علم التاريخ

علاقة العرب بالأقباط



علاقة العرب بالأقباط

علاقة
العرب بالأقباط

على
ان هنالك أمور كان يجب على أهل الذمة اتباعها من حيث بناء الكنائس ومن حيث لباسهم
وزيهم والدواب التى يركبونها وغير ذلك مما يميز بينهم وبين المسلمين من الناحية
الاجتماعية والأدبية ولنستعرض الآن بعض أراء الفقهاء فيما يختص بذلك ثم نرى ما حدث
فعلا فى مصر فيذكر أبو يوسف انه ينبغى ان تختم رقابهم فى وقت جباية جزية رؤسهم حتى
يفرغ من عرضهم ثم تكسر الخواتم كما فعل بهم عثمان بن حنيف ان يسألوا كسرها وان
يتقدم فى ان لا يترك احد منهم يشتبه بالمسلمين فى لباسهم ولا فى مركبة ولا فى
هيئته وان يجعل فى ان أوساطهم الزنارات مثل الخيط الغليظ يعقد فى وسطه كل واحد
منهم، وبان تكون قلانسهم مضربة وانم يجعلوا شراك نعالهم مثنية ولا يجذوا على حذو
المسلمين، وتمنع نسائهم من ركوب الرحائل ويمنعوا من ان يحدثوا بناء بيعة أو كنيسة
فى المدينة إلا ما كانوا صولحوا عليه وصاروا ذمة وهى بيعة لهم أو كنيسة فما كان
كذلك تركت لهم ولم تهدم، وكذلك بيوت النيران، ويتركوا يسكنون فى أمطار المسلمين
وأسواقهم، يبيعون ويشترون ولا يبيعون خمرا ولا خنزيرا ولا يظهرون الصلبان فى
الامطار ولتكن قلانسهم طولا مضربة.

 

ويذكر
الماوردى انه يشترط على أهل الذمة فى عقد الجزية شرطان:

مستحق
ومستحب. أما المستحق فسته شروط أحدهما

ان
لا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن فيه ولا تحريف له.

والثانى
ان لا يذكروا رسول الله (ص) بتكذيب له ولا ازدراء.

والثالث
أن لا يذمرون دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه.

والرابع
أن لا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح.

والخامس
ان لا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله ولا دينه.

والسادس
ان لا يعينوا أهل الحرب ولا يودوا أغنياءهم.

فهذه
الستة حقوق ملزمة فلتزمهم بغير شرط وانما تشرط إشعارا لهم وتأكيد لتغيظ العهد
عليهم، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم. وأما المستوجب فستة أشياء

 

احدهما
تغير هيأتهم بلبس الغيار وشد الزنا.

والثانى
ان لا يعلوا على المسلمين فى الأبنية ويكونون ان لم ينقصوا مساويين لهم.

والثالث
ان لا يسمعوهم أصواتهم نواقيسهم ولا تلاوة كتبهم ولا قولهم فى عزيز والسيد المسيح.

والرابع
ان لا يجاهروهم بشرب خمورهم ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم.

والخامس
ان يخفوا دفن موتاهم ولا يجاهروا بندب عليهم ولا نياحة.

والسادس
ان يمنعوا من ركوب الخيل عتاقا وهجاها ولا يمنعوا من ركوب البغال والحمير.

وهذه
الستة المستحبة لا تلزم بعقد الذمة حتى تشرط فتصير بالشرط ملتزمة ولا يكون
ارتكابهم بعد الشرط نقضا للعهد لكن يؤخذون بها إجباريا ويؤدبون عليها زجرا ولا
يؤدبون ان لم يشترط ذلك عليهم.

 

9-
أثر الفنون التشكيلية على فن القاهرة في العصر الفاطمي

العامل
السياسى من غير شك أكثرها تأثيرا فى حياة الشعوب وتاريخ الدول إلا ان تأثير
السياسة وفعالتها لا تأخذ شكلا ظاهرا أو مباشر فى التأثير على الفنون، بل تنعكس
عليها بطرق غير مباشرة عن طريق غير مباشر عن طريق القوانين والاحكام التى تصدرها
الدولة أو نظم الحكم ومذهبها الدينى التى تدين به فالدولة الفاطمية مثلا كانت تدين
المذهب الشيعى بينما خلفاء الدولة العباسية سينو المذهب.

 

العباسيين
تدين بالمذهب السنى ومن غير المعقول ان يسمح الخليفة الفاطمى لشعبه ان يدين بمذهب
أخر فير مذهبة هذا من ناحية أخرى كيف يطمئن الى شعب سبق ان أعطى عهدا وذمة الى
خليفة يدين هذا الشعب بمذهبه لذلك رأى خلفاء الدولة الفاطمية بثاقب فكرهم وبعد
نظرهم على أهل الذمة من المصريين وخاصة الأقباط ومن ثم فقد اتخذوا منهم لوزراء
وكبار رجال الدولة، كما اسندوا اليهم شئون البلاد الادارية والمالية فقد فقد اسند
المعز لدين الله الفاطمى الى يعقوب بن كلس اليهودى الأصل بعض دواوين دولته فتخير
الى طائفته الدينية واخذ يعقوب يرتقى فى المناصب حتى اصبح وزيرا للعزيز بن المعز
كذلك اسم عهد العزيز بالله التسامح مع الأقباط خاصة بعد ان تزوج من مسيحية كان لها
اكبر الأثر فى انتهاج سياسة التسامح مع المسيحيين واعادة بناء بعض الكنائس ورغبة
فى النقود الروابط الروحية والمشاركة الوجدانية بين خلفاء الفاطميين وبين الأقباط
جعل الاحتفال بأعياد المسيحيين ومواسمهما الدينية احتفالات رسمية ولم يقتصر الأمر
على مصر فحسب بل شمل كذلك باقى أجزاء الدولة الفاطمية فقد عين العزيز بالله منثا
بن ابراهيم الفرار اليهودى واليا على بلاد الشام اما مصرف تولى شئون الدواوين
والكتابة فيها عيسى بن نسطورس القبطى.

 

كان
فى اتباع هذه السياسة حيال أقباط مصر أيزانان بطرق غير مباشرة بإحياء عاداتهم
وتقاليدهم وفنونهم ولو أضفنا الى هذا الفن القبطى لم يكن قد اختفى أو قضى عليه
بدخول العرب مصر بل ظل هو الأسس الذى قام عليه الفن الاسلامى فى مصر وذلك جبربا
على السياسة الحميدة التى اتخذها العرب ارزاء البلاد التى فتحوها.

 

فقد
تركوا لأهالى مصر حرية ممارسة فنونهم وصناعتهم وادارة اعمالهم وزراعتهم على ان
يكون للفتح العربى مجرد الاشراف وادارة شئون الدولة العليا وقيادة الجيوش ومن
الأحداث السياسية التى كان لها شان بذكر لها فى تاريخ الفن القبطى بطريق غير مباشر،
اشترك عرب مصر فى النزاع الذى قام به الآمين والمأمون فى العصر العباسى فقد تحيزوا
للامين ضد المأمون فلما انتصر المأمون تولى الخلافة حضر بنفسه الى مصر وقضى على
الثائرين عليه وتأديبا لغيرهم قطع عنهم الأرزاق من ديوان العطاء فاصبحوا بدون عائل
أو موارد رزق فاضطروا الى النزول الى ميدان الاعمال من زراعة وفلاحة وصناعة ومن
هنا اندمج العرب بأهل مصر وتصاهروا معهم وتقلدوا بتقليدهم وفنونهم بطبيعة الحال.

 

10-
علاقة العرب بالمسيحيين أثناء الحكم الإسلامي

كان
الفتح الفاطمى لمصر فى عهد المعز لدين الله رابع الخلفاء العبدوين بالمغرب ودخلوا
مدينة الفسطاط (مصر) بقيادة جوهر الصقلى فى السابع عشر من شعبان 5358 (7 يوليو سنة
967).

 

 يعود
الفضل فى تتويج الجامع الأزهر بهذه الصفة الجامعية الخالدة الى الوزير ابن كلس
الذى اصبغ عليه لأول مرة صفة المعاهد الدراسية ورتب له أول فريق من الأساتذة
الرسميين. ولقد كان ابن كلس وزيرا عظيما وعالما جليلا بل كان عبقريا سياسيا حقا.

 

وهو
أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس واسمه يدل على اصله الذمى، ذلك ان ابن كلس كان
يهوديا نشا ببغداد وغادرها فى شبابه الى الشام واشتغل هنالك بالتجارة وأثقلته ديون
عجز من أدائها ففر الى مصر فى عهد كافور الاخشيدى واتصل به وقام له ببعض الاعمال
والمهام المالية فابدى فى ادانها خبرة وبراعة وطاف بريف مصر يحصل الأموال ويعقد
الصفقات حتى تمكنت منزلته لدى كافور واثرى وكثرت أمواله وأملاكه ثم ثابت له فكرة
فى الآخذ بنصيب من السلطة والولاية ورأى الإسلام خير طريق لتحقيق هذه الغاية وكان
قد بلغه ان كافوا قال فى حقه ” لو كان هذا مسلما لصلح ان يكون وزيرا ”
فدرس قواعد الإسلام وشرائعها سرا فى شعبان سنة 5356 ودخل جامع مصر (جامع عمرو)
وصلى به الصبح فى موكب حافل ثم ركب فى موكبه الى كافورا فخلع عليه واشتهر أمره
وعلت منزلته فتوجس وزير مصر جعفر بن الفرات من تقدمه واخذ يدس له الدسائس فخشى ابن
كلس العاقبة وفر الى المغرب ولحق بالمعز لدين الله الخليفة الفاطمى وهو يومئذ ينظم
مشروعه لغز مصر وظل فى خدمته الى ان فتحت مصر على يد جوهر الصقلى. ولما قدم المعز
الى مصر بأهله وأمواله وجيوشة فى رمضان 5362 قدم معه ابن كلس وقلده المعز شئون
الخراج والأموال والحسبة والأحباس وسائر الشئون المالية الأخرى فابدى فى ادارتها
وتنظيمها براعة وزاد الدخل زيادة واضحة ثم عهد اليه بشئون الخاصة ولما توفى المعز
بعد ذلك بقليل فوض ولده العزيز بالله الى ابن كلس النظر فى سائر أموره ثم لقبه
بالوزير بالقصر بضعة اشهر ثم أطلقة ورده الى مناصبه وتضاعقت منزلته لدى العزيز
وغدا اقوى رجل فى الدولة وكان من اكبر بناة الدولية الفاطمية بمصر.

 

وليس
غريبا ان يحرز رجل مثل ابن كلس تلك المكانة الرفيعة فى ظل الدولة الفاطمية مع انه
يهودى الأصل والنشأ فقد كانت الخلافة الفاطمية تصطنع الذميين والصقالية وتوليهم
ثقتها وقد ولى وزارتها الرئيس بن فهد وعيسى بن نسطورس وبن عبدون وتولى وزارة
الدولة بعدهم كثيرون منهم فى مختلف العهود.

 

11-
علاقة المسلمين بالمسيحيين

كان
موقف الإسلام الذى أظهر التعاطف مع أهل الكتاب يرتبط الى حد كبير بتفضيله آياهم
على المشركين الذين كانوا ألد أعدائه، ولكن قيض للمشركين ان يختفوا من المسرح
الإسلامى نتيجة للقضاء عليهم أو لاعتناقهم الاسلام وبالتالى ما لبث الذميون ان
فقدوا الوضع الخاص الذى ميزهم به الرسول واصبحوا فى نظر المسلمين الممثلين
الوحيدين للكفر.

 

حقيقة
ان نطاق التسامح كان يتسع فى بعض البلدان بحيث شمل اشخاصا ليسوا بالفعل من أهل
الكتاب بأى حال كما حدث فى فارس حيث فسرت الآية الغامضة لصالح الزردشتيين أو فى
الهند حيث كان المشتركون من الكثرة بحيث تعذر تحويلهم الى الاسلام او القضاء عليهم
الا ان الفريقين اصبحا يتمتعان بالتسامح وفقا لنفس المبادئ المطبقة على المسيحيين
واليهود ومن ثم لم يتحقق ما من شانه ان يعيد هاتين الجامعتين الى وضعهما السابق
باعتبارهما تشغلان مكانه وسطا لهذا اصبح المجتمع فى شتى أنحاء العالم الاسلامى
ينقسم الى مجرد مسلمين وكفار (او ذميين) وكانت شروط عقد الحاكم المسلم مع الذميين
تضمن حياتهم والى حد ما أملاكهم وتسمح لهم بممارسة ديانتهم فى مقابل تعهدهم بدفع
الجزية والخراج وموافقتهم على تحمل بعض القيود التى تجعلهم يشغلون وضعا ادنى من
ذلك الذى كان يتمتع به المسلمون وهذه القيود متنوعة.

 

اذا
الذمى لا يرقى الى الوضع القانونى المخصص للمسلم. فلا تقبل شهادته ضد المسلم فى
محمكة القاضى ولا يحكم بالإعدام على مسلم قتل ذميا وعلى حين كان لا يسمح للذمى بان
يتزوج مسلمة فى حين كان يسمح للمسلم بان يتزوج ذمية ن وبالاضافة الى ذلك كان
الذميون يرغبون على ارتداء ملابس تختلف عن ملابس المسلمين حتى يسهل التمييز بين
الطائفتين كما حرم عليهم ركوب الخيل وحمل السلاح وأخيرا فعلى حين كان يمكن تحويل
كناءسهم الى مساجد، وهو ما تم فى حالات كثيرة كان يسمح لهم ببناء دور عبادة جديدة
وكان أقصى ما يسمح لهم بعمله بهذا الصدد وهو ترميم ما تهدم من هذه الدور.

 

وكانت
حركة التوسع التى ادت الى قيام الامبراطورى العثمانى تشبه فى بعض نواحيها الحركة
التى أدت الى قيام الخلافة التى أقامت أول دولة إسلامية عظمى وكلتا الحركتين آدتا
الى ان ضمت دار الإسلام أراضى واسعة كانت مسيحية من قبل كما أدت إلى خضوع إعداد
كبيرة من الرعايا الذميين للحكام المسلمين إلا أن كلا من العالمين الإسلامي
والمسيحي قد تغير خلال الفترة الفاضلة بين عصر الخلافة وبين العصر العثمانى
والعالم المسيحى قد انقسم ما بين أرثوذكس وكاثوليك فى حين أصاب التغيير العالم
الإسلامي بفعل المؤثرات الصوفية.

 

وفى
الواقع أن هذا الانقسام الكبير الذى حل بالعالم المسيحي قد أوجد الأرثوذكس فى وضع
يشبه المسيحيين الذين خضعوا من قبل للفاتحين المسلمين الأول وذلك لان معظمهم فى
سوريا وبلاد ما بين النهرين ومصر، كانوا مهرطقين من أنواع عدة نساطرة أو مونوفزيت
وبالتالى خارجين على الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية (وفى مصر على سبيل المثال ساعد
الأقباط المونوفزيت العرب بالفعل أثناء الفتح (الكاثوليك) التى كانت لا تزال متحدة،
بالظبط كما كان الأرثوذكي فى العصور التالية معادين للكاثوليك ولهذا ففى كلتا
الحالتين كان عدد كبير من المسيحيين الذين اصبحوا ذميين قد تحمسوا بشدة لوضعهم
الجديد الذى مكنهم من تجنب سؤ أولئك الذين اعتبروهم مهرطقيين وحتى نهاية القرن
الخامس عشر كانت حدود الفتوح العثمانية فى أوربا تتمشى الى أقصي حد مع حدود المذهب
الأرثوذكس. وكانت الطائفة الأرثوذكسية الكبيرة الوحيدة التى بقيت خارج نطاق سلطتهم
هى الجماعة المسكونية ورغم أن قياصرة موسكوا اعتبروا أنفسهم منذ البداية ورثة
لبيزنطة فأن امارة موسكو لم تكن فى أوائل عهد الإمبراطورية من القوة بحيث تستدعى
انتباه الأرثوذكس القاطنين داخل الدولة العثمانية. وكان موقف العثمانيين الأول من
غير المسلمين الذين حاربوهم وانتصروا عليهم يختلف عن الموقف الإسلامي المعروف
ولكنة كان من ناحية أخرى ينسبه الى حد ما موقف المسلمين الأول الذين فتحوا سوريا
من غير المسلمين وهو الموقف الذى كان خيرا من موقف خلفائهم واكثر تحررا.

 

وكان
الفاتحون العثمانيون يشبهون العرب فى تأثيرهم بدوافع الطمع والأمل فى الاستحواذ
على الأرض والغنائم بالاضافة الى الحماسة الدينية.

 

وكان
العقائد الدينية الاكثر انتشارا لديهم هى عقائد الطرق الصوفية الباطنية وحينئذ كان
التصوف أميل الى المساواة بين كل الأديان كما كانت الباطنية أميل الى ترويج مبادئ
ذات لون شبيه بالمسيحية ولهذا فليس من العجب ان نجد العلاقات القائمة بين المسلمين
والمسيحيين خلال القرون الأولى من الحكم العثمانى كانت أوثق منها فى عهد الأسر
الحاكمة السابقة التى كانت تتمسك بالسنة أو فى عهد الأسر الحاكمة التى قيض لها أن
تسير على هذا المنوال فيما بعد حين تحول السلاطين الى الأصولية السنية ولهذا ففى
المعارك التى خاضها العثمانيون الأولى نجدهم يحظون بمساندة كبيرة من المسيحيين،
كما تزوج كثير من السلاطين الأول أميرات مسيحيات وبالإضافة الى ذلك فقد تحول كثير
من المسيحيين الى الإسلام أثناء غزو البلقان ورغم ان ذلك قد لا يكون دليلا على حسن
العلاقات بين المسلمين والمسحيين إلا انه انه قد حدث بالفعل لأنه يوضح الانتقال
فقد كان إيلاما فى هذه الفترة مما اصبح عليه فيما بعد حين قضت السنية الإسلامية
على أى حل وسط فيما يتعلق بالعقيدة. ويبدو لنا الواقع انه لولا هذه العودة الى
السنية أو التمسك بها لكان بإمكان احترام اتباع الديانتيت للأضرحة المشتركة أن
يقضى القضاء على الخلافات والى ظهور عقيدة مسيحية صوفية بإمكانها التوفيق بين
النقيضين.

 

ويبدوا
ان التحول الى الأصولية الإسلامية قد بدا اعادة السلطة الى سابق وضعها فى عهد محمد
الول وكان ذلك ناتجا عن قمع تمرد باطنى خاصة وان ازدياد سؤ علاقات السلاطين
بأنصارهم الأصليين قد تمخض عن نتائج منها ادخال نظام الدفشرمة.

 

ولا
شك ان هذا النظام الذى كان يقتضى جميع الأود والمسيحيين للقيام بالخدمة فى قصور
السلاطين وجيوشهم قد جعل الأباء الذميين الذين حرموا من اولادهم يمقتون ساداتهم
المسلمين. ورغم ذلك فقد كانت الدفشمة توفر فى الواقع مجالا للوصول الى أعلى مناصب
الدولة.

 

ففى
خلال القرنين الخانس عشر والسادس كان يشغل كل هذه المناصب عبيد السلطان الذين
تحولوا الى الاسلام وكان معظمهم قد جرى اقناصهم عن طريق الدفشرمة وفى كثير من
الأحيان كان كبار الضباط الموظفين هؤلاء يسخرون سلطتهم لمصلحة أقاربهم الذميين.
ولهذا ففى خلال هذه الفترة كان من المميزات كونهم قد ولدوا ذمييم صالحين للتجنيد،
ومن ثم اصبح من المعتاد ان نجد آباء يسعون الى اختيار أبنائهم حتى ولو كانوا غير
صالحين، مما ترتب عليه ان أصبح السكان الذين ولدوا مسلمين مستاءين من استعبادهم عن
تولى شئون الدولة.

 

وهكذا
تلت الفترة الأولى التى كان فيها الابتعاد عن أصول الدين الاسلامى يسمح لمعشقيه
بالإبقاء على علاقات حميمة مع المسيحيين فترة أخرى كان فيها نفوذ المسلمين
والذميين فى الإمبراطورية متوازنا بصورة مرضية وذلك نتيجة لتخفيض المناصب العليا
فى هذه الدولة الإسلامية لأشخاص ولدوا ذميين والى هنا نكون قد عرضنا للذميين، على
الأقل للذميين المسيحيين، كما لو كانوا سيشكلون طائفة واحدة.

 

إلا
ان الأمر لم يكن كذلك فما ذكرناه بالفعل عن الفشرمة، على سبيل المثال والدور الذى
لعبة الذميون فى الدولة خلال ازهى عصورها الأعلى الطائفة الأرثوذكسية، بل لا ينطبق
عليها إلا ان الأغلبية العظمى من الذميين كانوا فى أوائ لعهد الدولة ينتسبون اليها،
وكان موقف المسلمين والحكومة من الذميين الآخرين حتى وقت لاحق يتوقف الى حد كبير
على موقفهم من الأرثوذكس ولا يغرب عن بالنا ان العثمانيين استولوا على أهم الأراضى
التى قامت عليها امبراطوريتهم على الوجه التالى تقريبا: الركن الشمالى الغربى من
آسيا الصغرى، معظم شبة جزيرة البلقان ما تبقى من آسيا الصغرى، القسطنطينية، أو وسط
وجنوب بلاد اليونان، الشام ومصر والحجاز، وبمعنى أخر فعلى حين ان كل هذه الأراضى،
باستثناء الحجاز كانت مسيحية يوما ما فقد بدا حكمهم فى قسم كل منهما كان لا يزال
مسيحيا ثم امتد الى قسم كان فى أيدى المسلمين لفترة تقرب من ثلاثة قرون وفى
النهاية ضموا الجزء الباقى الذى كان كله، باستثناء فترة الحكم الصلبى فى ايدى
المسلمين منذ القرن السابع.

 

وأخيرا
فلان بعض سكان هذه الأراضى من المسيحيين ظلوا تحت السيطرة الإسلامية فترة أطور من
تلك التى أمضاها غيرهم ولان الكنيسة الأولى فى الشرق كانت عرضة لنمو حركات
الانشقاق فيها ولان المبشرين الأوائل كانوا أميل الى ان يمنحوا الكنائس المحلية
طقوسا تختلف عن تلك التى أصبحت أرثوذكسية فقد كان يمكن العثور فى الامبراطورية
العثمانية فى الوقت الذى وصلت فيه الى أقصى اتسلعها على كثير من تحدده الظروف التى
خضعت فيها لسيطرتهم. ولما كانت هذه السياسات لم يتم تطورها بعد أن تحددت بحيث تؤدى
الى التماثل فقد بدا فيها بعض لبتارض وحتى يتسنى لنا تتبع الأسباب الكامنة وراء
ذلك نجد لزاما علينا ان نستعرض موقف الطوائف الذمية خلال ثلاث مراحل تختلف وفى
البداية سوف نستعرض خلال المرحلة التى كانت فيها الإمبراطورية تضم بالفعل
الروميللى والأناضول، ثم خللا المرحلة التى أصبحت فيها تضم البلدان ” الناطقة
بالعربية ” وأخيرا خلال مرحلة اضمحلالها.

 

على
اننا قبل الخوض فى ذلك نفضل ان نتوقف لكى نؤكد ان الحكومة العثمانية كانت فى
العادة تعامل الذميين على اختلاف أنواعهما باعتبارهم أعضاء فى طائفة لا باعتبارهم
افرادا. ويرتبط هذا ليس فقط بالتنظيم العام للمجتمع العثمانى الذى سبق ان رأينا
انه كان تعاونيا بالضرورة، بل أيضا بطبيعة الشريعة التى رغم تنظيمها لعلاقات
الذميين بكل من الافراد المسلمين والدولة الاسلامية إلا أنها باعتبارها قانونا
مقدسا تكون التفرقة بين الذميين والمسلمين تقوم على اساس دينى، لم تسع الى تحديد
علاقات الذميين بعضهم البعض الأخر.

 

فهم
يقعون خارج نطاقها الذى يشمل المسلمين وحدهم إلا اذا اتصل هؤلاء بغير المسلمين أو
اذا وافق الذمييون حين يحتكمون الى القانون على ان تطبق عليهم نصوصها. لهذا كانت
تنظم علاقات الذميين (داخلية) حسب قوانين الأديان التى يتبعونها، وهنا أيضا نجدها
تعتبر معتنقى كل من هذه الأديان وكأنهم يشكلون طائفة يشرف عليها القائمون على
تقاليدهم الدينية..

 

الحاكم
المسلم يرغم أفراد الذميين على التمشى مع القواعد التى سبق ان عرضناها، ولكن فى
مسائل اخرى كان الحاكم أميل الى التعامل مع كل طائفة ذمية ككل وفى مثل هذه الحالات
كان يمثل الطائفة كبار رؤسائها الذميين. البطاركة أو الحاخامات، وكان هؤلاء
الرؤساء بدورهم يحصلون على مساندة الحاكم فى فرض الانضباط مع اتباعهم. وملخص القول
فان وضع الفرد الذى كان يرتبط ارتباطا كليا بعضويته فى طائفة تتمتع بالحماية.

 

وكان
يطلق على هذه الطائفة فى المصطلح العثمانى اسم ” مللت “.

ويبدو
ان كلمة ملى العربية مشتقاة من الكلكة السريانية ملتات، وقد أشار اليها القران
بمعنى دين وبخاصة فى فقرة ” ملة ابراهيم ” وقد احتفظت بنفس المعنى فى
السياق العربى فيما بعد ولكن لما كان المصطلح المجرد ” دين ” لا ينفصل
على الاطلاق بصورة ةاضحة عن مجموع معتنقيه فأنه يعنى كذلك ” طائفة دينية
” وفى المصطلح الإسلامى الوسيط ينطبق بوجه خاص على ديانة المسلمين وجماعتهم
تمييزوا لهم عن أهل الذمة (انظر دائرة المعارف الإسلامية).

 

ولهذا
كله يبدو لنا ان المعنى الذى أضافاه العثمانيون كان جديدا.

واستعمال
الأتراك لكلمة ” مللت ” فى الوقت الحاضر بمعنى ” أمة ” لم
يحدث إلا فى القرن التاسع عشر لا قبل ذلك وكان الموظف المسئول امام الدولة عن
ادارتها يعرف باسم ” مللت بش “. ورغم ان بعض التفصيلات الادارية

 

(وربما
أيضا المعنى الخاص للمصطلح).

كانت
من ابتكار العثمانيين فان النظام ذاته لم يكن كذلك اذا كانت جذوره مشتقاة من
الممارسات العامة التى طبقتها الامبراطورية الرومانية وامبراطوريات العصور الوسطى
التى درجت على السماح للطوائف الخاضعة لحكمها بان تحافظ على قوانينها الخاصة وان
تطبقها تحت الاشراف العام لسلطة معترف بها مسئولة امام السلطة الحاكمة.

 

وكان
جاثليق الكنيسة النسطورية فى عهد الملوك الساسانين الذين حكموا فارس قبل الاسلام
يكلف رسميا بان يشرف على كل مسيحى الامبراطورية.

 

ونحن
نستدل على الاحتفاظ خلفائه بنفس الصلاحيات القانونية فى عهد الخلفاء بعدد كبير من
الأولة الثانوية الوثيقة التى وصلت الى أيدينا وكانت تتعلق بتعين جاثليق نسطورى فى
عام 1138 وبوجود عدد كبير من كتب القانون الخاصة بمختلف الطوائف المسيحية وكان
يشرف على الطائفة اليهودية أو الطوائف اليهودية على اعتبار ان الربانيين كانوا
يختلفون عن القرنين إكبار الحاخامات فى بغداد ثم بعد ذلك فى القاهرة وفى الدولة
البيزنطية ذاتها كان للأرمن فى القسطنطينية تنظيم مماثل وكذلك الحال بالنسبة الى
اليهود.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى