علم

لماذا بقى زماناً بعد القيامة؟ | تثبيت إيمان التلاميذ



لماذا بقى زماناً بعد القيامة؟ | تثبيت إيمان التلاميذ

لماذا بقى زماناً
بعد القيامة؟ | تثبيت إيمان التلاميذ

جمع
يسوع تلاميذه حوله وتلمذهم تحت يديه عاشوا معه يرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم
ويلمسون بأيديهم..

يرون
فيه ابن الله الوحيد خالق الأعين للعمى من بطون أمهاتهم يرونه صاحب سلطان شخصي على
الطبيعة وعلى الملائكة.. الخ. ويتلمسون حبه وحنانه العجيب.

يرون
اموراً مدهشة تؤكد وتؤكد بدون ادني شك من هو؟ وما هي رسالته؟ وما هو طريقه؟ إنه
ابن الخالق جاء ليفدي الخطاة سالكاً طريق الصليب. لكنهم كبشر كثيراً ما كانوا
يضعفون في إيمانهم من جهته.. بسبب ضعفهم هم:

 

+
فبعدما رأوه يأمر الحمي فتخرج من حماة سمعان للحال (مت14: 8) تجدهم يخافون من
الهلاك بينما يسوع نائم في وسطهم لهذا وبخهم قائلاً (ما بالكم خائفين يا قليلي
الإيمان) “مت26: 8”.

 

ومرة
أخري عندما رأوه ماشياً على البحر في وسط اضطراب الأمواج خافوا منه إذ حسبوه
خيالاً.

 

ومرة
أخري خافوا على يسوع وعلى نفوسهم قائلين يا معلم الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك
وتذهب أيضاً إلي هناك) “يو8: 11”.

وفيلبس
يقول له (أرنا الأب وكفانا) يو8: 14″.

وبطرس
يقف في طريق الصليب قائلاً له (حشاك).

والتلاميذ
تراءى لهم كلام المريمات عن قيامة الرب من بين الأموات (كالهذيان) ولم يصدقوهن
“لو24: 11”. وتوما يشك في شخص الرب القائم.

 

وتلميذا
عمواس في حديثهما مع الرب القائم يقولان له ونحن كنا نرجو انه هو المزمع أن يفدي
ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك بل بعض النسوة منا خبرتنا إذ كنا
باكراً عند القبر ولما لم يجدن جسده أتين قائلات إنهن رأين منظر ملائكة قالوا أنه
حي) لو24: 21-23″.

 

ففي
وجوده معهم بالجسد رغم كل أعماله العظيمة التي صنعت قدامهم لكنهم كانوا سرعان ما
يخورون ويضعفون في إيمانهم به..

 

لهذا
فإن الرب في محبته قبل أن يبقي معهم أربعين يوماً يتردد عليهم وليس كما كان سابقاً
في ملازمتهم بالجسد وهو في هذا يريد أن يجعل تعلقهم به تعلقاً إيمانياً حتى وإن لم
يروه بالجسد يلزمهم أن يؤمنوا به كإله متأنس..

 

وحتى
في نهاية الأربعين يوماً قبيل صعوده (وبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم “مز16:
14”. وإذا ارتفع صعد لكنه بلاهوته لم يفارقهم قط.

 

وإذا
ارتفع وبخهم على عدم إيمانهم وأرسل لهم الروح القدس الذي يحل فيهم فيذكرهم بكل ما
قاله لهم ويكشف لهم الطريق ويعزيهم ويجذبهم ويعمل فيهم في حياتهم وفي الكرازة
والشهادة للرب المصلوب القائم من بين الأموات.

 

هذا
أيضاً ما ذكره القديس أغسطينوس في احدي عظاته عن عيد الصعود إذ جاء فيها:

غنية
هي الأسرار المقدسة المخزنة في الكتاب المقدس سواء تلك التي لا نزال نبحث عنها أو
التي كشفها الرب لضعفنا وإن كان الزمن لا يكفي لأن نكشف لكم كل شيء..

 

وإذ
لا يمكننا أن نخدع أولئك الذين جاءوا إلي هنا جائعين لهذا فإننا لا نترك سر هذا
اليوم (عيد الصعود) أن يعبر ونحن صامتون إذ أن ربنا يسوع المسيح الذي قام بالجسد
من الأموات قد صعد به إلي السموات.

 

(لقد
تحدث السيد المسيح مع تلاميذه بعد قيامته ليثبتهم في إيمانهم وصعد إلي السموات حتى
ينفصل عنهم بالجسد)

 

وبسبب
عادل بسبب ضعف تلاميذه لكي يقويهم قد عين أن يبقي معهم أربعين يوماً كاملة بعد
قيامته يدخل إليهم ويخرج من عندهم يأكل معهم ويشرب كما يقول الكتاب مؤكداً أنه
الآن بعد القيامة قد أعيد إليهم بعدما أخذ منهم بالصليب هذا بالرغم من أنه لم يكن
يرد أن يستمر باقياً معهم قدام أعينهم بالجسد ولا أن يلتصقوا به بعد خلال عواطف
طبيعية (بشرية).

 

لأنه
بنفس مشاعر المودة التي جعلت بطرس يخاف لئلا يتألم الرب هي نفسها التي جعلتهم
يريدونه أن يكون حاضراً معهم بالجسد.

 

لقد
اعتادوا أن يروه معهم سيدهم ومعزيهم ومطيباً لخاطرهم وحاميهم إنساناً مثلهم وإذ لم
يعودوا يرونه هكذا بدئوا يؤمنون به رغم غيابة عنهم جسدياً.

 

لقد
اهتم بهم كتعبيره مثلما تهتم الدجاجة بفراخها لأن الدجاجة أيضاً بسبب ضعف فراخها
تصير هي أيضاً ضعيفة.

 

لأن
إن إسترجعتم ذاكرتكم (ترون طيوراً كثيرة لها فراخاً لكننا لا نري طيراً يضعف مع
فراخه إلا الدجاجة.

 

ولهذا
السبب فإن الرب استخدم هذا التشبيه لأنه بسبب ضعفنا هو أيضاً أخذ ضعفنا إذ أخذ
جسدنا. وأما الآن فإنه يلزمهم (التلاميذ) أن تتقوي أذهانهم وترتفع فيفكروا في
السيد المسيح بمفاهيم روحية بكونه كلمة الأب إله من إله الذي به كل الأشياء خلقت..

 

ففي
الأربعين يوماً أظهر لهم نفسه مثبتاً إياهم في الإيمان خلال المناقشات التي حدثت
معهم ولكنه كان يظهر لهم أكثر فأكثر لكي ينسحب عن أعينهم حتى يفكروا فيه أنه هو
الله وإن ذاك الذي يحدثهم على الأرض كأخ سيعينهم وهو في السماء إذ هو أيضاً ربهم.

 

هذا
ما وضحه الإنجيلي يوحنا.

ليلاحظ
كل واحد وليتأمل. فإن الرب قال (لا تضطرب قلوبكم لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون
لأني قلت أمضي إلي الأب لأن أبي أعظم منى (يو28، 27: 14). وفي موضع أخر يقول (أنا
والأب واحد) “يو30: 10”.

 

ولم
يعلن هذه المساواة للأب خلسة بل بالطبيعة إذ علم بهذا أحد تلاميذه الذي قال له (يا
سيد أرنا الأب وكفانا) “يو8: 14”. فأجابه (أنا معكم زماناً هذه مدته ولم
تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأي الأب ألست تؤمن إني أنا في الأب والأب في).

 

ماذا
يعني (الذي رآني) إلا (الذي يفهمني ويراني بالعين الروحية)؟! فإنها مثل الأذان
الداخلية التي قصدها الرب عندما لم يكن بجواره أحد أصم ومع ذلك قال (من له أذنان
للسمع فليسمع) “مت25: 11”. وهكذا أيضاً النظر الداخلي الذي للقلب متى
رأي إنساناً به الرب فإنه أيضاً يري الأب لأنه مساو للأب.

 

(ابن
الله بالطبيعة، المساوي للأب، صار ضعيفاً إلي الموت خلال رحمته).

 

أنصت
إلي الرسول الذي يتوق أن يذكرنا بمراحم المسيح كيف صار ضعيفاً لأجلنا حتى يجمع
فراخه تحت جناحيه معلماً تلاميذه هم أيضاً أن يشتركوا مع الحزانى في آلامهم هؤلاء
التلاميذ الذين بلغوا إلي ثبات معين خلال ضعفهم العام حيث أن (الابن) نزل غلي
سمواته وأوقف ضعفنا. إنه يقول (فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً
“فى5: 2”. مخبراً إيانا من قبيل الحنو أن نتمثل نحن الأولاد بابن الله
(الذي إذ كان في صورة الله).

 

ولئلا
يشك أحد من جهة الكلمة ذاته أضاف مبكماً أفواه الأشرار قائلاً الذي إذ كان في صورة
الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله.

 

ماذا
يقصد أيها الأخوة الأعزاء بقوله (لم يحسب خلسة؟ أي أنه مساو للأب بالطبيعة إذ في
مساواته للأب لا يكون مختلساً فالإنسان الأول (آدم) أراد اختلاس مساواة الله (تك5:
3) أما (المسيح) فهو مساو للأب لا خلسة بل بالطبيعة متحداً معه اتحاداً كاملاً..

 

وماذا
فعل؟ لكنه اخلي نفسه أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان
وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب.

 

فمع
أنه بالطبيعة مساو للأب قوي في قدرته لكنه صار ضعيفاً من أجل حنو عطفه على البشرية.

 

إنه
قوي جداً خالق كل الأشياء وقد صار ضعيفاً لكي يجدد خليقته.

 

(المسيح
يرغب في الصعود، حتى إذ يصير غائباً عنهم بالجسد يتمتعون بلاهوته).

 

لاحظوا
إذن ما جاء في يوحنا (لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلي الأب لأن
أبي أعظم منى) “يو28: 14”.

 

إذاً
كيف هو مساو للأب كقول الرسول وكقول الرب نفسه (أنا والأب واحد) “يو30:
10”. وفي موضع أخر (الذي رآني فقد رأي الأب) “يو9، 8: 14”. وهنا
يقول (أبي أعظم منى)؟..!.

 

لقد
كانوا يفكرون فيه كإنسان ولم تكن أذهانهم قادرة على إدراك لاهوته فإذ لا يعودوا
يرون الناسوت ولا يكون بينهم (على الأرض) يفكرون في لاهوته لهذا يقول لهم (لو كنتم
تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلي الأب لماذا؟ لأنه إذ أذهب إلي الأب
تستطيعون إدراك مساواتي للأب ولهذا السبب (أبي أعظم منى) لأنه إلي الآن ترونني في
الجسد فترون أبي أعظم منى.

 

(لو
كنتم تحبونني). لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلي الأب، وماذا يعني هذا إلا إنهم لم
يحبونه؟!

 

+
ماذا تحبون؟ تحبونني من جهة الجسد الذي ترونه (دون أن تعرفونني). فلا تريدونه
يفارق أعينكم ولكن (لو كنتم تحبونني) مدركين أنني خالق كل شيء لكنتم حقاً تفرحون
أني أمضي غلي الأب لماذا؟ (لأن أبي أعظم منى فإذ ترونني على الأرض هكذا فإن أبي
أعظم منى وإذ أذهب واختفي عن أعينكم ويختفي عنكم جسدي فلا ترون الثوب الذي التحقت
به في اتضاعي إذ يصعد إلي السماء تعرفون ماذا تترجون؟ لأنه لم يرد أن يخلع عنه هذا
الثوب (الجسد) الذي أراد أن يلبسه هنا على الأرض لأنه لو خلعه ليأست البشرية من
جهة قيامة أجسادهم. إنما ارتفع به إلي السموات ومع ذلك نجد أناساً يشكون في قيامة
الأجساد.

 

فإن
كان الله قد أكد قيامة الأجساد في جسده فهل يحرم الإنسان من هذا؟!

 

+ لقد
لبسه من أجل رحمته بنا، أما نحن فنلبسه بحكم طبيعتنا وقد اظهر لهم وأكد ما قاله
لهم وأرتفع. لقد أخذ عن أنظارهم الجسدية حتى لا يعودوا ينظرونه كمجرد إنسان.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى