علم التاريخ

حريق القاهرة



حريق القاهرة

حريق
القاهرة

بعد
ثلاثين عاما على هذه الأحداث المؤسفة، وقعت حادثة اضخم منها جميعا إذ يروى
المقريزى ” قبض على راهبين وجدا خارج مدرسة فتحقق ظن الصائحين وسلموها الى
السلطان فأمر بتعذيبها ولم يكد ينطق بالحكم أتوه براهب أخر وجدوه في جامع الازهر
ومعه عدة اكياس فيها نفط وقطران، وبتعذيبهم اعترفوا بأنهم رهبان من دير البطل بجهة
طره وأنهم اربعة عشر وقد تعاهدوا على احراق مصر والفسطاط انتقاما من المسلمين على
هدم كنائسهم وانهم اقتسموا القاهرة ومصر القديمة فجعلوا للقاهرة ثمانية ولمصر
القديمة ستة

وفى
اثناء ذلك اندلعت النار في دار القاضي ” كريم ” وهو من عائلة قبطية
الاصل واسلمت من مدة، فاستدعى إلية بطرك الاقباط، وإذ تأكدا انه لا يعلم شيئا عن
هذه الحوادث، وتأسف له قائلا: انما هذه الحوادث فعل سفهاء المسلمين والنصارى
ولالام على الحكومة إذا أدبت مرتكبيها فسر كريم الدين بهذا الجواب الذي ازال الشك
من جهة تواطؤ النصارى عموما على ايقاع الاذى بالمسلمين، وامر بإعداد بغلة يركبها
البطرك في العودة الى داره

وفى
صباح الغد بينما كان كريم الدين سائرا الى الديوان حسب عادته سخط عليه العامة
وأتهموه بالكفر واجتمع حوله المسلمون واحاطوا به وأوسعوه سبا وشتما لأخذه بناصر
النصارى بعد أن ثبت له ادانتهم على احراق بيوت المؤمنين، فلم يعبأ بهذه المظاهرة
ولا بهذه التهديدات وظل سائرا في طريقة الى ان وصل الى دار السلطان واعلمه بما
تحقق من ان هذه الحرائق لم يكن الامن بعض سفهاء النصارى الذين ارادوا الانتقام من المسلمين
على ما ارتكبوه ضدهم من الفظائع، فأمر السلطان باستمرار تعذيب الرهبان حتى يعترفوا
باسماء الاغنياء من الاقباط الذين حرضوهم على هذه الفعل، ولكن الرهبان استمروا
يحتملون العذاب بصبر، ولما لم يتحولوا عن كلامهم ارسل السلطان وهجم على دير البطل
واتى بكل من فيه من الرهبان وأمر بحرق اربعة منهم امام ذلك الجمع المحتشد وانفجر
بركان غيظ المسلمين على اثر هذه الحادثة، وجالوا يبحثون عن الاقباط في كل مكان
ليوردوهم موارد العذاب دون ان يراعوا أوامر الحكومة، فهجموا على بيوتهم ونهبوها
وقتلوا من بها بغير رحمة، ومن هرب منهم قتلوه في الطريق وكانوا اذا عثروا على واحد
قبطي في الشوارع يسلبونه ماله ويذبحونه، وقد ادت بهم الجرأة الى ان اجتمع منهم
كثيرون تحت قصر السلطان واحتجوا لمعامله النصارى بالرفق، فرآهم حينما كان نازلا من
القلعة الى الميدان وسمعهم يصيحون ” نصر الله الاسلام ” ويطلبون من
السلطان ان يساعدهم على نصرته فلم يهتم بهم وسار الى الميدان، وقبل وصوله اخبر ان
اثنين من الاقباط قبض عليهما وهما يحرقان منزلا فأحتدم غيظا وأمر بحرقها أحياء
امام الجموع وبينما هم يحرقونها إذ بكاتب ديوان الامير ” بكتمر الساقي ”
قد مر يريد بيت مولاه وكان نصرانيا فعندما عاينه العامة القوه عن دابته على الارض
وجرادة من جميع ما عليه من الثياب وحملوه ليلقوه في النار، فصاح بالشهادتين واظهر
اسلامه واطلق “.. واستمر هذا الخراب مدة طويلة هدم ما هدم وقتل من قتل.

 

ويحصى
المقريزى الخراب الذي حدث ” كنيسة في خرائب التتر لقلعة الجبل وكنيسة الزهري
في الموقع الذي فيه بركة الناصرية، وكنيسة الحمراء وكنيسة السبع سقايات وكنيسة
بحارة الروم وكنيسة البندقايين، وكنيستان بحارة زويلة، وكنيسة بخزائن التتر وكنيسة
بالخندق، واربعة كنائس بثغر الاسكندرية وكنيستان بدمنهور واربع كنائس بالغربية
وثلاث كنائس بالشرقية وستة كنائس بالبهنساوية وباسيوط ومنفلوط ومنية الحطب وثمان
كنائس بقوص واسوان احدى عشر كنيسة وبأطفيح مركز الجيزة كنيسة وبقطر الشمع ومصر
القديمة ثمان كنائس، وضرب من الديارات شئ كثير وظل دير شهران ودير البطل مدة ليس
فيها أحد من الرهبان، وقد حدث هذا الخراب وتلك المصائب فى وقت كثير جدا بالقياس
على التحويلات التاريخية الاخرى إذ لم يقع مثلها عبر التاريخ البشرى أو الثورات
العالمية في مثل هذا الوقت القصير، وقد هلك من الانفس وتلف فيها من الاموال وخرب
فيها من الاماكن ما لا يمكن وصفه لكثرته، بالاضافة الى ذلك وخاصة بعد حالة الهدوء
التي اعقبت فترة الحرائق العامة اصدرت الاوامر بمنع النصارى من التظاهر بالابهة
وركوب الخيل والتجمل بلبس الثياب المصقولة والعمائم البيضاء ”

ردود
الفعل العالمية وقتذاك:

امر
الملك الناصر قلاوون بغلق جميع كنائس النصارى، وبقيت مغلقة اكثر من ستة ونصف، وفى
هذه الفترة جاء الى مصر ملك برشلونه (اسبانيا) يحمل فدية لأسير كان قد أسره
السلطان، فلما شاهد رجال هذا الوفد ما يقع على رؤوس الاقباط من الظلم والبلاء
انذهلوا، فطلبوا من السلطان فتح الكنائس مقابل مبلغ من المال يدفعونه له، وقد توسط
ملك القسطنطينية وملك اسبانيا وقاما بارسال وفد فأذن السلطان بفتح كنيستين إحداها
للاقباط والثانية للروم الارثوذكس

وكذلك
في سنة 1329 لما علم ملك الاحباش بما حل للنصارى ارسل رسلا بكتاب منه الى السلطان
يعاتبه فيه على هدم الكنائس وقتل الابرياء ويذكره بالمعاهدات التي بين اسلافه ملوك
مصر السابقين، وطلب منه ان يعيد بناء ما خربه، والأ سوف يقوم بهدم جوامع المسلمين
التي في بلادة، الا ان السلطان اعاد الرسول بلا جواب

وبعد
مضى فترة صرح للنصارى بأن يبنوا بعض الكنائس التي هدمت بناء على طلبهم بشرط الا
يتوسعوا فيها أو يزيد عليها شيئا، حتى أن بعضها هدم بعد إعادة بنائية بدعوى انهم
ازادا على ما كان قديما أو اضافوا اليها بعض الزخارف من كما حدث في إعادة بناء
كنيسة القديسة بربارة

 

رد
الفعل على الكنيسة ونشاطها:

كانت
هذه الاضطهادات التي شنها المماليك على الاقباط تحول دون سيامة الرعاة، كما ان
تحول الكثيرين من المسيحيين الى الاسلام اصلاح فلة دخل الكنائس وفقر الرعاة، كما
حال دون شغل منصب البطريركية مما ادى الى اضطراب كثير من الأهالي الاقباط في
حياتهم الدينية، وقد تسبب ذلك في دفن كثير من الموتى دون الصلاة عليهم، وتكفين
اجسادهم في الحفر لعدم وجود بعدم وجود اكفان تكفى او الفقر الشديد لشراء الاكفان،
كما ادت هذه الى زواج كثيرين دون طقس الإكليل.

واذا
ما سيم كاهن فانه كان يسام كاهنا دون كفاءة، وبدون علم بأصول تعاليم المسيحية او تفسير
للانجيل او دون تعليم على الاطلاق فقلت العناية الروحية بالشعب المسيحي

كما
ان ما تعرضت له الاديرة من هدم وتخريب الى تبديد الثروة، واذا كان قد بقى فيها عدد
من الرهبان فقد عمدوا الى اخفاء ما تبقى، ولكن اذا ماتوا لا يعرف ابن خبأوها،
فانحط المستوى اجتماعيا واقتصاديا وروحيا

كما
تدخل السلاطين في كثير من الاحيان في انتخاب الاساقفة وحالوا دون اقامتهم كما فعل
الظاهر بيبرس حين امتنع عن الموافقة على انتخاب مطران للحبشة مما أدى الى لجوء
الامبراطور الحبشي الى بطريرك السريان كى يرسل اليه مطرانا للحبشة لرعاية الشعب وتوجيهه

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى