علم

الجزء الثاني – القسم الثالث



الجزء الثاني – القسم الثالث

الجزء
الثاني – القسم الثالث

الابن
هو الله:

 ويتحدّث
داود بوضوح عن الآب والابن فيقول: ” كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب
استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الاثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن
الابتهاج أكثر من رفقائك”[18]. طالما أن الابن هو إله بالحقيقة فهو يأخذ عرش
الملكوت الأبدى من الآب أى من الله ويُمسح بدهن الابتهاج أكثر من رفقائه.
“ودهن الابتهاج” أو زيت المسحة هو الروح الذى مُسح به، ورفقائه هم
الأنبياء، والأبرار والرسل وجميع الذين ينالون شركة في ملكوته، أى تلاميذه.

 

الابن
هو الرب:

 48
– ويقول داود أيضًا: ” قال الرب لربى[19] اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك
موطئًا لقدميك. يرسل الرب قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك. شعبك منتدب في
يوم قوتك في زينة مقدسة من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك. أقسم الرب ولن يندم. أنت
كاهن إلى الأبد على رُتبة ملكى صادق. الرب عن يمينك يُحطم في يوم رجزه ملوكًا.
يدين بين الأمم. ملأ جثثًا أرضًا واسعة سحق رؤوسها. من النهر يشرب في الطريق لذلك
يرفع الرأس”[20]. بهذه الكلمات يتضح تمامًا أن المسيح كائن قبل الكل، وأنه
يسود على الأمم وأنه يدين كل البشر والملوك الذين يضطهدون اسمه الآن، لأن هؤلاء هم
أعدائه، وإذ يدعوه كاهن الله الأبدى، فهذا إعلان بأنه الحى الذى لا يموت. وعندما
يقول: “من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع رأسه” فهو يشير إلى تمجيد
ناسوته وصعوده بعد المهانة والذل.

 

المسيح
هو الابن والملك:

 49
– إشعياء النبى يقول: ” هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس
أمامه أممًا”[21]، وأما كيف أن المسيح يُدعى ابن الله وملك الشعوب (الأمم)،
أى ملك كل البشر، وأنه يُسمى – كما أنه هو فعلاً وبالحق – ابن الله وملك الأمم
فهذا ما يتكلم عنه داود هكذا: ” الرب قال لى أنت ابنى أنا اليوم ولدتك. اسألنى
فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصى الأرض مُلكًا لك”[22]. هذه الأقوال لم تُوجه
لداود، لأنه لم يملك على الأمم وعلى أقاصى الأرض، بل على اليهود فقط. إذن من
الواضح أن الوعد المُعطى “للممسوح” بأن يملك حتى أقاصى الأرض إنما هو
لابن الله الذي يعترف به داود نفسه قائلاً: ” قال الرب لربى اجلس عن
يمينى..”. فهو يقول إن الآب يتحدث مع الابن، كما رأينا ذلك سابقًا في إشعياء،
الذي تكلّم هكذا قائلاً: “هكذا يقول الرب لمسيحه.. الذي أمسكت بيمينه لأدوس
أمامه أممًا”. إن النبوءتين تتحدّثان عن نفس الوعد بأنه يكون ملكًا، وبالتالى
فكلام الله مُوجه إلى شخص واحد بعينه، أى إلى المسيح ابن الله. وعندما يقول داود:
” قال الرب لربى”، فيلزم أن نعترف بأنه لا داود ولا غيره من الأنبياء،
يتحدّث عن ذاته. لأن الإنسان لا ينطق بالنبوات، إنما روح الله، يتكلّم فى الأنبياء
بكلمات تخص أحيانًا المسيح وأحيانًا أخرى الآب[23].

 

عبد
الرب مجبول من البطن:

 50
– وهكذا فإن المسيح يقول بطريقة ملائمة جدًا بواسطة فم داود، إن الآب يتحدّث معه،
ويكرز أيضًا بحقائق عن نفسه بواسطة الأنبياء. وهذا ما نقرأه على سبيل المثال في
إشعياء: ” والآن قال الرب جابلى من البطن عبدًا له لإرجاع يعقوب إليه فينضم
إليه إسرائيل فأتمجد في عينى الرب، وإلهى يصير قوتى. فقال قليل أن تكون لى عبدًا
لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظى إسرائيل. فقد جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصى إلى
أقصى الأرض”[24].

 

 51
– إن الوجود الأزلى للابن يُستنتج من حقيقة أن الآب يتحدث معه وبهذا أُعلن عنه
للبشر قبل ولادته. ثم بعد ذلك نستنتج أنه لابد له أن يولد إنسانًا بين الناس،
طالما أنه سوف ينحدر من البشر[25] والله نفسه سيجبله من البطن، أى أنه سيُولد من
العذراء بروح الله، وأنه سيكون رب جميع الناس ومخلّص المؤمنين به، اليهود والأمم.
لأن الشعب اليهودى في اللغة العبرية يُدعى إسرائيل نسبة ليعقوب أب الآباء الذي كان
هو أول من دُعى إسرائيل[26]، أما كل البشر فيدعوهم “الأمم”. وقد دُعى
الابن “خادم” الآب، بسبب طاعته للآب، فهذا هو نفس ما يحدث بين البشر، أن
كل ابن هو خادم لأبيه.

 

 52
– فَلنَر بعد ذلك ما تشهد به الكتب: أن المسيح الكلمة ابن الله الكائن أزليًا عند
الآب، والذى لا يزال كائنًا عند الآب؛ قد ظهر بين البشر وكوَّن علاقة معهم، وهو
ملك الكون كله، حيث إن الآب أخضع الكل تحت سلطانه وأنه هو مخلّص الذين يؤمنون به.
كما أنه من الصعب أن نُحصى كل نصوص الكتاب المقدس التي تشير إلى هذا الموضوع، وهى
كلها متشابهة، فينبغى عليك أن تؤمن بالمسيح وتطلب من الله فهمًا وحكمةً لكى تفهم
ما قيل بواسطة الأنبياء.

 

 53
– المسيح الذي هو كلمة الله والذى كان عند الله، كان مزمعًا أن يتجسد، ويصير
إنسانًا ويخضع لظروف الولادة البشرية، وأن يُولد من عذراء وأن يحيا وسط الناس[27]،
وقد دبّر أبو الكل تجسده. إذ تنبأ إشعياء قائلاً: ” ويعطيكم السيد نفسه آية.
ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل، زبدًا وعسلاً يأكل متى عرف أن
يرفض الشر ويختار الخير”[28]. وهو يؤكد أنه سيُولد من عذراء، لأن قوله
“يأكل” يشير إلى أنه سوف يكون إنسانًا حقيقيًا، وأيضًا بأنه سوف يأتى
طفلاً[29] ويُعطى له اسم لأن هذه هى العادة بالنسبة للأطفال. وسيحمل اسمًا
مزدوجًا، “فالمسيا” فى اللغة العبرية معناها المسيح، أما
“يسوع” فمعناها المخلّص، والاثنان يُستخدمان فى التعبير عن الأعمال التي
سوف يتممها. لقد دُعى مسيحًا؛ لأن الآب مسح (قدَّس) به الكل ولأنه في تأنسه قد
مَسحه روح الله أبيه، كما يقول هو نفسه في موضع آخر على فم إشعياء ” روح الرب
علىَّ لأنه مَسحنى لأبشر المساكين”[30]. وقد دُعى مخلّص لأنه سبب خلاص لأولئك
الذين حرَّرهم هو نفسه فى تلك الأزمنة من كل أنواع الأمراض ومن الموت، كما أنه هو
مُعطِى الخيرات العتيدة والخلاص الأبدى لأولئك الذين آمنوا به بعد ذلك.

 54
– إذن فلأجل هذا دُعى مخلّص. أما بالنسبة لكلمة عمانوئيل فهى تعنى: الله معنا،
وإذا قيلت من النبى فهى تأتى في صيغة التمنى أى: فليكن الله معنا! وفي هذه الحالة
تكون شرحًا وإعلانًا للوعد الإلهى ” ها العذراء تحبل وتلد ابنًا”، ولأنه
هو الله فسيكون الله معنا. وأمام هذا الحدث يتنبأ النبى بدهشة كاملة، بأن الله
سيكون معنا. ويشير النبى نفسه في مكان آخر إلى الميلاد بقوله: ” قبل أن
يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتى عليها المخاض ولدت ذكرًا”[31]. وبهذه
الطريقة، فهو يشير إلى الولادة العجيبة الفائقة الوصف من العذراء.

 

”يُولد
لنا ولد”:

 نفس
النبى يقول أيضًا: ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا ويُدعى اسمه عجيبًا
مشيرًا إلهًا قديرًا”[32].

 

 55
– فهو يدعوه ” عجيبًا مشيرًا” للآب، لأنه بمشورته وبه خلق الآب كل شئ،
كما هو مكتوب في سفر موسى الذي يُدعى التكوين: ” نعمل الإنسان على صورتنا
كشبهنا”[33]. هنا يبدو أن الآب يتحدث مع الابن الذي هو ” المشير
العجيب” للآب[34]. لكن في نفس الوقت هو مشيرنا الخاص لأنه يظل معنا، ينصحنا
بدون أن يجبرنا[35] بسلطانه (كإله)، بالرغم من أنه “إله قدير”. فهو
ينصحنا بأن نتخلى عن ظلام الجهل ونقبل نور المعرفة، وأن نبتعد عن الضلال ونأتى إلى
الحق، وأن نطرح الفساد ونكتسب عدم الفساد[36].

 

 56
– ويقول إشعياء أيضًا: ” لأن كل سلاح المُتسلح في الوغى وكل رداء مُدحرج في
الدماء يكون للحريق مأكلاً للنار. لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا وتكون الرياسة
على كتفه ويُدعى اسمًا عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام. لنمو
رئاسته وللسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر
من الآن إلى الأبد”[37]. من هذه الأقوال يتضح أن ابن الله سوف يُولد (كإنسان)
وسوف يُدعى ملكًا أبديًا. أما تعبير “يكون للحريق مأكلاً للنار” فيشير
إلى أولئك الذين لم يؤمنوا به وفعلوا ضده ما فعلوه. هؤلاء سوف يصرخون في يوم
الدينونة: ” كان الأفضل لنا أن نكون مأكلاً للنار قبل ميلاد ابن الله، عن أن
نكون غير مؤمنين به”، لأنه يوجد رجاء للذين ماتوا قبل مجىء المسيح أن ينالوا
الخلاص وذلك بعد قيامتهم أى في الدينونة. وينطبق ذلك على الذين كانوا يخافون الله
وقد ماتوا في البر وكان عندهم روح الله فى داخلهم مثل البطاركة والأنبياء
والأبرار. أما أولئك الذين لم يؤمنوا بالمسيح بعد مجيئه فإن عقابهم في يوم
الدينونة سيكون بلا رحمة.

 

أن
تعبير ” وتكون الرياسة على كتفه” يشير رمزيًا إلى الصليب الذي سُمِرت
عليه يداه. فالصليب الذي كان له عارًا وبسببه كان عارًا لنا أيضًا، هذا الصليب
نفسه يشهد لرياسته، وهو راية مملكته. وأنه كان بالنسبة للآب هو: ” ملاك
المشورة العظمى”، كما يقول النبى، وهو الذي أعلن لنا الآب.

 

 57
– أما كون ابن الله سوف يُولد والطريقة التى بها سوف يُولد وعن ظهوره كمسيح، فهذا
ما تحدث عنه الأنبياء الذين تنبأوا عنه، فأخبروا عن ولادته، وعن العائلة التي
سيولد منها.

 

رئيس
من يهوذا:

 فموسى
يتحدّث في سفر التكوين قائلاً: ” لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه
حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب. رابطًا بالكرمة جحشه وبالجفنة ابن أتانه غسل
بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه”[38]. يهوذا جد اليهود كان ابن ليعقوب، ومنه
أخذ اليهود التسمية[39]. ولم يحدث في أية فترة أنهم كانوا بدون رئيس أو قائد حتى
مجىء المسيح[40]. لكن بعد مجىء المسيح فإن رجال حرب مقتدرون احتلوا بلادهم
بالسلاح، وخضعت أرض اليهود للرومان، ولم يعد لديهم كأمة رئيس ولا ملك. لأنه أتى ذاك
الذي له الملكوت فى السموات، ذاك الذي غسل ” في الخمر لباسه وبدم العنب
ثوبه”. اللباس والثوب هما هؤلاء الذين آمنوا به والذين غسلهم، عندما خلّصنا
بدمه. الذى هو “دم عنب”[41] لأنه، كما أن دم العنب لا يصير بواسطة
إنسان، لكن من الله الذي صنعه وهو يُفرِّح مَنْ يشربه، بنفس الطريقة فإن جسد
المسيح ودمه ليسا من صنع إنسان، بل من الله.

 

 الرب
نفسه أعطى نبوة عن ميلاده العذرى (نبوة إشعياء 11: 7-14)، أى أن هذا هو الذي وُلد
من العذراء، عمانوئيل الذي أبهج هؤلاء الذين يشربون منه، أى يأخذون روحه، وبذلك
ينالون الفرح الأبدى. لذلك فهو يُمثل مشتهى الأمم، للذين يأملون فيه وينتظروا
تأسيس ملكوته.

 

كوكب
من يعقوب:

 58
– ويقول موسى أيضًا: ” يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل”[42].
هذا يعلن بوضوح أن تدبير ميلاده بحسب الجسد سيكون بين اليهود، وأن ذاك الذي سوف
يولد من بيت يعقوب ويهوذا، سوف ينزل من السماء، هو الذى سيُتمم هذا التدبير. فقد
ظهر “نجم” في السماء. و”قضيب” تعنى “ملك”[43] إذ هو
ملك جميع المخلَّصين. وعند ميلاده ظهر النجم للمجوس الذين جاءوا من المشرق. وبظهور
النجم عرفوا أن المسيح قد وُلِد، فأتوا إلى اليهودية منقادين بواسطة هذا النجم،
إلى أن وصل إلى بيت لحم، حيث وُلِد المسيح. وعندما أتوا إلى البيت حيث كان الطفل
مُقمطًا، توقف النجم فوق رأسه لكى يعلن للمجوس أن هذا الطفل المولود هو المسيح ابن
الله[44].

 

قضيب
من جذع يسى:

 59
– يعبّر إشعياء عن هذا قائلاً: ” ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله.
ويحل عليه روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته
تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع اذنيه. بل يقضى
بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويُميت المنافق
بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه. فيسكن الذئب مع
الخروف. ويربض النمر مع الجدى، والعجل والشبل والمسمّن معًا ويلعب الرضيع على سرب
الصل، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان فلا يؤذيه.. ويكون فى ذلك اليوم أن أصل
يسى القائم ليسود على الأمم، وعليه يكون رجاء الأمم، ويكون قيامه مجدًا”[45].
يتنبأ إشعياء بواسطة هذه الأقوال، إن المسيح سوف يُولد من العذراء التي هى من بيت
داود وإبراهيم. لأن يسى كان من نسل إبراهيم وهو أبو داود. والعذراء التى حملت
بالمسيح أتت من نفس العائلة. إذن هو المُشار إليه ب”القضيب”. لذلك
يستخدم موسى “العصا أو القضيب” لكى يصنع المعجزات أمام فرعون. والعصا في
الشعوب الأخرى هى علامة السيادة. أما كونها قد أنبتت كقول إشعياء فهذا يشير إلى
جسد المسيح الذي “نبت” بواسطة فعل الروح القدس كما قُلنا سابقًا.

 

 60
– الكلمات ” فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضى
بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس الأرض” تُظهر بالأكثر ألوهيته. لأن برّ
الله وحده هو الذى يحكم بالعدل، بدون تمييز للأشخاص وبدون محاباة للأشراف
(العظماء)، ويعطى العدل للفقراء بالتساوى وبالحق وفق أوامر العلى وعدله الإلهى. لأن
الله لا يخضع لأى تأثير ولا يعمل سوى عدل وحق. والرحمة هى أيضًا تليق بالله نفسه
الذي في صلاحه يريد أن يقدِّم الخلاص. وتعبير ” بل يقضى بالعدل للمساكين..
ويُميت المنافق بنفخة شفتيه”[46]. يشير أيضًا إلى الله الذي خلق الكل بكلمة.
ويقول: “ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه” فهو يشير إلى
الشكل البشرى للمسيح، وإلى بره الحقيقى والفائق.

 

عندما
يملك على الجميع:

 61
– كل ما يؤمن به الشيوخ (الحاملون التقليد الرسولى)[47] عن سيادة الوفاق والوحدة
والسلام بين الحيوانات المعادية بعضها لبعض بحسب طبيعتها سيتحقق عند مجىء المسيح
عندما يملك على الجميع. ويستخدم النبى صورًا رمزية لكى يُعلّم بأن جموع البشر من
مختلف الأمم بالرغم من اختلاف عاداتهم سوف يعيشون في سلام ووفاق باسم المسيح. فقد
شبّه الأبرار بالأبقار والحملان والجداء مع صغارها حيث لا أحد يؤذى الآخر، بينما
الرجال والنساء فى العصور السابقة قد تشبّهوا بالحيوانات المتوحشة بسبب شهواتهم،
حتى أنهم مثل الذئاب والأسود يفتكون بالضعفاء ويجرّون ويشعلون بينهم معارك عنيفة.
وهذا سوف يحدث بالنسبة للنساء اللاتي هن أخطر من الدروع والمركبات، إذ هنّ قادرات
أن يسكبن سُمًا مُميتًا على من يحبون ويميتونهم بسبب الغيرة. أما الناس المجتمعون
في مكان واحد باسم الرب، سوف يكتسبون بواسطة نعمة الله سلوكًا مستقيمًا وسيقتلعون
من ذواتهم النزعات الوحشية الطبيعية. وهذا قد حدث بالفعل لأن كل الذين كانوا
سابقًا أشرارًا جدًا، حتى أنهم كانوا يفعلون كل شر عندما تعلّموا عن المسيح آمنوا
به تغيّروا، حتى أنهم يتممون كل بر. ما أعظم التغيير الذى يعمل فى المؤمنين بواسطة
الإيمان بيسوع المسيح ابن الله!. ويضيف النبى، أن المسيح عندما يقوم سوف يسود على
الأمم، لذلك كان يجب أن يموت ويقوم لكى يعترف الجميع ويؤمنون بأنه هو ابن الله
والملك. كذلك يقول النبى بعد ذلك: “ويكون قيامه كرامه”، أى المجد، لأنه
عندما قام مُجد كإله.

 

خيمة
داود:

 62
– وأيضًا يقول نبى آخر: ” وفي ذلك اليوم أقيم خيمة داود الساقطة”[48]،
أى جسد المسيح، المنحدر من داود، كما قلنا سابقًا، أن المسيح بعد موته سيقوم من
الأموات، لأن الجسد يُدعى خيمة. كل شهادات الكتاب تتنبأ بأن المسيح الذي أتى من
نسل داود بحسب الجسد، سيدعى ابن الله، وأنه بعد موته سوف يقوم، وأنه فى الشكل
سيكون إنسانًا[49] ولكنه هو الله ذو القدرة، وأنه هو نفسه سوف يدين العالم كله،
كما كان هو وحده صانع البر والخلاص.

 

بيت
لحم اليهودية:

 63
– وقد تنبأ النبى ميخا أن المسيح سيولد في بيت لحم اليهودية، قائلاً: ” وأنت
يا بيت لحم، أرض يهوذا لست الصغرى بين رئاسات يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبى
إسرائيل”[50]. ولأن بيت لحم هى مدينة داود، فهذا برهان على أن المسيح هو ابن
داود، ليس فقط لأنه وُلد من العذراء لكن لأنه وُلد في بيت لحم، مدينة داود.

 

ثمرة
بطن ” داود ”:

 64
– وداود تنبأ بأن المسيح سوف يُولد من نسله، هكذا: ” من أجل داود عبدك لا ترد
وجه مسيحك. أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك إن حفظ
بنوك عهدى وشهاداتى التى أعلّمهم إياها فبنوهم إلى الأبد يجلسون على
كرسيك”[51]. لكن ولا واحد من أولاد داود مَلَك مُلكًا أبديًا، ولا كانت إلى
الأبد مملكتهم لأنها قد تلاشت. ولكن المسيح وحده، المنحدر من نسل داود هو الملك
الأبدى. كل هذه الشواهد تُظهر مرارًا وبوضوح نسل ابن داود بحسب الجسد وتظهر المكان
الذى سيُولد فيه. فلا ينبغى البحث عن مجيء ابن الله بين الأمم أو في أى مكان آخر،
إلاّ فى بيت لحم اليهودية، ومن نسل إبراهيم وداود.

 

 65
– ويصف إشعياء دخوله إلى أورشليم، عاصمة اليهودية ومركز رؤسائها والتى يوجد فيها
هيكل الله قائلاً: ” قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك آتِ وديع وراكب على حمار
وعلى جحش ابن أتان”[52]. فهو قد دخل إلى أورشليم راكبًا على جحش ابن أتان
وفرش له الجموع ثيابهم. وقد دعا النبى أورشليم “ابنة صهيون”.

 

 66
– إذن، فطريقة ولادة ابن الله، ومكان ولادته وأنه هو المسيح الملك الأبدى – كل هذا
قد تنبأ عنه الأنبياء. كما قالوا أيضًا، إن ابن الله سوف يشفى المرضى وحقًا قد
شفاهم، إنه سيكون مكروهًا ومهانًا وسيُعذب، وسيُصلب ويموت، وبالفعل صار مكروهًا
ومُحتقرًا وحُكِم عليه بالموت[53].

 

معجزات
المسيح وآلامه وتمجيده:

 67
– دعونا نتحدّث عن معجزات شفائه. فإشعياء يقول: ” هو أخذ أسقامنا وحمل
أمراضنا”[54] أى سيأخذ عنا خطايانا وسيحملها في ذاته. عادةً ما يتحدّث روح
الله على فم الأنبياء عن الأمور العتيدة كأنها قد حدثت بالفعل. لأن الله يضع الخطة
في ذهنه وقد اتخذ قرارًا للتنفيذ، ولكن الكتاب يذكرها على أنها حدثت بالفعل،
والروح القدس وكأنه يرى زمن التحقيق، يستخدم كلمات إعلانية، بأن النبوة قد تحققت
بالفعل. بالنسبة لمعجزات الشفاء يقول: ” ويسمع في ذلك اليوم الصُم أقوال
السفر وتنظر من القتام والظلمة عيون العُمى”[55]. وأيضًا يقول: ” شددوا
الأيادى المسترخية والرُكب المرتعشة ثبتوها. قولوا لخائفى القلوب تشددوا لا تخافوا
هوذا إلهكم. الانتقام يأتى. جزاء الله. هو يأتى ويخلّصكم. حينئذٍ تتفتح عيون العمى
وآذان الصُم تتفتح. حينئذٍ يقفز الأعرج كالأيل ويترنم لسان الأخرس”[56]، وعن
الموتى يقول: ” تحيا أمواتك، تقوم الجثث، استيقظوا ترنموا يا سكان
التراب”[57]. فالذي يعمل كل هذه الأمور يستحق أن نؤمن به أنه ابن الله[58].

 

 68-
وإشعياء يتنبأ بأنه سيُهان ثم يموت إذ يقول: ” هوذا عَبدي يَعقِلُ يتعالى
وَيَرتَقي ويتسامَى جِداً. كَمَا اندَهش منكَ كَثِيرُون. كَان منظَره كَذَا
مُفسدًا أكثَرَ مِن الرَّجُلِ وَصُورَته أكثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. هَكذَا يَنضِحُ
أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجلِهِ يَسُدُّ ملوكٌ أَفوَاهَهُم لأنهم قَد أَبصَروا
مَا لَم يُخْبَُوا بِهِ وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ مَنْ صَدَّقَ خَبَرنا
وَلِمَن استُعلِنَت ذِرَاعُ الربِّ؟. نَبَت قُدامَهُ كَفرخٍ وَكعِرقٍ مِنْ أَرضٍ
يَابِسَةٍ لا صُورَة لهُ ولا جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِليه وَلاَ منظَرَ فَنَشتَهيه.
محتَقَرٌ وَمَخذُولٌ مِنَ الناسِ رَجلُ أَوجَاعٍ وَمُختَبِرُ الحُزنِ وَكَمُستَّرٍ
عَنهُ وُجُوهنَا مُحتَقرٌ فَلَم نَعتد به. لكن أَحزاننا حَمَلَهَا أوجاعنا
تحمّلها. ونحنُ حسبنَاه مُصَابًا مَضروبًا مِنَ اللهِ ومذلولاً. وهو مَجروحٌ لأجل
معاصينا مَسحوقٌ لأجل آثامنا. تَأدِيبُ سَلاَمِنَا عليه وبحُبُرهِ
شُفِينَا”[59].

 

 نرى
هنا أن المسيح خضع للآلام التي سبق وقال عنها داود: ” كنت مصابًا اليوم
كله”[60]، ليس داود بل المسيح هو ذاك الذي خضع للعذابات، عندما صدر الأمر
بالصلب. وأيضًا يقول الله على فم إشعياء: ” بذلت ظهرى للضاربين وخدى للناتفين
وجهى لم أستر عن العار والبصق”[61]. وهذا يقوله النبى إرميا ” يعطى خده
لضاربه، يشبع عارًا”[62]. وقد تحمَّل المسيح كل هذا.

 

 69
– ويقول إشعياء: ” وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه
والرب وضع عليه اثم جميعنا”[63]. إذن من الواضح أنه بمشيئة الآب حدث هذا لأجل
خلاصنا ” ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة
أمام جازيها فلم يفتح فاه”[64]. هنا يكرر بأنه خضع طوعًا للموت.

 

الدينونة:

 كلمات
النبى ” من الضُغطة ومن الدينونة أُخذ”[65] تعلن مدى تعرضه للإهانة
ولأنه أخلى نفسه فقد قَبِلَ الدينونة. لقد صارت الدينونة مقبولة إذ أنها للبعض
صارت للخلاص وللبعض الآخر صارت عذابًا للهلاك. وهكذا تظل الدينونة عقابًا للبعض،
بينما البعض الآخر تكون للخلاص. فالذين صلبوه جلبوا الدينونة على أنفسهم، وفعلوا
هذا، لأنهم لم يؤمنوا به. لذلك بسبب هذه الدينونة هلكوا فى العذاب، بينما كل الذين
آمنوا رُفعت عنهم الدينونة ولم يخضعوا لها. الدينونة التي ستصير بالنار سوف تجلب
هلاكًا لغير المؤمنين في نهاية هذا العالم.

 

 70
– إذا كان النبى يقول: ” وفي جيله مَنْ كان يظن أنه قُطع من أرض الأحياء أنه
ضُرب من أجل ذنب شعبى”[66]، فإنه يقول هذا من خوفه أننا بسبب آلامه نكون شهود
أحقاد ونعتبره نحن إنسانًا محتقرًا ومرذولاً. إن ذاك الذي عانى كل هذا له أصل ونسب
لا يُوصف، أى أصله الذى هو أبوه، والذى لا يُوصف ولا يمكن التعبير عنه. اعرف إذن
أن ذاك الذى خضع لهذه الآلام يمكن أن يسترد مجده الإلهى، فلا تحتقره بسبب العذابات
التي تحملها لأجلنا، بالحرى فلنوقره ونكرّمه لأنه إله حقيقى بحسب طبيعته.

 

 71
– يقول إرميا في سياق آخر: ” نفس أنوفنا مسيح الرب أُخذ في حُفرهم الذي قلنا
عنه في ظله، نعيش بين الأمم”[67]. والكتاب يشهد بأن المسيح إذ هو روح (الله
روح) سوف يصير إنسانًا متألمًا، وأيضًا إذ تعجب النبى لآلامه وللعذابات الكثيرة
التي سيعانيه – شهد له قائلاً إننا سنحيا تحت ظله. فهو يدعو جسده “ظل”،
لأنه كما أن الظِلّ يأتى من الجسد هكذا جسد المسيح يأتى من روحه. والظِلّ أيضًا
يشير إلى التواضع وإلى تعرض جسده للاحتقار: لأنه كما أن ظِلّ الجسد المنتصب يكون
على الأرض ويُداس تحت الأقدام، هكذا جسد المسيح، سقط على الأرض وقت آلامه وداسته
الأقدام. وأيضًا ربما دعا النبى جسد المسيح “ظلاً” وكأنه كان يخفى مجد
الروح ويغطيه. وأيضًا مرات كثيرة كانوا يوضعون المرضى على الطريق حيث يمر الرب
والذين سقط ظله عليهم نالوا الشفاء[68].

 

72
– يقول النبى بخصوص آلام المسيح: ” باد الصديق وليس أحد يضع ذلك في قلبه
ورجال الاحسان يُضمون وليس من يفطن بأنه من وجه الشر يُضم الصديق. دفنه يكون
سلامًا. يستريحون في مضاجعهم. السالك بالاستقامة”[69]. مَنْ هو الصديق البار
والكامل إلاّ ابن الله الذي يقود إلى البر التام. وأولئك الذين يؤمنون به والذين
يُضطهدون ويموتون مثله. عبارة “دفنه يكون”[70] يشير إلى الكرازة بموته
لأجل خلاصنا. ” سلامًا ” تعنى “خلاصنا”. حقًا، بواسطة موته،
كل مَنْ كانوا قبلاً أعداء بعضهم لبعض، فإنهم بإيمانهم به يحيون فى سلام فيما
بينهم، فالإيمان المشترك به يجعلهم أصدقاء. أما قوله “رُفع من الوسط” أى
أنه يعلن قيامته من بين الأموات، لأنه بعد قبره لم يره أحد ميتًا.

 

”حياة
سألك”:

 كان
لابد أن يقوم ويظل عديم الموت، هذا ما يعبّر عنه النبى قائلاً: ” حياة سألك
فأعطيته. طول الأيام إلى الدهر والأبد”[71]. فلماذا يقول ” حياة
سألك” مادام مزمعًا أن يموت؟ إذن فالنبى يتكلّم هنا عن أنه سيقوم من الأموات
وسيظل عديم الموت لأنه أُعطى حياة حتى يقوم، ” وطول الأيام إلى الدهر”
لأنه سيكون في عدم فناء.

 


اضجعت ونمت، ثم استيقظت ”:

 73
– وداود يتحدّث عن موت وقيامة المسيح هكذا: ” أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت لأن
الرب عضدنى”[72]. وداود لم يقل هذا عن نفسه، فهو لم يقم بعد موته، لكن روح
المسيح – كما تحدث بواسطة الأنبياء الآخرين – يتحدّث الآن أيضًا عن المسيح بواسطة
داود: ” أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت لأن الرب عضدنى”، هو يدعو الموت
“نومًا” لأنه قام.

 

 74
– ويقول داود أيضًا عن آلام المسيح: ” لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب في
الباطل. قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه”[73]. تحققت
هذه النبوءة إذ أن هيرودس ملك اليهود وبيلاطس البنطى وكيل الإمبراطور الرومانى قد
اتفقا على الحكم عليه بالصلب.

 

 إذ
أن هيرودس خاف أن يصير المسيح ملكًا على الأرض فيأخذ منه عرشه. وأيضًا بيلاطس،
فبتحريض من هيرودس واليهود المحيطين به، قد أُجبِر بالإكراه على تسليم المسيح
للموت، على أساس أنه لو لم يفعل هذا لاعتبُرَ عدوًا لقيصر بتبرأته إنسانًا نصّبَ
نفسه ملكًا.

 

رُفضت
ورذلت:

 75
– ويقول النبى أيضًا عن آلام المسيح: ” لكنك رفضت ورذلت. غضبت على مسيحك.
نقضت عهد عبدك، طرحت مقدسه في التراب، هدمت كل جدرانه، جعلت حصونه خرابًا. أخذه كل
عابرى الطريق. صار عارًا عند جيرانه. رفعت يمين مضايقيه فرحت جميع أعدائه. أيضًا
رددت حد سيفه ولم تنصره في القتال. أبعدته عن النقاوة، وألقيت عرشه إلى الأرض.
قصرت أيام شبابه غطيته بالخزى”[74]. فالنبى يعلن بوضوح أن المسيح سيتحمل هذه
الآلام وأنها ستكون بحسب مشيئة أبيه، فبالحقيقة أن كل ما تحمله إنما قد تحمَّله
بمشيئة الآب.

 


اضرب الراعى”:

 76
– تنبأ زكريا: ” استيقظ يا سيف على راعىّ وعلى رجل رفقتى يقول رب الجنود اضرب
الراعى فتتشتت الغنم”[75]، وقد تحقق هذا عندما قُبض على المسيح بواسطة
اليهود، فقد تركه تلاميذه، لخوفهم من الموت، فإيمانهم لم يكن قد تثبّت بعد إلى أن
رأوه قائمًا من بين الأموات.

 


أحضروه مقيدًا”:

 77
– ويقول في الأنبياء الاثنى عشر: ” وأحضروه مقيدًا كهدية للملك”[76].
فقد كان بيلاطس هو والى اليهودية وكان يكن عداوة لهيرودس ملك اليهودية، فلما
أحضروا يسوع مقيدًا أمامه، أرسله إلى محكمة هيرودس بقصد استجوابه لكى يحققوا
فيمَنْ يكون هو. وهذه كانت فرصة مناسبة لمصالحة الوالى الرومانى مع هيرودس
الملك[77].

——————–

[18]
انظر مز6: 45-7، عب8: 1و9.

[19]
يعلق القديس كيرلس الأورشليمى على هذه الكلمات مبرهنًا على إلوهية الابن، بقوله:
[الرب قال هذا للرب، لا لعبد، بل لرب الكل، ابنه الذى أخضع كل شئ له: ” ولكن
حينما يقول إن كل شئ قد أُخضِع فواضح أنه غير الذى أخضع الكل له” وماذا يلى
هذا؟ ” كى يكون الله الكل فى الكل”. الابن الوحيد هو رب الكل، لكن ابن
الآب المُطيع لم يحصل على لاهوته كأنه لم يكن له بل هو ابن بالطبيعة] كيرلس
الأورشليمى، المرجع السابق، المقالة العاشرة، ص203.

[20]
مز109 (سبعينية).

[21]
إش1: 45.

[22]
مز7: 2-8.

[23]
راجع الدفاع الأول ليوستينوس 36,2.

[24]
إش5: 49-6.

[25]
يشرح القديس كيرلس الأورشليمى – بطريقة رائعة وواضحة – كيف أن الابن هو الإله
الأزلى وكيف أنه بالتجسد صار ابن داود، قائلاً: [ هو ابن داود فى ملء الأزمنة، ولكنه
ابن الله قبل الدهور بلا بداية. قد تقَبَل البنوة (لداود) إذ لم تكن له، أما
البنوة للآب فهى له سرمديًا. إن له أبان؛ داود حسب الجسد، والآخر أى الله أباه فى
اللاهوت (أى بالطبيعة). بكونه ابن داود يخضع للزمن وللتدبير والتنازل النسبى، لكن
من جهة اللاهوت فلا يخضع لا لزمان ولا لمكان] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق،
المقالة العاشرة ص231.

[26]
راجع تك28: 32.

[27]
انظر باروخ38: 3.

[28]
إش14: 7-16.

[29]
لقد صار المسيح طفلاً لكى يعيد للأطفال الشركة مع الله، كذلك صبيًا وفتى وشابًا
ورجلاً ليعيد ذلك أيضًا للصبيان والفتيان والشبان والبالغين، لذا يقول القديس
إيرينيوس: [ فإن المسيح كما قلنا قد وحَّدَ الإنسان مع الله.. فقد كان لائقًا أن
الوسيط بين الله والناس بحق قرابته الخاصة مع كل منهما، يعيد الألفة والتوافق
بينهما ويقدم الإنسان إلى الله ويُظهر الله للإنسان.. فإنه من أجل ذلك قد جاء
مجتازًا فى جميع الأعمار لكى يعيد للجميع الشركة مع الله] (
AH7: 18: 3).

[30]
إش1: 61. لو 18: 4.

[31]
إش7: 66.

[32]
إش6: 9.

[33]
تك26: 1.

[34]
صيغة الجمع في تك26: 1 كحوار داخل الثالوث تشير إليها رسالة برنابا5: 5، ورسالة
ثيوفيلوس= =الأنطاكى إلى أوتوليكوس18: 2. وكيرلس الأسكندرى حوار حول الثالوث ج29:
2: [ تعبيرا “لنعمل” وأيضًا “على صورتنا” يدلان على أن
المتكلّم ليس شخصًا واحدًا بل أكثر من واحد وأكثر من اثنين]، ويقول القديس كيرلس
بوضوح فى موضع آخر متسائلاً: [ فلو كان الله أقنومًا واحدًا بلا تعدد وليس ثلاثة
أقانيم فمَنْ الذى كان يتكلم مع مَنْ؟ ويقول له ” نخلق الإنسان على
صورتنا”، ولو كان الله أقنومًا واحدًا لقال: ” أخلق الإنسان على
صورتى” لكن الكتاب لم يذكر ذلك، ولكن حيث إن صيغة الجمع استخدمت
“صورتنا” فإنها تعلن بصوت قوى أن أقانيم الثالوث هى أكثر من واحد] شرح
إنجيل يوحنا ج1، المرجع السابق، ص24.

 

[35]
فى تعليقه على قول المسيح لأورشليم: ” كم مرة أردت ان أجمع أولادك كما تجمع
الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا” (مت17: 23)، يحدثنا القديس إيرينيوس
عن حرية الإنسان قائلاً: [أوضح الرب بقوله هذا الشريعة القديمة لحرية الإنسان، لأن
الله منذ البدء خلق الإنسان حرًا. فللإنسان سلطانه على قراره، كما أن له حياته
الخاصة، حتى يتمم مقاصد الله بدون قسرٍ من الله لأن الله لا يستخدم القهر، بل هو
فى كل الأزمنة يريد ما هو لخير الإنسان، ولهذا فإن تدبيره صالح للكل. لقد زوّد
الإنسان بسلطان الاختيار، مثلما زوّد الملائكة به، حتى أن كل من يطيع ينال الصلاح
حقًا، الصلاح المُعطى من الله، والمنوط بالبشر الاحتفاظ به. فإن كان هناك حقًا
(كما يدعى البعض) مَنْ هم بالطبيعة أشرار ومَنْ هم بالطبيعة أخيار، فلا يكون
الأخيار جديرين بالمدح على فعلهم الصلاح، لأنه داخل تركيبهم الطبيعى، ولا الأشرار
يكونون مسئولين عن شرهم لأنهم هكذا خُلقوا. ولكن الكل فى الحقيقة لهم نفس الطبيعة،
أى سلطان قبول الصلاح وتنفيذه أو الازدراء وعدم تنفيذه] (
AH4: 27: 1).

 

[36]
عند القديس إيرينيوس نعمة عدم الفساد هى عطية الثالوث القدوس للمؤمن: [ الروح
القدس يهيئ الإنسان لاقتبال ابن الله، والابن يأتى به إلى الآب، والآب ينعم عليه
بعدم الفساد للحياة الأبدية]
AH4:
20: 5
.

[37]
إش5: 9-7.

[38]
تك10: 49-11.

[39]
راجع يوستينوس الدفاع الأول 32,3..

[40]
نفس هذا المفهوم يؤكد عليه القديس كيرلس الأورشليمى حين علّق على هذه النبوة
قائلاً: [بهذا أعطى علامة لمجيء المسيح هو انقطاع الحكم من اليهود. فلو لم يكونوا
تحت حكم الرومان لما كان المسيح قد جاء بعد. لو كان لليهود ملك من يهوذا من نسل
داود لما جاء المسيح بعد..] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقالة الحادية
عشر، ص235.

 

[41]
غاية التجسد عند القديس إيرينيوس هى أن “يمتزج” الإنسان بالكلمة فيصير
بذلك ابنًا لله وهذا= =الاتحاد بين الله والإنسان يشبّهه بقبول مزيج الخمر
السماوى، فالهراطقة يفحصون شخص المسيح فى ذاته بمعزل عن عمله الخلاصى وبدون تفاعل
داخلى مع هذا العمل الخلاصى: [ فباطل هو تعليم الإيبونيين الذين لا يقبلون فى
نفوسهم بالإيمان اتحاد الله بالبشرية.. فإن هؤلاء الهراطقة يرفضون مزيج الخمر
السمائى ويتمسكون فقط بالماء العالمى ولا يريدون أن يقبلوا الإله (الذى جاء)
ليمتزج (ليتحد) بهم] (
AH5: 1: 3).

[42]
عد 17: 24.

[43]
انظر مت2: 2.

[44]
انظر مت 1: 2-11.

[45]
إش1: 11-10 سبعينية.

[46]
إش4: 11.

[47]
انظر فقرة 3.

[48]
عا11: 9، أع 16: 15. عن الخيمة المقدسة التى أمر الله موسى أن يبنيها يؤكد
غريغوريوس النيسى أنها تشير ايضًا إلى المسيح، ويتساءل قائلاً: [ ما هى إذن هذه الخيمة
“غير المصنوعة بيد”، التى أُظهرت لموسى على الجبل والتى تسلّم رسمها
وشاهد ترتيب مثالها الأصلى، حتى يمكن أن يجعل هذه الاية العجيبة التى لم تُصنع بيد
بشر مرئية فى هيئة خيمة مصنوعة بيد البشر؟.. فأى حقائق غير مرئية كانت هذه الأشياء
(الموجودة فى الخيمة) رمزًا ومثالاً لها؟!.. انطلاقًا من إشارة بولس الرسول الذى
أزاح الستار جزئيًا عن السر المكنون فى هذه الأشياء التى بُلغ بها موسى بالرمز
مسبقًا عن سر الخيمة التى تشمل الكل، التى هى المسيح، فإنه هو “قوة الله
وحكمة الله”، الذى فى طبيعته الذاتية ليس مصنوعًا بيدٍ بشرية، ولكنه لبس
جسدًا مخلوقًا لما صار ضروريًا أن ينصب خيمته بيننا] حياة موسى: 2، 170و173.

[49]
راجع في 7: 2.

[50]
ميخا1: 5.

[51]
مز 10: 132-12.

[52]
هذا النص من زكريا 9: 9. راجع مت 5: 21، إش11: 62.

[53]
هذه الفقرة (66) هى مُلخص لفقرات 53-65 وأيضًا تمهيدًا للفقرات القادمة (67-88).

[54]
إش4: 53. راجع 17: 8.

[55]
إش18: 29.

[56]
إش3: 35-6.

[57]
إش19: 26.

 

[58]
والشهيد يوستينوس يرى أن الله برهّن على العهد الجديد بالتعليم والمعجزات قائلاً:
[ لقد برهن الله على هذا العهد بالتعليم والمعجزات، ولذلك آمنا أنه (أى المسيح) هو
الناموس الجديد والعهد الجديد. والذين آمنوا به جاءوا من كل الشعوب، وصار لهم رجاء
صالح فى الله، وصار هو إسرائيل الروحى الذى من سبط يهوذا ويعقوب وإسحق، وإبراهيم
الذى نال البركة وهو غير مختون بل دُعىَّ أب الشعوب، ونحن صرنا الذين أفرزهم الله
من الشعوب بواسطة المسيح المصلوب] الحوار مع تريفو10.

[59]
إش13: 52-5: 53.

[60]
مز14: 73.

[61]
إش6: 50.

[62]
مراثى إر3: 3.

[63]
إش5: 53-6.

[64]
إش53: 7.

[65]
إش8: 53.

[66]
إش53: 8.

[67]
مراثى إرميا20: 4.

[68]
انظر أع 15: 5.

[69]
إش1: 57-2.

[70]
إش57: 2 (الطبعة البيروتية) ” هلك البار ولم يُبال أحد وأزيل أهل التقوى ولم
يفطن أحد بأنه بسبب الشر أزيل البار. لكن السلام سيأتى والسائرون بالاستقامة
يستقرون في مضاجعهم”.

[71]
مز4: 21.

[72]
مز6: 3(س).

[73]
مز 1: 2-2. راجع أع 25: 4-26.

[74]
مز38: 89-45.

[75]
زك7: 13. راجع مت 31: 26. مر 27: 14.

[76]
هو6: 10س.

[77]
راجع لو6: 23-12.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى