علم التاريخ

نظم الكنيسة وقوانينها وطقوسها في القرنين السابع والثامن



نظم الكنيسة وقوانينها وطقوسها في القرنين السابع والثامن

نظم
الكنيسة وقوانينها وطقوسها
في القرنين
السابع والثامن

ارتباك
وانحطاط: وأدت حروب القرن السابع إلى الارتباك والبلبلة وزادت هجمات البرابرة
الطين بلّة. فكثرت تنقلات العائلات والعشائر واختلط الحابل بالنابل. واستهال الأمر
على الناس وتخوفوا وتنازقوا وتسافهوا وتطايشوا. ولجأت الحكومة إلى القسوة فسملت
العيون وجدعت الأنوف وصلمت الآذن وقطعت الألسن. فتباغض الناس وتقاطعوا وانغمسوا في
الشر وتهافتوا على المُنكر وسخف الرأي وانتشرت الخرافات.

 

ترفع
وتصوَّن: ولاحظ آباء القرن السابع هذه الأمور فأيقظوا لها الرأي وأسهروا لها القلوب
واشترعوا في المجمع الخامس السادس في السنة 692 مئة قانون وقانونين. وأوجبوا
معاقبة كل كاهن أو علماني يتغيب عن الاشتراك في صلوات الآحاد ثلاث مرات متتالية
وأبعدوا الخمارات وحوانيت الطعام عن الكنائس ومنعوا النساء من الثرثرة والبقبقة في
أثناء الاحتفالات الدينية وقبحوا إيواء الماشية في كنائس القرى والمزارع. ثم زجروا
الرجال والنساء الذين استغلوا ظرف الصلاة للاتجار بأجسادهم وحرموا سنة كاملة أولئك
الذين أتلفوا الكتب المقدسة أو باعوها من تجار العطور ليصنعوا منها أبواقاً. ومنع
المجمع منعاً باتاً إقامة حفلات الأغبّة في الكنائس.

وهدد
المجمع بأشد العقوبات جميع الذين يخالطون ويعاشرون الزهَّد الذين كرسوا أنفسهم لله
واعتبر الإجهاض نوعاً من القتل وحرم جميع الذين يصنعون ويتجرون ويروجون الرسوم
المخلة بالآداب. وشجب المجمع كل تفنن في ترتيب شعر الرأس للفت النظر والإغواء.

وكان
المؤمنون لا يزالون يمارسون بعض الطقوس الوثنية القديمة فيحتفلون ببدء السنة
الجديدة بالطقوس نفسها التي كان يمارسها الوثنيين لتكريم كرونوس
Kronos إله الزمان فيتنكرون بجلود الحيوانات ويصنعون وجوههم. وكانوا لا
يزالون يكرسون الأسابيع الثلاثة بين الرابع والعشرين من تشرين الثاني والسابع عشر
من كانون الأول لشرب الخمر وتغير الأزياء والرقص وغير ذلك مما شاع في عهد الوثنيين
احتفاء بعيد الإله باخوس. فنهى الآباء المجتمعون عن هذا كله وعن الميَّومة أيضاً،
وهي احتفال الربيع، كما منعوا المؤمنين عن إبقاء النيران في أول الشهر القمري وعن
تبادل الألبسة بين النساء والرجال لمناسبة عيد القطاف وحرموا على طلبة الحقوق
التنكر بالألبسة لمناسبات معينة.

ولم
يغفل الآباء أمر السحر والشعوذة وما تبعهما من خرافات وأحاديث كاذبة. وكان قد كثر
عدد المشعوذين والساحرين والعرافين الذين ادعوا علم الغيب وكان قد أصغى إليهم وعمل
بإشارتهم بعض كبار الرجال. فشجب الآباء هذا كله وفرضوا ندامة ست سنوات على
المؤمنين الذين يلجأون إلى السحرة والمشعوذين يعرضون الدببة وغيرها من الحيوانات
ليبيعوا صوفها تعاويز وأحرازاً.

 

وصايا
الرسل: وامتنع آباء المجمع الخامس السادس عن الاعتراف بوصايا الرسل لأنهم لمسوا
فيها دساً غريباً لا يتفق والعبادة الحسنة. ورأوا من الصواب طرحها جانباً “كي
لا يسري سم الهرطقة” وبينوا بوضوح أسماء الآباء الذين يرجع إليهم في أمر
النوماقانون فذكروا في القانون الثاني ديونيسيوس وبطرس الاسكندريين وغريغوريوس قيصرية
الجديدة واثناثيوس الإسكندري وباسيليوس قيصرية قبدوقية وغريغوريوس نيصيص
وامفيلوسيوس ايقونية وتيموثاوس الإسكندري وثيوفيلوس وكيرلس الإسكندريين وجناديوس
القسطنطيني وكبريانوس قرطاجة.

 

الأباطرة
والكنيسة: وخاض الأباطرة في باطلهم فتدخلوا في شؤون الكنيسة تدخلاً فعلياً فسنّ
هرقل الاكثيسيس واشترع قسطنطين الرابع التيبوس ودعا إلى المجمع المسكوني السادس
وحذا حذوه يوستنيانوس الثاني وأعد لاوون الثالث الاكلوغة وغيرها من القوانين
واعتبر نفسه كاهناً أعظم فركب رأسه وقال ما قال في الأيقونات المقدسة. وبسط
قسطنطين الخامس عنانه في الجهل وتدخل هو أيضاً في أمور الكنيسة. ويجوز القول أن
عدداً كبيراً من الأساقفة لم يستلموا عكاز الرعاية إلا برضى الأمبرطور وموافقته.

ولكن
الكنيسة أنجبت في هذه الفترة نفسها من تاريخها أبناء قديسين غيورين أخذوا على يد
هؤلاء الأباطرة وقصروا خطاهم وحبسوا عنانهم فدافعوا عن حرية الكنيسة دفاع الأبطال.
وهل ننسى ادوار مرتينوس الأول ومكسيموس المعترف وغريغوريوس الثاني ويوحنا
الدمشقي؟!!

ومما
يجب ذكره أن هرقل لوى عنانه وأكد ليوحنا الرابع بابا رومة أن سرجيوس أعد الاكثيسيس
وأن قسطنطين الرابع أفاق من سكرته ورجع عن التيبوس وأن يوستنيانوس الثاني تساهل في
تنفيذ قوانين المجمع الخامس السادس ولم يكره البابا قسطنطين على العمل بموجبها.

ومما
لا يجوز إغفاله أيضاً أن لاوون الثالث استمزج وشاور وحاول الإقناع قبل أن اتخذ
القرارات بنزع الأيقونات وأن ابنه حذا حذوه وأن الآباء الذين اجتمعوا في هييرية
لينفذوا برنامج قسطنطين الخامس قطعوا عليه وجهته في أمر العقيدة وخفضوا من غُلوائه
وأنه هو أمسك وارتدع!

 

البطريرك
المسكوني: وكان المجمع الخلقيدوني (451) قد اعتبر أسقف رومة الجديدة مساوياً لأسقف
رومة القديمة. وكان أكاكيوس أسقف رومة الجديدة قد اتخذ لقب البطريرك المسكوني بعد
ذلك بسنوات معدودة. ثم انتشر الإسلام في أبرشيات مصر وسورية ولبنان وفلسطين، وقامت
دولة إسلامية فتية ثيوقراطية، فاستضعف بطاركة الشرق واستكانوا وتضاءل نفوذهم ثم
تيتمت كراسيهم وأمست شاغرة مدة من الزمن. فأصبح البطريرك المسكوني هو البطريرك
الفعّال الوحيد في الشرق.

وجاء
المجمع الخامس السادس (692) فاعترف بالواقع وأيّد بقانونه السادس والثلاثين قرار
المجمع الخلقيدوني فمنح البطريرك المسكوني الامتيازات نفسها التي تمتّع بها زميله
بابا رومة. وفي السنة 732 استحكم الشقاق بين لاوون الثالث وبين بابا روما فوسّع
لاوون سلطة البطريرك المسكوني على حساب زميله الروماني فخضعت اليرية وصقلية
وكلابرية لسلطة البطريرك القسطنطينية. وسلخ لاوون في هذه السنة نفسها أبرشيات
أسورية عن كنيسة أنطاكية فأتبعها الكرسي القسطنطيني أيضاً. وإذا ما قابلنا
هيرارخية القسطنطينية كما أبانها ابيفانيوس القبرصي في السنة 650 وبين تكتيكون
البطريرك نيقوفوروس في السنة 810 نجد عدد الأسقفيات التابعة للكرسي القسطنطيني
يرتفع من 424 إلى 600.

وعظم
قدر البطريرك المسكوني في عاصمة الدولة وارتفعت منزلته ووقرت مهابته في الصدور
فأقسم الأباطرة أمامه يمين الولاء للدين القويم وتسلّموا التاج من يده. وتدخّل هو
تدخلاً فعلياً في الحكم واشترك في أعمال مجلس الشيوخ والوزراء وناب عن الأمبراطور
في غيابه وتولى الوصاية على الأباطرة القصر. فإن سرجيوس دار دفة الحكم في أثناء
تغيب هرقل عن العاصمة وتولى بولس الوصاية على قسطنديوس القاصر. وجلس البطريرك
المسكوني في المرتبة الأولى بعد الأمبراطور ونالت حاشيته مرتبة مرموقة في سجل
التشريفات.

 

النظام
والانضباط: وكانت المجامع قد ربطت كل أسقف بأبرشيته ربطاً وثيقاً فحرمت عليه ترشيح
نفسه بعد سيامته لأي مركز أسقفي شاغر خارج أبرشيته. وكان هذا التحفظ الشديد قد
صعّب انتقاء الأكفاء لبعض المراكز العالية ولا سيما كراسي البطاركة. وحدث مثل هذا
في السنة 715 عندما توفي البطريرك المسكوني يوحنا السادس وشغر كرسيه. فإن أنظار
الشعب والاكليروس والسلطات الزمنية اتجهت شطر جرمانوس أسقف كيزيكة لِما تحلى به من
ورع وتقوى وعلم ومقدرة. واضطرت هذه العناصر إلى توقيع العرائض لإظهار رغبتها
وإجماعها قبل نقل هذا الحبر الجليل من أبرشية كيزيكة إلى أبرشية القسطنطينية.

ونظر
الآباء المجتمعون في المجمع الخامس السادس في مشاكل الأسقفية فحرَّموا الزواج على
الأساقفة وسمحوا بوصول مرشح متزوج إلى الكرسي شرط انفصال زوجته عنه ودخولها ديراً
من الأديار. وحض الآباء الأساقفة على الوعظ والإرشاد ولا سيما في أيام الآحاد وعلى
اقتطاف المعاني والأحكام من الكتاب الإلهي متبعين في ذلك التقليد الذي وضعه الآباء
المتوشحون بالله مستمسكين بالتفسير الذي اقره كواكب الكنيسة. وأوجب القانون الثامن
الذي اشترعه المجمع المسكوني الخامس السادس على المطارنة دعوة الأساقفة الخاضعين
لهم إلى مجمع محلي مرتين في السنة أو على الأقل مرة واحدة بين عيد الفصح المقدس
وقبل انتهاء شهر تشرين الأول. ومنع هذا المجمع الخامس السادس استئثار المطارنة
بتركات الأساقفة الخاضعين لهم. فقد جاء في القانون الخامس والثلاثين أنه إذا توفي
أسقف تبقى تركته تحت مراقبة اكليروس الكنيسة التي كان متصدراً فيها إلى أن يتم
انتداب أسقف آخر. وأجاز القانون السابع والثلاثون للأساقفة الذين أكرهتهم الظروف
على الإقامة في القسطنطينية وعدم العودة إلى أبرشياتهم بالإكرام اللائق برتبهم وأن
يمنحوا الدرجات حسب عاداتهم.

ونص
القانون الرابع عشر والخامس عشر على أنه لا يُسام قساً من كان دون الثلاثين من
العمر وأن لا يُسام شماساً من كان دون الخامسة والعشرين ولا أيبوذياكوناً من كان
دون العشرين وأنه إذا كان المرشح مستحقاً فلتؤحل شرطونيته إلى نهاية السنة المعينة
“لأن الرب يسوع اعتمد وابتدأ يعلم في سن الثلاثين”. وألغى القانون
السادس عشر قرار مجمع قيصرية الجديدة فلم يحدد عدد الشمامسة. وجاء في القانون
السابع أنه لما كان بعض الشمامسة يتواقحون فيجلسون فوق القساوسة فإن المجمع يأمر
بأن يجلس الشماس تحت القس ولو كان متقلداً وظيفة من الوظائف وأنه يستثنى من ذلك من
كان نائباً عن بطريركاً أو متروبوليت وأتى إلى مدينة أخرى بمهمة معينة. “ومن
يخالف هذا الحد متكبراً فليكن آخر جميع الذين من رتبته لأن ربنا نهانا عن محبة
المتكآت الأولى في المجالس”. وأبقى المجمع الخامس السادس على تشريع
ويستنيانوس في أمر الزواج فمنع الاكليريكيين من رتبة ابيوذياكون فما فوق عن
الزواج. وإذا كان أصحاب هذه الدرجات قد اقترنوا قبل سيامتهم فليحافظوا على نسائهم
وليعنوا بهن مبتعدين عنهن عندما يقومون بالخدمة المقدسة “ومن تجاسر على عمل
كهذا فليقطع ومن أراد من المتقدمين في الاكليروس أن يقترن بامرأة حسب ناموس الزيجة
فليفعل ذلك قبل شرطونيته ابيوذياكوناً أو شماساً أو قساً”.

وعالج
الآباء المجتمعون في سنة 792 سرّ الزواج فاعتبروا الخطبة الرسمية الكنسية عقداً
ساري المفعول وحرموا في القانون الثامن والتسعين زواج الخطيبة من شخصا ثالث غير
الخطيب الأول. وقالوا في القانون الرابع والخمسين: “لا يجوز أن يقترن أحد
بابنة عمه أو أم وبنتها بأخوين أو أخوان بأختين. ومن يفعل ذلك فليقف تحت قانون سبع
وستين مع فصل الزيجة غير الشرعية”. ونص القانون السادس والعشرون أن القس الذي
يزوج عن جهل زواجاً غير شرعي له أن يتمتع بالكرامة الكهنوتية. وأما الأعمال
الكهنوتية فيمنع منها. ومن يداوي جراحاته لا يحق له أن يبارك غيره ولذلك فلا يبارك
على انفراد ولا علناً ولا يوزع جسد الرب ولا يخدم خدمة أخرى وليبتهل إلى الرب
بدموع ليصفح له. ومثل هذه الزيجة غير الشرعية قد تنحل ولا يكون للرجل اشتراك مع
تلك التي حرم عمل الكهنوت بسببها. وجاء في القانون السابع والثمانين أن من تترك
رجلها وتقترن بآخر فإنها زانية وأنه إن ثبت أنها ذهبت من عند رجلها بدون داع موجب
فالرجل يستحق العفو وأما هي فللعقوبة. ومن يترك امرأته التي ارتبط معها بموجب
الناموس ويقترن بأخرى يقع تحت جريمة الزنا. ومثل هؤلاء يوضعون سنة كاملة في عداد
الباكين وسنتين مع السامعين وثلاثاً مع الساقطين وفي الرابعة يقفون مع المؤمنين
ويستحقون القرابين إذا تابوا بدموع! وجاء في القانون الثالث والتسعين أن الإمرأة
التي يغيب رجلها عنها وتنقطع أخباره إذا اقترنت بغيره قبل التثبت من موته تعتبر
زانية. وجاء في القانون الثاني والسبعين أنه لا يجوز لرجل أرثوذكسي أن يقترن
بامرأة هرطوقية ولا لامرأة أرثوذكسية أن تقترن برجل هرطوقي، لأنه ليس من الواجب أن
يخلط ما لا يجب اختلاطه ولا لذئب أن يجتمع بالخروف. وإذا بادر أحد الزوجين
الهرطوقيين إلى النور الحقيقي ولبث الآخر في الظلمة فلا يفك رباطهما عملاً بقول
الرسول: “إن الرجل غير المؤمن يقدس بامرأة مؤمنة والمرأة غير المؤمنة فلتتقدس
بالرجل المؤمن”. وقضى القانون الثاني والتسعون بأن الذين يخطفون النساء
والذين يساعدونهم أو يشيرون عليهم فليقطعوا إن كانوا إكليريكيين وليفرزوا إن كانوا
علمانيين.

وحرم
المجمع بقانون الرابع والثلاثين التآمر على الأساقفة وغيرهم من رجال الاكليروس كما
نهى عن العبث بالقوانين المدنية المرعية الإجراء وأوجب قطع من يشرطنون بالمال ومن
يتناولون مقابلاً لمناولة القربان الطاهر “لأن النعمة لا تباع ولأننا لا نوزع
تقديس الروح بالمال بل ينبغي أن نعطي القربان لمستحقيه”. وجاء في القانون
الحادي والعشرين أن الإكليريكيين الذين يذنبون ثم يتوبون ويبتعدون عن الخطيئة يجوز
قص شعرهم كسائر الاكليروس. أما إذا لم يرغبوا في ذلك فليربوا شعورهم مثل العوام
لأنهم فضلوا العالم على الحياة السماوية.

 

ممارسة
الأسرار: ونهى الآباء عن التعميد في المنازل وأوجبوا ممارسة هذا السر في الكنائس
وأمروا بقطع الاكليريكي المخالف وفرز العلماني. وأصرّوا على وجوب تعلم دستور
الإيمان وتلاوته في صباح الخميس الكبير أمام الأسقف أو الكاهن. وسمحوا بقبول
التائبين من الآريوسيين والمقدونيين والنوفاتيين والابوليناريين وبدون إعادة
معموديتهم. ولكنهم أوجبوا مسحهم بالميرون المقدس على الجبهة والعينين والأنف والفم
والأذن. وأما البولسيون والاقنوميون الذين يعمدون بغطة واحدة والمونتانيون
والصقاليون الذين يعتقدون بأن الآب والابن أقنوم واحد فهؤلاء “نقبلهم كالأمم
أي أننا في اليوم الأول نعمدهم مسيحيين وفي الثاني موعوظين وفي الثالث نستقسم
نافخين في وجوههم وفي آذانهم ثلاثاً وعلى هذه الحالة نعظهم ونجعلهم أن يلبثوا مدة
في الكنيسة ويسمعون الكتب وحيئذ نعظهم”. ومثلهم المانويون والفالنتنيانيون
والمركيانيون وغيرهم من أصحاب هذه الهرطقات. أما النساطرة فينبغي أن يعترفوا
بالإيمان كتابة وأن ينكروا هرطقتهم مع نسطوريوس وأوطيخا. وبما أن القرابة الروحية
هي أهم من القرابة الجسدية وبما أننا علمنا أن قوماً يقبلون أولاداً من المعمودية
ويتزوجون أمهاتهم إذا ترملنَّ فإننا نحدد إلا يجري شيء من هذا القبيل.

ومنع
آباء المجمع الخامس السادس المؤمنين عن النتاول مباشرة وأوجبوا تناول القربان
باليدين الاثنتين متقاطعتين اليمنى فوق اليسرى بشكل صليب والخمر من الكأس. وأجازوا
استعمال الملعقة. وحرموا مناولة أجساد الموتى لأنه كتب: “خذوا فكلوا”
وأما أجساد الموتى فإنها لا تأخذ ولا تأكل.

 

الصوم:
وعلم الآباء أن المسيحيين في بلاد الأرمن وغيرها يأكلون بيضاً وجبناً في الآحاد
والسبوت من الصوم الأربعين فأمروا بترتيب واحد في كنيسة الله في المسكونة كلها
وأوجبوا كمال الصوم لأن الكنيسة تمنع كل مذبوح والبيض والجبن من أثمار المذبوحين.

وعلم
الآباء أيضاً أن أهل رومة يصومون في سبوت الصوم الأربعيني مخالفين الترتيب الكنسي.
فأمروا يقطع كل اكليريكي يصوم الآحد أو السبت ما عدا السبت العظيم وبفرز كل عامي
يقدم على ذلك. وأثبتوا في القانون السابع والستين أن الكتاب الإلهي يحظر الدم
والمخنوق، وأن ذوي البطون الشرهة يقعون تحت العقوبة.

 

الليتورجية:
وتطورت طقوس العبادة تطوراً ملموساً في القرن السابع. ففي السنة 615 أو ما يقاربها
أدخل البطريرك سرجيوس القسطنطيني ليتورجية القدسات السابق تقديسيها
البرويجيازميني. وكانت كنيسة أورشليم قد سبقت غيرها إلى هذا. ويرى بعض رجال البحث
أن البرويجيازميني التي شاع استعمالها في القرن السابع كانت تقام آنئذ في جميع
أيام الصوم ما عدا السبوت والآحاد والخميس الكبير. وجاء في القانون الثاني
والخمسين الذي أقره المجمع الخامس السادس في السنة 692 أن قداس البرويجيازميني
يقام في كل أيام الصوم الأربعيني المقدس ما عدا يومي السبت والأحد ويوم عيد
البشارة المقدس. وتسمى هذه الخدمة خدمة القدسات السابق تقديسها لأن القرابين التي
تقدم فيها لا تقبل استحالة وإنما يتم عليها تذكرا الخدمة لتقديس المؤمنين. وهذه
القرابين يقدمها الكاهن مقدسة ومستحيلة من ذي قبل في خدمة سابقة ومؤلفة من جسد
الرب ودمه الكريمين ومحفوظة في بيت القربان
Skeuophylakion إلى يوم التقديم.

أما
خدمة القداس في أوائل القرن الثامن فإنها الخدمة التي تنسب إلى أبينا الجليل في
القديسين يوحنا الذهبي الفم. وقد وصفها وصفاً كاملاً دقيقاً أبونا الجليل في
القديسين جرمانوس بطريرك القسطنطينية (715-370) في كتابه تاريخ الكنيسة. وهو أعظم
ما ظهر من نوعه قبل كتاب سمعان الثسالونيكي.

 

القداس
الإلهي: واعتبر آباء القرن السابع تعميد الأطفال إجبارياً فقل عدد الموعوظين
وتضاءل الحد الفاصل بين قداس الموعوظين وقداس المؤمنين. وبدأ القداس في هذه الفترة
بقبول تقادم الشعب وبتهيئة القرابين
Proscomidi وتقدمتها على البروثيسيس Prothesis ثم بقراءة
الذبيتيخة. وكانت هذه تشمل ذكر الأحياء والأموات من الأساقفة وجميع الكهنة
والشمامسة ثم الأباطرة فالشعب. ويلاحظ رجال الاختصاص أن الدخول بالإنجيل بعد
الخروج به بدأ في طقوسنا في القرن السابع أيضاً. ورأى القديس جرمانوس في هذا رمزاً
إلى خروج المسيح من أورشليم وتعليمه الإنجيل الذي هو صوفيا أوراثي ألي الحكمة
المستقيمة الحقيقية. ورأى هذا القديس أن الشمعة التي تتقدم الإنجيل تشير إلى يوحنا
السابق وأن الترتيل بعد هذا “هلموا نسجد ونركع” إنما هو إشارة إلى فرح
البشر بقبول الإنجيل وإيمانهم بالمخلص وأن التسبيح الملائكي “قدوس الله”
إنما هو إشارة إلى البشر لما تعلموا سر الثالوث بتعليم الإنجيل مجدوا الله بنغمة
واحدة مع الملائكة إذ أصبحوا معهم رعية واحدة للراعي الواحد. وهنا يصعد الأسقف إلى
السنثرونون
Synthronon ويبارك الشعب. وبعد هذا تقرأ الرسائل إشارة إلى أن المسيح أرسل
تلاميذه ليبشروا بالإنجيل ثم يتلى الإنجيل ويقبل العطاء وينادي الشماس بخروج
الموعوظين.

وعندئذ
يفتح الكاهن الانديمنسي أي القائمة مقام المائدة ويصار إلى الايصوذن الكبير
المعروف بدورة القداس وفيه تدخل القرابين وهي لا تزال غير مقدسة إلى المائدة.
والايصوذن الكبير في نظر القديس جرمانوس يرمز إلى نقل جسد يسوع منن الجلجلة
(المذبح) إلى القبر (المائدة). ويأخذ بعض رجال الاختصاص بما جاء في تاريخ كدرينوس
فيقولون أن الشاروبيكون الذي يرتل لهذه المناسبة ادخل في عهد الأمبراطور يوستينوس
الثاني (565-578) وأنه كان قبل ذلك يرتل عند تقديم التقادم. أما القديس جرمانوس
فإنه رأى في المراوح أجنحة السيرافيم ترفرت لمناسبة دخول الملائكة والقديسين مع
المسيح الملك. ومن هنا القول في هذا الشاروبيكون:

“أيها
الممثلو الشاروبيم سرياً والمرنمون التسبيح المثلث التقديس للثالوث المحيي لنطرح
عنا الآن كل مهمة دنيوية لأننا مزمعون أن نستقبل ملك الكل محفوفاً بالمراتب
الملائكية بحال غير منظور هللويا!”.

أما
باقي الخدمة فإنه ظل كما في القرن السادس: غسل الأيدي والطلبات “وترتيل”
دستور الإيمان وغلق أبواب الهيكل وصلاة الأنافورا وترتيل التريصاغيون ولفظ الكلام
الجوهري وقراءة الذبيتيخة وتلاوة الصلاة الربانية ورفع القدسات وكسر الخبز
والمناولة. ورأى البعض أن سكب الماء الساخن يعود إلى القرن السادس وأن صلاة الشرك
أُدخلت في عهد البطريرك سرجيوس.

ولا
نزال نرى حتى يومنا هذا مع القديس جرمانوس وغيره من الآباء أن الستر الكبير يشير
إلى حجر القبر والبخور إلى حنوط بوسف ونيقوديموس وطيوب النسوة وتسكير أبواب الهيكل
إلى انحدار المسيح إلى الجحيم وتسكير سنر الباب إلى الحراس والتقبيل إلى المحبة.
ونقول “الأبواب الأبواب” إلى البوابين كي لا يدعوا أحداً من غير
المؤمنين أو الموعوظين يدخل. ونتلو دستور الإيمان لارتباط المحبة بالإيمان. ونفتح
ستر الباب الملوكي لنشير إلى هرب الحراس ونرفرف فوق القرابين بالستر الكبير لنذكر
بالزلزلة التي حدثت عند قيام المخلص ويطوى الستر إذ يصل قارئ دستور الإيمان إلى
العبارة “وقام في اليوم الثالث” للإشارة إلى دحرجة الحجر عند باب القبر.
والمراوح تمنع وقوع شيء من هوام الأهواء في الأواني وتشير إلى الأجنحة الستة. ورفع
الخبز المقدس يتم به رسم قيامة المخلص. وقول الكاهن “القدسات للقديسين”
يعني أنه لا يجوز لغير الطاهرين. وقوله “الذي يجزأ ولا يتقسم” يعني أن
الخبز المقدس هو جسد الرب كله. وكل جزء منه هو جسد الرب كله فجسد الرب لا يتقسم في
جوهره وإن تجزأ في أعراضه. وقوله “لا يفرغ أبداً” يعني أن المسيح يكون معنا
إلى انقضاء الدهر بأسراره الإلهية وبعد ذلك في ملكوت السماوات. ووضع الخبز المقدس
في الكأس يعني أن المسيح قام بكليته جسداً حياً. والماء الحار يقصد به أن يجعل
الدم المقدس حاراً كما هو الدم الحي. ثم توضع في الكأس الأجزاء لتحصل على نعمة
ملامسة دم المخلص. وفتح الباب إشارة غلى ظهور المخلص للتلاميذ بعد القيامة. وعرض
الكأس على الشعب هو الاشتراك في التناول. وقول الكاهن “خلص يا الله
شعبك” إشارة إلى البركة التي أعطاها المسيح لتلاميذه على جبل الزيتون قبل
الصعود. والقول “ارتفع اللهم” إشارة إلى صعود الرب وانحدار الروح القدس
يوم الخمسين. وعرض الكأس ثانية يذكر بمجيء المسيح ثانية.

ومنع
آباء المجمع الخامس السادس بالقانون الثامن والعشرين تقديم العنب مع التقدمة الغير
الدموية وأوجبوا تقديم القربان فقط وتوزيعه وحده على الشعب لأجل موهبة الحياة
ومغفرة الخطايا. وأجازوا قبول العنب على انفراد ومباركته وتوزيعه على طالبيه شكراً
لواهب الأثمار التي بها تنمو أجسادنا وتتغذى وحرموا في السابع والخمسين تقديم
العسل واللبن على المذبح.

 

ولا
نجثو بركبنا: وأوضح الآباء المجتمعون في السنة 692 أنه بعد دخول الكهنة مساء
السبوت إلى الهيكل لا يحني أحد ركبته حتى عشية الأحد التالية لأننا نتخذ الليل
الذي يلي السبت تقدمة لقيامة مخلصنا ومنها نبتدئ بالنشائد الروحية مقيمين العيد من
ظلام إلى نور فنحتفل بالقيامة يوماً كاملاً ليلاً نهاراً ونحافظ على التقليد الذي
تسلمناه قانونياً من آبائنا المتوشحين بالله -القانون التسعون من أعمال المجمع الخامس
السادس.

 

الترتيل
والمرتلون: وكان رومانوس المرتل الحمصي-البيروتي قد اشتهر بنظم التراتيل
والابتهالات في القرن السادس. فلما جاء القرن السابع لمع في هذا الحقل نفسه
صفرنيوس البطريرك الأورشليمي (605-639) ومكسيموس المعترف. بيد أن أشهر المرتلين في
هذا القرن هو أندراوس الاقريطشي. ولد في دمشق سنة 660 وترهب في أورشليم وخدم في
كنيسة القيامة ثم أُرسل مع وفد إلى القسطنطينية لمقابلة الامبراطور قسطنطين الرابع
في السنة 685 فبقي فيها وترأس الأورفانوتروفيون. وفي السنة 700 سيم متروبوليتاً
على غورتينة في جزيرة أقريطش. وفي السنة 712 جنح إلى المونوثيلية مع فيليبيكوس
المغتصب ثم تب وتوفي السنة 740. وقد سبقت الإشارة إلى نتاج يوحنا الدمشقي وصديقه
قوزما أسقف ميمومة فلسطين في هذا الحقل فلتراجع في محلها. وكذلك قانون الاكائيسطوس
الذي نظمة سرجيوس البطريرك القسطنطيني.

 

العلم
والتعليم: ولم يهمل الآباء العلم والتعليم بعد يوستنيانوس ولكن مراجعنا في ذلك
قليلة مشوشة. وجل ما يجوز قوله هو أن المدارس المسيحية ظلت سائرة في عملها في
الشرق وأنها زينت أكثر من المدن العظمى. فصفرونيوس البطريرك الأورشليمي علّم الأدب
في دمشق مدة من الزمن قبل وصوله إلى الكرسي الأورشليمي وحاز لقب
“الحكيم”. ومحى زلزال السنة 551 معالم مدرسة بيروت فاتجهت أنظار طلاب
العلوم العالية إلى القسطنطينية وجامعتها ولعبوا في العاصمة دوراً مرموقاً. ومن
هنا اهتمام آباء المجمع الخامس السادس بهؤلاء الطلاب كما جاء عند الإشارة إلى
القانون الحادي والسبعين.

وحمل
مكسيموس المعترف لواء الدفاع عن الإيمان القويم فأفحم وأسكت بعلم وافر ومنطق سديد
ونطق فصيح. واشتهر في حقل اللاهوت بكتابه الأجوبة على الأسئلة وبحاشيته على هامش
مصنفات غريغوريوس النزينزي وديونيسيوس الارباغوسي. وكتب تحت تأثير هذين كتابه في
الزهد ورسالته في التصوف
Mystagogia وفصوله في المحبة. وجاء بعد مكسيموس يوحنا الدمشقي وقد سبق الكلام
عنه في فصل خصوصي فليراجع في محله.

ومن
آثار هذه الفترة في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية حياة يوحنا الرحوم بطريرك
الإسكندرية (616-619) وقد دبجها لاونديوس أسقف نيابوليس قبرص مستعيناً في ذلك بما
وضعه صفرونيوس البطريرك الأورشليمي ويوحنا موسكوس. وكان يوحنا هذا قد كرس شطراً
وافراً من حياته في أوائل القرن السابع لجمع أخبار الرهبان القديسي في مصر وفلسطين
وسورية فوضع كتابه الشهير الليموناريون الذي عرف أيضاً بالعنوان “الفردوس الجديد”.

ومن
أغرب ما دون في هذا العصر قصة برلام ويواصف. وفي هي أساسها سيرة بوذا غوماطة بقالب
مسيحي. وقد نُسبت خطأ إلى يوحنا الدمشقي، ولهل ناقلها راهب آخر باسم يوحنا لا
قديسنا الشهير. ونصها اليوناني كما نعرفه اليوم يعود في الأرجح إلى القرن الحادي
عشر.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى