علم التاريخ

الكنيسة في أوقات الغزوات الإسلامية



الكنيسة في أوقات الغزوات الإسلامية

الكنيسة
في أوقات الغزوات الإسلامية

البطريرك
مقدونيوس: (628-640) وكاد اليهود لانسطاسيوس الثاني خليفة الرسولين وأمسكوه
وعذّبوه وجرّوه في شوارع أنطاكية جراً فقضى نحبه شهيداً في سنة 609. ثم كان ما كان
من أمر الفرس وزحفهم فتولى السدة الرسولية الأنطاكية غريغوريوس الثاني. وكان آنئذٍ
في القسطنطينية فبات ينتظر نهاية الحرب الفارسية لينهض إلى أنطاكية ويدير دفة
الرئاسة بنفسه. وطالت الحرب فطال انتظاره وتوفي في القسطنطينية بعيدأً عن أنطاكية
في السنة 620. وخلفه في الرئاسة انسطاسيوس الثالث وبقي في القسطنطينية حتى وفاته في
السنة 628.

وكان
سرجيوس البطريرك المسكوني قد بدأ يقول بالمشيئة الواحدة. ورغب في تعميم رأيه
وتدعيمه فسعى لمقدونيوس أحد أصدقائه برئاسة كنيسة أنطاكية. وتسلّم مقدونيوس عكاز
الرعاية في القسطنطينية وبقي فيها. وقضت ظروف التقارب وتوحيد الصفوف بالاعتراف
ببطريرك اليعاقبة اثناثيوس الجمال بطريركاً على أنطاكية مقابل اعترافه بالطبيعتين
والمشيئة الواحدة فأصبح هو رئيس كنيسة أنطاكية المسؤول. ووافق مقدونيوس صديقه
سرجيوس فأعلن قوله بالمشيئة الواحدة وسعى لتعميمه في أبرشيات أنطاكية. فقال هذا
القول عدد كبير من الأساقفة والرهبان وبين هؤلاء رهبان القديس مارون كما سبق
وأشرنا. وظهر الاكثيسيس وقد سبق الكلام عنه، فأيده مقدونيوس وحث المؤمنين على
قبوله.

 

البطريرك
جاورجيوس الأول: (640-655) واستمر العداء بين الروم والمسلمين. وأنفذ الروم حملة
على مصر وحملة غيرها على أنطاكية (646) وركب المسلمون البحر وهجموا على قبرص (649)
واحتلوا جزيرة أرواد (650) وانتصروا على أسطول الروم في “ذات الصواري”
(655) فلم يتمكن جاورجيوس الأول خلف مقدونيوس من الوصول إلى أنطاكية والإقامة
فيها. فبقي في القسطنطينية حتى وفاته في السنة 655.

 

مجمع
اللاتران: (649) وتوفي هرقل في السنة 641 وتولى العرش بعده في آن واحد كل من ولديه
قسطنطين الثاني وهرقلون على أن يحكما بإشراف الفسيلسة مرتينة زوجة هرقل الثانية
ووالدة هرقلون. وتوفي قسطنطين الثاني في السنة 641 مسموماً فاتهمت مرتينة بقتل ابن
ضرّتها وتمرد الجند وأكرهوا مرتينة على إشراك قسطنطين الثالث ابن قسطنطين الثاني
في الحكم. ثم قطع لسان مرتينة وجدع أنف ابنها ونفيا إلى رودوس. وتولى الحكم
قسطنطين الثالث (641-668).

وكان
هرقل قد أصدر في سنة 638 الاكثيسيس الذي أوجب به القول بالمشيئة الواحدة. وكان
بيروس قد خلف سرجيوس على السدة المسكونية (638) واضطر أن يتنازل على اثر هياج
الشعب في العاصمة ضد مرتينة ربيبته فهاجر إلى أفريقية. وكان قد قام بينه وبين
القديس مكسيموس المعترف جدال علني (645) انتهى باقتناع بيروس وروجوعه عن بدعة
القول بالمشيئة الواحدة.

فكتب
بيروس إلى بولس الثاني خليفته على عرش كنيسة القسطنطينية يهدده بالقطع إن لم يرجع
عن الهرطقة ويرفع الاكثيسيس عن أبواب الكنائس.

ورحل
بيروس ومكسيموس معاً إلى رومة فأيدهما البابا ثيودوروس الأول (642-649) فألغى
قسطنطين الثالث الاكثيسيس وأصدر التيبوس
Typos القانون (648)
محظراً به كل تعليم بالمشيئة الواحدة أو المشيئتين.

وتوفي
غريغوريوس برايفيكتوس أفريقية وصديق بيروس وحاميه فخشي بيروس ألا يتمكن من العودة
إلى عرش القسطنطينية فالتجأ إلى أفلاطون اكسرخوس رابينه وعاد إلى القول بالمشيئة
الواحدة. فغضب البابا ثيودوروس ودعا مجمعاً محلياً ثم زار قبر الرسول مستجيراً
وغمس (قلامسه
Calamus) قلمه في الدم المقدس ووقع حارماً بيروس.

وانقضى
أجل ثيودوروس الأول في الثالث عشر من شهر أيار سنة 649 فخلفه على السدة الرومانية
مرتينوس الأول (649-653). وكان مرتينوس قد مثّل السدة الرومانية في القسطنطينية
مدة من الزمن وخبر رجالها. فلم يرَ فائدة في المفاوضة. فلما تسلم عكاز الرعاية دعا
إلى اللاتران عدداً كبيراً من الأساقفة للنظر في أمر البدعة الجديدة. ولبّى هذه
الدعوة مئة وخمسة أساقفة معظمهم من إيطاليا وبعضهم من أفريقية. ووصل اسطفانوس أسقف
دورة في فلسطين فاشترك في أعمال هذا المجمع. وحضر الجلسات عدد من القساوسة
والرهبان اليونانيين المقيمين في رومة آنئذ. وكان بين هؤلاء يوحنا رئيس دير القديس
سابا الفلسطيني وجاورجيوس رئيس دير قيليقي في رومة.

وأجمع
الأعضاء على شجب التعاليم الجديدة واعتبارها خروجاً وهرطقة فكانت جلسات خمس استمع
فيها الآباء إلى قراءة جميع ما صنف في المشيئة الواحدة وإلى الأوامر الأمبراطورية
الصادرة في صددها فاعتبروها جميعها من صنع سرجيوس وبيروس وبولس بطاركة القسطنطينية
وكيروس بطريرك الاسكندرية وثيودوروس أسقف فارانة. ثم نبذوها وقطعوا هؤلاء
البطاركة. وكرروا الاعتراف بالإيمان النيقاوي واقترحوا إضافة بند ينص على القول
بالمشيئتين.

 

موتينوس
وأنطاكية وأورشليم: وساء الآباء المجتمعين انتشار القول بالمشيئة الواحدة في
أبرشيات أنطاكية وأورشليم وعلموا بشغور الكرسي الأورشليمي وبابتعاد بطاركة أنطاكية
عن حقل عملهم وقولهم بالمشيئة الواحدة فأقام مرتينوس أسقف فيلادلفية (عمّان)
وكيلاً بطريركياً على أبرشيات الكنيستين الأنطاكية والأورشليمية وخصه على خلع كل
أسقف يصر على القول بالمشيئة الواحدة. ووجه مرتينوس رسالة رعائية إلى المؤمنين في
أنطاكية وأورشليم كما كتب إلى بعض الشخصيات الكبيرة من الشعب والاكليروس. ومما جاء
في هذه الرسائل: أن مقدونيوس انتحل الأسقفية لنفسه وأن الكنيسة الجامعة لا تعرفه
أسقفاً لأنه يوافق الهراطقة.

ويلاحظ
هنا أن هذه الرسائل التي صدرت في السنة 649 اعتبرت مقدونيوس مستمراً في رئاسة
الكنيسة الأنطاكية. وهو أمر ذو بال يوجب بحثاً دقيقاً في تعيين السنوات التي ترأس
فيها كل من مقدونيوس وجاورجيوس ومكاريوس كنيسة أنطاكية.

 

اشتهاد
مرتينوس ومكسيموس: واستعظم قسطنطين الثالث موقف مرتينوس ومكسيموس فأمر بإلقاء
القبض عليهما وبمحاكمتهما أمام المجلس الاكليريكي الأعلى في القسطنطينية. فجاء
القديسان إلى العاصمة واتهما بالمؤامرة على سلامة الدولة وعذبا تعذيباً. ثم نفي
مرتينوس إلى الخرسونة في ربيع سنة 655 فتوفي فيها. ثم نقل جثمانه إلى رومة في
الثاني عشر من تشرين الثاني فأحيت الكنيسة الجامعة بفرعيها اليوناني واللاتيني ذكر
هذا الشهيد البار.

وما
كاد المركب الذي يقل مكسيموس وتلميذيه انسطاسيوس وانسطاسيوس يرسو في ميناء العاصمة
حتى هجم الجند على مكسيموس وعرّ،ه من ثيابه الرهبانية وجروه في شوارع القسطنطينية.
ثم ساقوه أمام ديوان الأمبراطور وحققوا معه في تهمة الخيانة والتآمر على سلامة
الدولة. فلم يثبت عليه شيء منها فأعادوه إلى السجن وأرسلوا من يقنعه بالخضوع
للأمبراطور والقول بالتيبوس. فقال كيف أطيع الملك وأغضب الله. فنفوه مع تلميذيه.
ثم حاولوا إقناعه مرة ثانية فلم يفلحوا. فلما أعيتهم الحيل رشقه المجلس الاكليريكي
بالحرم. ثم صدرت الأوامر بقطع لسانه ويده اليمنى ليمتنع عن الكلام والكتابة. وحل بتلميذيه
مثلما حلّ به. ونفي مكسيموس ورفيقاه إلى لازقة. وتوفي القديس فيها في الرابعة
والثمانين من عمره وفي الثالث عشر من آب سنة 662.

 

“لنكرمن
أيها المؤمنون بالتسابيح الواجبة محب الثالوث مكسيموس العظيم الذي علم بالإيمان
علانية بأن يمجد المسيح بطبيعتين ومشيئتين وفعلين هاتفين السلام عليك يا كاروز
الإيمان”. اورولوغيون-21 كانون الثاني.

 

تقارب
ومهادنة: وسئم الطرفان الروماني القسطنطيني هذا التنافر وهذه القساوة وهذه
القساوة. وتزايد الضغط الإسلامي وتعاظم الخطر. وتوفي البابا أوجانيوس الأول
(654-657) وخلفه فيتاليانوس (657-672) فأعلم هذا قسطنطين الثالث بارتقائه السدة
الرومانية وكتب إلى زميله في القسطنطينية الرسالة السلامية. فاعترف الأمبراطور
بقانونية الانتخاب البابوي وقدم الهدايا الملكية وبينها انجيل مذهب مرصع. ويستدل
من أعمال المجمع السادس أن فيتاليانوس امتنع عن نبذ التيبوس وأن الأمبراطور أكد
تعلقه بالتعاليم الأرثوذكسية فتمت مهادنة عاد على أثرها اسم البابا إلى ذيبتيخة
الكنيسة القسطنطينية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى