علم التاريخ

الأباطرة الرومان في القرن الأول: 1) الإمبراطور نيرون



الأباطرة الرومان في القرن الأول: 1) الإمبراطور نيرون

الأباطرة
الرومان في القرن الأول:
1)
الإمبراطور نيرون

شخصية
نيرون:

يعتبر
الاضطهاد الذي اثاره نيرون
Nero علي المسيحيين اول الاضطهادات الامبراطورية، الذي يرتبط به
استشهاد عمودين عظيمين من اعمدة الكنيسة، هما الرسولان بطرس وبولس حسب التقليد
الكنسي يبدأ هذا الاضطهاد سنه 64م، وفي السنه العاشرة لحكم ذلك الطاغية بأمره
وتحريضه. وهو نفس الامبراطور الذي تظلم لديه بولس الرسول – كمواطن روماني – من
المحاكمة اليهودية وقال ّ(الي قيصر انا رافع دعواي) علي ان هذا الاضطهاد لم يكن
اضطهادا دينيا خالصا، كالاضطهادات التي اثارها الاباطرة الذين اتوا بعد نيرون،
لكنه بدأ ضمن كارثه عامة اتهم بها المسيحيون الابرياء
..

 

كانت
السنوات الخمس الاولي من حكم نيرون فترة مجيدة بفضل القيادة الحكيمة لمعلمه سينكا
لكن الفترة الباقية من حكمة حتي سنه 68 كانت شنيعه. اننا نقرأ عن حياته بمشاعر
تمتزج فيها السخرية من جنونه والفزع من شره كان العالم بالنسبة له رواية هزيله،
ومأساة يقوم هو فيها بدور الممثل الاول. كان ذا شهوة جنونية لتهليل الجماهير. كان
يضرب علي القيثارة، وينشد اغانيه وقت العشاء، ويقود بنفسه عرباته في السيرك. كما
يظهر فوق المسرح كممثل، وكان يرغم رجالا من ذوي المراتب العالية في الدوله، ان
يمثلوا في تمثيليات الدراما، وفي اقذر واقبح تمثيليات الخرافات والاساطير
الاغريقية واكثرها فحشاء. ولم يقف عند هذا الحد، بل ان المآسي الواقعية اعقبت
المآسي التمثيلية. فأخذت جرائمه تتراكم الواحدة فوق الاخري، حتي اصبح مضرب الامثال
في الشر. قتل اخاه بريتانيكوس وامه اجربينا وزوجته اوكتافيا وبوبايا واستاذه
ومعلمه سينكا، وعديدا من الشخصيات الرومانية البارزة. واخيرا ختم هذه المأساه
الطويله بانتحاره وهو في الثانية والثلاثين من عمره. وبموته انقرضت اسرة يوليوس
قيصر وغدت الامبراطوريه مغنما للقادة العسكريين والمغامرين الناجحين
..

 

ومن
ثم فقد قتل جمهرة المسيحيين الابرياء بيد هذا الشيطان المتأنس نوع من الرياضة
الممتعه بالنسبة له. اما بالنسبة للتاريخ فقد كان حريق روما هو المشهد الجهنمي
الذي لم يشهد له مثيل.

 

حريق
روما

بدأ
الحريق ليلاً، في ليله 18/19 يولية سنه 64، في الاكشاك الخشبية في الطرف الجنوبي
الشرقي للسيرك الكبير، قرب تل بلاتين وسرعان ما امتدت السنة النار بواسطة الريح
وظلت تلتهم كل ما يصادفها في طريقها لمدة سته ايام وسبع ليال. وذلك بعد ان فشل
الجنود ورجال الاطفاء في إخمادها وحصرها
.. ثم ما لبثت ان اندلعت
ثانية في جزء ثاني من المدينة قرب ساحة مارس وفي خلال ثلاث اخري دمرت قسمين اخرين
من المدينة.

 

كانت
الكارثة فادحة ولا تقدر، اذ لم يسلم من الحريق المدمر سوي اربع اقسام من الاربعة
عشر قسما التي كانت تنقسم اليها المدينة العظيمة واتي الحريق علي كثير من الاثار
والابنية والمعابد التي ترجع الي عصور الملكية والجمهورية والامبراطورية. وتحولت
اثمن اثار الفن الاغريقي – التي ظلت تجمع لعده قرون من الزمان – الي تراب ورماد.
كما التهمت السنه النيران كثيرا من الناس والبهائم
.. وهكذا
تحولت المدينة الاوليفي العالم الي جبانه عظيمة تضم مليونا من النائحين ينوحون
الخسارات التي لا تعوض
..

 

من
هو الفاعل؟

اما
اسباب هذا الحريق الجبار، فلم يعط التاريخ فيها حكما قاطعا. لكن كل الشائعات التي
ترددت والشهادات وكتابات المؤرخين القدامي تشير الي نيرون علي انه الفاعل، وانه
اراد ان يستمتع بمنظر طرواده اخري تحترق ويشبع طموحه وجنونه في اعاده بناء روما
علي نسق اضخم ويدعوها نيروبوليس أي مدينة نيرون. وحينما اندلعت السنة النيران كان
هو علي شاطيء البحر في انتيوم مسقط راسه. ولم يعد ان امتدت النيران الي قصره
الخاص. حتي يبعد الشبهة عن نفسه في جريمة الحريق وفي الوقت نفسه يستمع بقسوة
شيطانية جديدة الصق التهمة بالمسيحين المنبوذين، الذين اضحوا في تلك الاونه – خاصة
بعد خدمة بولس الناجحة في روما – مميزين عن اليهود
. كان
المسيحيون بلا ريب يحتقرون الالهه الرومانية، واتهموا زورا بارتكاب جرائم سرية
كانت الشرطة والناس – تحت سيطرة الفزع الناشيء من الكارثة المروعه – علي استعداد
لان يصدقوا اشر الافتراءات. ومن ثم طالبوا بالضحايا. وماذا كان ممكن ان ننتظره من
الجموع الجاهله اذ كان بعض الرومان المثقفين من امثال تاسيتوس وسيوتونيوس وبليني
وثصموا المسيحية بالعار، كخرافة مفسدة دنيئة. لقد نظروا اليها علي انها اشر من
اليهودية. ويقول تاسيتوس المؤرخ المعاصر – بعد ان ذكر خبر القبض علي بعض المسيحين
واعترافهم بايمانهم – (ولم يستذنبوا كثيرا بتهمة الحريق، بقدر استذناتهم بتهمة
كراهية الجنس البشري) وموضوع اتهام المسيحيين الابرياء بحرق روما يعيد الي اذهاننا
حادثا مماثلا حدث في روما ايضا لكن قبل حريقها بسنين طويله. واتهم فيه قوم ابرياء
ليس لثبوت التهمة ضدهم بل لمجرد اعتبارهم اعداء، علي نحو ما فعل بالمسيحين
.. كاد معبد
فستا بروما ان يحترق يوما، باندلاع نار شبت في المنازل المجاورة، فروعت روما اذ
شعرت ان مستقبلها في خطر. فلما انقضي الخطر حث مجلس الشيوخ القنصل علي البحث عن
مدبري الحريق وسرعان ما تهم القنصل بعض اهالي كابوا الذين وقتئذ في روما لا لانه
كان لديه أي دليل علي ادانتهم، بل لانه قدر التقدير الاتي (هدد الحريق معبدنا،
وليس من الممكن ان توقد هذا الحريق الذي كان يؤدي الي تحطيم عظمتنا ووقف مصائرنا،
الا يد اشد اعدائنا قسوة.وحيث انه ليس لنا اعداء الد من اهالي كابوا – تلك المدينة
التي هي في الوقت الحاضر حليفه هانيبال عدونا الاول والتي تتطلع الي ان تكون في
مكاننا عاصمة لايطاليا – اذن فهؤلاء الناس هم الذين ارادو ان يقضوا علي معبد فستا
.. ويبدو ان
هذه هي الطريقة التي الفها ودرج عليها حكام روما

 

مشاهد
الوحشية في تعذيب المسيحيين
:

ترتب
علي تهمة الحريق – مؤيده بتهمة كراهية الجنس البشري – بدء كرنفال من الدماء لم
تشهد له روما الوثنية مثيلا. حتي ان البعض قالوا ان ما حدث كان اجابه قوات الجحيم
لحركة التبشير المثمرة التي قام بها الرسولان بولس وبطرس، والتي زعزعت اعماق
الوثنية من اهم معاقلها. حكم بالموت علي اعداد ضخمة من المسيحيين بابشع الوسائل.
صلب بعضهم امعانا في السخرية بعقوبة المسيح ولف البعض الاخر في جلود الحيوانات
الضارية والقوا للكلاب المسعورة في مسرح الالعاب الرياضية. وبلغت المأساة
الشيطانية ذروتها ليلا في الحدائق الامبراطورية، عندما اشعلت النار في المسيحيين
والمسيحيات، بعد ان دهنوا بالقار والزيت والراتنج (صمغ الصنوبر) وسمروا في اعمدة
الصنوبر يضيئون كالمشاعل لتسليه الجماهير بينما شوهد نيرون في ثياب غريبة الشكل
مرسوم عليها جواد سباق متباهيا بفنه في عربته.. كان حرق الانسان حيا هي عقوبة من
يحرق عمدا لكن قسوة ووحشية هذا الامبراطور المعتوه املت عليه ان يجعلهم وسيله
للانارة، علي ان ما انزله نيرون من ضروب الوحشية بالمسيحين لم تكن عقابا علي
ديانتهم بل علي التكتل الجماعي في احراق روما عمدا ان ما اوردناه عن هذا الموضوع
استقيناه من شهادة تاسيتوس اكبر المؤرخين الوثنيين المعاصرين الذي رسم صورة كامله
لدقائق حريق روما وكان له من العمر وقتئذ ثمان سنوات وكتب تاريخة بعد ذلك بخمسين
سنه يضاف الي شهادة تاسيتوس، ما سجله المؤرخ اكليمنضس الروماني في اواخر القرن
الاول الميلادي والعلامة ترتليانوس في القرن الثاني.

 

أهمية
اضطهاد نيرون ونتائجه:

كان
هذا العمل بمثابة تعبئة لشعور جماهير الوثنيين ضد المسحيين. كان هو الشرارة الأولى
التي اضرمت نيران سلسلة حروب طويلة ضد الديانة الجديدة. ومن هول ما ذاقه المسيحيون
على يدي هذا الطاغية، اعتقدوا أنه سيظهر ثانية كالمسيح الدجال الذي أشار إليه
العهد الجديد. تمتع نيرون بنوع من الشعبية بين السوقة والدهماء
.. هؤلاء
الدهماء اعجبوا بشبابه وجماله الجسدي وشورة، التى ربما حسبوها نوع من البطولة
كالتي ذخرت بها الأساطير القديمة. ومن هنا فقد راجت شائعة بين الوثنين عقب
انتحاره، مؤداها انه لم يمت، لكن هرب إلى البارئثين
parathions، وأنه سيعود إلى روما على رأس جيش كبير ويبيدها. قام بالفعل ثلاثة
مدعين كل منهم يحمل اسم هذا الطاغية، واستغلوا هذا الاعتقاد السائد، ووجدوا من
ينضم غليهم، وكان ذلك في حكم الأباطرة أوتو، وتيطس، ودومتيان.

 

ومما
يؤثر عن دومتيان أنه كان يرتعد هلعا من اسم نيرون!! أما بين المسيحيين فقد آخذت
شائعة المجئ الثاني لنيرون صضورة مغايرة ويذكر لكتانتيوس
lactantius في كتابة ” موت المضطهدين ” عبارة قالتها سبلة الحكيمة
مؤداها أنه كما أن نيرون كان هو أول المضطهدين، فسيكون أيضاً هو الأخير، ويسبق مجئ
المسيح الدجال. ويذكر اغسطينوس في كتابة ” مدينة الله ” أنه في زمانه كان
ما يزال هناك رأيان سائدين بخصوص نيرون. أحدهما رأى المسيحيين، ومؤداه أن نيرون
سيبعث من الموت كضد للمسيح، والآخر رأى الوثنين وخلاصته أن نيرون لم يمت لكنه مخفى
وسيحيا إلى أن يكشف ويعود إلي مملكته
.. وقد رفض اغسطنيوس،
بطبيعة الحال الرأيين. ولعل مصدر الرأي الذي شارع بين المسيحيين هو التفسير الخاطئ
بما جاء في (رؤ17: 8) عن الوحش ” الوحش الذي رأيت، كان وليس الآن وهو عتيد أن
يصعد من الهاوية ويمضى إلى الهلاك، وسيتعجب الساكنون علي الأرض
.. حينما يرون
الوحش أنه كان وليس الآن مع انه كائن “، بالمقابلة مع ما ورد في (رؤ13: 3)
” ورأيت واحد من رؤوسه (الوحش) كأنه مذبوح للموت وجرحه الميت قد شفي، وتعجبت
كل الأرض وراء الوحش “.. لكن نسى هؤلاء أغن هذه الأقوال قيلت عن الوحش – وان
صح هذا التفسير – فهى ترمز إلي الإمبراطورية الرومانية، بينما ترمز الرؤوس التي
لذلك الوحش إلى الأباطرة. وكان في مقدمة من استشهدوا الذي أثار هذا الطاغية
الرسولان بطرس وبولس. صلب الأول منكس الراس، وقطعت هامة الثاني كمواطن روماني.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى