اللاهوت العقيدي

تاسعاً: التحليل



تاسعاً: التحليل

تاسعاً: التحليل

Prayer of Absolution

الطقس القبطي هو الطقس
الوحيد بين طقوس كنائس العالم شرقاً وغرباً باستثناء شمال أفريقيا في
القرن الرابع الذي يقول هذا التحليل في هذا الموضع. وإذا دققنا الفحص
نجده في الحقيقة يأتي موازياً تماماً للتحليل الذي يختتم به طقس تقديم الحمل بعد
الاستدعاء والمسمَّى هناك بطقس تحليل الخدَّام وهو في الحقيقة يشمل الخدَّام
والكنيسة كلها، كذلك التحليل هنا نجده في المخطوطات
القديمة يشمل أيضاً الكنيسة والخدَّام. ولكن ذكر الخدَّام وطغمات الكهنوت محذوفة

حديثاً.

والجزء المحذوف
من التحليل الأخير والمشار إليه في الخولاجي المطبوع بقوله: [وهنا
يذكر مَنْ يريد أن يذكرهم من الأحياء والأموات] هو في الواقع مسجَّل كله في
المخطوطات القديمة التي نقل عنها رينودوت([1]).

مقالات ذات صلة

وهذا التحليل في الواقع
هو أصلاً من أجل الذين كانوا تحت قانون توبة وهو موضوع هنا في هذا المكان ليعطيهم
الشجاعة الخاصة ليشتركوا مع بقية المؤمنين بضمير طاهر. لذلك حرص أن يذكر فيه الحل
للتائبين هكذا: [اللهم يا حامل خطية العالم اسبق بقبول توبة عبيدك منهم نوراً
للمعرفة، وغفراناً للخطايا]. ولكن اتسع هذا التحليل حتى شمل كل أحد وكل خطيئة.

كذلك استرعى انتباهنا
المقطع الذي يقول فيه: [أنت الذي قلت لأبينا بطرس من فم ابنك الوحيد … أنت هو
بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها]. وهذه الفقرة
بالذات مأخوذة عن النسخ القديمة لقدَّاس القديس باسيليوس الطقس البيزنطي([2])
حيث جاءت في النسخة القبطية التي سجلها رينودوت في نفس الكتاب بنفس الصيغة
انظر قاموس الآثار المسيحية للدكتور سميث صفحة 9 جزء أول.

وبرجوعنا إلى طقس شمال
أفريقيا وجدنا أن التقليد هناك يوضح جداً سبب مجيء هذا التحليل في هذا المكان حيث
كان التائبون يقفون صفاً وينتظرون هذا الحل بوضع اليد من الأسقف في هذه اللحظة
بالذات، ولكن قبل صلاة: “أبانا الذي في السموات”. كذلك فإن المتنيحين تحت الخطيئة
المطلوب حلهم من خطاياهم كانت تُذكر أسماؤهم في هذه اللحظة أيضاً.

على
أنه بعد أن يقبل التائبون حل الأسقف بوضع اليد يتجهون نحو المذبح ويقولون صلاة
“أبانا الذي … ”([3]).
كذلك في طقس الديداخي وهي التي تمثل أقدم طقس إفخارستي ليوم الأحد (أواخر القرن
الأول) نجد في هذا الموضع أي قبل التناول مباشرة يأتي الاعتراف
بالخطايا والمصالحة بين المتخاصمين:

[وكل يوم أحد اجتمعوا
معاً واكسروا الخبز، وصلوا الإفخارستيا بعد أن تعترفوا بخطاياكم حتى تكون ذبيحتكم
طاهرة. ولكن لا تسمحوا لأحدٍ يكون في خلاف مع أخيه أن يجتمع (يشترك) حتى
يتصالحا
معاً لئلاَّ تتنجَّس ذبيحتكم].

مرد الشعب:

هنا يرد الشعب المرد
المعروف: [“خلصت” حقا ومع روحك أيضاً]. ولكن خطأ هذا التركيب في المعنى واللفظ
واضح للغاية، فكيف أن الشعب يرد على الكاهن وهو الذي أعطاهم الحل من
خطاياهم هم وقولون له “خلصتَ”؟ ثمَّ كيف يستقيم المعنى أن
يزاد على ذلك “ومع روحك” ثمَّ لماذا تأتي “أيضاً” أي كيف يُقال: “ومع روحك
أيضاً”؟

الخطأ هنا وقع من
النُّسَّاخ لأن المرد رومي أي باللغة اليونانية، وقابل جدًّا من حيث تسلسل الحروف
للتحريف في النطق والكتابة معاً، وقد عثرنا على هذا المرد واضحاً في جزء من مخطوطة
عتيقة للغاية وجدتها تحت أرضية المكتبة القديمة بمكتبة دير القديس أنبا مقار،
وصورتها في ملزمة المخطوطات، حيث يتضح منها أن المرد هو:

خلصنا (أو نخلص) مع
روحك أيضاً =
cwqhcomen (كما في المخطوطة)

وباليونانية swq»somen

 

عاشراً: رفع
الذسبوتيكُن والرشم والمزج المتبادل بين الجسد والدم

Elevation, Consignation & Commixture

 

القدسات للقديسين Sancta Sanctis:

وهذه سبق الإشارة إليها
وذلك عندما يرفع الكاهن الذسبوتيكُن ليغمسها في الدم داخل الكأس، وهذا الاصطلاح
قديم، وهو أصلاً موضوع لمواجهة حادثة يهوذا الخائن حيث جلس للعشاء وتقدَّم للسر
وهو خائن، كذلك فإن هذا الاصطلاح له جذوره الأُولى في الديداخي: [مَنْ كان طاهراً
فليتقدم]. إذاً فالقدسات للقديسين فقط، والديداخي تؤكد على ضرورة فحص المتقدمين
للتناول في فصل 9: [لا تجعلوا أحداً يأكل أو يشرب من إفخارستيتكم إلاَّ الذين
اعتمدوا باسم الرب، لأن بهذا الخصوص قال الرب أيضاً لا تعطوا “القدس”
للكلاب]. ومرة أخرى في فصل 11: [لا تسمحوا لأحد أن يكون في خلاف مع أخيه أن يجتمع
معكم حتى يتصالحا معاً لئلاَّ تتنجَّس ذبيحتكم].

ولكن يقول القديس كيرلس
الأُورشليمي:

[إن
“القدسات للقديسين” تُقال لأن مواد الإفخارستيا الموضوعة أمامنا قبلت الروح القدس
عليها وأنتم قديسون أيضاً حينما يسكن فيكم الروح
القدس، لذلك فإن القدسات تليق
بالقديسين.]([4])

وكذلك القديس يوحنا
ذهبي الفم:

[فالكنيسة تنادي بذلك
حتى إذا كان هناك إنسان غير مقدَّس فلا يقترب … ولكن لا تقول الكنيسة (الشماس)
على المكشوف مَنْ كان بلا خطية فليتقدَّم بل مَنْ كان فيه الروح القدس وهو متمسِّك
بالأعمال الصالحة.]([5])

واضح أنه بعد حلول
الروح القدس على الصعيدة وعلى الشعب وإعطاء البركة في صلاة الخضوع بعد القسمة، ثم
تلاوة “أبانا الذي …” ثم إعطاء الحل للتائبين والمعترفين أن يصبح المتقدمون
للتناول في عرف الكنيسة الأُولى “قديسين” أي مؤمنين متطهرين لائقين أن يكونوا
أعضاء في جسد المسيح ومعناها الحرفي هو أن الأشياء التي لله هي
للأشخاص الذين لله([6]).
لذلك يصيح الكاهن بعد هذا رافعاً الصينية بالجسد على مستوى عينيه قائلاً “القدسات
للقديسين”،
وفيها أيضاً تحذير وإنذار أن الجسد المقدَّس والدم الكريم
(القدسات) لا ينبغي أن يتقدَّم إليها إلاَّ المستعدون، وهذا الطقس قديم منذ القرن
الرابع([7]).

ويكون رد الشعب حسب
الطقس القبطي: [واحد هو القدوس الآب. واحدٌ هو القدوس الابن. واحدٌ هو القدوس
الروح القدس. آمين]، بمعنى أنه بصدد القداسة لا يوجد إلاَّ قدوس واحد هو الآب
والابن والروح القدس. خصصتها الكنيسة القبطية على الثالوث، ولكن في أصل التقليد
كما هو موجود مثلاً في ليتورجية أورشليم التي
شرحها القديس كيرلس الأُورشليمي (+ 386م)
وليتورجيا قوانين الرسل (الكتاب الثامن كليمندس) موجودة هكذا:
[واحد قدوس هو ربنا يسوع المسيح.]([8])

هذا يعني بعرف الكنيسة
الأُولى أن واحداً فقط هو منبع ومصدر كل قداسة وتقديس الذي هو الرب يسوع.

أمَّا أول مصدر معروف
تاريخياً عن توزيع صفة “القدوس” على الأقانيم الثلاثة فهو ثيؤذور أسقف مبسوستيا في
عظته السادسة([9])،
وأول مَنْ رددها بهذا الوضع في الطقس القبطي هو البابا كيرلس الإسكندري([10])
ولا يُعرف أحد قبله في الكنيسة القبطية ذكر هذا الاصطلاح إلاَّ ديديموس الضرير([11])
إنما ليس بالمفهوم الليتورجي.

والمعتقد أن أول مَنْ
استخدم هذا الاصطلاح والرد عليه هو كنيسة أورشليم في بداية القرن الرابع. والعجيب
أن طقس روما حتى إلى اليوم لا يستخدم قط هذا الاصطلاح.

وقد وجدنا جُزءاً من
مخطوطة عتيقة ربما من زمن قبل القرن العاشر أو التاسع بنهر واحد قبطي ليس له ترجمة
عربية مقابلة، في أرضية مكتبة دير القديس أنبا مقار، ولاحظنا أنه لا يوجد به نداء
الكاهن عند رفع الذسبوتيكُن بقوله: “القدسات للقديسين” بل يدخل مباشرة بعد التحليل
في الاعتراف بالجسد والدم المقدسين إنما بصورة مختصرة عمَّا
هو موجود في
جميع مخطوطات القرن الثاني عشر والثالث عشر التي استخدمها برايتمان وليتزمان (انظر الصورة في ملزمة المخطوطات، والترجمة في الجدول الآتي:

 

المخطوطة القديمة

(حوالي القرن العاشر)

مخطوطة برايتمان
ويوازيها

المطبوع في الخولاجي

غير موجود

غير موجود

غير موجود

غير موجود

الاعتراف على “الجسد”
المقدَّس:

جسد ودم حقيقي ليسوع
المسيح آمين.

 

جسد ودم حقيقي ليسوع
المسيح آمين.

 

جسد
ودم عمانوئيل إلهنا هذا هو بالحقيقة آمين.

القدسات
للقديسين

مبارك
الرب يسوع المسيح ابن الله وقدوس الروح القدس آمين.

السلام
للكل.

الاعتراف المقدَّس:

جسد مقدَّس ودم
كريم حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا آمين.

مقدَّس وكريم جسد
ودم حقيقي ليسوع المسيح
ابن إلهنا آمين.

جسد
ودم عمانوئيل إلهنا هذا هو بالحقيقة آمين.

وهذا يجعلنا نعتقد أن
دخول النداء “القدسات للقديسين” بصورة عامة وقانونية في الكنيسة القبطية حدث في
زمن متأخر بعد القرن العاشر. ولكن هذا لا يمنع أن تكون الإسكندرية قد بدأت في
استخدام هذا النداء منذ القرن الخامس إنما بصورة محدودة، إذ إنه لا يوجد في أي من
البرديات أو المخطوطات القديمة. كما أن أنافورا سيرابيون تخلو منه تماماً.

ولكن لدينا إشارة مبكرة
لمضمون هذا النداء وارد في أقوال هيبوليتس عن الفصح إذ يقول معنِّفاً الذين [لا يأتون بقداسة إلى القدَّاسات]([12])
ولكنه لا يذكر هذا كنص إفخارستي في
إفخارستيته!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى