اللاهوت العقيدي

الباب التاسع



الباب التاسع

الباب
التاسع

من
اجل اعتراف صحيح

الشروط
التي يجب ان تتوفر في أب الإعتراف النافع للمعترف

 أن
يكون إيمانه حقاُ، وتعاليمه تتوافق مع عقيده الكنيسة الأرثوذكسية0

مقالات ذات صلة

 أن
تكون أعماله وأخلاقه مطابقة لصحة عقيدته0

 أن يكون تعليمه
صحيحاُ ومفيداُ ومنتجاُ وقد عُرف بذلك وشهد له به0

 أن يكون كتوماُ للسر
وكذلك عدم ذكر الأسرار الخاصة في عظاته، ولو أباح بها (حتي بعد موت المعترف) لزم
أسقفه إسقاطه من كهنوته0

 أن يكون له نشاط
وقوة علي الصوم والصلاة عمن يقبل اعترافه، واستمرار الاستغفار عنه ليلاُ ونهاراُ
بالبكاء والدموع والتضرعات0

 أن تكون له خبره
بالزمان (أحوال العصر) وأهله، وبظروفهم ووقائعهم وتقلباتهم وأن تكون له خبرة
بالدراسات النفسية والإجتماعية لفهم طبيعة النفس البشرية0

 أن تكون له فراسة
جيدة (ذكاء) لفهم حركات المعترف وكلماته، وتغيير حياته0

 أن يكون ماهراُ في
علاج مرضي الروح، وأن يراعي ملكاتهم وأحوالهم، وما تحتمله نفوسهم (وأن تكون له
خبرة طويلة في التعامل مع المعترفين ولهذا تحدد قوانين الرسل ألا يقل عمره عن
خمسين سنة)0

 أن يقبل علاج المريض
(الخاطيء) مجاناُ ولا يقبل منه هدية0

 أن لا يُحابي من
يعالجه، ولا يستحي منه، وأن يوضح له الحقيقة كاملة، ونتائج أعماله الشريرة (مهما
كان مركزه الاجتماعي) وتوجيهه بالوعظ، أو بالتأنيب إن كان محتملاُ لذلك التوبيخ أو
لا يريد الاقلاع عن شره0

 أن
يكون له وقت (محدد) وكافُ للإعتراف (قبل او بعد صلوات عشية او كلاهما معا وليس
أثناء القداسات)0

 يجب
ألا تسرع في اختيار أب اعترافك، بل ابحث جيداُ عن ذاك الطبيب (الحكيم والخبير)
الذي يغير حياتك، بما فيه من تأثير روحي عميق، ومما له من علم وصلته بالله، لتستمد
منه ما يفيدك ويساعد علي خلاصك0

 ان يكون الأب الذي تأخذ
من حياته كما تأخذ من تعليمه، والذي عندما تراه تزداد حرارتك الروحية ومحبتك لله0

 لا
ينبغي أن يُفرّض عليك أب معين، بل أنت الذي تختاره بنفسك، ويمكنك أن تُغيره إذا لم
تسترح إليه، (و يفضل إستذانه في الإنتقال لأب آخر)، وأن تكون صريحاُ معه، ولا تهرب
منه طلباُ لأب أكثر شفقة عليك، أو لكي يفرض عليك تداريب روحية أقل، أو تأديبات أقل،
مما لا يكون في صالحك0

 أن يشرح أب الإعتراف
ماهي التوبة وشروط الإعتراف الصحيح وفحص الضمير0

 أن يقبل المرضي في
وداعة وصبر، ويقود اليأس إلي ميناء الخلاص0

 أن يكون واضحاُ
وصريحاُ وغير مجامل في شيء، ويواظب علي زيارة المعترف وإرشاده وتقدمه0

 ألا يقبل معترفاُ
جديداُ إلا بعد التأكد من أنه ليس هارباُ من أب اعترافه بدون وجه حق.

 أن يتدرج في علاج
المعترف حسب طاقته وحياته الرحية وعمره ومعرفته لئلا يصدم ويتعقد، لعدم مقدرته علي
التنفيذ، دفعة واحدة، بل يأخذ بيده خطوة خطوة، حتي يترك الخطية، وينمو تدريجاُ في
النعمة والقامة الروحية0

 

شروط
الإعتراف السليم

 اختيار
الأب الروحي المتوفر فيه الشروط السابقة0

 أن
يكون صادقاُ فيما يدلي به لمعلمه، ولا يخفي عنه شيئاُ من الأمور والشرور الصغيرة
والكبيرة.

 أن يكون صبوراُ علي
تناول الأدوية المرة (التأديبات) ليتخلص من الخطية نهائياُ

 أن يكون مُطيعاُ
لطبيبه الروحي، قابلاُ لأقواله ومنفذاُ لها0

 أن يكون حسن الظن به
(يثق فيه تماماُ).

 أن
يسبق الإعتراف جلوس مع النفس، للوقوف علي حالتها0 وتحديد أسباب فشلها وسقوطها،
والعزم علي تركها0 والذهاب إلي رجل الله فوراُ، دون إلتماس أي عذر بوجود عمل أو
بقضاء مصلحة.. الخ، فخلآص النفس هم أهم شيء في العالم0

 عند
ذهابي لأب اعترافي أنسي إني فلان الذي أعرفه، بل أجلس أمامه ” كمريض ”
لا يخفي شيئاُ عن طبيبه، حتي لا يجلب ضرراُ لنفسه0

 أجلس أمامه كإبن
يقبل توبيخات أبيه (كمهتم بي) ولا أحزن منها، بل أشكره علي إرشاده وتعبه معي0أجلس
أمامه ” كتلميذ ” يتقبل كل تعاليمه (ولا تفرض عليه أرائك أو إرادتك)0أجلس
أمامه ” كمتهم ” أمام القاضي، مهما كانت رتُبتك أو كرامتك (كان أحد
الآباء البطاركة يرفض الجلوس بجوار أب اعترافه بل علي الأرض)0

 إبحث
مع أب اعترافك عن سبب عدم نموك روحياُ، وعالج أسبابه

 الإعتراف بجميع
النواحي الروحية والاجتماعية.. الخ (الأمانة في الدراسة أو في العمل أو الأسرة..الخ)

 أن تُصارح أب
إعترافك، بكل مافي نفسك، ولو من جهته، ومن جهة تداريبه لك.. الخ فلو أن عدو الخير
أعثرك في تصرف معين لأبيك الروحي، عليك أن تذكره له، في لهجة مؤدبة وتستفسر منه
عنه، وعن طريقة علاجه ه؟ إن كان لا يريحك.

 اختر
وقتاُ مناسباُ ” لك ولأب الإعتراف ” ليتمكن من الاصغاء بتركيز، وايجاد
الحلول والاختبارات النافعة لك.

 عندما يقول لك أبونا
” الله يحالك ” فالمقصود الخطايا التي اعترفت بها فعلاُ.

 لا داعي لإضاعة وقت
الكاهن، بل اذكر تفصيلات مركزة، ومراعاة ظروف المنتظرين بالخارج لدورهم في الدخول
إليه0

 لا تعترف عن آخرين،
بل عن نفسك، وعن خطاياك وحدك.

 لا تبرر ثورتك في
المنزل، لتصرفات أقربائك، وإنما تدين ذاتك (أنت السبب في غضب الغير منك)0

 أن يعترف باتضاع واحتشام
(بالخجل من عمله والحُزن العميق والندامة علي الشر) وليس بالشكوي من الغير (القريب
أو الغريب) أو أن يلتمس العُذر لخطاياه ولا ينسبها لغيره (فلان هو السبب، الشيطان
ضحك علي).أو يهون منها ” فمن أخطأ في واحدة صار مجرماُ في الكل ” (ولا
توجد في المسيحية ما يُسمي بكبائر وصغائر)

 أن يعترف بكل ما
صنعه، حتي ولو كان يعرف علاج خطاياه0

 إذكر
له هل الخطية هي لأول مرة؟ أم أنها مستمرة؟ واذكر مشاعرك هل كنت تعملها بلذة؟ أم
بنفور وضيق؟ وهل عندك نية لتركها فوراُ؟

 لا
مانع من ذكر مقارنة بما سبق: هل هناك نمو أم تأخر أم توقف أم فتور؟

 أعطُ أهمية للإعتراف
بالخطايا المتكررة وقاومها بوسائط النعمة

 من يفعل خطية في وقت
الاصوام والأعياد المقدسة ليس كمن يفعلها في أيام عادية

 اذكر هل فعلت الخطية
حُراُ مُختاراُ؟ أم مدفوعاُ أو مخدوعاُ من غيرك؟ أو هل سقطت ودفعت غيرك، ليشترك
معك في خطاياك؟ هل لجأت إلي الحيلة والتغرير والخداع في سبيل تحقيقها، أو فعلتها
مسروراُ وبغير ضيق، أم كنت متضايقاُ منها؟!

 اهتم بالنواحي
الايجابية اعترف بالتقصير في الفضائل، وفي عمل الخير للغير ” من يعرف أن يعمل
حسناُ ولا يعمل فذاك خطية له” (يع 17: 4)

 إن كنت تعاني من
النسيان، سجل خطاياك في ورقة لتتذكرها أمامه.

 علي الخادم أن يعترف
بالتقصير في التحضير، وفي الافتقاد، أو في الصلاة من أجل المخدومين.. الخ

 بعد الإعتراف ونوال
الحل انصرف بمفردك، وتأمل كم صنع الرب بك ورحمك، واشكره من قلبك باستمرار

 سماع النصيحة
وتنفيذها مُقتنعاُ بأنها لفائدتك من كافة النواحي.

 حدد
موقفك من وسائط النعمة، وهل تمارسها بأمانة أم لا؟ استعمل كراسة التدريب الروحي)

 لا تشكو من أب
اعترافك، أو تذكر ما يقوله لك أمام الآخرين

 أعترف بظروف الخطية
تفصيلياُ، ومكانها وأشخاصها (دون ذكر اسماء)0 وأنوي كسر حلقاتها الثلاثة: ” المكان
– الظروف – الأشخاص ”

قال
أنبا أنطونيوس ” لا تَعٌد إلي القرية (المكان) التي أخطأت فيها” (لأن
إبليس ينسج خطته مع الخاطيء علي أساس جذبه لظروف الخطية المكررة، وإلي نقاط الضعف
عنده) وأكشفها لأب الإعتراف فذلك أمر مهم0 مع التأكد علي عدم إعطاء الشيطان فرصة
ليجرّبه (سواء بوجود فراغ طويل، أو السير مع اصدقاء السوء أو مداومة القراْة أو
سماع ومشاهدة وسائل الإعلام المعثرة)0

 التعهد بعدم الرجوع
إلي الخطية

 الاستعانة بباقي
وسائط النعمة، ليستمد بها القوة، للتغلٌّب علي الشهوات والخطايا المحبوبة (مضادات
حيوية روحية وفيتامينات لتقوية النفس الضعيفة وتدعيم قوة الإرادة)0

 

معوقات
ومُعطلات التوبة والإعتراف

اولا:
التأجيل

 إن
عملت النعمة في قلبك وشعرت باشتياق إلي التوبة فلا تؤجل، لأنه ربما يزول الدافع،
وتعطي للشيطان فُرصة لمحاربتك، وجعل الطريق يبدو صعباُ أمامك0

 عنصر
السرعة مهم في التوبة، فقد يموت الإنسان فجأة0 ويقول أيوب الصدّيق ” أيامي
أسرع من عداء (متسابق) تفر ولا تري خيراُ” (أي 25: 9). ولأن مجيء الرب الثاني
للدينونة سريع أيضاُ (رؤ 20: 22)

 وأن
التأجيل استهتار بعدم سماع صوت الله وبعمل النعمة0 وأنك ترفض المصالحة مع الله
(مخاصمته) وأنك تُفضل الإستمرار في مقاومته، والإضرار بنفسك روحياُ ونفسياُ
وجسدياُ (ضياع المستقبل الأبدي والأرضي)0

 

لا
تؤجل التوبة

لا
تؤخر التوبة أو تؤجلها، فكثيرون ممن هم في الجحيم الآن، أنتقلوا من هذا العالم علي
أمل التوبة في مستقبل حياتهم، ولكن الموت عاجلهم وباغتهم ولم يمهلهم. أحذر أن
تشابه الخمس العذاري الجاهلات اللائي جاء العريس ولم يكن مستعدات، فأغلق الباب
وبقين خارجاُ، وعبثاُ صحن وصرخن وقرعن الباب قائلات: ” ياسيد افتح لنا “.
فقد كان الجواب: ” الحق أقول لكم أني ما أعرفكن ” (مت 11: 25 – 12).
وذلك الغني الذي أخصبت كورته، فلم يفكر في أمر خلاصه بل فكر في توسيع مخازنه..
” أقول لنفسي يا نفسي لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة.. أستريحي وكلي
وأشربي وأفرحي ” (لو 16: 12 – 20). نعم كان لهذا الغني خيرات كثيرة. لكن لم
تكن له سنون كثيرة، فقد كان صوت الله له في نفس تلك الليلة مفزعاً ” يا غبي،
هذه الليلة تطلب نفسك منك “. أن ذلك الإنسان لم يستحق أن يسمع من الله سوي
كلمة ” يا غبي “.

 

الملح
واللحم النتن

يقول
الحكيم: ” لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماء وقت ” فما هو وقت التوبة
يا تري؟ ليس هو زمان الشيخوخة علي أي حال.. فالملح يوضح علي اللحم لكي يحفظه من
النتن، لكن ماذا ينفع الملح اللحم بعد أن يكون قد أنتن؟ ربما لا يجدي تأجيل التوبة
إلي زمن الشيخوخة بعد أن تكون قد فاحت من الإنسان رائحة الخطية؟

ذكر
عن أحد المصورين أنه علي الرغم من مهارته، كان يبدأ في رسم صورة الإنسان مبتدئا من
القدمين. فكان يحدث احيانا ان المساحه التي يرسم عليها لا تكفي لحجم الصورة، فتظهر
الصورة بغير رأس، أو برأس غير متكاملة، هكذا يوجد كثيرون عظماء وأذكياء، لكنهم
يؤجلون التوبه وهي الرأس. فها تصبح الصوره بغير رأس معبره؟ وهكذا الحياه بغير توبة
غير مقبولة قال أحد الآباء: ” التوبة هي الأم، أهتم بالأم تلد لك بنين ”
والمقصود بالبنين هنا الفضائل.

 

لماذا
لا اؤجل التوبة

لا
تؤجل التوبة لأنه ربما تحدث في الفترة التي أجلت فيها التوبة، أن تنكشف أمامك صور
لذيذة للخطية، فتتعلق بها اكثر، ويفتر حماسك للحياة المقدسة.. وقد تحدث انحرافات
في طريق حياتك، اذ من يدريك أن الشعور بالاشتياق الي حياة فاضلة مقدسة سيظل
ملازماً لك في مستقبل ايامك وحياتك.. ربما في هذه الفترة تحدث انحرافات في أفكارك
وتتغير نظرتك للحياة الروحية عامة، ويصعب في رأيك امكان تنفيذ المباديْ الروحية في
هذا العالم، وربما يحدث أيضاً في فترة التأجيل أن تضعف أرادتك ونيتك للتوبة
والحياة المستقيمة، أضف إلي هذا أن فرصة التوبة اذا تهيأت لك ولم تستجب لها، فقد
تتعقد أمامك المسائل والظروف فلا تؤجل التوبة وتؤخرها أذن.

 

ثانياً:
اليأس

 الله
يستطيع أن يغيّر النفس مهما فعلت من شرور، ويقبل كل من يُقيل إليه (يو 37: 6) وهو
الذي قبل السامرية وزكا وبطرس والمرأة الخاطئة، وكذلك رحم أغسطينوس وموسي الأسود
وبلاجية000 الخ وكانوا من أكثر الناس شراُ0

 ”
من يسلم نفسه لليأس يقتل نفسه بنفسه” (يوحنا الدرجي)

 يجب
أن تؤمن وتثق أن الله يحبك ويريد خلاصك ويهبك الرحمة دائماُ0

تذكر
محبة سيدك وأحذر من اليأس

حينما
تتذكر خطاياك وتضعها أمامك، ربما يحاول إبليس أن يقودك إلي الياس وقطع الرجاء،
فاحترس منه. أنظر إلي سيدك في محبته للخطاة ولترتسم صورته في مخيلتك وأمام عينيك
وهو فاتح احضانه داعياً الجيع اليه لكي يريحهم من نير الخطية ويحررهم من عبودية
أبليس. لا تخف فنحن لم نأخذ من الله روح العبودية للخوف، بل أخذنا روح التبني الذي
به نصرخ يا أبا الآب” (رو 15: 8). أطلب من الله فيهبك توبة وغفراناً ”
توبني فأتوب لانك أنت الرب الهي ” (أر 18: 31).

 

الطلبة
المقبولة دائماً

ليست
طلبة مقبولة لدي الله مثل الطلبة التي لأجل خلاص النفس، ففيها نطابق أرادة الله بل
نفعل ما يسره، حسبما يقول معلمنا بولس: ” لأن هذا حسن ومقبول لدي الله، الذي
يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون ” (1 تي 2: 3 – 4). وقد
تطلب من الله طلبات خاصة فلا تحظي باستجابتها، لأنه يري أنها ليست لخلاص نفسك، حتي
لو كانت تلك الطلبات للحصول علي فضائل معينة مثلا، فقد يكون طلبك للفضائل قبل
الاوان في وقت يري الله فيه أنك في حالة روحية لا تسمح لك باقتبالها، فتكون
النتيحة وقوعك في الغرور والمجد الباطل، وهذا ما لا يشاؤه الله. أما الطلبة التي
من أجل خلاص النفس فلن يرفضها الله أبداً، اذ هي ارادته

قال
القديس مار اسحق ” ليس شيئاُمحبوباً لدي الله، وسريعاُ في استجابته، مثل
إنسان يطلب من أجل زلاته وغفرانها “.

 

الطريق
ليس مفروش بالورود

قد
يأتي الشيطان الينا باليأس في بدء طريق التوبة والجهاد، بأن يصعب لنا الطريق ويضع
أمامنا العراقيل، ويحاربنا بالملل والضجر.. كل ذلك حتي نيأس من أول الطريق.. لكن
لنعلم جيداً أن طريق الملكوت ليس مفروشاُ بالورود والرياحين. يكفي وصف المسيح له
أن بابه ضيق ومسلكه شاق وكرب (مت 14: 7). في بداية طريق التوبة والحياة مع الله
يرجع كثيرون إلي الوراء. لقد أخرج الرب بني اسرئيل بذراع قوية من مصر، ولكن ما أن
وصلوا إلي البرية حتي عاودهم الحنين إلي أرض العبودية بما فيها من متع جسدية،
ففضلوا الثوم والكرات في ظل العبودية، عن طعام الملائكة في ظل الحرية في البرية.

 

ثالثاُ:
الخجل

 يحجم
البعض عن الإعتراف خجلاُ من الآباء، وينسي هؤلاء أن الله وملآئكته وقديسيه يرونهم
في شرهم وسوء أفعالهم0

 يجب
أن يخجل الخاطيء من الخطية، وليس من أب الإعتراف0 فلماذا لا يخجل المريض من كشف
أعضائه المستورة للطبيب، ليعرف أعراض مرضه، ويصف له الدواء0

 أن
المرأة الخاطئة لم تخجل من يسوع ولا من الموجودين، في بيت سمعان الفريسي0

 يقول
الحكيم بن سيراخ: ” لا تستح أن تعترف بخطاياك ” (24: 4)

 يجب
أن يستحي المعترف من الله وهو يقر بخطاياه، دون أن يخجل من أب إعترافه، كأب وطبيب
ومُعلم ومرشد صالح 0

 أن
الخجل يُشعرني ببشاعة الخطية وعارها، ويشجعني علي عدم العودة إليها0

 إن
كنت أخجل من كشف خطيتي لأب إعترافي، فماذا يكون حالي عندما تُعلن أمام الملايين،
يوم الدينونة؟!

 الشيطان
يستفيد من الخجل، فيجعل الخاطيء يحجم عن أخذ الغفران والنعمة، ويحرم المسيحي من
البركات التي تنتج عن التحرُّر من الخطية واالاقرار بها ونوال الحل من الله بصلوات
الكاهن.

 

رابعا:
عدم الأهتمام بالحياه الروحيه

 قد
يكون تأخير
الإعتراف بسبب عدم
اهتمام الشخص بحياته الروحية وانهماكه في المشغوليات إما بسبب غرور الغنى او بسبب
هموم العالم وكلاهما يخنقان الكلمة، أو بسبب التهاون والكسل أو بسبب الضمير الواسع
الذي يستبيح صاحبه كل شئ دون أن يشعر بأنه عمل شيئاً. وقد يكون العائق هو عدم
معرفة فوائد سر
الإعتراف وقد يكون أيضاً هو التعلل بعدم وجود كاهن مناسب
ويؤخر الإنسان توبته واعترافه من يوم إلي يوم حتى آخر الأيام.

 

خامسا:
الأرتباط بالشهوات

أحياناً
يكون سبب عدم
الإعتراف هو ارتباط
الشخص بشهواته ومحبته لها فلا يريد تركها ويقول أنني متأكد أنني سأرجع إلي خطاياي
مرة أخرى لأنني ضعيف. فالأفضل أن لا أعترف حتى لا أضحك علي الله.. وهذا هو ما
يريده منا الشيطان أن لا نستخدم الأدوية التي أعطاها الله لنا للخلاص.. فإنه ينبغي
لنا أن نتوب مهما كانت خطايانا ” فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا ويطهرنا من كل
إثم ” إن اعترفنا بها (1يو 1: 9) ولا تخف من السقوط مرة أخرى بل ثق أن الله
سيقويك حتى تقول مع القديس بولس الرسول: ” أستطيع كل شئ في المسيح الذي
يقويني ” (في 4: 13) وتعتمد علي قوة الله ومعونته كوعده للقديس بولس الرسول
” تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل ” (2كو 12: 9).

لا
تيأس إذا سقطت بعد
الإعتراف ” لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم ”
(أم24: 26) بل قم وقل مع ميخا النبي: ” لا تشمتي بي يا عدوتي، اذا سقطت اقوم،
اذا جلست في الظلمه فالرب نور لي ” (مي 7: 8).

 

سادسا:
الكسل وعدم الرغبه في الجهاد

هناك
مبدأ هام في الحياة الروحية هو مبدأ ” التغصب ” ويقصد به أن لا يترك
الإنسان ذاته إلي راحتها وحريتها، فلو خلدت ذواتنا إلي الراحة لما صلت ولا صامت
ولا جاهدت في أي ميدان روحي.

 قال
السيد المسيح ” ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه ” (مت 12: 11).
وأكد هذا المعني القديس بولس الرسول في قوله ” لم تقاوموا بعد حتي الدم
مجاهدين ضد الخطية ” (عب 4: 12) وبقدر ما نغصب أنفسنا لحياة التوبة والصلاح
والجهاد بقدر ما تأتينا معونة الله.

قال
القديس مار اسحق: ” بقدر ما يشقي الإنسان ويجاهد ويغصب نفسه من أجل الله،
هكذا معونة الهية ترسل اليه وتحيط به، وتسهل عليه جهاده وتصلح الطريق قدامه “.

 

الرب
يرفع عنا الحروب

لا
يستمر الامر هكذا شاقاً في كل طريق الملكوت، بل أن مواعيد الله تشجعنا، وتعزياته
الخفية، وصوته الصادر من داخلنا يؤازرنا ويقوينا، بل يأتي الوقت حينما يري الرب
تمسكنا به وقهر ميولنا من أجل حبه، ويرفع عنا الحروب والقتالات.

قال
القديس مكاريوس الكبير ” الإنسان الذي يرغب أن يأتي إلي الرب.. كل ما يغصب
نفسه لاجله ويعمله وهو متألم بقلب نافر غير راض، سوف يأتي عليه يوم يعمله برضي
وقبول.

 

في
البداية النار تدخن ثم تنال المطلوب

وما
أروع التشبيه الذي أوردته القديسة سفرنيكي ” جهاد عظيم وتعب يلقي المتقدمين
إلي الله في البداية، وبعد ذلك فرح لا ينطق به، كمثل الذين يلتمسون أن يوقدوا
ناراً، ففي أولها تدخن وتدمع عيونهم، وفيما بعد ينالون المطلوب، ولأنه قد قيل أن
الهنا نار آكلة، فلنسكب دهن العبرات لتشتعل النار الالهية داخلنا”

 

أحذر
التهاون وتذكر الدينونة

إياك
أن تفهم خطأ مراحم الله الواسعة.. إياك أن تطمع فى مراحمه أكثر من اللازم وتقول
أنه محب للبشر وشفوق ولن يعاقب أولاده، لئلا تصبح نظرتك وفكرتك عن رحمة الله
حافزاً لك على التهاون، ودافعاً للتمادى فى حياة التراخى والشر. فكما أن الله رحوم
فهو عادل أيضاً وإن كانت ” مراحمه على كل أعماله ” كما يقول داود النبى
(مز9: 145). ولن يكون الله رحوماً وليس عادلاً، فإن هذا يتنافى مع كماله الإلهى.

 

قل
لي من فعل هذا؟

قل
لى يا من لا تؤمن بالعقاب العتيد، ما الذى جلب الطوفان المخوف فى زمان نوح البار،
وأغرق ساكنى الدنيا قاطبة.. من أرسل البروق والصواعق على أرض سدوم وعمورة وأحرق
سبع مدن مع أولئك القتلة مضاجعى الذكور وأبادهم جميعاً.. من أغرق فرعون وجنوده فى
البحر الأحمر. من أباد الستمائة ألف من اليهود فى البرية، من أغرق محلة ابيرام، من
أمر الأرض أن تفتح فاها وتبتلع قورح وداثان وابيرام أحياء، من قتل فى أيام داود
سبعين ألف نفس، من قتل من الأشوريين خمسة وثمانين ألفاً فى ليلة واحدة، فأى جواب
لك ترد به على هذه كلها؟.

 

إياك
أن تطمع فى مراحم أكثر مما يجب

إياك
أن تطمع فى رحمة الله بتطرف وبفهم خاطئ. إستمع إلى قول السيد المسيح وهو يخاطب
أولئك الذين أخبروه عن الجليليين الذين خلط هيرودس دماءهم بذبائحهم والثمانية عشر
الذين سقط عليهم البرج فى سلوام ” إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون”
(لو15: 13).

 

ملاحظات
من اجل اعتراف صحيح

اولا:
ملاحظات قبل مباشرة الإعتراف

 

الأختلاء
بالنفس

يجب
ان يختلي المعترف بنفسه ويراجع ماضي حياته وما هو عليه ويحاسب نفسه الحساب الدقيق
ويتذكر خطاياه ولا يقول هذه كبائر والأخري صغائر ويكشف قلبه أمام مرآة الحقائق
الالهية ” فرجع إلي نفسه” (لو 17: 15) وعندئذ يعرف ما له وما عليه وما
يجب أن يقلع عنه ويتركه من الرزائل وما يبقي معه ويقيم عليه من صالح العادات
وفضائل الاعمال وأن يندم عما ارتكبه من المعاصي ندامة عميقة كاملة واضعا امام
عينيه بشاعه الخطيه ونتانة رائحتها لأن ” الخطية خاطئة جداُ ” ويتعهد في
نفسه وأمام ضميره وأمام الله بالتوبة عما ارتكبه توبة صادقة لا تشوبها غاية قائلاُ
في نفسه ” لأن زمان الحيوة الذي مضي يكفينا لنكون قد عملنا فيه شهوات الأمم “.
وهذه الندامة العميقة والتوبة الصادقة يطلبها الله دائماُ من شعبه ويطالبهم بها
بقوله “أرجعوا إليّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا
ثيابكم” (يؤ 12: 2 – 13)0

 

تشخيص
الحاله

وهو
ضروري لمن رأي نفسه خاطئاً وشعر بحاجته إلي غفران خطاياه كما فعل داود في تشخيص
حالته بقوله: ” تعبت في تنهدي اعوم في كل ليلة سريري بدموعي اذوب فراشي ساخت
من الغم عيني شاخت من كل مضايقي” (مز 6: 6 – 7) وكما فعل أهل نينوي اذ ”
نادوا بصوم ولبسوا مسوحاُ من كبيرهم إلي صغيرهم ” (يو 5: 3) وكما فعلت المرأة
الخاطئة حيث ” وقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدات تبل قدميه بالدموع
وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدههنما بالطيب ” (لو 38: 7) وكذلك
فعل بطرس اذ ” خرج إلي خارج وبكي بكاءُ مراُ ” (لو 63: 22). ” لأنه
ما اعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون اليه” (سيراخ 28: 17)0

 

الأنسحاق
ونخس القلب ولوم الضمير

حالة
المعترف هذه تسمي انسحاقاُ قلبياُ كما عبر داود النبي عن ذلك بقوله ذبائح الله هي
روح منكسرة. ” القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره” (مز 17: 51)
وأيد ذلك أشعياء ايضاُ بقوله ” في الموضع المرتفع المقدس اسكن ومع المنسحق
والمتواضع الروح لأحيي روح المتواضعين ولاحيي قلب المنسحقين” (إش 15: 57 و2: 62)

أو
تسمي نخس القلب ولوم الضمير وتأنيبه كما حصل لمن رجعوا عن خطاياهم وأنضموا إلي
عضوية الكنيسة المسيحية في يوم الخمسين من اليهود إذ قيل عنهم ” فلما سمعوا
نخسوا في قلوبهم ” (اع 37: 2) ” لأنه أن لامتنا قلوبنا فالله أعظم من
قلوبنا ويعلم كل شيء ” (1 يو 20: 3).

 

رفض
التأجيل

ان
يعزم نهائياُ علي ترك الخطية ويغادر اماكنها وان يعزم عزماُ صادقاُ وينفذه حالاُ
بدون تسويف أو امهال ” لا تؤخر التوبة إلي الرب وتتباطأ من يوم إلي يوم”
(سيراخ 8: 5) ويقول مع الابن الشاطر أقوم وأذهب إلي أبي” (لو 18: 15).

الهروب
من اسباب الخطيه

 علي
التائب المعترف ان يهرب من الاسباب التي توقعه في الخطيه وتجذبه اليها هروبه من
الافعي القاتلة مثل ” من ينظر إلي امرأة ليشتهيها” (مت 28: 5) ويقول مع
أيوب ” عهداُ قطعت لعيني فيكف أتطلع في عذراء ” (أي 1: 31) ومثل ” لا
تخرج كلمة ردية من أفواهكم ” (اف 29: 4).. ويقول مع النبي ” قلت أتحفظ
لسبيلي من الخطأ بلساني احفظ لفمي كمامة فيما الشرير مقابلي” (مز 1: 39)
ويسمع قول الحكيم “احفظ قدمك حين تذهب إلي بيت الله ” (جا 1: 5) وغير
ذلك من الاسباب التي تسهل له ارتكاب المعاصي0

 

التعهد
بعدم العوده الي الخطيه

أن
يعاهد نفسه عهداُ جازماُ بأن لا يعود إلي ما ارتكبه سابقاُ وهذا ما يسمي بالتوبة
الحقيقية لأن العودة خصوصاُ إذاُ كانت بالقصد والعمد أصعب وقعاُ واسواْ نتيجة ولأن
وقع المضاعفات أشد خطراُ من المرض الاصلي والنكسه أشر من العلة السابقة لهذا حذر
مخلصنا له المجد ذلك المخلع الذي ابرأه بقوله ” فلا تخطيء أيضاُ لئلا يكون لك
أشر” (يو 14: 5)، كما نصح اللمرأة التي قدموها إليه متلبسة بجريمتها ليحاكمها
بقوله ” أذهبي ولا تخطئي أيضاُ ” (يو 11: 8).. ” لكنه جعل للتائبين
مرجعاُ وعزي ضعفاء الصبر ورسم لهم نصيب الحق فتب إلي الرب واقلع عن الخطايا”
(سيراخ 20: 17 – 21)0

ولأن
الوحي الألهي أشبه من يتوب عن الخطية ثم يعود إلي ارتكابها باقبح الصور حيث قيل
” لأنه إذا كانوا بعدما هربوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص يسوع
المسيح يرتبكون أيضاُ فيها فينغلبون فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل لأنه كان
خيراُ لهم لو لم يعرفوا طريق البر من أنهم بعدما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة
المسلمة لهم قد أصابهم ما في المثل الصادق كلب قد عاد إلي قيئه وخنزيرة مغتسلة في
مراغة الحمأة ” (بط 20: 2 – 22).

 

تسويه
الحسابات

أن
يسوي حسابه ويستخلص منه نتيجة ظاهرة واضحة لا تشوبها مغالطة ولا يتخللها ريب أو شك
ويتحقق جلياُ من خطاياه سواء كانت، في حق الله أو في حق القريب أو في حق نفسه
وسواء كانت بالقول أو بالفكر أو بالفعل

لذلك
وجب عليه أن ينقي يديه ويطهر قلبه منها (يع 8: 4) وأن كانت في حق القريب ” أن
تذكرت أن لأخيك شيئاُ عليك فأذهب واصطلح معه” (مت 23: 5 – 24) ” وأن كان
له علي أحد شيء فيغفر ه ” (مت 18: 33، مر 25: 11) وأن كان اغتصب من أحد شيئاُ
فيرده اليه (لو 8: 19) وغير ذلك مما يجول بخاطره ويتذكره ويتحقق من صحته وعندئذ
تتجلي أمامه امراضه ويعرفها بأنواعها ويشعر بثقلها وخطرها فلا يري مندوحة من
الأقبال إلي الطبيب فيقوم حالاُ ويذهب إليه0

 

اختيار
الطبيب الروحي (أب الإعتراف)

أن
يفكر بروية وتعقل في اختيار الطبيب الذي يذهب إليه لأن ليس كل الأطباء يفحصون
المرضي ويعالجونهم جيدا، فضلاُ عن أن البعض منهم قد لا يفيد المرضي وربما يتسببون
في موتهم عوضاُ عن تخفيف ألامهم والعناية بشفائهم وكما يحدث في الأمراض الجسدية
هكذا يحدث في الامراض الروحية. أيضاُ لذلك وجب علي المعترف أن يتخير له طبيباُ
حاذقاُ توفرت فيه الخبرة التامة والعناية الشاملة ودقة الفحص وصحة الوصف حتي يحسن
الظن به ويطيعة وينفذ نصائحه ويقبل علاجه واثقا بنفعه وفائدته ومتي وجده يقدم نفسه
حالاُ لمثل هذا الطبيب بغير توان ولا أمهال.

 

ثانيا:
ملاحظات أثناء مباشرة الإعتراف

قدم
نفسك كمريض في أشد الحاجة إلي العلاج

يجب
أن يتقدم المعترف ويجلس أمام طبيبه ناسياُ وجاهته ومركزه العالمي منكراُ ذاته فلا
يضع أمام فكره غناه أو ثروته أو درجته أو رتبته كما كان عالقاُ بذهن نعمان
السرياني عندما حضر إلي إليشع النبي (مل 11: 5) بل يقدم نفسه كمريض في أشد الحاجة
إلي العلاج شاعراُ بثقل وطأة مرضه لأن المرض طويل يثقل علي الطبيب فيحسم الطبيب
المرض قبل أن يطول فيعترف به وبتذلل وأنسحاق قلب وهذه نتيجة طبيعة لازمة للشعور
بشدة الخطر الذي عاقبته الهلاك فيستجلب عطف وحنان الطبيب السماوي ” والي هذا
أنظر إلي المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي” (إش 2: 66).

 

أن
يوقن أنه يعترف أمام الله الفاحص القلوب والكلي

 يجب
أن يكون صريحاُ في اعترافه صادقاُ في اقراره ليس كأنه أمام شخص بشري مثله يمكنه ان
يخفي عنه ما أستر من عيوبه وما لا يعمله من خطاياه مثل يربعام ملك اسرائيل الذي
اوصي زوجته أن تذهب متنكرة إلي اخيا النبي وتستر عنه ماخفي من خطاياها وخطايا
زوجها الذي تضامنت معه علي ارتكابها والانغماس فيها مرتكنين علي استعطاف وجهه
والتأثير عليه بالهدايا فطاش سهمها وأنكشف ما خفي من أمرها وسمعت ماكانت تخشي
سماعه وتكرهه (1 مل 1: 14 – 20)0بل يجب علي المعترف أن يوقن محققاُ أنه يعترف أمام
الله الفاحص القلوب والكلي (أر 9: 17 ورو 27: 8) والذي لا تخفي عليه خافية وعيناه
كلهيب نار فيشهد عياناُ ما يعترف به أن كان صادقاُ فيشمله برحمته وأن كذباُ يجعله
مع حنانيا وسفيرة الذين كذبا علي رسول الحق في اختلاسهما جزءاُ من ثمن الحقل
وانكرا علي القديس بطرس الرسول حقيقة الأمر فاستحق حنانيا سماع التوبيخ الصارم
” لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب علي الروح القدس000 أنت لم تكذب علي الناس بل
علي الله ” (أع 3: 5 – 4) أو مثل امرأة يربعام التي تنكرت أمام اخيا النبي
فأرعدها الله علي فمه انذارات مريعة مدي الحياة (1 مل 1: 14 – 20).

هذا
حال المعترف الذي يتنكر أو ينكر أمام طبيبه شيئاُ من أمراضه اما الذي يعترف بصراحة
مقرونة بالصدق كما أمام الله فيرجع إلي بيته مبرراُ (لو 14: 18)0

 

يجب
أن تكون غايته العظمي وقصده الوحيد شفاء نفسه

يجب
أن تكون غايته من الإعتراف ليس النجاة من تجربة واقعة مثل اعتراف فرعون أمام موسي
وهرون (خر 27: 9 – 28) أو طلب الحل والصفح لهذه الغاية (خر 16: 10 – 17) أو أن
يكون الباعث للآعتراف هو حب التظاهر وطلب المديح من الناس وذر الرماد في عيونهم
حتي يثقوا به ويعتمدوا عليه ويأتمنوه علي ودائعهم وأسرارهم لحسن ظنهم به كما فعل
ذلك شاول ملك اسرائيل أمام صموئيل النبي مع بقائه علي سيرته الرديئة طلباُ لحفظ
مركزه أمام عظماء ووجوه شعب اسرائيل (1صم 20: 15). بل يجب أن تكون غايته العظمي
وقصده الوحيد شفاء نفسه وخلاص روحه في يوم الرب (1 كو 5: 5) ونوال نعمة الغفران من
الله (إش 7: 57)0

 

المكاشفه
والوضوح

 يجب
علي المعترف أن يكاشف طبيبه بجميع خطاياه ما ظهر منها وما خفي ولا يترك منها شيئاُ
في قلبه بدون العلاج الذي يصفه الطبيب ملائماُ ومناسباُ لحالة الأمراض وبذلك ينال
البرء منها لأن الخطية تشبه القرح الذي اذا لم يشفه الطبيب سرت مادته المهلكة
رويداُ رويداُ وبها يسمم جسم المريض فيستعصي الداء ويتعذر الشفاء ويحتم الفناء0
وقال القديس ترتليانوس (في التوبة 10) أن أخفينا نفوسنا عن معرفة الناس هل تخفي
علي الله؟ وهل الاولي أن نهلك وذنوبنا مخفية أو نحل وهي مكشوفة؟” وهو إنما
يخاف من عيون البشر ولا يعلم أن عيني الرب أضوأ من الشمس تبصران جميع طرق البشر
وتتطلعان علي الخفايا” (سيراخ 7: 23 – 8).

 

الا
ينسب علة فعلها أو المحرض عليها لغيره

يجب
أن لا يعتذر عن ذكر أي خطية بل يناقشها ويجب الا ينسب علة فعلها أو المحرض عليها
غيره لئلا يستوجب لنفسه ما اصاب آدم وحواء عندما سأل الله كلا منهما عن خطيته
فأعتذر ناسباُ أن المحرض له علي ارتكابها غيره0 إذ اعتذر آدم بأن حواء حرضته علي
الوقوع فيها واعتذرت حواء بأن الحية اغرتها علي المخالفة فاستحقا بهذا الاعتذار
قصاص الله العادل والوقوع تحت طائلة غضبه” (تك 12: 3 – 13)0بل يجب عليه أن
يتأكد أن الإعتراف هو شكوي ضد النفس أمام الله مع الرغبة في تأديبها لهذا يجب أن
يشكو نفسه لا غيره ويعترف بخطيته مردداُ اعتراف المرنم ” أعترف لك بخطيتي ولا
أكتم أثمي، قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي ” (مز 5: 32) لا بخطية
غيره وإلا يكون مثله كمن يستذنب خلافه لكي يبرر نفسه ولمثل هذا دينونة أعظم.

قال
أحد الآباء ” لا تخدعنك العظمة فتعترف بخطاياك كأنها فعلت من غيرك. أكشف
أمراضك للطبيب وقل ولا تخجل ” يا أبي أن الخطية خطيتي وأنا سببها لا
غيري” أن من عادة الشيطان التلاعب بنا فيقنعنا أولاُ بعدم الإعتراف وإذا
اعترفنا يوسوس لنا باحالة الخطية علي غيرنا كأنهم هم السبب والعلة فينا0 أما أنت
فقاومه ليهرب منك واعترف للرب بخطيتك وأطلب المعالجة فتستريح وتربح نفسك “.

 

عدم
اساءه الظن بالطبيب

 يجب
علي المعترف أن لا يسيء الظن بطبيبه أو معلمه خصوصاُ إذا شعر بثقل الانويه أو
مرارة طعم العلاج ولا يخامر قلبه ان يستعطف وجه طبيبه بالهدايا أو يعمي بصيرته
بالمال أو القنايا طمعاُ في نوال الحظوي لديه وتخفيف القانون وتقصير مدة العلاج مع
سهولته لأن الطبيب اذا كان خبيراُ حاذقاُ ورأي ثقل المرض وشدة الخطر المحدق بصاحبه
لا يسعه إلا وصف الدواء الملائم مهما كانت مرارة طعمه وكراهة رائحته وعندئذ يجب علي
المعترف أن يحسن الظن به ويعتقد أن المر الذي يختاره له الطبيب خير من الحلو الذي
يختاره هو لنفسه ويقول ” لنحسب أن هذه العقوبات هي دون خطايانا ونعتقد أن
ضربات الرب التي نؤدب بها كالعبيد إنما هي للآصلآح لا للهلاك ” (يهو 7: 8)0

 

لا
تحاول تغيير ذمه الطبيب

أما
إذا شاء المعترف أن يعمي بصيرة طبيبه أو يغير ذمة معلمه بالهدايا أو بحب المال أو
حطام العالم الزائل فاما أن يكون الطبيب نزيهاُ أبي النفس شريف المبدأ فيقول مع
اليشع النبي ” حي هو الرب الذي أنا واقف أمامه أني لا أخذ وألح عليه أن يأخذ
فأبي” (مل 16: 5) وعندئذ يضيف المعترف ثقلاُ علي خطاياه وجريرة ‘لي معاصيه
تزيد عليه مرارة الدواء وتطيل مدة العلاج ويخشي أن يري فيه الطبيب ما يستدعي قصاصه
بالحكم الآتي ” لتكن فضتك معك للهلاك لانك ظننت أن تقتني موهبة الله
بدراهم” (اع 20: 8) 0وأما أن يكون الطبيب محباُ للمال طامعاُ بالربح القبيح
مثل ” بلعام بن بعور الذي احب اجرة الاثم فحصل علي توبيخ تعديه (2 بط 15: 2
16) ووضع عثرة أمام بني اسرائيل أن يأكلوا ما ذبح للاصنام ويزنوا فيطوح
المعترف بنفسه وبطبيبه إلي هوة ساحقة فيهلكان معاُ وبئس المصير.

 

الخجل
الذي يعتري النفس عند
الإعتراف بالخطايا

ان
الخجل الذي يعتري النفس عند
الإعتراف بالخطايا هو العقاب
الذي يجب أن تتحمله النفس بسبب سقوطها في الخطية، أما القانون الذي يفرضه الأب
الكاهن أحيانا على المعترف فهو التأديب الكنسي للجسد الذي أشترك مع الروح في
الخطية. حقا ان للاعتراف على يد الكاهن مرارة يهرب منها بعض الناس أحياناً بزعم
أنهم يعترفون على الله لكن هذه المرارة نافعة للخاطئ التائب نفعا جزيلاً، لا يمكن
أن يحصل عليه بمجرد الصلاة الانفرادية و
الإعتراف لله في المخدع، وذلك
أن ما يعانيه الخاطئ التائب من شعور بالخجل والخزى قد لا يتوافر للخاطئ أمام الله
الذي لا يراه لكنه يتواجد لديه في حضرة الكاهن الذي يراه بعينه جالسا امامه وهو
نافع ومفيد له.

 

الكبرياء
وليس الخجل

الهروب
من
الإعتراف على الكاهن
مرجعه الأصلي هو الكبرياء والكرامة الزائقه إذ يستصعب المتكبر أن يكشف نفسه
وخطاياه أمام الكاهن في أتضاع وانسحاق لأن كبرياءه يمنعه من ذلك.

يجب
أن يعترف الخاطيء بخطيته بشجاعة دون خجل وأن يذكر بعض الظروف المتعلقة بالخطية
بتفصيل غير ممل وإذا سأله الكاهن لمعرفة بعض الجوانب عن هذه الخطية لا يتضايق ولا
يخفي شيئاً بل يجاوب بكل صراحة لأن ذلك نافع له في وصف العلاج المناسب وإعطاء
النصيحة النافعة أو القانون أو التدريب المفيد. وعلى المعترف أن يدخل في صراع مع
الله في الصلاة واللجاجة حسب قول الرب ” هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت
خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف النقي ” (إش
1: 18).

 

لا
تقل أنني أخجل من
الإعتراف على الكاهن

لا
تقل أنني أخجل من
الإعتراف على الكاهن، فأيهما أهون أن تتحمل مرارة الخجل
فيردعك الخجل عن تكرار الخطيئة وصنعها مرة أخري فتخلص نفسك باعترافك أم أن تهرب من
مرارة الخجل وتهلك بخطاياك في يوم الدين.. يوم أن تظهر خطاياك مكشوفة ليس للكاهن
فقط بل لله والملائكة ولجميع البشر؟

ولقد
قال أبن سيراخ في سفر الحكمة (4: 24
31) لا تستح (لا تخجل) من أمر نفسك فإن من الحياء ما يجلب الخطيئة
ومنه ما هو مجد ونعمة ولا تستح أن تعترف بخطاياك ولا تغالب مجري النهر (أي الشعور
الجارف ب
الإعتراف)

 

في
أنواع المعترفين

كل
الناس في حاجة ضرورية إلي الإعتراف والتوبة مهما اختلفت مشاربهم وهيئاتهم ومداركهم
لأن الكل متساوون في ارتكاب المعاصي ومخالفة شريعة الله التي سجلت حالة جميع بني
آدم النفسية تسجيلاُ رسمياُ يتفق مع علم الله الكامل بنقائص البشر الطبيعية
والغريزية كما جاء بالوحي الألهي.


ورأي الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور افكار قلبه إنما هو شرير كل
يوم ” (تك 5: 6).. ” لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته ” (تك
21: 8).. ” قال الجاهل في قلبه ليس إله، فسدوا، ورجسوا بافعالهم ليس من يعمل
صلاحاُ الكل قد زاغوا معاُ فسدوا ليس من يعمل صلاحاُ ليس ولا واحد” (مز 1: 14
– 3).. ” القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس” (أر 9: 17).. ” لأن من
القلب تخرج افكار شريرة قتل زني فسق سرقة شهادة زور تجديف هذه هي التي تنجس
الإنسان ” (مت 19: 15 – 20).. ” كم عصوه في البرية واحزنوه في القفر”
(مز 40: 78).. ” لكنهم تمردوا واحزنوا روح قدسه فتحول لهم عدواُ ” (اش
10: 63).. ” كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلي طريقه ” (اش 6: 53) هذا
هو الوصف العام لجميع البشر لا يستثني أحد منه وأمام هذه الحالة الطبيعية ينقسم
المسيحيون إلي قسمين رئيسيين.

 

اولا:
الذين ابتعدوا عن ينبوع مياه الحياة

هم
الذين ابتعدوا عن ينبوع مياه الحياة واستمرأوا مرعي بغيهم فتحجرت قلوبهم لاعتزالهم
سماع الوعظ والتعليم لدرجة الصلابة المتناهية والقساوة الشديدة حتي أنطبق عليهم
القول الالهي ” لذلك كما يقول الروح القدس ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم
كما في الاسخاط يوم التجربة في القفر000 أنظروا أيها الأخوة أن لا يكون في أحدكم
قلب شرير بعدم أيمان في الارتداد عن الله الحي بل عظوا أنفسكم كل يوم مادام الوقت
يدعي اليوم لكي لا يقسي احد منكم بغرور الخطية ” (عب 7: 3 – 13)0فالقلب أصبح
شريراُ وارتد عن طريق الايمان وتقسي كالحجر الجلمود ولذلك مات وفقد الحس والشعور
الروحي ولا يرضيه من الوعظ ويسره إلا كل ما يوافق هواه وأمياله البشرية. ” بل
هم الذين يسمعون الكلمة وحالاُ يقبلونها بفرح ولكن ليس لها أصل في ذواتهم بل هي
إلي حين فإذا حصل ضيق أو أضطهاد من أجل الكلمة فحالاُ يعثرون ” (مت 21: 13). ”
في رياء اقوال كاذبة موسومة ضمائرهم ” (1 تي 2: 4). ” الذين اذهم قد
فقدوا الحس أسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع ” (اف 19: 4).

 

المسيحيون
بالاسم فقط

هؤلاء
عدد عظيم في الأمة وهم المسيحيون بالاسم فقط في الكنيسة وأكبر عثرة في طريق نموها
وتقدمها وانتشار ملكوت المسيح لأن أكثرهم من الأغنياء الذين لا يرعون بالنصح
والإرشاد وساعدتهم أموالهم علي ارتكاب المعاصي فمثل هؤلاء في حاجة شديدة إلي
التأثير عليهم وأقناعهم بسوء المغبة بواسطة رعاة مقتدرين تحيط بهم المهابة شكلاُ
والورع والكفاءة في العلم موضوعاُ ليقتادوهم إلي حيث تحطم مطرقة التعليم المؤثرة
صخور قلوبهم “. ويكون كلامي كمطرقة تحطم الصخر” (أر 29: 23)، فكيف يكون
كلامه كمطرقة وأي صخر تحطم ومن يستعملها؟ طبعاُ هذه المطرقة هي الطب الروحاني
وعقاقيره الشافية بالوعظ المقنع لنفس الخاطيء بمرضها المهلك فتحطم صخور القلوب
القاسية أو القلوب الموسومة التي فقدت الحس وسلمت نفسها في الدعارة للأرتداد عن
الله الحي والذي يحسن استعمالها هو الطبيب البارع الخبير في صناعته الغيور علي
شفاء النفوس من أمراضها بشدة تأثيره واقناعه لذويها بوجوب الاقلاع عنها ومغادرة مسارحها
الموبؤة ” فتب إلي الرب واقلع عن الخطايا” (سيراخ 21: 17).

 

ثانيا:
أصحاب الضمائر الحية

انهم
أصحاب الضمائر الحية علي اختلاف انواعها الآتي بيانها: وأمراضهم الروحية ليست
عضالة عديمة الشفاء مثل القسم الأول ولكن بعضها مستعصي يحتاج إلي دقة الفحص وطول
مدة العلاج والحمية الواقية من شر النكسه وهذا يتوقف علي حرص وسهر الطبيب وعنايته
وطاعة المتطبب وحسن ثقته بطببيه وكلا الأمرين ضروريان للشفاء ونوال الصحة الروحية
تماماُ ومن هؤلاء:

 

معاود
الخطية

وهو
من تعود التناول في أوقات معينة مثل يوم خميس العهد أو سبت النور أو في الأعياد
فيكون اعترافه علي سبيل سلم يرقي به ثم يعود إلي ما كان عليه أولاُ ” يا بني
اذا خطئت فلا تزد بل استغفر عما سلف من الخطأ ” (سيراخ 21: 1).

والمؤثر
الفعال في اقترابه إلي المائدة السماوية هو عادته فقط لأنه يعتقد أن عدم أتمامها
شؤم عليه وليس الغرض كراهة الخطية أو عزمه الثابت علي أصلاح السيرة والحصول علي
المصالحة مع الله وهذا النوع هو السواد الأعظم بين المتناولين ولكنهم ينطبق عليهم
ما قاله الرسول ” مثل كلب عاد إلي قيئه وخنزيرة مغتسلة في مراغة الحمأة ”
(2 بط 22: 2)، ومثل هؤلاء كان يجب تأخير الحل عنهم حتي يتغلبوا علي عاداتهم
ويتطبعوا بطبائع ثابتة تأتي بأثمار تليق بالتوبة المستديمة والعيشة التقوية
المستمرة”.. ” كذلك الإنسان الذي يصوم عن خطاياه ثم يعود يفعلها من
يستجيب لصلاته وماذا ينفعه اتضاعه ” (سيراخ 10: 31).

 

ذو
العادة

وهو
من اقتبس عادة أو ملكة لإحدي الخطايا تملكت عليه حتي أصبحت غريزة ملازمة من تكراره
افعالها وعدم عنايته بازالتها كأن يتعود الإنسان علي الحلف أو النميمة أو يتعود
علي نظرات رديئة مجلبة للشهوة أو تجسس اسرار الغير وأحوالهم وغير ذلك0 فمثل هذا
يجب تأخير الحل عنه ايضاُ حتي يتغلب علي عادته الرديئة اطاعة للامر الألهي ” ان
اعثرتك عينك فاقلعها وان اعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها لأنه لأنه خير لك أن تدخل
الحياة اعور أو اقطع أو أعرج من أن تطرح في جهنم ولك عينان أو يدان أو رجلان
“. فيقطع تلك العادة حتي ولو كان له من بقائها ربح مادي أو منزلة عالية رفيعة
وهذا ما يجب أن يلاحظه الطبيب الروحاني كما أن المعترف من هذا النوع يجب عليه ان
يقنع محققاُ أنه مادام في هذه الحالة ويتاجسر علي الدنو من المائدة المقدسة فهو
مجرم في جسد الرب ودمه.

 

الأبرار
في عيون أنفسهم

الأبرار
في عيون أنفسهم والقديسون حسب حكم ذواتهم وهذا النوع يظهر في مدة الاصوام فقط
ويختفي ويزول عنه البر والقداسة في مدة الفطر لأننا نراهم مدة الصوم يتناولون سر
الشكر اسبوعياُ وبعضهم في وسط الاسبوع ايضاُ وبدون اعتراف اذ لا حاجة لهم إلي
التوبة كما يزعمون ولا يشعرون بأي مرض روحاني ولو كان خفيفاُ فلا يلزمهم قانون
أيضاُ ” ولكن بما أن الرب طويل الاناة فلنندم علي هذا ونلتمس غفرانه بالدموع
المسكوبة ” (يهو 14: 8).

 

فريسيين
في طوابير المتناولين

وطبعاُ
نحن نتمثل هؤلاء وقوفاُ أمام الاسرار النورانية يرددون صلاة الفريسي وكل منهم يقول
معه ” اللهم أني أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا
مثل هذا العشار اصوم مرتين في الاسبوع واعشر كل ما أقتنيه ” (لو 11: 18 – 12)
مفتخرين باستحقاقهم الشخصي ولا نكيل هذا القول جزافاُ أو نقوله تثبيطاُ للعزائم
الناشطة، كلا وحاشا بل نحن نفرح الفرح الجزيل ونغتبط كثيراُ اذا رأينا جميع
المؤمنين بقلب واحد ونفس واحدة يتقدمون الي السرائر المقدسة باستحقاق لأن هذا مبدأ
الديانة المسيحية وعليه تأسست منذ نشأتها ” وكانوا يواظبون علي تعليم الرسل
والشركة وكسر الخبز والصلوات ” (اع 42: 2). وكل ما نقصده أن لا يدخل هؤلاء
الي الوليمه وهم عراه من لباس العرس (مت 22: 12). أعني به استعداد التوبه
والإعتراف الواجب لأننا اذا كنا نحاسب علي كل كلمه بطاله (أف 4: 29 و5: 4) وعلي كل
فكر شرير رديء (مت 15: 19)، وعلي كل نظره سيئه (مت 5: 28) فهل من المعقول ان يمضي
علي هؤلاء نحو اسبوع من الزمن وهم مختلطون بأهل العالم في المعاملات ومجالسات
ومجانسات ولا يلصق بهم أو بأفكارهم من الأمراض الروحيه ما يستدعي علاجهم ومداواتهم
بقانون التوبه؟ ولهم خير برهان قول القديس بولس الرسول ” فأني اعلم انه ليس
ساكن في (أي في جسدي) شيء صالح لأن الأراده حاضره عندي واما ان افعل الحسني فلست
أجد لأني لست افعل الصالح الذي اريده بل الشر الذي لست اريده فأياه افعل فأن كنت
ما لست اريده اياه افعل فلست بعد افعله انا بل الخطيه الساكنه في ” (رو 7: 18
20).

و
لو انحصرت هفواتهم في عدم اعتزال مضاجعهم الشرعيه احتراما واستعدادا لقبول الأسرار
فكفي بها عائقا عن الأستحقاق التام اللائق بكرامتها الألهيه لذلك وجب علي هؤلاء
الأخوه ان يتريثوا ويفحصوا ذواتهم ويعرضوا نفوسهم علي الطبيب الروحاني حتي يذكرهم
بما يجب عليهم ولو من نوع السهوات ” السهوات من يشعر بها، من الخطايا
المستتره ابرئني ” (مز 18: 12).

كما
يجب علي الأطباء الروحانيين عدم التساهل والتفريط مع هؤلاء لئلا يكون ذلك مدعاه
لهم علي الأستهانه بالأمراض النفسانيه وعدم الأهتمام بمداواتها كما ينبغي. فضلا عن
تعرض انفسهم لما يوقعهم تحت مسؤليه رهيبه لعدم رعايه الأمانه التي أؤتمنوا عليها.

 

اصحاب
الضمائر الحيه والقلوب اليقظه

هؤلاء
الذين لا يستريحون بعيدا عن عشره الله بل لذتهم وتعزيتهم في دوام مصالحتهم معه. ان
قلوبهم تهتف دائما ” تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوه لحلقي ” 0(نش 2:
3) ومهما طوح بهم العدو وابعدهم قليلا عن الأتصال بعرش النعمه لا يهدأ لهم بال الا
اذا عادوا الي مركزهم الأمين وهم بذلك كحمامه نوح التي عندما اطلقها من الفلك لم
تجد مقرا لرجلها في الأوحال العامه او بين الجثث الطافيه علي وجه المياه لذلك رجعت
اليه وفي فمها غصن زيتون. لذلك فأن اصحاب الضمائر الحيه مهما زلقت اقدامهم يقومون
بنشاط ويعودون سريعا وفي افواههم غصن زيتون الترنم والتسبيح لمن انتشلهم من سقطات
الخطايا ويلهجون بالإعتراف والتوبه والباعث لهم علي ذلك امران:

 

الأول:
ضمائرهم الحيه ” بهذا نعرف أننا من الحق ونسكن قلوبنا قدامه لأنه ان لامتنا
قلوبنا فالله اعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء. ايها الأحباء ان لم تلمنا قلوبنا فلنا
ثقه من نحو الله ومهما سألنا ننال منه لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضيه
امامه ” (1 يوحنا 3: 19 22) لأن الضمير نائب عن الله في الأنسان ولا يمكنه ان
يستريح الا في عشرته. ” طوبي لمن لم يقض عليه ضميره ولم يسقط من رجائه ”
(سيراخ 14: 2).

 

والثاني:
لأن الروح القدس الذي اتخذ القلوب النيرة مسكناُ له لا يرضي لذويها الابتعاد عن
الله أو دوام البقاء في مهاوي الرزائل بل يجذبهم ويرجعهم إلي دائرة النعمة الالهية
” ومتي جاء ذاك يبكت العالم علي خطية وعلي بر وعلي دينونة أما علي خطية
فلانهم لا يؤمنون بي وأما علي بر فلأني ذاهب إلي أبي ولا ترونني أيضاُ وأما علي
دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين” (يو 8: 16 – 11) وبعمل الروح القدس في هؤلاء
يجعلهم يهتفون دائماُ مع المرنم ” قلباُ نقياُ أخلق فيّ يا الله وروحاً
مستقيماُ جدد في داخلي لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني رد لي
بهجة خلاصك وبروح منتدبة اعضدني” (مز 10: 51 – 12)0

ولأن
الروح يوفق طلبات المؤمن مع مقاصد الله العليا0 في خلاص الإنسان ” الذي يريد
أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون” (1 تي 4: 2). ” وقد طهر
بالأيمان قلوبهم” (اع 9: 15) حسب وعده الأقدس ” وأرش عليكم ماءاُ طاهراُ
فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم وأعطيكم قلباُ جديداُ وأجعل روحاُ
جديدة في داخلكم وانزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم واجعل روحي في داخلكم
وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون احكامي وتعملون بها ” (حز 25: 36 – 27).

وحينذاك
يخلق الإنسان الجديد الذي بحسب صورة خالقه في البر وقداسة الحق ويبقي ضميره حياُ
ويترنم تسبيحة الغلبة والظفر ” لا تشمتي بي يا عدوتي اذا سقطت اقوم ”
(مي 8: 7)

مثل
هذا الإنسان هو الذي يفحص ضميره كل يوم ويحاسب نفسه ويكون مجموع الخسارة أو الربح
الروحي امام عينيه قبل أقدامه علي سر الإعتراف والتوبة ليتحقق ماهو في احتياج اليه
من علاج0

 

ثالثا:
ملاحظات بعد تأدية الإعتراف

 

تنفيذ
وصية الطبيب الروحي

يجب
علي المعترف ان يستعمل ما يوصف له من الأدوية الروحية ويحتمل بصبر ما يوقع عليه من
التأديبات موقناُ أنه كلما نفذ وصية الطبيب الروحي وبالغ في الحمية كلما تقارب
جرحه للشفاء وتماثل الي نوال الصحة الكاملة.

قال
القديس يوحنا فم الذهب (في الكهنوت 5: 3) يجب علي المعترفين أن يخضعوا طوعاُ
للعلاجات المعينة لهم من الكهنة ويعترفوا لهم بالمنة علي المعالجة لأن المعترف أن
هرب بعد الربط ” وهو حر في ذلك ” يجعل الشر ارداء مما كان وأن أعرض عن
الأقوال القاطعة مثل السيف يضيف باحتقاره إياها جرحاُ علي جراحه ويمسي أمر
المعالجة علة لعلة اردأ حيث ليس من يستطيع ان يداويه كرهاُ ” قبل المرض استطب
وقبل القضاء افحص نفسك فتنال العفو ساعة الافتقاد0 قبل المرض كن متواضعاُ وعند
ارتكاب الخطايا ار توبتك ” (سيراخ 20: 18 – 21).

 

احتمال
الأدويه المعالجه بصبر

أن
يحتمل بصبر ولا يضجر من أستعمال تلك الأدوية قابلاُ اياها من يد أبيه المحب
ومعتبراُ لها من انفع الوسائل لخيره ونجاحه روحياُ ” أن كنتم تحتملون التأديب
يعاملكم الله كالبنين” (عب 7: 12) اذ يخاطبه الله علي لسان معلم التوبة
” يا أبني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر اذا وبخك ” (عب 12: 5 أم 11: 3)
لأنه ” هوذا طوبي لرجل يؤدبه الله ” (أي 17: 5). لأن هذا التأديب هو
مراهم الشفاء كما قال ارميا النبي ” حذوا بلساناُ لجرحها لعلها تشفي ”
(أر 8: 51)0

قال
القديس باسيليوس في نسكياته ” كما أننا نحتمل في معالجة الجسد آلام الكي
ومرارة الادوية لننال الشفاء كذلك يجب أن نحتمل في مداواة النفس الزجر والتوبيخ
والتأديب لتصح النفس وتشفي فإن العدل الإلهي يوبخ الذين يرفضون التوبيخ ويرذلون
التأديب بقوله علي لسان سليمان الحكيم ” لأني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من
يبالي بل رفضتم كل مشورتي ولم ترضوا توبيخي فأنا أيضاُ أضحك عند بليتكم اشمت عند
مجيء خوفكم اذا جاء خوفكم كعاصفة وأتت بليتكم كالزوبعة اذا جاءت عليكم شدة وضيق
حينئذ يدعونني فلا استجيب يبكرون إلي فلا يجدونني لأنهم ابغضوا العلم ولم يختاروا
مخافة الرب لم يرضوا مشورتي رزلوا كل توبيخي” (أم 24: 1 – 30)

لذلك
وجب علي المعترف ان يحتمل بصبر ويجعل الصبر شعاره في الرضوخ للتأديبات الأبوية
واستعمال العلاجات الروحية لأنه بصبره يقتني نفسه.

 

العزم
علي اصلاح السيره وصنع اثمار تليق بالتوبه

أن
يبرهن علي انتفاعه بما استعمله من الأدوية وما تألم منه من احتمال التأديبات وما
اختبره من ثقل جرم الخطية وكراهة رزائلها بعزمه الثابت علي إصلاح سيرته في مستأنف
حياته وأن يقضي زمان غربته بخوف الله في البر والطهارة وقداسة الحق وأن يلاحظ قول
المرنم ” حد عن الشر واصنع البر اطلب السلامة واسع وراءها ” (مز 14: 34)
ويسمع لقول ارميا النبي ” هكذا قال الرب قفوا علي الطرق وانظروا واسألوا عن
السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم ولكنهم قالوا
لا نسير فيه” (ار 16: 6)0″ قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح وماذا يطلب
منك الرب ألا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاُ مع ألهك ” (مي 8: 6)0

وهوذا
يوحنا المعمدان ينصح المعتمدين منه بقوله ” فاصنعوا أثماراُ تليق بالتوبة ”
(مت 8: 3) فوجب عل المعترف التائب أن يظهر أثمار التوبة بحياته الجديدة ويقول أن
زمان الحيوة الذي مضي في شهوات الجسد وضاع بلا ربح يكفي وينبغي أن أعيش لله عيشة
صالحة.

 

الثبات
في التوبه

ينصحنا
معلمنا بولس الرسول قائلاً ” وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا ” (أف 6: 13)
” فعلي التائب بعد أن يسير في طريق التوبة الطاهر أن يثبت في توبته بكل تدقيق
ولا يرجع إلى طريق الخطية الإرادية مرة أخري ”

 

عدم
ترك اب اعترافه بدون سبب منطقي

يجب
على المعترف إلا ينتقل كثيراً بين آباء
الإعتراف لأن هذه يؤخر نموه
الروحي

فيجب ألا يترك طبيبه بدون سبب منطقي ما دام علي قيد الحياة وقريباُ منه لأنه صار
خبيراُ بأمراضه وأحواله وتقلباته من سواه واصبح قادرا علي وصف الدواء الناجح
لشفائه أما إن أراد المعترف التهرب منه لأن الطبيب الجديد لا يقرعه ولا يوبخه علي
ما اقترفه أو يقدم له علاجاُ خفيفاُ لأمراضه الثقيلة كل هذه الأوهام يجني بها علي
نفسه حيث يتمكن المرض منه ولا يرضي باستئصاله ويكون علاجه عديم الجدوي.

كما
يجب علي كل أب اعتراف أن يسأل المعترف عن أب اعترافه السابق ولماذا تركه وإذا لم
يجد منه عذراُ مقبولاُ فلا يقبل اعترافه وينصحه بوجوب العودة إلي إبيه الأول0فضلاُ
عن أن القوانين الرسولية منعت بتاتاُ انتقال المعترفين من كاهن إلي آخر بدون عذر
شرعي لاسيما إذا كان تحت تبعة القانون وفعل ذلك تخلصاُ من القصاص (ق 12)0

ولكنه
يباح للمعترف تغيير أب اعترافه في حالة ابتعاد أحدهما عن الآخر في سفر أو انتقال
الأب إلي بيته الأبدي او في حاله شعور المعترف بعدم امكانيه مقابله اب اعترافه
بسهوله نظرا لكثره عدد المعترفين عنده أو الأحساس بعدم الأستفاده من اب
الإعتراف كما يجب
والأفضل عند تغيير اب
الإعتراف الأتصال به لأخذ الحل
منه حتي يطمأن الأب علي ابنه.

 

الألتصاق
بالله وتقديم الشكر له لأنقاذه لنفوسنا

بعد
تقديم التوبة ونيل الحل والغفران يجب على التائب أن يشكر الله الذي فتح له باب
التوبة وأنقذه من طريق الموت والهلاك عالماً أن طريق الخطية خطير كقول إشعياء
النبي ” الإثم (الخطية) يحرق كالنار يأكل الشوك والحسك ويشتعل في أغصان
الغابة فيأكل كل ما يحيط به ” (إش 9: 18) وكقول معلمنا بطرس الرسول ” يعلم
الله أن ينجي الأتقياء من التجربة ويحفظ الآثمة إلى يوم الدين معاقبين ولا سيما
الذين يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة ” (21 بط 2: 9
10). حينما يعلم التائب أنه بتوبته سينجو من هذا كله حينئذ يتعمق
في محبة الله والالتصاق به حتى ينال منه قوة تساعده في جهاده ضد الخطية وكل
مسبباتها وينصره على الشيطان وكل حيله وأساليب خداعه، والجسد بكل ضعفاته وشهواته
وميوله.

 

الجهاد
بثقه ورجاء

واخيراُ
يجب علي المعترف أن يجاهد جهاد الأبطال في إتمام قانونه واستعمال علاجه مملوءاُ من
الرجاء المبارك في رحمة الله بغفران خطاياه وان لا يجعل اليأس يتسرب إلي قلبه بل
يتمسك بحبال الرجاء القوية مهما رأي قصاص خطاياه السابقة ثقيلاُ واستكر طعم
الأدوية الشافية ومتي عبر هذه المرحلة واثمار التوبة ناضجة في شجرة حياته الجديدة
يتقدم إلي السرائر المقدسة باستحقاق فيأكل الطيب وتتلذذ بالدسم نفسه (اش 2: 55)
ويحيا مع المسيح ثابتاُ فيه ويتغني دائماُ ” تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته
حلوة لحلقي ” (نش 3: 2) مواظباً علي الصلوات فيها بالشكر علي ما نال من نعمة
الله0

 

سر
التوبة يلازم جميع الأسرار

سر
التوبة يلازم جميع الأسرار الباقية لأنه يجب أن تكون ضمائرنا صافية بالتوبة قبل
نوال نعم الله المختفية في الأسرار الكنسية، ولأننا في الاسرار نتقابل مع الله
فلذلك يجب الاستعداد لهذا اللقاء الروحي كما أمر الله موسي قديما أن يوصي الشعب
” فقال الرب لموسي أذهب إلي الشعب وقدسهم اليوم وغدا وليغسلوا ثيابهم ويكونوا
مستعدين لليوم الثالث لانه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب علي
جبل سيناء ” (خر 91: 01، 11).

في
واجبات المعترف نحو التناول

أن
المعترف بإتمامه سر
الإعتراف والتوبة علي أكمل وجه يكون قد قطع مرحلة كبيرة
من وادي الخطر والهلاك سائراُ في طريق النجاة والحياة نحو المائدة المقدسة التي
يعتبرالتناول منها أقوي برهان وأعظم دليل علي اتحاده بالرب يسوع المسيح مخلصنا
اتحاداُ كاملاُ وأصبح عضواُ حياُ في جسد المسيح ولكي يتأهل إلي هذا الختام الحسن
يجب عليه ملاحظة الأمور الآتية:

 

الصوم
عن الأكل والعلاقات الزوجيه

الصوم
” جلست وبكيت ونحت أياماُ وصمت وصليت أمام إله السماء ” (نح 4: 1)
” فوجهت وجهي إلي الله السيد طالباُ بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح
والرماد” (دا 3: 9) وهذا ما يطلبه الله بقوله ” ولكن الآن يقول الرب
أرجعوا إلي بكل قلوبكم بالصوم والبكاء والنوح” (يؤ 12: 2) فالصوم نحو استحقاق
المائدة المقدسة أمر لازم ويكون بالانقطاع عن الطعام تسع ساعات قبل التناول0

جاء
في المجموع الصفوي (باب 17: 13 ص 147): ” لا يتناول أحد القربان إلا وهو صائم
ومن افطر من المؤمنين والمؤمنات ثم تقرب أن كان فعل ذلك تهاوناُ به فليفرز”
وفي (م0 18 درس 28 و43) ” كل مؤمن فليجعل دابة أن يتناول من الأسرار من قبل
أن يذوق شيئاُ ولاسيما أيام الصوم وأن كان له أيمان فليتناوله وإذا دفع له سم
الموت فلا يؤلمه “0

 

اعتزال
المضجع لمن كان متزوجاُ

اعتزال
المضجع لمن كان متزوجاُ ثلاثه ايام او علي الأقل الليله التي تسبق التناول لمن
يتناول عده مرات اسبوعيا قبل الاقتراب من السر ومع أن الرسول بولس صرح قائلاُ: “ليكن
الزواج مكرماُ عند كل واحد والمضجع غير نجس” (عب 4: 13) ولكن لأن ناموس
الآداب والوقار والاحتشام يقضي أن يكون عفيفاُ أولاُ ولأن الله أمر به قائلاُ
” قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من
مخدعه والعروس من حجلتها ” (يؤ 16: 2)0

 

الله
حافظ علي حرمة الجبل فهل نهين ذاته

وقد
حافظ علي حرمة الجبل الذي خاطب إسرائيل منه وحذر كل من لم يصم عن الاجتماع بزوجته
ثلاثة أيام أن يدنو من ذلك الجبل حيث قال الرب لموسي أذهب إلي الشعب وقدسهم اليوم
وغداُ وليغسلوا ثيابهم ففعل موسي كما أمره الرب وقال للشعب كونوا مستعدين لليوم
الثالث لا تقربوا امرأة ” (خر 10: 19 – 15)

ونري
في تاريخ داود أيضاُ لما جاع وأراد أن يأكل من خبز التقدمة قال له ابيمالك الكاهن
لا يوجد خبز محلل تحت يدي ولكن يوجد خبز مقدس اذا كان الغلمان قد حفظوا أنفسهم
ولاسيما من النساء فأجاب داود أن النساء قد منعت عنا منذ أمس وماقبله عند خروجي
وأمتعة الغلمان مقدسة ” (1 صم 4: 21 – 5) فإذا كان الله أمر شعبه بالمحافظة
علي حرمة الجبل وابيمالك الكاهن شدد في المحافظة علي احترام خبز الوجوه مع داود
فكم بالحري سر الافخارستيا جسد ودم عمانوئيل الذي هو أعظم بما لا يقاس من الجبل
وخبز الوجوه وجميع المخلوقات ولأجل هذا تطلب الكنيسة من المتقدمين لتناول هذا السر
الأقدس عدم الاقتراب من الزوجة قبل تناوله.

 

إهانة
للرب وانقياد وراء الشهوات الجسدية

ولأن
الرسول بولس استحسن ذلك وأشار اليه بقوله ” لا يسلب احدكم الآخر ‘لا أن يكون
علي موافقة إلي حين لكي تتفرغوا للصوم والصلوة ثم تجتمعوا أيضاُ معاُ لكي لا
يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم” (1 كو 5: 7).

لقد
أمر الله بذلك في القديم (خر 15: 19). ” لا تقربوا امرأة ” (راجع 1 صم 4:
21 – 5) وصرح به القديس بولس الرسول (1 كو 5: 7) وقد اعتاد الناس منذ العصور
الخالية أن يمتنعوا عن نسائهم عند الشروع في الأعمال المقدسة علي ما ثبت من أقوال
المؤرخين الأقدمين وكانت الشريعة اللاوية كذلك (لا 18: 15) وهذه السنة لا تزال بين
الهنود والمجوس والمسلمين في القرآن (سورة 50: 4). فكم احري يجب أن يكون ذلك في
شريعة الفضل والكمال التي تأمرنا أن نكون متفرغين إلي ما أسمي وأفضل ونفوسنا مهيئة
لاستقبال الرب لا علي جبل سيناء بل في قلوبنا ولا يكلمنا بواسطة موسي بل بنفسه
رأساُ0

أن
القول بعدم الاهتمام بذلك إهانة للرب وانقياد وراء الشهوات الجسدية التي تحارب
النفس والتي يجب أن نهرب منها0 وتفضيلاُ للجسد علي الروح واهتماماُ للجسد دون
الروح مع أنه يجب أن نسمع قول الرسول لنكون نزيهين وليفرض المتزوج كأنه غير متزوج
وليهتم للرب 0

وما
جاء في (1 صم 4: 21 – 5) يعلمنا كيف نستعد لنتناول القربان المقدس ويحذرنا كل
الحذر من الاقتراب إلي مناولة جسد الرب ودمه بغير استعداد فإنه أن كان محظوراُ علي
اليهود وهم غير صائمين ومبتعدين عن زوجاتهم أكل ذلك الخبز المتقدم قرباناُ للرب
الذي لم يخرج عن حد البساطة ولم يفرق عن الخبز الذي نأكله كل يوم إلا في كونه دعي
عليه باسم الرب وتخصص له فكم بالحري محظور علينا ونحن غير أطهار في أنفسنا
وأجسادنا الاقتراب إلي مناولة هذا الخبز الذي هو جسد ابن الله الحي المحيي والمغذي
لأنفسنا وأرواحنا وأجسادنا.

 

الزواج
طاهر والصوم أطهر والجسد المقدس كلي الطهارة

لا
يعترض احد بأن الزواج طاهر لأن الصوم أطهر والخبز الذي نود أن نتغذي به هو كلي
الطهارة فاحذر الاقتراب إليه لأنك تجد من يناجيك في سريرتك قائلاُ: هل منعت نفسك
ولاسيما من النساء؟ فتضطر أن تجيب إما كما أجاب داود وإما بالعكس فتقع في شر
أعمالك وتأخذ اللعنة عوض البركة فتقتل نفسك وتهلك ذاتك كما أهلك يهوذا ذاته0
” اقلع عن ذنوبك وقوم أعمالك ونق قلبك من كل خطية ” (سيراخ 38: 10)
” وخلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار مبغضين حتي الثوب المدنس من الجسد ”
(يه 23) ” لا تكن بلا خوف من قبل الخطية المغفورة لتزيد خطية علي خطية ”
(سيراخ 2: 5)0

 

وجوب
تناول المعترف وواجباته بعد التناول

تناول
سر الشكر (جسد الرب ودمه) هو الغاية العظمي التي يسعي كل مؤمن ويركض في ميدان
الجهاد للوصول اليها لأنها باب السماء وسر الاتحاد بيسوع المسيح مخلصنا وضمان
الميراث الابدي والحياة السعيدة الدائمة طالما يتناول باستحقاق وواثقاُ بالرجاء
التام في رحمه مخلصه.لأن ربنا يسوع المسيح سلم هذا السر الأقدس لتلاميذه في ليلة
آلامه إذ أخذ خبزاُ وبارك وكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي وعن الكأس قال أشربوا
منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة
الخطايا (1) ” (مت 26: 26 – 28) وأمرهم بأن يصنعوه لذكره (لو 19: 22) وهكذا
اقتضتت أرادته السامية وجوده الإلهي وسخاؤه العظيم وحبه ورحمته لنا نحن الخطاة أن
يعطينا ذاته قوتاُ وغذاء لخلاصنا تحت أعراض الخبز والخمر0

 

حرص
الكنيسه علي ممارسه المعترف لسر التناول

ان
عظمة سر التناول تقتضي طهارة واستعداد من يتقدم إليه خوفاُ مما يلحق المجرمين فيه
من قصاص ” من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضي وكثيرون يرقدون” (1 كو 30:
11) وقد ذكر القديس كبريانوس (في الاستعداد للشركة وجه 10) ما يأتي:

“أن
بعضاُ من الذين أكلوا ذبائح الأوثان ثم تقدموا إلي الأفخارستيا اغتالتهم يد النعمة
الإلهية فمنهم من بلي بالخرس ومنهم من أكل لسانه إلي غير ذلك من البلايا
والمصائب”

وقال
القديس يوحنا فم الذهب ” وكثيرون كانوا يعذبون من الشياطين ” لأجل ذلك
فعلي المسيحي أن يهييْ نفسه ويصلح قلبه لأن الرب مزمع أن يصنع الفصح مع

 

(1)         
انظر كتابنا جسد ودم عمانوئيل الهنا

تلاميذه
عنده (مت 18: 26) فاستعد للقاء الرب الهك ولا تنس ان الله يديننا لا عن الأمور
التي نرتكبها فقط بل عن الفرص التي نهملها0 فأهل اليسار يدانون يوم الحساب ليس
لأنهم ارتكبوا جرائم بل لأنهم أخفوا وزناتهم وما تاجروا بها ممتنعين عن فعل أعمال
الرحمة والشفقة والخدمة والمحبة فأمتحن نفسك بهذا الاعتبار أيضاُ” فتقدم بعزم
ثابت في يقين الأيمان مرشوشاُ قلبك من ضمير شرير ومغتسلاُ جسدك بماء نقي (عب 22: 10)0

 

شكر
المعترف لله قبل وبعد التناول

يجب
علي المعترف التائب المتقدم إلي السرائر أن يقدم الشكر من أعماق قلبه لله قبل وبعد
التناول لأنه برحمته حسبه مستحقاُ للتمتع بهذه النعمة السماوية وقد أحسن إليه
بنفسه عوض أساءة المعترف إليه إذ قربه من المائدة الإلهية ومحي صك الذنوب عنه0 كما
يجب علي المعترف أيضاُأن يبتهل الي الله أن يجعل له هذه السرائر نوراُ لا ناراُ
وحياة لا موتاُ وبركة لا لعنة وخلاصاُ لا هلآكاُ.

 

تجنب
المحادثات والنظرات السيئة

يجب
علي المعترف بعد التناول أن يجتنب المحادثات الباطلة ” لا تخرج كلمة رديئة من
أفواكم بل كل ما كان صالحاُ للبنيان حسب الحاجة لكي يعطي نعمة للسامعين”.. ”
ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق بل بالحري الشكر” (اف 29: 3
و4: 5).. ” لأن كل كلمة بطالة يعطي عنها حساباُ في يوم الدين ويتحفظ علي وجه
العموم من الخطاء باللسان ” (مز 1: 39).كما يحاذر من النظرات السيئة ” أن
كل من ينظر إلي امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه ” (مت 28: 5). كما يحفظ الحواس
الظاهرة والنفس من دنس العالم (يع 27: 1).

مطالعة
الكتب المقدسة

يجب
عليه مطالعة الكتب المقدسة والمواعظ الدينية ليشغل بها حواسه الظاهرة والباطنة
لأنها أفضل واق له من الاشتغال بالأمور الجسدانية الفاسدة. بل خير مرشد إلي الطريق
الصالح الذي إذا سار فيه يجد راحة لنفسه وليكون خير قدوة لغيره حتي يرشدهم إلي
الحياة المسيحية بسيرته وأعماله وأن يجذبهم إلي المسيح ليشتركوا معه في مائدة
نعمته ليفوزوا ببركات الوليمة المقدسة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى