علم المسيح

الفصل السابع



الفصل السابع

الفصل
السابع

رحلة المسيح
الثانية إلى أُورشليم

كان
المسيح قد أمضى الشتاء في الجليل، ويقول ق. يوحنا في (1: 5) أن عيداً لليهود قد
أتى ميعاده، وبحسب رواية ق. يوحنا في الأصحاح السادس (4: 6) الذي يقول إن عيد
الفصح كان قريباً، يُستدل على هذا أنه عيد البيوريم الذي هو عيد أستير الذي يسبق
عيد الفصح بعدة أسابيع. ولكن بعض العلماء ومنهم يهود يقولون إنه عيد الفصح.

33- شفاء
مريض بركة بيت حسدا

ولكن
الذي دعا ق. يوحنا أن يذكر هذه الرحلة هو الحدث الرئيسي الذي صادفه المسيح في
أُورشليم، من جراء شفاء مريض له 38 سنة مُلْقى بجوار بركة بيت حسدا، بالقرب من باب
الضأن؛ إذ كان ذلك يوم سبت فجرت مشادة ليست بقليلة مع اليهود انتهت بمحاولة قتل
المسيح. والقصة ذاتها مثيرة.

فهذه
البركة كان يجتمع حولها المرضى بسبب حوادث شفاء كثيرة كانت تحدث في مواسم خاصة
عندما يحدث تحريك الماء، الذي كان يُظن أنه بواسطة ملاك، فعند تحريك الماء فإن أول
مريض ينزل البركة كان يُشفى. وكان ملاصقاً للبركة فسحة ذات أعمدة مسقوفة كان يجلس
تحتها المرضى، سُميت هذه الفسحة أو الصالة موضع الرحمة وبالعبرية: “بيت
حسدا”. هناك في يوم سبت كان المسيح يتجوَّل فيها فوجد مريضاً مُلقى هناك منذ
38 سنة، ويبدو أنه كان لا يقوى على النزول إلى البركة بمفرده. وكانت رجله مشلولة
يعرج عليها بصعوبة ولم يجد مَنْ يساعده على نزول البركة كأول، فاستوطن بجوارها هذه
السنين التي تقارب عمر إنسان بأكمله. وأخيراً جاءه اليوم السعيد الذي ارتقبه بصبر
يضاهي صبر أيوب، إذ وجده المسيح وعَلِمَ أنه له هذا الزمان، فتحنَّن عليه وبدأ
يداعبه: “أتريد أن تبرأ” فأخذ يشكو له عجزه، وأخيراً قالها المسيح:
“قم احمل سريرك وامشِ” فحالاً برئ الإنسان وحمل سريره ومشي، وكان ذلك
يوم سبت (يو 5: 19). ولكن ليس مجَّاناً كان يشفي المسيح الناس في تلك
الأيام، إذ كان يستوجب عليه أن يُساءَل بعنف ويُقاوَم بمرارة وبتهديد القتل. وكأن
الرحمة أصبحت في إسرائيل ثمنها الموت.

فلمَّا
سأل اليهود الذي شُفي: كيف تحمل سريرك يوم السبت؟ أجابهم إن الذي أبرأه قال له
ذلك. فلمَّا استفسروا: عمَّنْ أبرأه؟ لم يعرف، لأنه تقبَّل الشفاء امتناناً دون أن
يتعرَّف على هذا الذي شفاه. وأخيراً وجده المسيح في الهيكل فعرفه، أمَّا المسيح
فنبَّه عليه أن لا يعود يخطئ لئلاَّ يكون له أشر، إذ يبدو أنه كان قد مرض نتيجة
خطاياه، والمسيح أنقذه ليردّه إلى الحياة الأبدية. فذهب هذا المريض لمَّا عرف أن
المسيح هو الذي شفاه وأخبر عنه. لذلك كان اليهود يطلبون يسوع ليقتلوه!

34- مقاومة
اليهود

وإجابات
المسيح المضيئة فيها استعلان لذات الابن

ولكن يلزم أن يُفهم أن مقاومة اليهود لم تقتصر على المشادة
الكلامية وحسب، بل تخلَّلها محاولات جادة للقتل. وكان كسر السبت هو علَّة
المقاومة.

ويُلاحَظ
أن دفاع المسيح عن نفسه لم يكن على مستوى عقلية القتلة، وإنما ارتفع بإعلانه عن
نفسه عن مستوى التهديد والمهاترات ليواجههم بالحق الإلهي الذي جاء أصلاً ليعلنه:
“أنا هو الحق”، وواضح أن المسيح كان أعلى من أن يدافع عن نفسه. ومن
الحقائق التي أعلنها المسيح عن نفسه:

الحقيقة الأُولى: الابن يعمل مع الآب: ” أبي يعمل حتى
الآن وأنا أعمل”:

أجابهم يسوع أبي يعمل حتى
الآن وأنا أعمل” (يو 17: 5)، ذلك ردًّا على: “كان اليهود يطردون يسوع
ويطلبون أن يقتلوه لأنه عمل هذا في سبت” (يو 16: 5). وهي تأتي في اليونانية
بمعنى الاستمرار: “بسبب ما تعوَّد أن يعمله” وكانت هذه أول مرَّة يعلن
فيها اليهود عن عداوتهم بالقتل بالنية والتربُّص للقتل، وطبعاً كان ذلك بسبب
المغالاة التي بلغت العنف في حفظ حدود السبت، حتى بلغت إلى الحد الذي تساءل فيه
كبار الفرِّيسيين والربيِّين عن مدى خضوع الله نفسه لوصية السبت، وانتهى أعظم
أربعة ربيِّين منهم وهم غمالائيل الثاني ويشوع بن حنانيا والعازر بن عزاريا
ورابِّي عقيبا سنة 95م إلى القرار: [إن الله يحفظ وصية السبت لأنه لا يعمل خارج
حدود مسكنه، أي السماء والأرض، ولا يسير مسافة أطول من قامته، لذلك فعمل الله هو
في الحدود المسموحة](
[1])،فانظر وتعجَّب!!

من
هنا جاء رد المسيح عليهم يشمل نفسه والله أباه: “أبي يعمل حتى الآن وأنا
أعمل” بمعنى أن الله لم يتوقَّف عن عمله قط وإلاَّ تتوقَّف الحياة. فالله لم
يخلق الخليقة بواسطة الكلمة اللوغس (الابن) ثم تركها تعمل من ذاتها، كما يقول
الذين لا يؤمنون بالله. فالله يُحيي ويُميت ويدير الخليقة بنواميس دائمة لا تخضع
لفكر الإنسان.

وهنا
يضع المسيح نفسه مع الله الآب كمسئول عن عمل الخليقة ودوامها، وبالأكثر جداً من
جهة فدائها من السقوط وتجديدها وإعادتها إلى رتبتها الأُولى، كما جاء في سفر
العبرانيين: “الله.. كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه، الذي جعله
وارثاً لكل شيء، الذي به أيضاً عمل العالمين، الذي، وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحاملٌ
كل الأشياء بكلمة قدرته،
بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين
العظمة في الأعالي” (عب 1: 13). وينقل بولس الرسول في سفر
العبرانيين أيضاً عن المسيح: “وأمَّا عن الابن (فيقول) كرسيك يا الله (الابن)
إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك.. وأنت يا رب (الابن) في البدء أسَّست
الأرض والسموات هي عمل يديك، هي تبيد ولكن أنت تبقى، وكلها كثوب تبلى
وكرداء تطويها فتتغيَّر، ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى” (عب 1: 8-12). كما يكشف
بولس الرسول في الرسالة إلى أهل أفسس كيف يدبِّر الله ليجمع الخليقة كلها في
المسيح: “إذ عرَّفنا بسر مشيئته حسب مسرَّته التي قصدها في نفسه، لتدبير ملء
الأزمنة، ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض في ذاك (أي
المسيح).” (أف 1: 9و10)

بهذا
يتضح لنا جداً قول المسيح عن نفسه: “أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل” لذلك
واجههم المسيح صراحة بمقدار علو قامته عن مفهوم السبت عندهم: “ثم قال لهم:
السبت إنما جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان
لأجل السبت. إذاً ابن الإنسان (المسيح) هو رب السبت أيضاً.” (مر 2:
27و28)

فالمسيح
بعمله معجزات الشفاء العديدة في يوم السبت إنما كان يقوم في الحقيقة بعملية
تكميلية ظاهرة للخلق ومساوية في مضمونها للخلق ذاته، فالذي أعطى للمولود الأعمى
عينين ينظر بهما وللأعرج من بطن أُمه رجلين يجري بهما إنما يعمل عملاً هو من صميم
الخلق. وهذا أكبر إثبات أن عملية الخلق لم تنتهِ في نظر الله في يوم السبت.

أمَّا
إذا تطلَّعنا بأكثر دقة وعمق في عمل المسيح من جهة آلامه وصلبه بجسد البشرية الذي
أخذه منَّا، وكيف مات موتاً حقيقياً لنكمِّل فيه عقوبة الموت واللعنة التي ورثناها
من آدم، ثم قيامته من الموت بجسده الروحاني الجديد الذي هو ذات الجسد الذي مات به
وعليه جروحه ودمه، معلناً علناً وجهاراً دخول خليقة جديدة للإنسان مبرَّرة
وممجَّدة وليس للموت سلطان عليها لكي تحيا مع المسيح والله إلى الأبد، التي وهبها
لنا بسر المعمودية والإيمان به؛ هذا أصبح أعظم من كل أعمال الخليقة الترابية
الأُولى التي مآلها إلى الموت والزوال. إذن، فقد حقَّ للمسيح أن يقول عن صحة
ويقين: “أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل”

علماً
بأن موت المسيح ثم نزوله إلى القبر كان يوم السبت الذي حُسب الراحة العظمى للمسيح
ومعه البشرية: “لأن الذي دخل راحته استراح هو أيضاً من أعماله (في القبر) كما
الله من أعماله (في الخليقة)، فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة” (عب 4: 10و11).
“لأنه إن كنا قد صرنا متَّحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته” (رو 5:
6)، “فإن كنا قد متنا مع المسيح (في ذات الجسد) نؤمن أننا سنحيا أيضاً
معه.” (رو 8: 6)

وهكذا
بموت المسيح وقيامته كعمل الفداء الأعظم أعطى البشرية قيامة من الموت وحياة
جديدة معه في السماء، هذا هو تجديد الخليقة الأُولى الترابية أو هذه هي الخلقة
الجديدة الروحية بالإيمان بالمسيح. فالمسيح بصفته الكلمة الابن الذي اضطلع بالخلقة
الأُولى الترابية هو الذي اضطلع بواسطة التجسُّد بتجديد هذه الخلقة إلى خليقة
روحانية سماوية تحيا في السماء إلى الأبد.

الحقيقة الثانية: الابن لا يعمل بمفرده شيئاً:

أجاب يسوع وقال لهم: الحق
الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلاَّ ما ينظر الآب يعمل. لأن
مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك”
(يو 19: 5). قال هذا ردًّا على اتِّهام
اليهود: “فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم يَنْقُض
السبت فقط، بل قال أيضاً إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله.” (يو 18:
5)

حينما
يقول المسيح إن الله أبوه موضِّحاً أنه ابن الله فيكون بذلك حقا قد عادل نفسه
بالله. فإن ظهر هذا كتجديف في نظر اليهود، إلاَّ أن المسيح لا يقدِّم هنا مجرَّد
تعليم يمكن فحصه بالعقل على تعاليم أخرى سابقة، بل هو يعطي هنا استعلاناً جديداً
لله يخص صميم طبيعة الله في ذاته، التي لم تكن معروفة إطلاقاً من قبل. بل إن
المسيح باعتباره ابناً لله، قد نزل من السماء خصيصاً لكي يستعلن لنا هذا الإعلان
الجديد عن الله: “الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب
(تعبيراً عن الاتحاد الكلِّي المطلق) هو خبَّر” (يو 18: 1). وبهذا كان أول
إعلان له عن الله أنه أبوه وأنه هو ابن الله بالحق. وهنا الأبوَّة والبنوَّة في
الله سماوية روحية ليس لها شكل ولا تحديد منظور. فالله روح مطلق منزَّه عن
الولادة، لأن الألوهة مُنزَّهة عن التغيير والتجديد والفناء. فالله موجود بذاته
أباً لابن شأن الذات الكاملة المحبِّة والمحبوبة. فالآب موجود في الابن والابن
موجود في الآب: “.. أني في الآب والآب فيَّ” (يو 11: 14). أصبح بعد أن
نعرف أن التساوي مطلق بينهما يكون الآب والابن في الله واحداً أحداً مطلق
الوحدانية ومنزَّهاً عن الوحدة العددية القابلة للتقسيم. من هنا نقول: إن الله روح
واحد، آب وابن متساويان، ليس بالتساوي العددي أو المادي. ولكنه واحد مطلق، روح غير
محدود. وهكذا بالرغم من تعدُّد صفات الله التي من ضمنها صفة الآب والابن إلاَّ أنه
واحد كلِّي الوحدانية.

فالأبوَّة
والبنوَّة في الله وحدة روحية: الآب ذات كامل والابن ذات كامل، والآب والابن ذات
واحدة كاملة، لأن التساوي بين الآب وصفاته والابن وصفاته هو تساوٍ مطلق، فتحتَّم
بحسب المنطق أن يكون الله هو ذات واحدة

روح أعظم. وإن لَزِمَ التطبيق، ولكن على المستوى المادي العاجز والناقص، نقول: إن
كل إنسان هو أب وابن معاً وذات واحدة، فالإنسان كان ابناً وصار أباً محتوياً
البنوَّة في ذات واحدة بالرغم أن البنوَّة فيه كانت ذاتاً بحد ذاتها، والأبوَّة
صارت ذاتاً بحد ذاتها، وكل منهما كانت لها صفات متعدِّدة، إلاَّ أن الإنسان
بالنهاية أصبح ذاتاً واحدة. ولكن الإنسان مخلوق ترابي مادي فهو متغيِّر زمني وزائل
يموت حتماً، لذلك لكي يبقى الإنسان لزم الزواج والإنجاب باستمرار حتى لا يزول
الإنسان من الوجود. ولكن الله روح خالق أزلي غير متغيِّر ولا هو زمني ولا يزول؛
إذن، فهو لا يحتاج إلى زواج ولا إلى ولادة لتجديد وجوده، بل هو قائم دائم
بكيانه الروحي اللانهائي: آب كلِّي الكمال في الأبوَّة، وابن كلِّي الكمال في
البنوَّة.

ولمَّا
استعلن لنا المسيح طبيعة الله هذه كآب وابن بروح واحدة، وهو الخالق الذي فيه
الأبوَّة والبنوَّة أزلية، أدركنا في الحال سر دوام الخليقة على أساس قيام الأبوَّة
والبنوَّة. لأن أبوة الله هي السر الذي خرجت منه كل أبوة في الخليقة إنساناً أو
حيواناً. وبنوَّة الله هي سر قيام كل بنوَّة قائمة في العالم إنساناً كان أو
حيواناً، بمعنى أن أساس قيام الخليقة ودوامها هو أنها قائمة في ذاتها تستمد خلقتها
وحياتها وصفاتها من ذات الله كآب وابن، بحيث لو كان الله أباً فقط لتوقَّفت
الخليقة عن الاستمرار وتلاشت، كذلك لو كان الله ابناً فقط لتوقَّفت أيضاً الخليقة
عن الاستمرار وتلاشت. إذن، فبقاء وقيام أبوَّة الله وبنوَّته هو السر العجيب
المستتر لبقاء ودوام العالم المخلوق.

إذن،
فقول المسيح: “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلاَّ ما ينظر الآب يعمل.
لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك” أصبح هذا القول الآن واضحاً، بل
ودخل في سر الوجود والدوام للعالم!!

كما
يتضح لنا السبب في عجزهم وقصورهم عن إدراك ما هية المسيح لمَّا صارحوه: “.. وأنت إنسانٌ تجعل نفسك إلهاً”
(يو 33: 10)، والحقيقة لو
أحسنوا الرؤية
وفهموا سر المسيح لرأوا فيه العكس، أنه وهو إله جعل نفسه إنساناً!!

الحقيقة الثالثة: تكريم الابن هو من تكريم الآب وهو أمر حتَّمه الله نفسه:

لأنه كما أن الآب يقيم
الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضاً يحيي مَنْ يشاء” وأيضاً: “لأن الآب لا
يدين أحداً، بل قد أعطى كل الدينونة للابن، “لكي” يكرم الجميع
الابن كما يكرمون الآب. مَنْ لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله.” (يو 5:
2123)

المسيح
هنا يعلن لاهوته بلا مواربة، بل يطالب الذين يمجِّدون الله الآب أن يمجِّدوه،
وإلاَّ لا يقبل الله تمجيدهم. هنا يكشف المسيح عن إرساليته كوسيلة متاحة للإنسان
وواسطة مقبولة لتكريم الله الآب. لأنه كيف يمكن للإنسان أن يكرم الله الذي لا يراه
ولا يعرفه ولا يعرف عنه شيئاً؟ من أجل هذا أرسل الله ابنه خصيصاً لكي يكون لدى
الإنسان من الأسباب والأعمال ما يمكن أن يكرم بها الآب. فالمسيح هو
“كلمة” الله، والكلمة في أقوى صفاتها هي “الفعل”، لذلك أصبح
المسيح هو عمل الله المنظور والمحسوس والمفهوم، وبالتالي أصبح عمل الله الذي جاء
المسيح ليحقِّقه منظوراً على الأرض يعبِّر عن مشيئة الله وإرادته تماماً. من أجل
هذا تحتَّم تحتيماً أن الذي يريد أن يمجِّد الله ويُكرمه عليه أن يمجِّده ويكرمه
في عمله الذي يعمله المسيح لحساب الآب.

فقول
المسيح: “كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضاً يحيي مَنْ
يشاء” يؤكِّد لنا أنه بإقامته الأموات أمام أعيننا إنما هو يعمل عمل الآب،
حتى إذا كرَّمنا الابن بسبب إقامته الأموات نكون بالحقيقة قد كرَّمنا الآب.
فالمسيح حقَّق لنا عمل الآب الذي يقيم الأموات، ولكن بصورة علنية منظورة وملموسة.
فقد وقف أمام قبر لعازر وأمر لعازر الميت أن يقوم فقام في الحال وهو مربوط بكفنه،
مع أنه كان له أربعة أيام في القبر. هنا الآب منظور في المسيح، وعمل الآب منظور في
عمل المسيح. وهكذا في كل أعمال المسيح كغفران الخطايا وشفاء الأمراض وعمل كل
المعجزات هي كلها استعلان لقوة وعمل الآب في المنظور على يد المسيح. وهكذا أصبح
لنا آلاف الأعمال والأسباب الظاهرة التي يمكن أن نكرم بها الآب بعد أن كانت كل
أعمال الله غير منظورة وغير معروفة قبل أن يُرسل ابنه متجسِّداً.

كذلك
في قول المسيح: “لأن الآب لا يدين أحداً، بل قد أعطى كل الدينونة للابن”
كشف لنا عن حتمية المرور بالابن أولاً قبل أن نصل إلى الله الآب. لأن الابن وهو
المسيح سوف تُعقد الدينونة على يديه، فإن كان القضاء الإلهي الأخير في يد الابن
وهو المسيح، فأصبح من المحتَّم الخضوع والتسليم للابن والإصغاء لصوته وطاعة كلمته
ووصاياه لأنه بها سيتم الحكم، وعلى أساسها تكون الدينونة بالحياة أو بالهلاك.
والآب أعطى الدينونة للابن عن قصد يظهر من قول المسيح بكل وضوح وصراحة: “لكي
يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. مَنْ لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي
أرسله
” وبقوله هنا: “الذي أرسله” يوجِّه المسيح أبصارنا إلى أن
كرامة المُرسَل هي من كرامة المُرسِل: “الذي يقبل من أُرسله يقبلني، والذي
يقبلني يقبل الذي أرسلني” (يو 20: 13)، “والذي يحبني يحبّه أبي، وأنا
أحبه، وأُظهِر له ذاتي.” (يو 21: 14)

الحقيقة الرابعة: هدف الآب والابن من العمل واحد:

أوضح
صورة لهذه الحقيقة التي يظهر فيها أن الآب والابن لهما هدف واحد في العمل الذي
أُنيط بالابن أن يعمله على الأرض هي الآية التي تقول: ” هكذا أحب الله
العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به، بل تكون له الحياة
الأبدية”
(يو 16: 3). ففي هذه الآية يتضح أن هدف الآب والابن قد توحَّد
بصورة مطلقة في خلاص الإنسان وإعطائه الحياة الأبدية. فالآب أراد وشاء ذلك، والابن
نفَّذ ما أراد الآب وشاءه بكل طاعة وخضوع الابن للآب، مما كلَّف الابن أن يقدِّم
ذاته ذبيحة حسب صميم مشيئة الآب. وفي هذا العمل الهائل اشترك الآب والابن بصورة
سرِّية فائقة على العقل. فكون الآب “يبذل” معناه أنه دخل في صميم عملية
موت الابن بالجسد. “فالبذل” هو التضحية بالذات، فالآب ضحَّى من صميم
أبوَّته بالابن، هنا أعمق أحزان الابن وآلامه وقع حملها على الآب بصورة سرِّية
غاية في العمق الذي لا يمكن أن يُبلغ قراره. فحينما استودع المسيح (الابن) مشيئته
للآب بعد معركة نفسية أليمة وحزينة بلغت حد الموت مع نفسه، وهو مرتاع من كيفية
تصوُّر أن يقف على الصليب حاملاً عار الإنسان، وأخطر ما فيه خطية التجديف على الله
نفسه، ولثلاث مرَّات بعد أعنف صلاة سمعها الإنسان عن ابن الإنسان الذي كان عرقه
يتصبَّب على الأرض كالدم، سلَّم أخيراً نفسه للآب إن كانت هذه مشيئة الآب أن يقبل
على نفسه أن يحمل ابنه عار التجديف عليه؛ إذن، فلتكن مشيئته!! هنا تلاقت مشيئة
الابن مع مشيئة الآب على حمل عار البشرية وخطاياها. وبهذا يُفهم كيف يتحمَّل الآب
بذل ابنه على الصليب كذبيحة خطية مقدَّمة إليه!! هنا شركة الآب والابن معاً
وبالتساوي المطلق في عملية خلاص الإنسان بحمل خطيته وعاره لإمكانية غفرانها
بالكامل، ونقل الإنسان من تحت عقوبة الموت لقبول الحياة مع الله.

وتحت هذا الهدف الأعظم من كل الأعمال التي شاءها الآب
ونفَّذها الابن حسب مشيئة الآب تماماً تدخل جميع الأعمال الأخرى التي عملها الابن:
“ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني” (يو
4: 9)، الأعمال التي أنا
أعملها باسم أبي هي تشهد لي” (يو 25: 10)، “إن كنت لست أعمل أعمال أبي
فلا تؤمنوا بي. ولكن إن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال، لكي تعرفوا
وتؤمنوا أن الآب فيَّ وأنا فيه” (يو 10: 37و38)، “طعامي أن أعمل مشيئة
الذي أرسلني وأُتمِّم عمله” (يو 34: 4)، “أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من
عند أبي. بسبب أي عمل منها ترجمونني” (يو 32: 10)، “لو لم أكن قد عملت
بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطية. وأمَّا الآن فقد رأوا وأبغضوني
أنا وأبي” (يو 24: 15)، “لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأُكمِّلها، هذه
الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي أن الآب قد أرسلني” (يو 36: 5)،
“ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيَّ؟ الكلام الذي أُكلِّمكم به لست
أتكلَّم به من نفسي، لكن الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال” (يو 10: 14)،
“صدِّقوني أني في الآب والآب فيَّ، وإلاَّ فصدِّقوني
لسبب الأعمال نفسها.” (يو 11: 14)

الحقيقة الخامسة: أُعطي الابن أن تكون له الحياة في ذاته:

لأنه كما أن الآب له حياة في
ذاته، كذلك أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته”.

الكلام
هنا في صميم الطبيعة الإلهية والمسيح يستعلن موقعه من الله الآب. فحياة الآب هي
حياة الابن. فالذات الإلهية كما قلنا واحدة آب وابن معاً بالتساوي المطلق، هذا
التساوي الذي هو على وجه الإطلاق هو الذي حدَّد وحدانية الله المطلقة. هنا يتحتَّم
أن تكون حياة الآب هي حياة الابن، فالحياة التي للابن ليست ممنوحة من الآب، ولكن
خاصية واحدة للآب كما للابن.

وعلى
القارئ أن يلاحظ دقة الصيغة التي قيلت بها الآية، فليس أن الآب أعطى الحياة للابن،
بل الآب أعطى أن يكون الابن له حياة في ذاته. فحياة الابن في ذاته له كحياة الآب
في ذاته له. وفي هذا تعبير واضح للتمييز بين حياة الآب وحياة الابن
للتمييز فقط بين الأبوَّة والبنوَّة.
فالآب ليس هو ابناً والابن ليس هو آباً، ولكن
الآب والابن واحد في حياة واحدة متميِّزة. فالآب
يعطي حياة الأبوَّة والابن يعطي حياة البنوَّة للخليقة، وهي حياة
الله التي تحيا بها الخليقة.

الحقيقة السادسة: الآب أعطى الدينونة كلها للابن:

لأن الآب لا يدين أحداً، بل
قد أعطى كل الدينونة للابن”

1” وأعطاه سلطاناً أن
يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان”:

هنا
يستعلن لنا المسيح سلطانه الخاص الذي ناله بسبب بشريته، فهنا امتياز الدينونة أخذه
المسيح باعتباره ابن الإنسان. وهذا يكشف عن منتهى عدالة الله إذ جعل الديَّان الذي
يقضي لبني الإنسان هو “ابن الإنسان” أي يحمل جنسية مَنْ يقضي لهم:
“من ثَمَّ كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون (قاضياً) رحيماً،
ورئيس كهنة أميناً فيما لله حتى يكفِّر عن خطايا الشعب. لأنه فيما هو قد تألَّم
مجرَّباً يقدر أن يعين المجرَّبين.. لأن ليس لنا رئيس كهنة (ديَّان) غير قادر أن
يرثي لضعفاتنا، بل مجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية. فلنتقدَّم بثقة إلى عرش
النعمة (كذلك الدينونة) لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه” (عب 2:
17و18، 4: 15و16). لذلك أصبح من خصائص المسيح العجيبة أن يكون هو الديَّان وهو
نفسه يشفع في المذنبين: “فمن ثمَّ يقدر أن يخلِّص أيضاً إلى التمام الذين
يتقدَّمون به إلى الله، إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم” (عب 25: 7). وبمعنى
آخر قد حقَّ للمسيح بسبب كونه ابن الله المتجسِّد وبسبب بشريته، أن يكون
بآن واحد قاضي البشرية ومحاميها الأول. وهاتان
الصفتان يجمعهما بولس الرسول باقتدار مدهش هكذا: “مَنْ هو الذي يدين؟ المسيح
الذي مات بل بالحري قام أيضاً، الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع
فينا” (رو 34: 8) (ترجمة مصحَّحة عن اليونانية).

ومن
هنا تظهر الخطورة المريعة إذا رفضنا المسيح كشفيع، فحينئذ لا يبقى لنا منه إلاَّ
الدينونة.

2 وأعطاه أن يُقيم من بين
الأموات لمواجهة الدينونة العتيدة:

لا تتعجَّبوا من هذا. فإنه
تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة
الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة”.

واضح
أنه كان من سلطان المسيح إقامة الموتى أمام أعين الناس، ولكنه هنا يمتد بهذا
السلطان لإقامة الموتى جميعاً في اليوم الأخير. فسلطانه الأول على قيامة الموتى
لاستعادة الحياة على الأرض كلعازر كان تمهيداً شديد الضغط على تفكير الإنسان، أنَّ
المسيح هو الديَّان الذي بصوته سيُقام الموتى من القبور لمواجهة الدينونة العتيدة،
إمَّا لقبول الحياة الأبدية أو الموت الأبدي! فصوت المسيح الذي رنَّ في الهاوية:
“لعازر هلم خارجاً” هو نفس الصوت الذي سيزلزل لا الهاوية فقط بل والسماء،
لتتجمَّع جميع أرواح بني البشر أمام كرسي الديَّان لقضاء الدينونة الأخيرة؛ حيث
سيواجهها المفديُّون بالفرح والتهليل، أمَّا الرافضون فبالبكاء وصرير الأسنان!

3 ولكن دينونة المسيح مستمدَّة
من عدالة الآب وحسب مشيئته:

أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي
شيئاً. كما أسمع أدين ودينونتي عادلة لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي
أرسلني”.

هنا
يظهر المسيح متكلِّماً بشخصه “أنا” بعد أن كان يتكلَّم المسيح عن
“الابن” كناية عن نفسه:

§     
لأن مهما عمل ذاك (الآب)،
فهذا يعمله الابن كذلك”

§     
لأن الآب يحب الابن ويريه
جميع ما هو يعمله”

§     
لأنه كما أن الآب يقيم
الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضاً يُحيي مَنْ يشاء”

§     
لأن الآب لا يدين أحداً، بل
قد أعطى كل الدينونة للابن”

ولكن
هنا يتكلَّم المسيح ب”أنا”، حيث التحديد قاطع من جهة مستوى العمل الذي
يقوم به المسيح أنه ليس خارج مشيئة الآب أو بدون عمله. فالتصريح شديد النبرة:
“أنا لا أقدر أن أفعل” حتى يُلفت نظرنا إلى مصدر قدرة الآب المتحدة
بقدرته، حيث تأتي أحكام الدينونة هنا صادرة من الآب منطوقة بالابن “كما أسمع
أدين” وعلى أساس هذا الاتفاق العجيب بين نطق الآب الذي يسمعه الابن ونطق
الابن الذي تسمعه البشرية، يأتي الحكم بالدينونة عادلاً. واضح هنا أن وظيفة الابن
هي استعلان صوت الآب بنطق الابن. هنا عمل المسيح يتركَّز بصورة كاملة في كيفية
استعلان الآب غير المنظور وغير المسموع. فالابن يرى ويسمع ما عند الآب وينقل لنا
ما يراه ويسمعه، والابن يعرف مشيئة الآب وينفِّذها أمام الناس كما هي: “لأني
لا أطلب مشيئتي، بل مشيئة الآب الذي أرسلني” أمَّا ما هي مشيئة الآب؟ فقد
كشفها لنا المسيح:

+
“وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أُتْلِفُ منه شيئاً، بل
أُقيمه في اليوم الأخير. لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل مَنْ يرى الابن ويؤمن
به تكون له حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير.” (يو 6: 39و40)

4 إمكانية تخطِّي الدينونة من
الآن وقبول الحياة الأبدية:

مَنْ يسمع كلامي ويؤمن بالذي
أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة

تحمل
هذه الآية أعمق أسرار المسيح وتكشف عن سلطانه الفائق على الدينونة، فهو وهو
الديَّان يكشف لنا عن قوة الحياة الأبدية التي فيه، وكيف يستطيع أن يهبها للمؤمنين
به السامعين لكلامه ليعبروا به الدينونة منذ الآن. وهنا ترتفع كلمة الإنجيل إلى
أقصى قوتها وسلطانها، فقوله: “مَنْ يسمع
كلامي” يشير إلى سر الإنجيل وقوة الكلمة فيه القادرة أن تورِّث الإنسان
الحياة الأبدية منذ
الآن.

ولا يأتي إلى دينونة”:

هنا
يتخطَّى المسيح قاصداً عامداً كل مجهودات الإنسان وقدراته، لأن الدينونة تقوم
أصلاً على أساس أعمال الإنسان وسلوكه، ولكن المسيح تخطَّاها: “لا بأعمال في
برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح
القدس” (تي 5: 3). هذا تحدٍّ صارخ لبر الإنسان وأعماله وتقويض أركان الدينونة
بالنسبة للذين آمنوا بالمسيح، وكما يقول هو عن الذين سمعوا كلامه بحركة القلب الداخلية وانفتاح الوعي الروحي
لتقبُّل سر الخلاص الذي أسَّسه بدمه على
الصليب.

الذي
يسمع هنا إنما يسمع سر المسيح المختفي في كلامه، وهو نفسه سر الحياة الأبدية.
فالذي يضع يده على سر المسيح يضع يده على الحياة الأبدية: “الذي سمعناه، الذي
رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه (بالروح)، ولمسته أيدينا (بالإيمان)، من جهة
“كلمة” الحياة. فإن الحياة أُظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة
الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا (في المسيح). الذي رأيناه وسمعناه نخبركم
به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأمَّا شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع
المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً” (1يو 1: 14).
المسيح يضعها هنا باختصار مدهش: “مَنْ يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله
حياة أبدية”! وكأنما استودع المسيح نفسه: وبالتالي استودع حياته الأبدية
لكلمة الإنجيل، لكي مَنْ يسمعها يحيا إلى الأبد. وهكذا أصبحت كلمة المسيح في
الإنجيل مصدر الفرح الأبدي والسرور الدائم للإنسان، وبهجة الروح ومجد السماء، مَنْ
يلتصق بها يلتصق بالمسيح ويذوق عمانوئيل حقا، وبالفعل يحيا معيَّة المسيح ويعيش
حضرته في ملء عزاء السماء ونصرة الدهور. هذه هي الحياة الأبدية التي كانت مخفية
عند الآب مكنوزة لملء الزمان كعطية الآب لبني الإنسان وأُعلنت لنا في المسيح
بالروح، لتنقلنا بحق من الظلمة إلى نوره العجيب ومن الموت إلى الحياة، عبوراً
بالدينونة دون أن نُمسك فيها، لأننا غلبنا الموت وورثنا القيامة منه والحياة
الأبدية. “فمَنْ يسمع كلامي” يسمع أناشيد الخلاص وترنُّم بني الملكوت
أمام الآب؛ “ومَنْ يؤمن بالذي أرسلني” يذوق مجد الله الموهوب لمَنْ
ظفروا بالقيامة مع الميت على الصليب، ويحيا حب الآب الذي استُعلن في بذل ابنه
الوحيد لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.

فالحياة
الأبدية مذخرة في كلمة المسيح المختومة بالروح. والحاذق هو الذي يفك أختامها
بالروح لتنهمر عليه أنهار الحياة ليشرب ملء وعيه واتساعه، ولن يعطش أبداً.

والذي
أدرك سر المسيح في الكلمة حينما يسمعها كرنين أجراس القيامة، ينفتح وعيه وينطلق
يهلِّل تهليل الذين انتُشلوا من جذوة نار العالم وظلمة هذا الدهر وعبروا الدينونة
كأعظم من منتصرين، وانتقلوا محمولين على أجنحة الصليب من ظلمة القبر إلى نور
الحياة. وطوبى لمَنْ يجلس إليَّ ساهراً كل يوم يسمع كلماتي ويستنشق رائحة الخلود.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى