اللاهوت الروحي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

15- شروط الغيرة المقدسة:

مقالات ذات صلة

1) غيرة حسب المعرفة

ليست كل غيرة، هى غيرة مقدسة، فهناك ألوان خاطئة
من الغيرة، منها الغيرة التى ليست حسب المعرفة، والغيرة غير المتدينة والغيرة غير
المثمرة، والغيرة الهدامة، والغيرة الشتامة.. ولذلك نذكر من شروط الغيرة المقدسة
أن تكون: حسب المعرفة.

 

قال بولس الرسول ينتقد الغيرة الخاطئة التى لبنى
إسرائيل: “أشهد أن لهم غيرة لله، ولكن ليس حسب المعرفة” (رو 10: 3).

 

إذن هناك غيرة خاطئة. فما هى؟ وما أسبابها
ومظاهرها؟ ولعله من أهم أمثلة الغيرة الخاطئة:

 

1-غيرة شاول الطرسوسى فى اضطهاده للكنيسة
المقدسة:

وهو قال عن نفسه ” من جهة الغيرة: مضطهد
للكنيسة” (فى 3: 6). وقال أيضاً ” أنا الذى كنت قبلا مجدفاً ومضطهداً
ومفترياً. ولكننى رحمت، لأنى فعلت ذلك بجهل فى عدم إيمان” (1تى 1: 13). كان
بنية طيبة يضطهد المسيحية، فى جهل بالإيمان السليم. وهكذا قال لليهود ” وكنت
غيوراً لله كما أنتم.. واضطهدت هذا الطريق حتى الموت، مقيداً ومسلماً إلى السجون
رجالاً ونساء” (أع 22: 3، 4). ومن أمثلة الغيرة التى ليست حسب المعرفة أيضاً:

 

2-غيرة اليهود ورؤسائهم ضد الأثنى عشر بولس
الرسول:

وفى ذلك يقول الكتاب ” فقام رئيس الكهنة
وجميع الذين معه، الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة، ألقوا أيديهم على الرسل،
ووضعوهم فى سجن العامة” (أع 5: 17).

 

وقيل أيضاً ” فلما رأى اليهود الجموع،
امتلأوا غيرة، وجعلوا يقاومون ما قاله بولس مناقضين ومجدفين” (أع 3: 45).
ولما بدأ بولس وسيلا التبشير من بيت ياسون فى تسالونيكى، يقول سفر الأعمال ”
فغار اليهود غير المؤمنين، واتخذوا رجالاً أشرراً من أهل السوق، وتجمعوا وسجسوا
المدينة، وقاموا على بيت ياسون طالبين. أن يحضروهما للشعب ” وقالوا إنهما
” يعملان ضد أحكام قيصر، قائلين إنه يوجد ملك آخرهو يسوع. فازعجوا الجمع
وحكام المدينة إذ سمعوا هذا” (أع 17: 5- 7)

 

وهنا نجد غيرة، ليست حسب المعرفة، مصحوبه
بالادعاء الكاذب، وبالسجس، ومقاومة الإيمان، ومحاولة الإيذاء..

 

ولكنها غيرة وراءها دافع دينى، يظن أصحابها أنهم
يقومون بعمل مقدس. بينما هم يسيرون ضد الحق، ويستخدمون وسائل خاطئة وأكاذيب. ولعل
من هذا النوع أيضاً ما قاله السيد المسيح لتلاميذه:

 

3-” تأتى ساعة، فيها يظن كل من يقتلكم أنه
يقدم خدمة لله” (يو 16: 1).

ويدخل فى هذا البند كل تاريخ الاضطهاد اليهودى
للمسيحية، وأيضاً الاطهاد الرومانى، وأنواع الاضطهادات الأخرى الأجيال، حيث يقول
السيد المسيح ” سيسلمونكم إلى مجالس، وفى مجامعهم يجلدونكم، وتساقون أمام
ملوك وولاة من أجلى” ” وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمى” (متى
10: 17، 18، 22).. ومن أمثلة هذه الغيرة الخاطئة أيضاً:

 

 4- نذر
الصوم الذى نذره اليهود حتى يقتلوا بولس:

إذ حدث أن أكثر من أربعين شخصاً من اليهود صنعوا
تحالفاً ” وحرموا أنفسهم قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتى يقتلوا
بولس” (أع 23: 12). وهذا بلاشك نوع من النذر الخاطئ ومن الغيرة الخاطئة.

 

وهناك أمثلة من الغيرة الخاطئة، التى وقع فيها
بعض الرسل والأنبياء، نذكر من بينها:

 

5- غيرة بطرس الرسول فى قطع أذن العبد:

ففى أثناء القبض على السيد المسيح تملكته الغيرة
بدافع من الرجولة والحب، وهكذا ” مد يده واستل سيفه، وضرب عبد رئيس الكهنة
فقطع أذنه. فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف
يؤخذون” (متى 26: 51، 52). غيره بطرس هنا، كان دافعها طيباً ووسيلتها خاطئة.

 

6- تشبه هذه الغيرة الخاطئة، غيره موسى النبى
أولاً:

فى أول عهده ن قبل أن يروضه الله على الوداعة
والحلم، حدث أن موسى لما كبر ” أنه خرج لأخوته لينظر فى اثقالهم، فراى رجلا
مصريا يضرب رجلا عبرانياً من أخوته. فالتفت إلى هنا وهناك وراى انه ليس أحد، فقتل
المصرى وطمره فى الرمل” (خر 2: 11، 12).. كانت غيرة بقصد طيب، وهو الدفاع عن
المظلوم0ولكن وسيلته كانت خاطئة، استخدم فيها العنف والقتل.

 

7-ومن أمثلة الغيرة الخاطئة أيضاً غيرة يعقوب
ويوحنا الرسولين، لما رفضت احدى قرى السامرة قبول الرب، فقالا له:

أتريد يا رب أن تقول أن تنزل نار من السماء
فتفنيهم، كما فعل إيليا” (لو 9: 52 – 45).

لذلك انتهرهما الرب وقال لهما ” لستما
تعلمان من أى روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص”.
إنها غيره دافعها الحب والاحترام للمعلم الصالح والسيد الرب. ولكنها كانت خاطئة من
جهة الوسيلة والانتقام للنفس

 

8-ومثالها أيضاً غيرة يشوع لمعلمة موسى النبى:

عرف أن ألدواد وميداد يتنبآن فى المحلة. فغار
يشوع لنبوة معلمه، واستأذن فى أن يردعها، فعاتبة موسى قائلا ” هل تغار أنت
لى؟ يا ليت كل شعب الله كانوا انبياء إذا جعل الله روحه عليهم” (عد 11: 29).

 

لكل هذا نضع أمامنا قول الرسول لأهل غلاطية: “حسنة
هى الغيرة فى الحسنى” (غل 4: 18). من صفات الغيرة المقدسة أيضاً أنه لابد: تصحبها
سيرة صالحة.

 

2) تصحبها سيرة صالحة

إن الغيرة المقدسة لا تؤثر فى الناس، مالم
تصحبها حياة صالحة تكون قدوة لهم ومثالاً.

وهكذا نجد أن بولس الرسول كان ملتهباً بالغيرة
لخلاص النفوس. وفى نفس الوقت يقول لهم ” اطلب إليكم أن تكونوا متمثلين
بى” (1كو11: 1). وهو يطوب تلميذه تيموثاوس على أنه سار بنفس سيرته، فيقول له
“وأما أنت فقد تبعت تعليمى وسيرتى وقصدى وإيمانى ومحبتى وصبرى” (2تى 3: 10).

 

حقاً إن العين تتأثر فى الروحيات أكثر من الأذن.

فما يراه الناس فى حياتك وفى قدوتك، يؤثر فيهم
أكثر مما يسمعونه من عظاتك وارشاداتك. ووصية الله التى تدافع أنت عنها بغيرة شديدة،
إن لم تكن منفذة فى حياتك، فباطلة هى كل غرتك فى الدفاع عنها..!

 

فلابد أن نحب الله، لكى نجعل الناس يحبونه.

 

لابد أنقدم لهم حياة، وليس مجرد الارشاد. نقدم
الوصية فى الحياة العملية، وليس فى مجرد تعليم نظرة. يلمس الله قلوبنا أولا،
وحينئذ تستطيع قلوبنا أن تؤثر فى قلوب الناس..

 

وحذار أن نكون مجرد علامات فى الطريق الروحى.

 

الذى يسير فى الطريق الصحراوى من القاهرة إلى
الأسكندرية، يرى علامات فى الطريق ترشده إلى الأسكندرية، وكم بقى من الكيلومترات
عليها. هذه العلامات ترشد إلى المدينة، دون أن تدخلها. فلا تكن مثلها: ترشد الناس
إلى الحياة مع الله، دون أن تحيا أنت معه.

 

لا تكن كالأجراس التى تدعو إلى دخول الكنائس،
ولا تدخل هى مطلقا إليها.

 

لا تقف فى الطريق ترشد الناس إلى الاتجاه السليم
الذى يتبعونه لكى يصلوا إلى الله. إنما سر فى الطريق، أو أركض نحو الله. والذين
يريدون فليسيروا معك وليركضوا لكى يصلوا. ولا تكف بأن تكون علامة مرشدة.

 

الكتبة ورؤساء الكهنة كانوا أيضاً علامات فى
الطريق.

 

ارشدوا المجوس إلى بيت لحم حيث ينبغى أن يولد
المسيح. فتشوا فى الكتب. وقالوا ” هكذا مكتوب بالنبى..” (متى 2: 5،6).
وذهب المجوس إلى بيت لحم وراوا المسيح، وسجدوا له

 

وهكذا نجد أن بولس الرسول كان ملتهباً بالغيرة
لخلاص النفوس. وفى نفس الوقت يقول لهم ” اطلب إليكم أن تكونوا متمثلين
بى” (1كو 4: 16). وقال أيضاً بالمسيح” (1كو 11: 1). وهو يطوب تلميذه
تيموثاوس على أنه سار بنفس سيرته، فيقول له ” وأما أنت فقد تبعت تعليمى
وسيرتى وقصدى وإيمانى وأناتى ومحبتى وصبرى” (2تى 3: 10).

 

حقاً إن العين تتأثر فى لروحيات أكثر من الأذن.

 

فما يراه الناس فى حياتك وفى قدوتك، يؤثر فيهم
أكثر مما يسمعونه من عظاتك وارشاداتك. ووصية الله التى تدافع أنت عنها بغيرة شديدة،
إن لم تكن منفذه فى حياتك، فباطلة هى كل غيرتك فى الدفاع عنها..!

 

فلابد أن نحب الله، لكى نجعل الناس يحبونه.

 

لابدأن نقدم لهم الحياة، وليس مجرد الارشاد.
نقدم الوصية فى الحياة العملية، وليس فى مجرد تعليم نظرى. يلمس الله قلوبنا أولا،
وحينئذ تستطيع قلوبنا أن تؤثر فى قلوب الناس..

 

وحذار أن نكون مجرد علامات فى الطريق الروحى.

 

الذى يسير فى الطريق الصحراوى من القاهرة إلى
الأسكندرية، يرى علامات فى الطريق ترشده إلى الأسكندرية، وكم بقى من الكيلو مترات
عليها. هذه العلامات ترشد إلى المدينة، دون أن تدخلها. فلا تكن مثلها: ترشد الناس
إلى الحياة مع الله، دون تحيا أنت معه.

 

لا تكن كالأجراس التى تدعو إلى دخول الكنائس،
ولا تدخل هى مطلقاً إليها.

 

لا تقف فى الطريق ترشد الناس إلى الاتجاه السليم
الذى يتبعونه لكى يصلوا إلى الله إنما سر فى الطريق، أو أركض نحو الله. والذين
يريدون فليسيروا معك وليركضوا لكى يصلوا. ولا تكف بأن تكون علامة مرشدة.

 

الكتبة ورؤساء الكهنة كانوا أيضاً علامات فى
الطريق.

 

ارشدوا المجوس إلى بيت لحم حيث ينبغى أن يولد
المسيح. فتشوا فى الكتب. قالوا ” هكذا مكتوب بالنبى..” (متى 2: 5، 6)
وذهب المجوس إلبيت لحم وراوا المسيح، وسجدوا له وقدموا له هدايا. أما الكتبة الذين
ارشدوهم ن فلم يذهبوا، ولا راوا ولا قدموا هداياً..!

 

نحن نريد اشحاصاً وصلوا إلى الله، لكى يوصلوا
الآخرين معهم

 

نريد اشخاصاً رأوه ولمسوه وذاقوه وأحبوه
واختبروا حلاوة الحياة معه، لكى يقولوا للناس ” ذوقوا وانظروا ما أطيب
الرب” (مز 34: 8). أو على الأقل تكون لهم خبرة السامرية حينما رأت المسيح
وتحدثت معه، ثم قالت للناس ” تعالوا وانظروا..” (يو 4: 29).

 

إن كنت لم تأكل من المن، فكيف تستطيع أن تصف
طعمه للناس؟!

 

وإن كان قلبك خالياً من الله، فكيف تدعو الناس
إلى محبته ظ! وإن كانت عينك جافة، فكيف تحدثهم عن الدموع؟! وكيف تشرح حياة
الأنتصار، إن كنت لا تزال ساقطاً فى الخطية؟! كيف ستكون لكلماتك قوة لكى تؤثر فى
غيرك. استمع إذن إلى قول السيد الرب:

 

“ومن عمل وعلم، فهذا يدعى عظيماً فى ملكوت
السماوات” (متى 5: 19).

 

وجعل الرب العمل يسبق التعليم. وبنفس الأسلوب
كتب بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس يقول له: “لاحظ نفسك والتعليم، وداوم
على ذلك. لأنك إذا فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً” (1تى 4: 16).
وهكذا أمرة أن يلاحظ نفسه قبل التعليم..

 

اقتن ثمار الروح، فيذوق الناس ثمرك ويحبونه.

 

وبدلا من أن تحدثهم عن ” المحبة والفرح
والسلام ” وباقى الثمار (غل 5: 22) اجعلهم يرون ثمار الروح فى حياتهم. قدم
لهم المسيحية – بقدوتك – كحياة فرح وسلام..

 

لإنه من العثرات التى تحدث أحياناً، أن بعض
الخدام يظنون أن الجدية فى الحياة الروحية، معناها أن يعيشوا فى عبوسة دائمة. لا
يضحكون، ولا حتى يبتسمون، ويتكلمون فى شدة وحزم. وهكذا يعثرون الناس الذين يرونهم
فيقولون فى نفوسهم

 

هل إذا سرنا فى طريق الله، نتحول إلى هذه
الصورة؟!

 

و هل حياتنا مع الله معناها أن نعيش فى كآبة
دائمة، رافعين أمامنا هذا الشعار ” بكآبة الوجه يصلح القلب” (جا 7: 3).

 

و هل هذا هو المفهوم السليم لهذه الاية؟!

 

أما إن راوك إنساناً قديساً وباراً، ومع ذلك
فأنت سعيد ” تفرح فى الرب كل حين” (ق 4: 4)، فى سلام قلبى، تتحدث مع
الناس فى بشاشة وبغير تأزم.. فحينئذ يتشجعون ويحبون الحياة الروحية ولا يخافونها..

 

إن نقاوة السيرة تجعل الغيرة لها ثمر.

 

نقطة أخرى فى شروط الغيرة المقدسة، تنبع أيضاً
من السيرة الصالحة وهى أن تكون الغيرة: بناءة وليست هدّامة.

 

3) بنّاءة وليست هدّامة

يظن البعض أن الغيرة المقدسة هى ثورة لأجل
الاصلاح. وأن هذه الثورة تكون بالصخب والضجيج والشتائم والتحطيم..!

وفى الواقع أن هذه غيرة ولكن بغير تدين.. غيره
خالية من الروحانية، وخالية من الحكمة الإلهية.

 

ويوبخها القديس يعقوب الرسول فيقول ” ولكن
إن كان لكم غيرة مرة وتحزب فى قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه
الحكمة نازلة من فوق، بل هى أرضية نفسانية شيطانية. لأنه حيث الغيرة والتحزب، هناك
التشويش وكل أمر ردئ” (يع 3: 14-16).

 

إن الاصلاح مطلوب، لكن لا يصح أن يتم بطريق
الشوشرة.

 

وإنما يكون بحكمة وروحانية، وبطريقة إيجابية.
ولذلك يصف القديس يعقوب هذه الحكمة والروحانية بقوله ” وأما الحكمة التى من
فوق فهى أولا طاهرة ثم مسالمة، مترفقة مذعنة، مملوءة رحمة وأثماراً صالحة.. وثمر
البر يزرع فى السلام، من الذين يحبون السلام” (يع 3: 17، 18).

لذلك فالمسيحية تدين الغيرة الهدامة والشتامة:

 

ليست غيرتك للحق، معناها أن تشتم المخطئين
وتشبعهم تجريحاً وتوبيخاً. لأنه من الممكن أن تدافع عن الحق بطريقة إيجابية بناءة.
فنحن لا نتكلم عن مجرد الغيرة، وإنما عن الغيرة المقدسة. القداسة لا تتفق مع
الأسلوب الشتام الهدام.

 

و الغيرة المقدسة هى أن تنقذ الخاطئ من خطيته،
لا أن تحطمة..

 

فالانقاذ خير من الانتقاد. وبناء النفس بالفضيلة،
خير من تحطيمها بالنقد الجارح واساءة السمعة وخدش الشعور.. وباقى وسائل التعيير
والتحقير، تحت اسم الغيرة!!

 

الغيرة المقدسة ليست هى الغيرة الصخابة العصبية
الانفعالية!

 

ليست هى الصياح والصراخ والضجيج، وليست مجرد
الكلام. إنما هى عمل إيجابى نافع، من أجل الخير، ومن أجل الغير، مع الالتزام
بالوسائل المقدسة. إنها تنشر الحق بطريقة حقانية، لا خطأ فيها، بغير ضوضاء، بغير
شجار، بغير خصام.

 

تشبه النار التى تنضج وليست النار التى تحرق.

 

إنها ليست عاصفة هوجاء ن تجرف كل ما فى طريقها،
بقسوة لا ترحم. وليست “غيرة مرة” حسبما وصفها يعقوب الرسول فالخادم
المتصف بالغيرة، يكون “غيوراً فى أعمال حسنة (تى 2: 14). وهكذا أيضاً:

 

تكون الغيرة متواضعه، لا تتكبر ولا تتعالى..

 

تشعر بآلام المخطئين، وتعمل على انقاذهم منها،
فى حب، وفى وداعة واتضاع. مثلما قال بولس الرسول لقادة افسس ” متذكرين أنى
ثلاث سنين ليلا ونهاراً، لم افتر عن أن أنذر بدموع كل أحد” (أع 20: 31).. كان
ينذر بدموع، وليس بصلف ولا بكبرياء ولا بقسوة..

 

الغيرة تبذل ذاتها لأجل الغير لا أن تحطم الغير.

 

مثلما فعل السيد المسيح الذى قال إنه جاء ليدين
العالم، بل ليخلص العالم (يو 3: 17). وقال ايضاً “لأن ابن الإنسان لم يأت
ليهلك أنفس الناس بل ليخلص” (لو 9: 56). لذلك فالغيرة المقدسة هى غيرة رحيمة
منقذة، هدفها الخلاص..

 

إنها غيرة إذا افتقدت تقنع وتتابع، وتزيل
العوائق، وتحل المشكلات.

 

وبدلا من أن تلوم الخطاة على عدم السير فى الطريق
السليم، تسهل لهم السير فى الطريق، وتحببهم فيه، وتقوى عزائمهم وارادتهم.. نقطة
أخرى فى صفات الغيرة المقدسة وهى أنها: غيرة قوية وشجاعة.

 

4) غيرة قوية وشجاعة

قد يحب البعض الوداعة والتواضع، ولكن للأسف
الشديد.

ربما يرون التواضع والوداعة يتعارضان مع القوة والشجاعة!

وهذا خطأ واضح. فالفضائل المسيحية تتمثل فى
الشخصية المتكاملة، التى لا ينقصها شئ. والسيد المسيح كان وديعاً ومتواضعاً، كان
أيضاً قوياً وشجاعاً. وما أجمل قول داود النبى فى غيرته المقدسة: “تكلمت
بشهادتك قدام الملوك ولم أخز” (مز 119). الغيرة المقدسة هى نار. والنار لها
قوتها وحرارتها:

 

 والخادم
المتصف بالغيرة، إذا تكلم بكلمة الرب، فكلمته نار ” ترجع فارغة” (أش 55:
11) بل تكون ” حية وفعالة، وأمضى من كل سيف ذى حدين، وخارقة إلى مفرق النفس
والروح” (عب 4: 12).

 

وإذا صلى لأجل الخدمة، تكون صلاته ناراً تلتهب.

 

” تقتدر كثيراً فى فعلها” (يع 5: 16).
تستطيع أن تقف أمام الله، تصارع وتغلب.. وتأخذ منه قوة تشعل الخدمة وتنجحها.

 

و الخادم الغيور إذا وبخ فكأنه نار، وإذا نصح
فكأنه نار. وإذا تناول موضوعاً، يكون ذلك بقوة ونعمة، وليس بتراخ ولا تهاون. هو
شخص ملتهب فى قلبه، وفى أفكاره وفى الفاظه، وفى مشاعره. وعمله قوى فى نتائجه.

 

ليست الغيرة مجرد روتين أو تأدية واجب، إنما هى
قوة.

 

هى شعور وعاطفة، وحماس وحرارة وشجاعة تتخطى كل
العقبات، ونشاط دائم ومنتج. وهذه القوة التى للغيرة، تظهر فى أمور عديدة:

 

قوة فى الاقناع، وفى التاثير، وقوة فى الدفاع عن
الإيمان والحق، وقوة فى العمل

 

إن دخل فى الخدمة خادم من هذا النوع، يشعر الكل
أن طاقة كبيرة قد دخلت فى الخدمة، وأن كل فروع الخدمة قد بدأت تتحرك وتسخن،
والثمار اصبحت وفيرة.. أخذوا قوة من الروح أصبحت ميزة لهم تلازمهم فى كل موضوع وفى
كل مناسبة.

 

العجيب أن أهل العالم قد تكون لهم جرأة فى
استهتارهم، بينما أولاد الله قد يخجلون من برهم.

 

كما لو كانت (الوداعة) خاتماً على شفاهم!! فلا
تكون لهم قوة فى الدفاع عن مبادئهم وعن عقائدهم وعن سلوكهم الروحى.. كما لو كان
الواحد منهم خجلاً من سلوكه الروحى!!

 

انظروا إلى وصف الكتاب للملائكة القديسين إذ
يقول:

 

سبحوا الله يلا ملائكته، المقتدرين قوة”
(مز 103).

 

إنها تذكرنى بالقوة التىتكلم بها بولس الرسول عن
والتعفف والدينونة. فارتعب فيلكس الوالى (أع 24: 25).

 

امتلأ بولس بالروح، فامتلأ بالقوة الروح الذى
قيل عنه ” ستناولون قوة متى حل الروح القدس عليكم”.

من شروط الغيرة المقدسة أيضاً أنها تكون: غيرة
مثمرة ونشيطة.

 

5) غيرة مثمرة ونشيطة

إن الغيرة هى عمل إيجابى، وليست مجرد كلام..

و العمل الايجابى لابد أن يكون له ثمر فى ملكوت
الله. وقد طلب الكتاب منا أن يكون لنا ثمر.. وقال ” كل شجرة لا تعطى ثمراً
جيداً، تقطع وتلقى فى النار” (متى 3: 10).

 

و الغيرة المقدسة إذا ملكت قلب إنسان، إنما
تدفعه بقوة نحو خلاص نفسه ونحو خلاص الآخرين. فلتكن لك هذه الغيرة. وليكن لك معها
الحب نحو الآخرين والسعى فى ضمهم إلى الملكوت.

 

فإن لم تكن لك الغيرة الغيرة التى تدفعك إلى
العمل على خلاص الناس، تصير حينئذ شجرة جدباء غير مثمرة.

 

هل تقبل أن تذهب إلى الله بدون ثمر روحى، بدون
أن تكسب ولا نفساً واحدة للمسيح؟! هل تقبل أن تكون شجرة جدباء عقيمة؟!

 

إن الكرمة إن كان فيها عنقود واحد مثمراً، فلا
تزال تحمل بركة. والعنقود إن كانت فيه حبة واحدة، فلا يزال يحمل بركة! (اش 65: 8)،
وأنت ماذا تحمل؟! لعلك تستطيع أن تقف فى الملكوت وتقول:

 

” هانذا والأولاد الذين أعطانيهم
الرب” (اش 8: 18).

 

إذن كن مثمراً فى حياتك. فالإثمار وضع طبيعى
للشجرة مادامت فيها حياة.. كن منتجاً ولا تكن سلبياً..

 

هل أنت فى كل يوم تضيف حصيلة جديدة إلى المكوت؟
وتسطيع أن توصل كلمة الله إلى غيرك؟

 

إن الأيام المباركة فى حياتك، هى الأيام المثمرة.

 

هناك أيام عجيبة فى حياة القديسين كانت بركة،
وكانت لملكوت الله. ينطبق عليها قول الكتاب ” يوم واحد عند الرب كألف
سنة” (2بط 3: 8)..

 

لعل جيلنا الذى نعيش فيه، يصرخ ويصلى قائلا:

 

إننا يا رب لم نكن مستحقين أن نعيش فى الجيل
الذى رآك فى الجسد ورأى كيف تعمل ولم نكن مستحقين كذلك أن نحيا فى جيل بولس الرسول
مثلا. ولكنها طلبة عزيزة نطلبها: امنحنا يوماً واحداً فقط من حياة بولس.

 

أويوماً من حياة بطرس، أو من حياة أسطفانوس..

 

 إن بطرس
الرسول استطاع فى يوم واحد أن يضم ثلاثة آلاف نفس إلى الإيمان. (أع 2: 41).
واسطفانوس بسببه “كانت كلمة الله تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جداً..”
(أع 6: 7). د

 

وبولس الرسول كان يربح على كل حال قوماً (1كو 9:
22).

 

كان يعمل فى كل ميدان، مع كل أحد، مع كل أحد، مع
اليهود، مع اليونانى، مع الذين بلا ناموس.. باسلوب انسان خبير فى خلاص النفس.. كم
هى النفوس التى ستسير وراء بولس الرسول فى الملكوت؟ أو ما هو الانتاج العظيم الذى
كان له فى ملكوت الله. يقينا أن هذا الإنسان لم يكن خادماً عادياً. حقا إنه على
بولس وأمثال بولس، قال الكتاب: “ألم اقل أنكم ألهة، بنى العلى تدعون”
(مز 82: 6)

 

بل كان بولس أعلى من هؤلاء (مز 82: 7)

 

انظر إلى الجبابرة فى ملكوت الله ن واشته أن
تسير قلا طريقهم، واسأل نفسك فى كل يوم: ما الذى فعلته أنا من أجل الملكوت؟

 

هل كنت أميناً فى كل خدمتى، وفى كل الوزنات التى
وهبنى الله إياها؟ ومع كل الأنفس التى أقامنى الله خادماً لها؟ وهل سأسمع صوته
الحانى فى اليوم الأخير يقول لى ” نعماًأيهاالعبد الصالح والأمين. كنت أمينا
فى القليل. فسأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيدك” (متى 25: 21). يعجبنى ذلك
العبد الشاطر الذى قال لسيده: “مناك يا سيد ربح عشرة أمناء” (لو 19: 16).

 

هذه هى الغيرة الحقة المثمرة فى ملكوت الله.
لعلنا بالمقارنة معها نسأل أنفسنا:

 

ما الذى فعلناه نحن من أجل هذا الجيل الذى عشنا
فيه؟ والذى هو أمانة فى أعناقنا أمام الله وأمام الأجيال المقبلة..! ماذا كانت
غيرتنا العملية على خلاصه؟!

 

ما هو العمل الخلاصى الذى ساهمت به الكنيسة؟ أم
هل نظرنا وإذا حياتنا عميقة، وبلا قيمة، وغير منتجة!!

 

ما الذى عملنا من أجل جيل انتشرت فيه الإباحية
والمادية والالحاد؟ واصبح هناك واجب على أولاد الله:

 

أن يكونوا أنواراً ساطعة فى جبل مظلم.

 

هل قامت الكنيسة بهداية العالم، أم تشكل بعض
أولادها بشكل العالم؟! هل أعطينا العالم الذى فينا، أم أخذنا منه شره هل عملنا
وعلمنا العالم طرقنا الروحية، أم أخذنا من العالم أساليبه وحيله وسبله؟!

 

هل بغيرتنا صار العالم روحياً، أم صور الروحيون
كأهل العالم؟! ما الذى فعلناه لأجل الرب؟ هل نستطيع أن نقول مع السيد المسيح
” العمل الذى اعطيتنى قد أكملته” (يو 17: 4). هل فى زيارتنا وافتقادنا
لأى بيت، نستطيع أن نرفع تقريراً لله نقول فيه: “اليوم حصل خلاص لهذا البيت”
(لو 19: 9)..

 

انظروا إلى يوحنا المعمدان، وماذا فعل لأجل جيله:

 

فى فترة قصيرة جداً، استطاع أن ” يهئ للرب
شعباً مستعداً” (لو 1: 17) وأن يقود جماهير الشعب كله إلى معمودية التوبة
” معترفين بخطياهم ” من أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة
بالأردن (متى 3: 5، 6). واستطاع أن يسلم العروس للعريس، ويقف فرحاً (يو 3: 29)..
هذا هو الثمر العجيب لغيرة ملتهبة.

 

إن كان هؤلاء القديسون دروساً لنا، فالطبيعة
أيضاً كذلك:

 

فى إحدى المرات، وقفت فى الدير أمام شجرة كافور
ضخمة، شجرة ارتفاعها حوالى العشرين متراً، وفيها فروع تحمل عشرات الآلاف من البذور،
إن لم يكن مئات الآلاف. وتأملت بذرتها، فإذا هى صغيرة جداً. وقد استطاعت هذه
البذرة

 

الدقيقة، أن تنمو هذا النمو الهائل، وأن تطرح
مئات الآلاف من البذور! وشعرت بضآلة نفسى أمام شجرة الكافور هذه، بل أمام فرع واحد
منها، بل أمام هذه البذرة الدقيقة الصغيرة.

 

و الدرس الذى نأخذه من شجرة الكافور، نأخذ مثله
من النخلة.

 

نواة بلحة، تنمو كل هذا النمو، وتعلو كل هذا
العلو، وتعطى هذا القدر العظيم من البلح، بآلاف عددها.. ثم أجلس وأعد عدد سنوات
حياة هذه النخلة، ومقدار الثمر الذى اعطته فى حياتها كلها. واشعر أيضاً بصغر نفسى
أمامها.. ولعل داود خطر بنفسه هذا الخاطر حينما قال:

 

” الصديق كالنخلة يزهو” (مز 92: 12)
ومع ذلك يقول إن الإنسان هو سيد الطبيعة.

 

وهو كاهن الطبيعة، وهو خليفة الله فى أرضه.. هو
الذى سلطه الله على النبات والحيوان والطيور.. هل استطاع أن يثمر مثلما تثمر
النخلة، أو يزهر مثلما تزهر زنابق الحقل؟ هل استطاع أن يكون فى عمله كمجرد نواة
لبلحة؟!

 

اجتماع كإجتماعكم هذا ن لو كل شخص فيه، اتى
بعشرة اشخاص معه، فى غيرة منه لملكوت الله، كم يكون إذن أبناء الملكوت، لو توالت
الأعداد.

 

لتكن لكم إذن غيرة على الملكوت. وليكن لغيرتكم
ثمر، افقى وعمقى..

 

افقى من جهة العدد والامتداد والأنتشار. وعمقى
من جهة النوعية والروح وعمق الصلة بالله..

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى