اللاهوت المقارن

الفصل التاسع



الفصل التاسع

الفصل التاسع

التوبة

67 التوبة سر

68 التوبة والاعتراف

69 التوبة والكنيسة

70 التوبة والخلاص

71 التوبة وعمل النعمة

72 التوبة والاختبارات

73 التوبة بين الفرح والانسحاق

74 التوبة والتجديد

75 التوبة تسبق جميع الأسرار

76 التوبة – السلوك، والأعمال

 

67- التوبة سر

الكل ينادي بالتوبة. لا يجادل في أهميتها أحد.

ولكن التوبة عند الأرثوذكس شئ، وعند الطوائف
الأخري شئ مختلف تماماً، من جهة ماهيتها، ومفعولها، واتمامها، ولزومها للخلاص، وما
يتعلق بها من أمور أخري. وسنتناول الآن هذه الخلافات واحداً فواحدا:

 

1)* التوبة (سر):

 التوبة
في المفهوم الأرثوذكسي هي سر أسرار الكنيسة السبعة اسمه سر التوبة (أما الطوائف
البروتستانتية – وهي لا تؤمن بأسرار الكنيسة – فلا تنظر إلي التوبة كسر مقدس.
وهناك إذن فرق بين (التوبة) و(سر التوبة)

 

ولهذا الفارق دلالاته ونتائجه اللاهوتية. فما
هي؟

 

68- التوبة والاعتراف

في المفهوم الأرثوذكسي، يمثل الاعتراف بالخطية
جزءاً أساسيا من سر التوبة. ونقصد به الاعتراف علي الأب الكاهن (من يكتم خطاياه لا
ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم) (أم13: 28).

 

وقد مارس الناس الاقرار بالخطية (الاعتراف بها)
في العهد القديم (فإن كان يذنب في شئ من هذه، يقر بما قد أخطأ به، ويأتي إلي الرب
بذبيحة لاثمه) (لا5: 5)، والكتاب مملوء بأمثلة من الاعتراف واستمر الأمر إلي آخر
نبي في العهد القديم، او فترة ما بين العهدين، يوحنا المعمدان، والذي أتاه الناس
من كل موضع (وأعتمدوا منه في الأردن، معترفين بخطاياهم) (مت6: 3).

 

وفي العهد الجديد، مارسوا الاعتراف بالخطية
أيضاً.. (وكان كثيرون من الذين آمنوا، يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم) (أع18: 19)
(واعترفوا بعضكم علي بعض بالزلات) (يع16: 5).

 

أما الطوائف البروتستانتية فلا تعتقد بالاعتراف،
ولا تدخله ضمن نطاق التوبة.

 

69- التوبة والكنيسة

حقا أن التوبة عمل داخل القلب، يشمل الندم
وتبكيت الضمير والعزم علي ترك الخطية وتركها بالفعل، قلباً وعملاً. ولكن التوبة
تتم داخل الكنيسة بالاعتراف والتحليل..

 

من جهة الخاطئ، والاعتراف بالخطية ومن جهة
الكاهن، قراءة التحليل ومنح المغفرة (اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له،
ومن امسكتم خطاياه أمسكت) (يو20: 22،23).

 

ويتبع هذا أيضاً الإرشاد الذي يتلقاه التائب من
أبيه الروحي، لكيما يثبت في توبته.

 

أما الطوائف البروتستانتية، فتقدم توبة منفصلة
تماما عن الكنيسة، مجرد عمل فردي لا علاقة له بالكهنوت. لن البروتستانتية لا تؤمن
بالكهنوت إنما تؤمن بعلاقة مباشرة مع الله. والطوائف البروتستانتية في هذا الأمر
علي نوعين:

 

1)* نوع يهاجم الاعتراف والكهنوت علناً. وهو
النوع الأضعف لأنه مكشوف، يحترس منه الثابتون في العقيدة، كما أن آراء ظاهرة يمكن
الرد عليها.

 

2)* النوع الثاني لا يهاجم الاعتراف ولا الكهنوت
ولا التناول، لكنه يريد أن ينسي الناس هذا الأسرار، بعدم الحديث عنها، وبتقديم
بديل لها، كأن يقول: أنت محتاج إلي التوبة، والرجوع إلي الله. اذهب إليه اطرح نفسك
عند قدميه، اترك خطاياك عنده ليمحوها بدمه، وتخرج في الحال مبرراً. كأن لم يخطئ من
قبل. يغسلك فتبيض أكثر من الثلج..

 

وفي كل هذا، لا يتحدث عن أهمية الاعتراف
والتحليل والتناول، يتركها لينساها الناس. وفي نفس الوقت يرون أمامهم كلاماً
روحياً، فينخدعون به، وما أكثر البسطاء، إنه طريق غير مكشوف، وواجبنا أن نكشفه
للناس.

 

70- التوبة والخلاص

كثير من البروتستانت يحاولون أن يبعدوا التوبة
عن موضوع الخلاص، في تركيزهم علي دم المسيح، قائلين للناس، أنت تخلصون بدم المسيح،
وليس بالتوبة. فالتوبة عمل من الأعمال وأنت لا تخلصون بالأعمال.

 

ونحن لا ننكر أن الخلاص يتم بدم المسيح. ولكن
المسيح نفسه يعلمنا أنه لا خلاص بلا توبة. ويقول في ذلك (إن لم تتوبوا، فجميعكم
كذلك تهلكون) (لو3: 13).

 

إن التوبة لازمة للخلاص أنه لا يوجد أحد لا يخطئ،
ومادامت هناك خطية فللخطية عقوبة، واجرة الخطية موت. ولا خلاص من هذا الموت إلا
بالتوبة. التوبة تجعلنا مستحقين لدم المسيح. وإن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.

 

71- التوبة وعمل النعمة

تري كثير من الطوائف البروتستانتية أن التوبة هي
عمل من أعمال النعمة، وإن كل مجهودات الإنسان لا قيمة لها. يكفي أن يلقي الإنسان
نفسه تحت قدمي المسيح فيخلصه من خطاياه.

 

والتعليم الأرثوذكسي يري أن كل حياة الإنسان
الروحية هي شركة بين الإنسان والروح القدس. الروح القدس يعين، ولكن الإنسان لابد
أن يجاهد. وإن لم يجاهد يبكته الرسول بقوله (لم تقاوموا بعد حتي الدم مجاهدين ضد
الخطية) (عب4: 12).

 

والكتاب يصور الحياة الروحية حربا إلي سلاح الله
الكامل إنها (مصارعة ليست من لحم ودم، بل مع أجناد الشر الروحية) (أف6)، وهذه
الحروب تحتاج بلا شك أن يقاتل الإنسان وينتصر..

 

هذا القتال، هو ما عناه السيد المسيح في رسالته
إلي ملائكة الكنائس السبع بقوله (من يغلب فسأعطيه) (رؤ3: 2). إن النعمة لا تعمل كل
شئ وإلا ما كان الله يقول (ارجعوا إلي أرجع إليكم).

 

72- التوبة والاختبارات

الفكر البروتستانتي يعتبر التوبة اختباراً،
ويشجع أن يحكوا للناس عن اختباراتهم، فيسمع منهم عبارة (أنا كنت (كذا) وصرت الآن
كذا (ويظل يحكي عن خطاياه القديمة أما الكل بلا خجل، مغطيا اياها بما وصل إليه من
نعمة!

 

وإن صمت يقولون له: احكي اختباراتك).

 

أما الأرثوذكسية فتمنع هذه القصص لأنها غالباً
ما تحمل افتخاراً بالتغير الذي وصل إليه التائب..

 

73- التوبة بين الفرح والانسحاق

تميل الأرثوذكسية إلي انسحاق نفس التائب،
متذكراً ما أساء به إلي الله، مبللاً فراشة بدموعه كما فعل داود النبي..

 

أما البروتستانتية فتدعو الناس إلي الفرح الذي
لا انسحاق فيه.

 

بل كثيراً ما يتحول التائب حديثا إلي خادم،
بطريقة مباشرة، لا تعطيه فرصة للحزن الداخلي علي خطاياه. ويعللون ذلك بأنه يجب أن
يفرح بالخلاص..

 

وردنا علي ذلك أنه، أنه في تناول خروف الفصح –
وسط فرح الشعب بنجاحه من سيف الملاك المهلك، كان يأكل الفصح علي أعشاب مرة حسب أمر
الرب (خر8: 12).

 

والأعشاب المرة كانت تذكرهم بخطاياهم، التي
بسببها وقعوا في عبودية فرعون..

 

حقاً إن أكل الفصح يذكرهم بالخلاص وبهجته، ولكن
الفصح يجب أن يؤكل علي أعشاب مرة.

 

ما هو مركز (الأعشاب المرة) في التوبة بالمفهوم
البروتستانتي؟!

 

إن أحد الكتب البروتستانتية هاجم حتي مجرد عبارة
(يارب ارجم) التي نقولها في صلواتنا، كما هاجم كل عبارات الانسحاق، واتهمها بأنها
ضد (بهجة الخلاص)!

 

74- التوبة والتجديد

إن ما نسميه في الأرثوذكسية (توبة) كثيرا ما
يسميه البروتستانت تجديدا، أو ولادة جديدة أو خلاصاً..

 

فيسالون بعضهم بعضاً (هل تجددت؟ هل خلصت؟ هل
اختبرت الولادة الجديدة!).

 

ويكون كل ما يقصدونه هو عملية توبة، لا اكثر ولا
أقل. مر بها هذا الشخص..

 

في المفهوم الأرثوذكسي، كل هذه التعبيرات:

التجديد،

الولادة الجديدة،

الخلاص،

تتم في سر المعمودية.

أما التوبة فهي عملية تغيير في سلوك الإنسان.

 

75- التوبة تسبق جميع الأسرار Repentance

إنها تسبق سر المعمودية، كما قال بطرس الرسول
(توبوا وليعتمد كل واحد منكم) (أع38: 2). وهي تسبق التناول كما قال معلمنا بولس
الرسول (1كو11: 27-29). وهي تسبق سر مسحة المرضي (يع5: 14-15).

 

وهكذا باقي الأسرار مادامت الأسرار نعماً من
الروح القدس، ينبغي إذن التمهيد لها بنقاوة القلب بالتوبة.. أما البروتستانت، فإذ
لا يؤمنون بأسرار، ولا بالتوبة كسر فهذا الكلام كله خارج عن مفاهيمهم.

 

76- التوبة – السلوك، والأعمال Orthodoxy

البروتستانت لا يرون الحياة المسيحية حياة سلوك
وعمل، بل هي حياة نعمة وإيمان، والأرثوذكسية يهمها الإيمان والنعمة، ولكنها تنادي
مع الرسول (بأعمال تليق بالتوبة) (مت8: 3). وتري أن السلوك المسيحي، ولازم للخلاص.

 

فإن كان البروتستانت يصرون علي أهمية الدم
لتطهير الإنسان، فإننا نضع أممهم قول يوحنا الرسول (في علاقة السلوك بالدم) (ولكن
إن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض، ودم يسوع ابنه يطهرنا
من كل خطية) (1يو1: 7)… وهذا وضع السلوك كشرط. لا تطهير بالدم بدون التوبة. التوبة
شرط أساسي.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى