم كان يوجد فيه اليهود ومجامعهم.

 وكانت التوراة مع المسبيين عند عودتهم من السبي
” الذين بنوا مذبح الهيكل ” ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب
في شريعة موسى
رجل الله ” (عز2: 3)، وكان معهم النبيان حجى وزكريا اللذان
أضاف الروح القدس سفرين آخرين بواسطتهما. وكان على رأس المجموعة الثانية العائدة
من السبي (458 ق م) عزرا الذي يصفه الكتاب بأنه ” كاتب ماهر في شريعة موسى
” (عز6: 7) و” الكاهن الكاتب كاتب كلام وصايا الرب وفرائضه
(عز11: 7) و” عزرا الكاهن كاتب شريعة اله السماء ” (عز12؛7)
والذي ” هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء
” (عز10: 7) وكان دارسا للأسفار المقدسة ومفسرها ومترجمها (شفوياً) إلى
الآرامية ورتب قراءة الناموس والأنبياء وأسس المجمع العظيم (السنهدرين) (نح8 – 10؛
المشنا 200 م). وتقول المشنا (ابوت 1: 1):

“أستلم
موسى الناموس من سيناء وسلمه ليشوع ويشوع سلمه للشيوخ والشيوخ سلموه للأنبياء
والأنبياء سلموه لرجال المجمع العظيم”.

 عزرا هذا وقف مع نحميا والمتعلمين في الشعب
واللاويين وقرأ التوراة أمام الشعب على مدى يوم كامل، يقول الكتاب: ” أجتمع كل الشعب كرجل واحد إلى الساحة التي أمام باب
الماء وقالوا لعزرا الكاتب أن يأتي بسفر شريعة موسى التي أمر بها
الرب إسرائيل. فأتى عزرا الكاتب بالشريعة أمام الجماعة من الرجال والنساء وكل فاهم
ما يسمع في اليوم الأول من الشهر السابع. وقرأ فيها أمام الساحة التي أمام باب
الماء من الصباح إلى نصف النهار أمام الرجال والنساء والفاهمين وكانت آذان كل
الشعب نحو سفر الشريعة… وفتح عزرا السفر أمام كل الشعب لأنه كان فوق كل الشعب
وعندما فتحه وقف كل الشعب… وقرأوا في السفر في شريعة الله ببيان وفسروا المعنى
وافهموهم القراءة
” (نح1: 1-8).

 وفي أيام المكابيين: حاول الملك السوري أنتيوخس (الرابع)
أبيفانس (175 -164 ق م)
أن يستأصل
الديانة اليهودية في فلسطين من جذورها فأصدر أمراً بتمزيق وحرق الأسفار المقدسة
ويقول سفر المكابيين ” وما وجدوه من أسفار الشريعة مزقوه وأحرقوه بالنار
وكل من وجد عنده سفر من العهد أو أتبع الشريعة كان يقتل بأمر الملك
” (1مك56:
1-57). ومع ذلك فلم ينجح لأن الأسفار المقدسة كانت موجودة في كل المجامع اليهودية
في دول كثيرة كان على رأسها مصر، كما كانت موجودة مع الغيورين من الشعب وقادته من
رجال الدين وغيرهم فاجتمعوا على المصفاة على بعد 13 كيلو من أورشليم
ونشروا الشريعة ” كما يقول سفر المكابيين
(1مك48: 3) ولما انتهت الحرب
يقول السفر ” جمع يهوذا
(المكابى) كل ما بعثر من الأسفار في الحرب
التي حدثت لنا وهو عندنا”.

 ومن أقوى الشهادات والأدلة، بعد العهد
الجديد، لعقيدة وحي أسفار العهد القديم وقانونيتها هو ما كتبه الكاهن والمؤرخ
اليهودي يوسيفوس الذي عاصر كرازة تلاميذ المسيح ودمار الهيكل سنة 70 م، والذي حصل
على نسخ الأسفار المقدسة، العهد القديم، الرسمية التي كانت محفوظة في الهيكل قبل
دماره مباشرة، بأذن من الإمبراطور الروماني تيطس، والتي ترجع بالقطع إلى أيام
زربابل وعزرا ونحميا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد. حيث يقول في كتابه ضد
ابيون (8: 1):

 لدينا فقط اثنان وعشرون كتابا تحتوى
على سجلات كل الأزمنة الماضية، والتي نؤمن حقا إنها إلهية. خمسة منها لموسى تحتوى
على نواميسه وتقاليد أصل الجنس البشرى حتى وفاته (موسى)… ومن موت موسى إلى حكم
ارتحشتا كتب الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى ما حدث في أيامهم في ثلاثة عشر كتابا
والكتب الأربعة الباقية تحتوى على ترانيم لله ومبادئ سلوكية لحياة البشر. ومن
ارتحشتا إلى زماننا كتب تاريخنا (كل الأشياء سجلت) ولكن لم يقم بنفس السلطان مع
أولئك الذين سبقوهم لأنه لم يكن هناك تعاقب حقيقي للأنبياء منذ ذلك الوقت
.

 ويوجد برهان عملي على كيفية معاملتنا لهذه
الكتب، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى الآن لم يجرؤ أحد أن يضيف إليها أو أن
يحذف شيئاً منها أو يغير أي شئ منها. بل أنه طبيعي لكل اليهود من يوم الميلاد
مباشرة يعتبرون هذه الكتب هي تعاليم
الله
ويثابرون فيها وإذا دعت الضرورة يموتون سعداء لأجلها
“.

 هذه الشهادة التي يشهدها هذا المؤرخ الذي يحمل
بين يديه النسخة الرسمية المعتمدة التي كانت في الهيكل، كما يشهد هو ذاته بذلك في
سيرة حياته، كافية وحدها لإبطال كل مزاعم وافتراضات ونظريات النقاد الماديين.

 وكما شهد الرب يسوع المسيح وتلاميذه للتوراة
ولجميع أسفار العهد القديم واقتبسوا منها 250 اقتباسا مباشرا وأشاروا إليها حوالي
2500 مرة فقد كانت بين أيدي جميع قادة الكنيسة الأولى وآبائها، الآباء الرسوليين
وخلفائهم وعلى سبيل المثال يقول مليتو أسقف ساردس (حوالي 170م) أنه ذهب إلى الشرق
ليعرف عدد الكتب التي يستخدمها اليهود في فلسطين، كما نقل عنه المؤرخ الكنسي
يوسابيوس ك4 ف11: 26 ثم يذكرهم كالآتي:

أسفار
موسى الخمسة… يشوع وقضاة وراعوث والملوك أربعة أسفار، أخبار الأيام سفران،
مزامير داود وأمثال سليمان وأيضا الحكمة والجامعة ونشيد الإنشاد وأيوب والأنبياء
وإشعيا وإرمياء، الأنبياء الاثنا عشر سفر واحد، دانيال وحزقيال وعزرا. ومن هذه
جعلت المجموعات التي قسمتها إلى ستة كتب
“.

 والسؤال الآن هو كيف يزعم الدكتور زغلول النجار
بغير علم ولا دليل ولا برهان أن التوراة فقدت أيام موسى النبي وأعيدت كتابتها في
أيام؟!! فما ذكرناه أعلاه وما ذكره كبار مفسري القرآن يكذبه جملة وتفصيلاً!!

(2) أما عن
استخدمه لقوله:
وَمِنْ
الَّذِينَ
هَادُوا سَمَّاعُونَ
لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ
يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ
يَقُولُونَ
إِنْ أُوتِيتُمْ
هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ
تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ”
(المائدة: 41)، وكأنها
تشير إلى فقدان التوراة وإعادة كتابتها أكثر من مرة، فقد جانبه الصواب أما عمدا،
وهذه مصيبة! أو جهلاً وهذا ما لا نتوقعه من عالم يفترض أنه قرأ عشرات التفاسير
للقرآن!! وها هو معنى هذه الآية بحسب ما جاء في تفاسير كبار المفسرين وكتب الحديث
النبوي والذي لا صلة على الإطلاق له بما قاله الدكتور!!

 يقول الرازي: “ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ
عَنْ مَوَاضِعِهِ “
أن المراد بالتحريف: إلقاء الشبه الباطلة،
والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل
اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في
زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح،

الثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي… ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا
خرجوا من عنده حرفوا كلامه
، المسألة الرابعة: ذكر الله تعالى ههنا: ”
عَن مَّوٰضِعِهِ ” وفي المائدة ” مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ ”
[المائدة: 41] والفرق أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة، فههنا قوله:
” يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ ” معناه: أنهم يذكرون
التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب
“.

 وهذا ما يؤكده القرطبي في تفسيره: ” يَتَأَوَّلُونَهُ
عَلَى غَيْر تَأْوِيله
، وَذَمَّهُمْ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ
يَفْعَلُونَهُ مُتَعَمِّدِينَ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ
وَإِبْرَاهِيم
النَّخَعِيّ ” الْكَلَام “، قَالَ
النَّحَّاس: و ” الْكَلِم ” فِي هَذَا أَوْلَى؛
لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُحَرِّفُونَ
كَلِمَ النَّبِيّ… أَوْ مَا عِنْدهمْ فِي التوراة وَلَيْسَ يُحَرِّفُونَ جَمِيع
الْكَلَام
وراعنا ذَكَرَ شَيْئًا آخَر مِنْ
جَهَالَات الْيَهُود وَالْمَقْصُود
نَهْي الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْل ذَلِكَ، وَحَقِيقَة ” رَاعِنَا ”
فِي اللُّغَة اِرْعَنَا وَلْنَرْعَك؛ لِأَنَّ
الْمُفَاعَلَة
مِنْ اِثْنَيْنِ؛ فَتَكُون مِنْ رَعَاك اللَّه، أَيْ اِحْفَظْنَا
وَلْنَحْفَظْك،
وَارْقُبْنَا وَلْنَرْقُبْك، وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ أَرْعِنَا
سَمْعَك؛
أَيْ فَرِّغْ سَمْعَك لِكَلَامِنَا
“.

 ويقول ابن كثير: ” ثُمَّ قَالَ تَعَالَى
” مِنْ الَّذِينَ هَادُوا ” مِنْ فِي
هَذَا لِبَيَانِ الْجِنْس
كَقَوْلِهِ ” فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ الْأَوْثَان
وَقَوْله
يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه أَيْ
يَتَأَوَّلُونَهُ
عَلَى غَيْر تَأْوِيله وَيُفَسِّرُونَهُ بِغَيْرِ مُرَاد اللَّه
عَزَّ
وَجَلَّ قَصْدًا مِنْهُمْ وَافْتِرَاء

وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا ” أَيْ سَمِعْنَا مَا قُلْته يَا مُحَمَّد وَلَا
نُطِيعك فِيهِ هَكَذَا فَسَّرَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَهُوَ الْمُرَاد وَهَذَا
أَبْلَغ فِي كُفْرهمْ وَعِنَادهمْ
وَأَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ
عَنْ كِتَاب اللَّه بَعْدَمَا عَقَلُوهُ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ مَا عَلَيْهِمْ
فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة”.

(3) كما
نسأل فضيلة الدكتور من أين جاء بقوله: ” وعند بعثه المسيح قام اليهود بحرق ما
بقي بأيديهم من التوراة لإخفاء البشارة بكل من نبوته ونبوه محمد صلي الله عليه
وسلم وكرروا ذلك بعد بعثه خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله وسلم وبارك عليه
وعليهم أجمعين لإخفاء البشارة ببعثته الشريفة كذلك‏،‏ وصاغوا كتبا جديدة في القرن
السابع الميلادي بأوامر من محفل الشورى اليهودي “!!! فقد كانت التوراة في
الهيكل في أورشليم والمجامع في كل دول حوض البحر المتوسط على الأقل كما كانت مع
المسيح وتلاميذه، كما بينّّا وكما أكد القرآن، كما قام اليهود بعمل ثلاث ترجمات
لها إلى اليونانية في القرن الثاني الميلادي، وهي ترجمات أكويلا وسيماخوس
وثيودوتون؟؟!! كما وجد العلماء عشرات النسخ للتوراة في جبال قمران في منطقة البحر
الميت سنة 1945م وترجع للقرون الثلاثة قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، والتي
تطابقت نصوصها مع مخطوطة ليننجراد والمكتوبة سنة 996م بالكلمة والحرف. وكيف يحرفها
اليهود وهي بين يدي المسيحيين؟! أم بحسب نظرية المؤامرة التي يتبعها سيادته!! يرى
أن كل مسيحيي ويهود العالم متآمرين ضد كتابهم المقدس!!

 وأين
هي الكتب التي تدعي سيادتكم أنهم صاغوها في القرن السابع الميلادي بأوامر من محفل
الشورى اليهودي!! ليتك تدلنا عليها، ونحن نقدم لك جزيل الشكر على هذا المعروف!!!

 ولكن قبل أن نشكر سيادتكم نقدم لك الحقيقة التي
غابت عن فكركم وهي أن أخر مجمع شهير خاص بأسفار الكتاب المقدس عقده اليهود هو مجمع
يامنيا أو
Jamnia أو يمنه (– Yavneיַבְנֶהيبنه)
سنة 90م(2)
بعد دمار أورشليم وصار بديلا لسنهدرين أورشليم اليهودي وقد عقد للتأكيد على
قانونية أسفار العهد القديم ولشرح قانونية الكتابات وهي التقسيم الثالث لأسفار
العهد القديم عند اليهود(3)،
والتي تسمى بالكتابات ” الكتوبيم –
כתוביםketuvim“،
والتي تتكون من أسفار أيوب والمزامير والجامعة والأمثال ونشيد الأنشاد وأخبار
الأيام وعزرا ونحميا، والتي كان كتابها الذين كتبوها بالروح القدس يعملون في وظائف
مدنية إلى جانب موهبة النبوة التي أعطيت لهم، تمييزا لهم عن بقية الأسفار التي
كتبها الأنبياء الذين كانوا مكرسين ومتفرغين فقط لرسالتهم النبوية. وكان من أسباب
انعقاد هذا المجمع أيضاً قيام اليهود مرة أخرى لمواجهة الانتشار المسيحي القوي بين
اليهود ودخول الكثيرين منهم للإيمان المسيحي فأرادوا أن يوقفوا هذه الحملة بأي شكل
من الأشكال عن طريق تشكيك المسيحيين في الأسفار المقدسة التي يستخدمونها في
تبشيرهم وكنائسهم الممتدة عن طريق تشكيكهم في الترجمة السبعينية المستخدمة والواسعة
الانتشار آنذاك للدعوة على حث اليهود لمناهضة المسيحيين قولا وفعلا باضطهاد هؤلاء
المسيحيين الكفرة كما أسموهم والدعاء عليهم باللعنة في بركة خاصة وضعوها ضمن
البركات الثماني عشرة التي تتلى في صلاتهم والتي ألّفها وكتبها الفقيه صموئيل
الصغير بتكليف من الفقيه غيمالائيل الثاني فقررها هذا المجمع اللصوصي وأضافها على
صلواتهم. وكان من أهم توصيات المجمع:

1- يحرم على اليهودي مشاركة المسيحيين
والناصريين (نصف يهود ونصف مسيحيين وقد قاومهم المسيحيين واليهود وطردوهم من
كنائسهم ومجامعهم) في أكل خبز أو لحم أو شرب خمر أو ماء.

2 – تُحرق لفائف الشريعة أو عصائب التفلين (علبة
جلد صغيرة يضعها اليهودي على رأسه عند الصلاة) أو الميزوزاه (أجزاء من سفر التثنية
تكتب كلفافة صغيرة وتوضع عند قوائم الأبواب في بيت اليهودي لتذكيره بالشريعة عند الدخول
والخروج أو لتذكيره بالدم على قوائم الأبواب عند الخروج من مصر) التي يكتبها مسيحي
حرقا تاما.

3 – الحيوان الذي يذبحه مسيحي هو حيوان نجس يحرم
أكله.

4 – أقرباء المسيحي الكافر لا يحق لهم إظهار
شفقة أو رحمة أو تعاطف إذا مات بل عليهم الفرح والغناء والاحتفال ببهجة عند موته
البغيض.

5 – لا تقبل شهادة مسيحي في المحاكم اليهودية في
أية مدينة.

6 – أي إسرائيلي يجد أي شيء لمسيحي فمحرم عليه
أن يرجعه له ثانية.

7 – التوصية بإصدار ترجمات يونانية جديدة للعهد
القديم بدلا من الترجمة السبعينية التي يعتمد عليها المسيحيون في تبشيرهم وإعطاء
هذه الترجمات الجديدة مسحة تفسيرية خاصة في الآيات والنبوات التي تتكلم عن المسيح.

8 – التوصية
بتدوين التقليد اليهودي المتوارث حفظا من الضياع خاصة بعد دمار الهيكل(4).

 وذلك إلى جانب تحذير اليهود من الإيمان بأسفار
العهد الجديد كجزء من قانون أسفار

التوارة
والأنبياء والكتب لئلا يتحولوا إلى المسيحية. واستمر ذلك حتى سنة 135م بعد انتقال
السنهدرين من يامنيا أو يمنه إلى مدينة أوشا (
Usha) شمال الجليل.

 ويقول سيادته: ” الله الذي أنزل صحف
إبراهيم وأنزل التوراة وأنزل الزبور وأنزل الإنجيل وأنزل القرآن الكريم لم ينزل
كتابا اسمه العهد القديم ولم ينزل كتابا اسمه العهد الجديد، هذه كلها كتب منحولة
مفتراة على الله سبحانه وتعالى لا علاقة لها بالوحي السماوي الذي جاء بهذه
الأديان. أما القرآن الكريم فنحن نعلم متى نزل وأين نزل ومن كاتب كل آية من الآيات
هم ينقلون عن ترجمة من اللغة اليونانية القديمة وهي لغة لم يتحدثها السيد المسيح
عليه السلام ولا أي من أتباعه ولذلك أقدم نسخة من الأناجيل عندهم ترجمة القرن
السابع عشر الميلادي بعد ألف وستمائة سنة من رفع المسيح عليه السلام، أي حجية لهذا
الكلام “!!!!

 وهنا يتضح لنا عدم معرفة الدكتور زغلول النجار
بكل علوم الكتاب المقدس وما يتصل به ومن هنا يتكلم كلام عشوائي جزافي يلعب فيه
الخيال دورا كبيرا بلا دليل أو برهان!! ونقول له يا فضيلة الدكتور كان يجب عليك أن
تدرس أولا الكتاب المقدس وعلومه قبل أن تورط نفسك ومستمعيك وقرائك في أخطاء لا
تصدر لا من عالم ولا طالب ممن يدرسون الدين المقارن في الجامعات الدينية!!

 أولا: فاللغة اليونانية كانت لغة الحديث
في معظم دول حوض المتوسط خاصة البلاد التي تطل على سواحل البحر، وكان تلاميذ
المسيح يتكلمون اليونانية مثل غيرهم من الذين عاشوا في فلسطين بل والأهم من ذلك
أنهم كانوا مزودين بقوة الروح القدس الذي أعطاهم موهبة التكلم بألسنة والدليل على
ذلك ما حدث يوم الخمسين، حيث يقول الكتاب: ” ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع
معا بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث
كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم.
وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم
الروح أن ينطقوا
وكان يهود رجال أتقياء من كل امة تحت السماء ساكنين في
أورشليم. فلما صار هذا الصوت اجتمع الجمهور وتحيّروا لان كل واحد كان يسمعهم
يتكلمون بلغته
. فبهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أترى ليس
جميع
هؤلاء المتكلمين جليلين. فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها.
فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس
واسيا وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون
المستوطنون يهود ودخلاء كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله ”
(أع2: 1 -11).

 ثانياً: وعن قوله ” أقدم
نسخة من الأناجيل عندهم ترجمة القرن السابع عشر الميلادي “!! فهذا يدل على
جهل فاضح فأقدم جزء من العهد القديم لدينا يرجع لما قبل المسيح للقرن الثالث قبل
الميلاد ولدينا ألاف المخطوطات التي ترجع للقرون الثلاثة السابقة للميلاد وما بعد
الميلاد. ولأننا لا نقول كلاماً عشوائيا نقدم هنا الدليل تفصيلياً.

 

(1)Antiquities
of the Jews.4: 8.

(3)Robert
C. Newman The Council of Jamnia and the Old Testament

(3)Anchor Bible Dictionary Vol. III, pp. 634-7. The New York 1992.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى