اللاهوت الدفاعي

الفصل الحادي عشر



الفصل الحادي عشر

الفصل الحادي عشر

الإنجيل هدى ونور

 

وَآتَيْنَاهُ
الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى

وَنُورٌ “


وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ
الإِنجِيلِ
بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيه
ِ “

 بينا
سابقاً استحالة التحريف اللفظي في التوراة، بمعنى استحالة حذف أو إضافة أو تعديل
أو تغير حرف أو كلمة أو آية أو فقرة أو أي جزء منها وأنها كانت، سواء أيام عزرا أو
أيام المسيح أو أيام نبي المسلمين، سليمة كما دونها موسى النبي بالروح القدس. وأن
التحريف الذي قصده القرآن، في التوراة، هو تأويل المعنى أو التفسير على غير المعنى
الصحيح، فقد كان اليهود يقرءون التوراة بالعبرية ويفسرونها للمسلمين باللغة
العربية ولذا فقد كانوا يخفون بعض المعاني الحقيقة عنهم، بل ويخفون بعض الآيات مثل
آية الرجم، أو بلي اللسان وسب نبي المسلمين مثل تحويلهم لقوله ” راعنا ”
التي تعني ارعانا، إلى ” رعناً ” أي يا ارعن! وسب المسلمين بقولهم
” السأم عليكم ” بدلا من ” السلام عليكم “!!

 أما تهمة
التحريف بجميع معانيه سواء المعنوية أو اللفظية أو غيرها 00 الخ فلم تطلق على
الإنجيل مطلقاً، ونتحدى أن يثبت لنا أحد عكس ذلك، بل والغريب أنه عندما جاء القرآن
في القرن السابع وبعد مرور ستة قرون على انتشار الإنجيل كما كتبه التلاميذ الأربعة
وبقية رسل المسيح بالروح القدس، لم يقل أن الإنجيل الأصلي فُقد وأن هذه الأناجيل
ليست هي الإنجيل الذي نزل على المسيح، بل تكلم عن الإنجيل الذي كان موجوداً بالفعل
مع المسيحيين، النصارى، في أيامه الذي فيه هدى ونور، وطلب من المسيحيين أن يحكموا
بما جاء فيه، ويقول أن الله جعل في قلوبهم رأفة ورحمة:

1 الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ:

 وردت
كلمة الإنجيل في القرآن 12 مرة،

وكلها تتكلم عنه باعتباره المنزّل من عند الله هدى ونور، بل وأشار إلى
أحد الأمثال الموجودة
فيه،
وقد بينا ذلك في الآيات التي شرحناها مرتبطة بالتوراة. وفيما يلي بعض هذه الآيات:

¯ هدى للناس
” نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
وَأَنْزَلَ
التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ. مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ

وَأَنْزَلَ
الْفُرْقَانَ
” (آل عمران: 3و4).

¯ تعليم
المسيح الكامل “وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ
وَالإِنجِيلَ
“(آل عمران: 48).

¯ نزول التوراة والإنجيل من عند الله ” يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ
تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ
إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (آل عمران: 65).

¯ هُدًى وَنُورٌ: “ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ
وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنْ التَّوْرَاةِ
وَهُدًى وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ (المائدة: 46).

¯ بركات تطبيق التوراة والإنجيل في حياة المؤمنين من
النصارى واليهود ” وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ
وَالإِنجِيلَ
وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
لَأَكَلُوا
مِنْ فَوْقِهِمْ
وَمِنْ
تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا
يَعْمَلُونَ (المائدة: 66).

¯ نزول التوراة والإنجيل من عند الله قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ
وَالإِنجِيلَ
وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ

(المائدة: 68).

¯ تأييد المسيح بكل العلوم والمعجزات ” إِذْ
قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ
إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ
تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ
وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ
وَالإِنجِيلَ
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ
بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ
وَالأَبْرَصَ
بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ
عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ
مُبِينٌ ” (المائدة: 110).

¯ ” مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ
مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا
سُجَّدًا يَبْتَغُونَ
فَضْلاً
مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ
السُّجُودِ ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ
يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ” (الفتح: 29). وهنا يشير إلى موضوع مثل
الزارع الموجود في الإنجيل (لو5: 8-15).

& قال الرازي أنه تعالى وصف الإنجيل
بصفات خمسة فقال: ” فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ

“.

& وجاء في تفسير ابن عباس ” وَقَفَّيْنَا
” أتبعنا وأردفنا ” عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ
مَرْيَمَ مُصَدِّقاً ” موافقاً ” لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
ٱلتَوْرَاةِ ” بالتوحيد وبعض الشرائع
وَآتَيْنَاهُ
” أعطيناه ” ٱلإِنجِيلَ فِيهِ ” في الإنجيل ” هُدًى
” من الضلالة ” وَنُورٌ ” بيان
الرجم ” وَمُصَدِّقاً
” موافقاً ” لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ ”
بالتوحيد والرجم
وَهُدًى” من الضلالة ” وَمَوْعِظَةً
” نهياً ” لِّلْمُتَّقِينَ ” الكفر والشرك والفواحش ”
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ ” ولكي يبين أهل الإنجيل ” بِمَآ
أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ ” بما بيَّن الله في الإنجيل
“.

& وقال البقاعي: ” وآتيناه الإنجيل ” أي
أنزلناه بعظمتنا عليه كما أنزلنا التوراة على موسى عليه السلام
… ولما كان
في الإنجيل المحكم الذي يفهمه كل أحد، والمتشابه الذي لا يفهمه إلا الأفراد من خلص
العباد، ولا يقف بَعدَ فهمه عند حدوده إلا المتقون، قال مبيناً لحاله: ” فيه
” أي آتيناه إياه بحكمتنا وعظمتنا كائناً فيه ” هدى ” أي وهو
المحكم، يهتدي به كل أحد سمعه إلى صراط مستقيم ” ونور ” أي حسن بيان
كاشف للمشكلات
“.

& وقال مقاتل بن سليمان: ” وَآتَيْنَاهُ
ٱلإِنجِيلَ “، يعنى أعطينا عيسى الإنجيل، ” فيهِ هُدًى ”
من الضلالة، ” وَنُورٌ ” من الظلمة، ” وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ “، يقول: الإنجيل يصدق التوراة، ” وَ
” الإنجيل ” وَهُدًى ” من الضلالة، ” وَمَوْعِظَةً ” من
الجهل، ” لِّلْمُتَّقِينَ
” [آية: 46] الشرك “.

2 وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ
اللّهُ فِيهِ
:

 ويطلب
القرآن من معاصريه من النصارى أن يحكموا بما جاء في الإنجيل! ولو كان هناك أي شبهه
أو قول بتحريفه لما طلب منهم ذلك، وإلا كيف يطلب منهم أن يحتكموا بكتاب محرف؟!

¯ وَلْيَحْكُمْ
أَهْلُ الإِنجِيلِ
بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا
أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” (المائدة 46).

 وهو هنا
يخاطبهم بصيغة الأمر ” وليحكم “، أي ليحكموا بما معهم،
بالإنجيل الموجود معهم ومعه في تلك اللحظة وفي ذلك الوقت!!

& قال الطبرسي: ” وليحكم أهل الإنجيل هذا
أمر لهم
. وقيل في معناه قولان أحدهما: إن تقديره وقلنا ليحكم أهل الإنجيل،
فيكون على حكاية ما فرض عليهم … وقيل: إن من للجزاء أي من لم يحكم من المكلفين،
بما أنزل الله، فهو فاسق “.

& وقال ابن كثير ” وقوله تعالى: ”
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ …
وآتيناه الإنجيل ليحكم، أهل ملته به في زمانهم، وقرىء: وَلْيَحْكُمْ
“، بالجزم على أن اللام لام الأمر،
أي: ليؤمنوا بجميع ما فيه،
وليقيموا ما أمروا به فيه “.

& وقال الشوكاني: ” قوله: ” وَلْيَحْكُمْ
أَهْلُ ٱلإنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ ” هذا أمر
لأهل الإنجيل
بأن يحكموا بما أنزل الله فيه
“.

& وقال السمرقندي: ” ثم قال: ”
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإنجِيلِ … أمرهم الله تعالى أن
يحكموا
بما في الإنجيل
. ثم قال: ” وَمَن لَّمْ
يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ ” يعني: في الإنجيل وكان حكمهم العفو،
” فَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ ” يعني: العاصين “.

& وقال البغوي: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ
ٱلإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ … قال مقاتل بن حيان: أمر
الله
الربانيين والأحبار أن يحكموا بما في التوراة، وأمر القسيسين
والرهبان أن يحكموا بما في الإنجيل
“.

& وقال ابن عطية: ” والمعنى وآتيناه
الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق ليحكم أهله بما أنزل الله فيه، وقرأ باقي
السبعة ” ولْيحكم ” بسكون اللام التي هي لام الأمر وجزم الفعل.
ومعنى أمره لهم بالحكم أي هكذا يجب عليهم
.

& وقال ابن الجوزي: ” وليحكم أهل الإِنجيل
” … وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه. وقرأ الأعمش،
وحمزة بكسر اللام، وفتح الميم على معنى ” كي ” فكأنه قال: وآتيناه
الإِنجيل لكي يحكم أهل الإِنجيل بما أنزل الله فيه “
.

& وقال الخازن: “ قوله وليحكم يحتمل
وجهين: أحدهما أن يكون المعنى وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، فيكون هذا إخباراً عما فرض
عليهم في وقت إنزاله عليهم من الحكم بما تضمنه الإنجيل ثم حذف القول لأن ما قبله
من قوله وكتبنا وقفينا يدل عليه وحذف القول كثير. والوجه الثاني: أن يكون قوله
وليحكم ابتداء وفيه أمر للنصارى بالحكم بما في كتابهم وهو الإنجيل
“.

& وقال مقاتل بن سليمان: ” وَلْيَحْكُمْ
أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ ” من الأحبار والرهبان، ” بِمَآ أَنزَلَ
ٱللَّهُ فِيهِ “، يعنى في الإنجيل من العفو عن القاتل أو الجارح
والضارب، ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ” في
الإنجيل من العفو واقتص من القاتل والجارح والضارب، ” فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ
ٱلْفَاسِقُونَ ” [آية: 47]، يعنى العاصين لله عز وجل “.

3 وشهد للحواريون تلاميذ المسيح بأنهم
أنصار الله:

 كما
تكلم القرآن عن الحواريين تلاميذه المسيح ورسله باعتبارهم أنصار الله وأنهم آمنوا
بالمسيح وصدقوه وكانوا شهوداً على معجزاته وأعماله التي صنعها أمامهم ودافعوا عن
هذا الإيمان حيث يقول:

¯ ” فَلَمَّا
أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ
آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” (آل عمران 51و52)
.

¯ ” يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ
فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى
عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ” (الصف 13).

& قال القرطبي ” قال الحواريون نحن أنصار الله
” أي أنصار نبيه ودينه.

والحواريون
أصحاب عيسى عليه السلام، وكانوا اثني عشر رجلا ؛ قاله الكلبي وأبو رَوْق. واختلف
في تسميتهم بذلك ؛ فقال ابن عباس: سموا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا صيادين … وأصل
الحَوَر في اللغة البياض، وحورت الثياب بيضتها، والحُوَّارَى من الطعام ما حُوّر،
أي بيض، واحْوَرّ ابيضَّ، والجَفْنَة المحوّرة: المبيضة بالسنام، والحواري أيضا
الناصر “.

& وقال الجلالين ” أعوان دينه وهم أصفياء عيسى
أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص … والحواريون
أصفياء عيسى وهم أول من آمن به وكانوا إثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص
وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها”.

& وقال الطبري ” وأما الحواريون، فإن أهل
التأويل اختلفوا في السبب الذي من أجله سموا حواريون، فقال بعضهم: سموا بذلك لبياض
ثيابهم. ذكر من قال ذلك: وقال أيضاً ” قد كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد
على كتابه وحقه “.

 وأيضاً
” قالوا: نحن أنصار الله على ما بعث به أنبياءه من الحق “.

& وجاء في مختصر ابن كثير ” الحواريون … هم
أتباع عيسى عليه السلام ” نحن أنصار اللّه ” أي نحن أنصارك على ما
أرسلت به، وموازروك على ذلك
“.

& وقال ابن كثير ” نَحْنُ أَنْصَارُ
ٱللَّهِ ” أي أنصار دينه ورسوله. وحواريّ الرجل: صفوته وخالصته …
وإنما طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيداً لإيمانهم، لأنّ الرسل يشهدون يوم
القيامة لقومهم وعليهم ” مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ ” مع الأنبياء
الذين يشهدون لأممهم أو مع الذين يشهدون بالوحدانية
“.

& وقال الطبرسي ” الحواريون أصفياء عيسى،
وكانوا اثني عشر رجلا. وقال عبد الله بن المبارك: سموا حواريين لأنهم كانوا
نورانيين، عليهم أثر العبادة ونورها وحسنها،
كما قال تعالى: سيماهم
في وجوههم من أثر السجود [الفتح: 29]. ” نحن أنصار الله ”
معناه: نحن أعوان الله على الكافرين من قومك “.

& وقال الرازي ” الحواري أصله من الحور، وهو
شدة البياض، ومنه قيل للدقيق حواري، ومنه الأحور، والحور نقاء بياض العين، وحورت
الثياب: بيضتها، وعلى هذا القول اختلفوا في سبب تسميتهم بهذا الاسم؟ فقال سعيد بن
جبير: لبياض ثيابهم، وقيل كانوا قصارين، يبيضون الثياب، وقيل لأن قلوبهم كانت
نقية طاهرة من كل نفاق وريبة فسموا بذلك مدحاً لهم، وإشارة إلى نقاء قلوبهم،
كالثوب الأبيض
، وهذا كما يقال فلان نقي الجيب، طاهر الذيل، إذا كان بعيداً عن
الأفعال الذميمة، وفلان دنس الثياب: إذا كان مقدماً على ما لا ينبغي … أما قوله
” آمنا بِٱللَّهِ ” فهذا يجري مجرى ذكر العلة، والمعنى يجب علينا
أن نكون من أنصار الله، لأجل أنا آمنا بالله، فإن الإيمان بالله يوجب نصرة دين
الله، والذب عن أوليائه، والمحاربة مع أعدائه “.

4 وشهد للحواريين بأن الله يوحي إليهم:

 وقال
القرآن أن الله كان يوحي إليهم كما أوحى إلى الأنبياء ” إِنَّا أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ
وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ” (النساء: 163). فقد أوحى إليهم أن يؤمنوا
بالمسيح كما كانوا شهوداًَ لأعماله ومن ثم فقد دونوها في الإنجيل بوحي الروح القدس.

¯ وَإِذْ
أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي
قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ
. إِذْ قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن
يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ
قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِن
الشَّاهِدِينَ
” (‏المائدة 110 – 113).

& قال الرازي ” وقد تقدم تفسير الوَحْي. فمن
قال إنهم كانوا أنبياء قال ذلك الوحي هو الوحي الذي يوحى إلى الأنبياء
.
ومن قال إنهم ما كانوا أنبياء، قال: المراد بذلك الوحي الإلهام والالقاء في
القلب
كما في قوله تعالى: ” وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ
مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ” [القصص: 7] وقوله
” وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ ”
[النحل: 68] وإنما ذكر هذا في معرض تعديد النعم لأن صيرورة الإنسان مقبول القول
عند الناس محبوباً في قلوبهم من أعظم نعم الله على الإنسان. وذكر تعالى أنه لما
ألقى ذلك الوحي في قلوبهم
، آمنوا وأسلموا وإنما قدم ذكر الإيمان على الإسلام،
لأن الإيمان صفة القلب والإسلام عبارة عن الانقياد والخضوع في الظاهر، يعني آمنوا
بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم “.

& وقال الشوكاني ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى
ٱلْحَوَارِيّينَ ” يقول قذفت في قلوبهم. وأخرج عبد بن حميد عن
قتادة نحوه “.

& وقال الجلالين ” أمرتهم على لسانه
” أن ” أي بأن ” ءَامِنُوا بِى وَبِرَسُولِى ” عيسى ”
قَالُواْ ءَامَنَّا ” بك وبرسولك “.

& وقال ابن كثير ” أوْحَيْتُ إِلَى
ٱلْحَوَارِيّينَ ” أمرتهم على ألسنة الرسل “.

& وقال ابن عباس في تفسيره ” وَإِذْ
أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ ” ألهمت الحواريين
القصارين وهم اثنا عشر رجلاً ” أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ” عيسى
” قَالُوۤاْ آمَنَّا ” بك وبرسولك عيسى ” وَٱشْهَدْ
” أنت يا عيسى وشهد بعضهم على بعض ” بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ”
مخلصون بالعبادة والتوحيد “.

& وقال النسفي ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ ” ألهمت
” إِلَى ٱلْحَوَارِيّينَ ” الخواص أو الأصفياء ” أن آمنوا
” أي آمنوا ” بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون ” أي اشهد
بأننا مخلصون من أسلم وجهه “.

& وقال السمرقندي ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى
ٱلْحَوَارِيّينَ ” يعني: ألهمتهم وألقيت في قلوبهم.
ويقال: أوحيت إلى عيسى ليبلغ الحواريين: ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ”
يعني: صدقوا بتوحيدي ” وَبِرَسُولِى ” فلما أبلغهم الرسالة ”
قَالُواْ ءامَنَّا ” يقول: صدقنا بهما ” وَٱشْهَدْ ” يا عيسى
” بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ” أي: مقرون. ويقال: هذا معطوف على أول
الكلام. إذ قال الله يا عيسى. وقال له أيضاً: ” وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى
ٱلْحَوَارِيّينَ ” يعني: ألهمتهم “.

 فهل
يمكن أن يتكلم
القرآن
بهذا الأسلوب عن كتاب محرف أو من تأليف البشر؟ وإذا كان قد تكلم عن الحواريين
باعتبارهم أنصار الله الذين آمنوا بالمسيح بناء على وحي من الله ذاته، وأنهم كانوا
شهوداً للمسيح، فهل يمكن أن يقال أن هؤلاء الرجال الموحى إليهم قد
جمعوا
ودونوا الإنجيل بدون وحي؟!! يقول البعض أن كلمة وحي الخاصة بالحواريين لا تعني
الوحي بمعنى الوحي مثلما نقول وحي الإنجيل أو وحي القرآن، إنما مثلها مثل قوله
” وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ
عَلَيْهِ
فَأَلْقِيهِ
فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ
إِلَيْكِ
وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ” (القصص: 7). حسناً، والذي أوحي إليهم
بالإيمان به وبرسوله يتركهم يجمعون الإنجيل ولا يوحي إليها بما هو صواب وما هو
خطأ؟!!

5 شهادة القرآن لتقوى المسيحيين ورأفتهم
ورحمتهم:

(1)
أهل الرأفة والرحمة ” ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا
وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا
فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً
” (الحديد
26).

& جاء في مختصر ابن كثير ” ثم قفينا على
آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل ” وهو الكتاب الذي أوحاه
اللّه إليه، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ” وهم الحواريون ” رأفة ”
أي رقة وهي الخشية ” ورحمة ” بالخلق “.

& وقال السمرقندي ” وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ
ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ ” يعني: الذين آمنوا به، وصدقوه، واتبعوا
دينه، ” رَأْفَةً وَرَحْمَةً ” يعني: المودة. والمتوادين الذين يود
بعضهم بعضاً.
ويقال: الرأفة على أهل دينهم، يرحم بعضهم بعضاً، وهم الذين كانوا
على دين عيسى “.

(2)
الأقرب في المودة ” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ
آمَنُوا
الْيَهُودَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا

وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً
لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ
قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا
وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ

(المائدة: 82).

& قال الرازي وأما النصارى فإنهم في
أكثر الأمر معرضون عن الدنيا مقبلون على العبادة وترك طلب الرياسة والتكبر
والترفع، وكل من كان كذلك فإنه لا يحسد الناس ولا يؤذيهم ولا يخاصمهم بل يكون لين
العريكة في طلب الحق سهل الانقياد له، فهذا هو الفرق بين هذين الفريقين في هذا
الباب، وهو المراد بقوله تعالى: ” ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ
وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
“.

& وقال ابن كثير ” وقوله تعالى: ”
وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ
قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ” أي: الذين زعموا أنهم نصارى من
أتباع المسيح، وعلى منهاج إنجيله، فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك
إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى:
” وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً
وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ”
[الحديد: 27] وفي كتابهم: من
ضربك على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر. وليس القتال مشروعاً في ملتهم، ولهذا
قال تعالى: ” ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً
وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ” … تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة
والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف
.

& وقال الجلالين ؛ المحلي و السيوطي ” أي قرب
مودّتهم للمؤمنين ” بِأَنَّ ” بسبب أن ” مِنْهُمْ قِسّيسِينَ
” علماء ” وَرُهْبَاناً ” عُبَّاداً ” وَأَنَّهُمْ لاَ
يَسْتَكْبِرُونَ ” عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة “
.

& وقال البيضاوي ” وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ
مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا
نَصَارَىٰ ” للين جانبهم ورقة قلوبهم وقلة حرصهم على الدنيا وكثرة
اهتمامهم بالعلم والعمل وإليه أشار بقوله: ” ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ
قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ” عن قبول الحق إذا
فهموه، أو يتواضعون ولا يتكبرون كاليهود. وفيه دليل على أن التواضع والإِقبال على
العلم والعمل “.

& وقال النسفي ” ذٰلك بأنّ منهم
قِسّيسينَ ورهباناً ” أي علماء وعباداً ” وأنّهم لا يستكبرونَ ”
علل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين بأن منهم قسيسين ورهباناً وأن فيهم
تواضعاً واستكانة، واليهود على خلاف ذلك، وفيه دليل على أن العلم أنفع شيء وأهداه
إلى الخير وإن كان علم القسيسين، وكذا علم الآخرة وإن كان في راهب، والبراءة من
الكبر وإن كانت في نصراني “.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى