علم

الأباء الرسوليون



الأباء الرسوليون

الأباء
الرسوليون

Apostolic fothers

 

سمى
هؤلاء الأباء بهذة التسمية لانهم يحملون التسليم الرسولى فى نقاوته الأولى واى
حقبة فى تاريخ الكنيسة تحمل روح الرسل نسميها ” كنيسة الرسل ” وعندما
نقول الأباء الرسوليين فنحن نستحضر روح المسيح العامل فى الأباء “نكتب بروحهم
ونعلم بروحهم”.

+
تتلمذوا على الأباء الرسل مباشرةً مقل القديس بوليكاربوس (يوحنا الانجيلى)، أول
جيل أساقفة بعد الرسل مباشرةً، والكنيسة النتشرة فى منطقة حوض البحر المتوسط برزت
فيها تساؤلات وقضايا، تعاملوا معها بروح الرسل .

تسميتهم:

        ربما
كان ثاوفيلس الأنطاقى هو أول من أطلق عليهم تلك التسمية، وبعد ذلك العالم الفرنسى
جون كوتيلر
Jean B.Cotelier سنة 1672 م والذى نشر فى تلك السنة مجلدين عن الأباء شملت كتابات
تلك الحقبه… .

إذاً
منهم يمثلون الجيل الثانى لعصر الرسل(والذى يبدأ بنياحة يوحنا الحبيب)، ولكن ليس
كل أب ظهر فى تلك الحقبة يسمى رسولى لأنه عاش فى ذلك الوقت بعض الهراطقة…. فى
حين سمى البابا اثاناسيوس الرسولى هكذا لأنه يحمل فى روحه وتعليمه منهج الأباء
الرسل.

وقد
عبر الأباء الرسولين بكتاباتهم ورسائلهم وعظاتهم عن ايمانهم وعقيدتهم للمسكونة
كلها، فحملت تلك الكتابات الصدى الأصيل لكرازة الرسل وبساطة الانجيل والتقليد فى
تلك الفترة الهامة.

هكذا
وقد تطور علم الاهوت المسيحى نتيجة ثلاثة عوامل (مراحل): –

1-
تعرّف الكنيسة على ذاتها وبنيانها لعقيدتها الذاتية (95 – 150) الرسوليون

2-
مواجهة العالم الخارجى (120 – 220) المدافعون

3-
مقاومة موجة الهراطقات (180 – 235) مقاومى الهرطقات

وقد
عبر الأباء الرسوليين (المرحلة الأولى) عن الوعى والاستنارة الجديدة التى ذاقتها
الكنيسة, وكانت مرحلتهم مرحلت بنيان وادراك لكل ما ورثته ألكنيسة وأستجابتها لروح
الله فيها، واستفادوا بالآداب الموجوده أنئذ مثل الهيلينية، وكانت الرسائل
والكتابات مثل وسيلة تخاطب بين الكنائس أو الأشخاص للمشاركة فى الألام أو التعزيات،
وقد نقلت لنا تلك الكتابات نبض الكنيسة الأولى، وكانت تقرأ فى الكنيسة والأجتماعات.

وكتابات
الأباء تنقسم إلى ثلاث أقسام: –

1-
الكتابات الأبائيه (100-300م)

2-
العصر الذهبى لكتابات الأباء (300-440م)

3-
العصر المتأخر (440-600م)

وعندما
ندرس الأباء فى القرن العشرين، فهل نحن نعود إلى القرون الأولى أم نسير مع الأباء
إلى الأمام؟ ويسمى بعض الأباء هذا العصر بالعصر الأبائى الجديد
New patristics age .

وقد
شغلتهم أمور مثل انتظار مجىء الرب ولما لم يجئ حسبما توقعوا سريعاً، أنتقلوا بقوة
الانتظار الاسخاطولجى إلى تأسيس الكنيسة، وبقيت حاملة هذا الاشتياق فى الرعاية
والخدمة (وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى) ولكنها تحولت بطاقة الانتظار
الرأسية إلى طاقة الانتظار الأفقية، ولذلك فقد سمى العلماء تلك المرحلة (بمرحلة
الانتقال)

[
أى التحول من انتظار المجئ إلى الكرازة بقوة المجئ … ]

وتكمن
أهميتهم أيضاً فى نقل السمات الليتورجيه للكنيسه الأولى وعلاقته بالعهد القديم
بالجديد، الرتب الكنسيه، ويقول باحث فرنسى: –

[
مع الأباء الرسوليين إنتقلت الكنيسه فى إيمان العيون إلى عيون الإيمان ]

وعلاقة
الكنيسه بالدولة والسلطات

من
هم: أولاً أهم ثلاثة: –

1-
القديس كليمندس الرومانى 92-101م (رسالة إلى كورنثوس [معالجة الشقاق] ورسالة أخرى
تسوية له.

2-
القديس اغناطيوس 35-107م الشهيد.

3-
القديس بوليكاربوس ازمير 69-155م

ولعل
أعظمهم هو اغناطيوس الأنطاكى والذى لقب بأب ومعلم الكنيسه، لاهوتى قدير ودعى
الثيئوفورس أى [حامل الاله].

4-
بابياس تلميذ يوحنا الحبيب 60-130م ورسالته عباره عن تعليقات على كلمات السيد
المسيح مع عرض لطيف للتقليد الشفهى.

5-
برنابا تلميذ القديس بولس (ربط العهد القديم بالجديد).

6-
هرماس الراعى (رؤى ووصايا للتوبة بعد المعمودية)

أخوبيوس
أسقف روما 140-150م

7-
الديداكية تعليم الأثنى عشر، اكتشفت عام 1873م (تعليم الرب للأمم كما نقله الأثنى
عشر، إرشادات للمؤمنين

8-
الرسالة إلى ديوجينيتس نعى هام يصف حالة المسيحيين فى نهاية القرن الثانى وتنسب
إلى ديديموس الضرير، حيث أرسل إلى ديوجينتيس وهو موظف كبير فى الأسكندرية (أسئلة
وأجوبه دفاعية لشرح المسيحية).

 

خصائص
الفتره التى كتب فيها الرسوليين

عبرت
تلك الحقبه عن إحتياجات الكنيسة (مثل الحدة والسلام الداخلى. بسبب الإنقسامات،
الحفاظ على الإيمان وتنقيته من الأفكار الغريبه لاسيما الأفكار الوثنية اليونانية
واليهودية، ولم يكن غرضهم عرض عملى للإيمان بل عبرت كتاباتهم عن موضوعات طارئة
فأعطوا عرضاً متناسقاً للعقيدة المسيحية.

مشاكل
عصرهم: –

+
عانت الكنيسة فى البداية من الإضطهاد الذى شنه الرومان على اليهود والمسيحيين
عندما شعروا أن هناك شيع ستنفصل عن الإمبراطورية… وكان ذلك بسبب مناداة اليهود
بمجىء مخلص منقذ على المستوى السياسى والعسكرى (الغيوريون، الأثينيون…إلخ)

+
الثقافة الوثنية واليهودية مثل الغنوسية والتى إنتشرت فى مصر أكثر وهو الإيمان بأن
الالعرفة هى سبيل الخلاص وهى خليط من اليونانية والفارسية واليهودية والمسيحية..
ترى أن الروح سقطت من العالم السماوى إلى الأرض وتأثر الإله فأرسل المخلص لكى
يخلصها من سخبها فى الأرض وإتخذ شكل إنسان وأعلن بهذه الطريقه للغنوسيين أصلهم
السماوى وعاد إلى هناك وإتخذ لهم مكاناً وستصعد الأرواح بدورها إلى هناك وقد ظهرت
فى القرن الأول (والبعض يقول فى السبي) ثم اتسعت فى القرن الثانى.

2-
الأبيونية: – وهى بدعة ظهرت بين فريق يهودى ، رفض التخلى عن العوائد اليهودية
وشريعة موسى، ظهرت فى الأيام الأولى فى المسيحية ولكنها لم تصبح مذهباً إلا فى
أيام الإمبراطور تراجان 92-117م.

3-
الدوسيتيين (الخياليين) ظهرت فى القرن الأول ودعمتها الغنوسية، ونادت بأن المسيح
لم يكن له جسد حقيقى بل ظاهرى وبالتالى لم يتألم ولم يصلب بل حل عليه الروح فى
المعمودية وفارقه عند الصليب، وبالتالى أنكروا التجسد والإفخارستيا.

 

 

الآباء
الرسوليون

The Apostolic Fathers

 

مضى
الجيل الأول المعاصر للسيّد المسيح، الشهود العيان له، وتتلمذ كثيرون على أيدي
رسله وتلاميذه، ولم تعد الكنيسة محصورة في بقعة ما، بل انطلقت في العالم تخمره
بخميرة الحق وتلهبه بنيران الحب الإلهي، ووُجدت كنائس محليّة كثيرة في الشرق
والغرب، لها إيمان واحد، ورجاء واحد، وحب واحد، صلّوات واحدة ومفاهيم واحدة
ليتورچيّات وطقوس ذات هيكل واحد. حتى يحق لنا أن نقول إنّها ليست كنائس كثيرة بل
كنيسة المسيح الواحدة الرسوليّة.

 

إن
كانت هذه الكتابات الآباء الرسوليّين ليست إلاَّ براعم الربيع الصغيرة، لكنها حيّة
تحمل روح الكنيسة الواحدة، تكشف لنا ما تحمله من أوراق وزهور وثمار حملتها شجرة
الكنيسة عبر الأجيال[89]. لقد حملت إلينا صدى أصيلاً لكرازة الرسل، وإعلانًا حقًا
لبساطة إنجيل الخلاص، وصورة صادقّة للتقليد الكنسي في تلك الفترة الفريدة[90].
قدّمت لنا الإيمان الذي تقبّله هؤلاء الآباء الرسوليّون خلال اتصالهم المباشر
للرسل أو تسلّموه عن طريق تلاميذهم[91].

 

أما
تسميّتهم بالآباء الرسوليّين فترجع إلى الدارس الفرنسي
Jean B. Coterlier من رجال القرن السابع عشر، الذي قام بنشر مجلّديه تحت اسم Patres aevi apostolici عام ١٦٧٢، واللذين شملا مجموعة الكتابات
التالية:

1.
الرسالة المنسوبة لبرناباس.

2.
كتاب “الراعي” لهرماس.

3.
رسالتان: إحداهما لإكليمنضس الروماني والأخرى منسوبة له.

4.
رسائل أغناطيوس السبع.

5.
رسالة لبوليكاربوس، ومقال عن استشهاده.

في
عام ١٧٦٥ أضاف إليها
Andres Gallandi في مجموعتهVeterum
Patrum Bibliotheca

الأعمال التالية:

6.
رسالة إلى ديوجنيتس
Diognetius لا يُعرف كاتبها.

7.
مقتطفات لبابياس و
Quadratus.

8.
وفي عام ١٨٧٣ اكتشفت “الديداكيّة
Didache” أو “تعليم الرب للأمم كما نقله الإثنا عشر
رسولاً” أضيفت إلى الكتابات الرسوليّة.

 

وأخيرًا
فإن بعض الدارسين رأوا إضافة ما يسمى ب “قانون الإيمان للرسل
The Apostolic Creed” إلى الكتابات الرسوليّة، لكن الغالبيّة لم يقبلوا ذلك.

سمات
كتابات الآباء الرسوليّين

 

جاءت
أغلب هذه الكتابات أشبه برسائل، لكنها في الحقيقة لا تمثّل “وحدة في
الطبع”. لا نقدر أن نربط بين هذه الكتابات وبعضها البعض من جهة الطابع أو
الموضوع، لكننا بشيء من التجاوز يمكننا القول أن هذه الكتابات في مجملها تعالج
موضوعين:

ا.
وحدة الكنيسة الداخليّة وسلام بنيانها الداخلي.

ب.
الحفاظ على الإيمان الخالص حتى لا تشوبه وثنيات.

 

اتسمت
هذه الكتابات بالبساطة مع الغيرة الملتهبة، دون الاعتماد على الفسلفة اليونانيّة
أو البلاغة الهيلينيّة. فباستثناء الرسالة إلى ديوجنيتس لا تحمل هذه الكتابات
عملاً أدبيًا.

 

جاءت
هذه الكتابات وليدة احتياجات عمليّة رعويّة، وليس لغرض علمي دراسي؛ فلم تقدّم لنا
دراسات لاهوتيّة روحيّة. “الاهتمام الرعوي الأصيل” عامل مشترك في هذه
الكتابات، فالآباء الرسوليّون يقدّمون قلوبًا ملتهبة حبًا نحو خلاص البشريّة. لم
يكن هؤلاء الكتَّاب جبابرة عقليّين بل قدّيسين بسطاء، يحبّون التقوى، ويكرّسون
حياتهم وقلوبهم لمخلّص حيّ يحيا فيهم وهم يحيوا به وفيه ومن أجله.

 

اتسمت
كتاباته بالصبغة الاسخاتولوجيّة (الانقضائيّة)
eschatological character. كان المجيء الثاني للسيّد المسيح هو غاية “الحياة
المسيحيّة”، خلال علاقتهم المباشرة مع الرسل، إذ كانوا يذكرون شخص المسيح
بحماس. فقد كشفت كتاباتهم عن شوق عميق نحو السيّد المسيح المخلّص الصاعد، وهو لا
يزال حيًّا وقائمًا في وسطهم. ينتظرون مجيئه ليروه وجها لوجّه. هذا الشوق حمل
شكلاً قدسيًا في حياتهم وكتاباته وعبادتهم.

 

اتسمت
هذه الكتابات بالطابع الكنسي كما حملت روح الشركة، شركة الكنيسة في العالم كلّه في
الإيمان والتقليد والعبادة. رغم بُعد المسافات بين الكنائس وبعضها البعض مع اختلاف
الثقافات وتفاصيل التقاليد.

 

الآباء المدافعون

الدفاع
عن العقيدة بالمفهوم الأشمل قديم قدم المسيحية. من البدء بذل المبشرون جهدهم للرد
على الاعتراضات على الايمان المسيحى. كثيرا من أقوال السيد المسيح التى قالها فى
أورشليم والتى جاءت فى انجيل القديس يوحنا تعتبر دفاع عن العقيدة. وكذلك أيضا
أقوال القديس بطرس والقديس اسطفانوس والقديس بولس كما جاء فى سفر الأعمال. وأيضا
من كتابات العصر الرسولى رسالة برنابا التبشيرية والمفرد بها فصل عقائدى كامل.
ولكن هذا النوع من الكتابات تطور فى القرن الثانى مما يستدعى دراسة خاصة بهذا
الموضوع.

 

افتراءات الوثنيين

إن
تاريخ الاضطهاد يكفى لندرك أهمية العقيدة. فانتشار المسيحية فى كل انحاء
الامبراطورية أثار العداء فى كل مكان ليس فقط على مستوى السلطات ولكن أيضا على
مستوى الرأى العام الشعبى. ففى عصر اضطهاد نيرون نظر العامة للمسيحيين على انهم
مجموعة من الادنياء الذين يستوجبون العقاب. ففى كتابات القديس بوليكاربوس نجد
العامة هى التى تبدأ بالعداوة للقديس. فحين رأوه طالبوا بقتله وقد تكرر هذا المشهد
أيضا فى ليون عام 177. وأصل هذه الكراهية هى الافتراءات المنتشرة والتى كانت
لأزمنة طويلة تطاع طاعة عمياء. وقد اجبر المسيحيون على الاختفاء من اعدائهم خوفا
على الإيمان وابقاء اجتماعاتهم سرية مما اشاع عدم الثقة والشك فى ممارساتهم. فقد
أشيع أنه فى القداس الإلهى يتم ذبح طفل للشرب من دمه وفى الاغابى يفعلون كل ما هو
غير لائق تحت ستار الظلمة كما ان كلمة “أخ” أو “أخت” قد أوحت
بفكرة التزاوج المرذول. فى الجزء الأول من كتابه أوكتافيوس ينشر مينوشيوس فيلكس
هذه الاتهامات والتى لايمكن سردها كلها ولكن هنا بعض النقاط. ويجب أن يوضع فى
الاعتبار أن هذا كلام المجتمع الرومانى الراقى الموجه لأحد المسيحيين:

 

“كيف
لنا أن ننظر بغير أن نتألم هذا الهجوم على الألهة من قبل هؤلاء البؤساء الخائنون
المتعصبون. انهم يجمعون حثالة المجتمع ويجعلونهم اتباع مثلهم. فى اجتماعات ليلية
وبأصوام مقدسة وأطعمة غير طبيعية يندمجمون بعضهم مع بعض ليس بعهد ولكن بانتهاك
حرمات. انهم يخفون أنفسهم ويهربون من النور يصمتون فى المجتمعات يثرثرون فى
خلواتهم. أنهم يتعرفون على بعضهم بعلامات سرية ويحبون بعضهم حتى قبل أن يتعارفوا.
أنهم متحدون بديانة الخلاعة ويدعون بعضهم أخ أو اخت. ومما لم يسمع عنه من قبل
فأنهم يعبدون رأس حيوان قذر مثل الحمار يا لها من ديانة يستحقونها تماما.

وطقوسهم
أيضا بغيضة جدا. فإنهم يحضرون طفلا مغطى بالدقيق ويقدمونه للمسئول الذى ينهال عليه
ضربا حيث يظن أنه يضرب الدقيق حتى يقتل الطفل وحينئذ يشرب هؤلاء الأشرار النهمون
من دمه ويوحدون انفسهم بهذه الذبيحة حيث يلتزمون جميعا الصمت بالاشتراك فى هذه
الجريمة.” (أوكتافيوس 8، 3). وهذه الافتراءات تبدو لنا سخيفة وقبيحة ولكنها
فى القرن الثانى انتشرت فى كل مكان حتى أن المدافعون عن الإيمان لم يكونوا
ليفندوها.

 

كتابات ضد المسيحية

الكتابات
الوثنية فى القرن الثانى تمكننا من تتبع تطور الهجوم على المسيحية. فهى تبين مراحل
إخضاع المسيحيين التى اخترقت بالتدريج كل المجتمع اليونانى الرومانى والتى صارت
اعنف كل يوم. فالكنيسة فى بدايتها نشأت من البسطاء والعامة “فانظروا دعوتكم
أيها الاخوة، أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد، ليس كثيرون أقوياء، ليس كثيرون
شرفاء” 1كو1: 26. فقد بقوا هكذا لمدة طويلة وبنهاية القرن الثانى أدركوا ذلك
والوثنيون حاربوهم لهذا السبب.زلكن من هذا الوقت آمن كثير من المتعلمين بالمسيحية
وقد أصبح هذا واضحا فى عصر “هادريان” كما زاد أيضا فى النصف الثانى من
القرن الثانى.الكتابات الوثنية والتى كانت مملوءة احتقارا للمسيحيين بدأت تنتبه
لهذا. لقد وجدنا 120 مرجعا تحوى هجوما منظما من كثير من كتاب هذا العصر. وقد
استمرت المعركة بغير هوادة وهى ماتزال قائمة حولنا إلى هذا اليوم.وكان على
المسيحيين أن يدافعوا عن أنفسهم ضد هذه الهجمات، فقد أحسوا بانقلاب الرأى العام
عليهم ولكنهم شعروا أيضا بقوة الايمان النقى والحياة المقدسة. وهم لم يقفوا عند حد
الدفاع ولكنهم بدأوا أيضا يهاجمون خزعبلات وفجور الوثنيين.

 

مجادلات اليهود المدافعون ضد الوثنيين

فى
هذه المهمة كان لهم أسلاف، فاليهود أولا دافعوا عن عقيدة التوحيد كما هاجموا عبادة
الأوثان. ففى هذه المناظرات وجه اليهود الكثير من الانتقادات للوثنيين وخزعبلاتهم
ولكن المسيحيون دفاعهم عن الإيمان كان مبنيا على الحياة وهذا أعطاه القوة المقنعة
وبالنسبة للمؤرخ فهو يمثل قيمة الشهادة للايمان. فالكتاب المسيحيون الأوائل شعروا
انهم محتقرون من العالم المتعلم حولهم ولكنهم أدركوا انهم يملكون قوة أكبر من كل
الكتابات فهى قوة الحياة.

 

المدافعون الشهداء

حين
كان الشهداء يستدعون للمثول أمام الحكام كانوا دائما يظهرون السبب الذى من أجله
يموتون. فالسيد المسيح نفسه فعل هكذا أمام بيلاطس، واسطفانوس امام مجمع السنهدريم،
وبولس امام فستوس. فالشهداء كانوا يتبعون هذه الأمثلة. ولكن الدفاع عن الايمان هنا
رغم قوته إلا انه نادرا ما كان يتطور. فقد كان الحاكم يختصر كلمات السجين ولم تكن
الظروف تسمح بأحاديث طويلة. لقد كانت هذه فرص مهمة للشهداء ليقولوا شيئا عن
التعاليم والحياة المسيحية. تمثل هذه الشروحات أهمية كبيرة بالنسبة للمؤرخين. ففى
كثير منها وصف ممتاز للعادات المسيحية . فكتابات جوستين تكشف الكثير من الممارسات
الطقسية فمنها يستطيع المؤرخ تتبع كل الاحتفالات الدينية مثل المعمودية والقداس.
فهى كتابات غاية فى الدقة. فى نفس الوقت، إن كشف الايمان المسيحى يمثل خطرا شديدا.
فهذه أشياء غير مقبولة تماما من الوثنيين ولذا فنحن نرى بالنسبة لليهود كانت هناك
محاولات لتصحيح المفاهيم بما يناسب الوثنيين. أما المسيحيون فرغم تعرضهم لنفس
الأخطار فقد كانوا أكثر حرصا واخلاصا للحفاظ على ايمانهم السليم وهذا ما يجدر ان
يوضع فى اعتبار المؤرخين.

 

المدافعون عن الإيمان – أهدافهم وادواتهم

كثير
من هذه الدفاعات تم تقديمها إلى اباطرة. وقد كان لهؤلاء الكتاب هدف – قد يبدو وهمي
بالنسبة لنا – وهو أن تقرأ هذه الكتب بواسطة الأباطرة حتى يتعاطفوا مع المسيحية.
فقد كتب جوستين كتابه اللاهوت المسيحى للعالم بطريقة يمكن فهمها بواسطة الامبراطور
ماركوس أوريليوس.

المدافعون
الأوائل لم يسلكوا على نهج ترتليان لأنهم أعتقدوا أنه يجب أن تكون مصالحة بين
الكنيسة والامبراطورية وقد عملوا على إيجادها.

 

برغم
ذلك كان أيضا من المهم إرشاد العامة لصحيح الإيمان. فالمدافعون ينتمون لهذه الفئة
ويعرفون تماما كل احتياجاتها. فقد أرادوا مساعدتهم ليصبحوا مسيحيين فيعيشوا فى نور
وقوة المسيح. ولهذا فقد اهتموا جدا بالقداسة المسيحية والتغيير الأخلاقى الذى يتبع
الايمان المسيحى. فقد حاول المدافعون من بعد جوستين أن يخاطبوا الفلاسفة والعامة
المتعلمين. فالمدافعون أنفسهم قد بحثوا كثيرا عن الدين الحق والآن وقد انتقلوا من
الظلمة إلى النور فهم واثقون انهم يملكون الحق الذى لم يتمكن الذين حولهم أن
يدركوه. فهم يدركون كم هى ثمينة هذا الاستنارة لكثير من العقول المتعبة حولهم ولذا
اتجهوا اليهم.هذه الكتابات قد تبدو غير مرتبة فليس المهم هو مهارة الكاتب ولكن
القيمة الحقيقية للشهادة تأتى فى الدرجة الأولى. زمن هذا المنطلق فهذه الكتابات
مازالت تجذب انتباه القارىء وتفرح قلبه.

 

كوادراتوس:
من أوائل المدافعين عن الإيمان المعروفين كوادراتوس. فقد أرسل دفاعا لهادريان
(117- 38) ونملك منه قطعة صغيرة والتى نقلها لنا يوسابيوس.

 

أريستايدس:
فى نفس النص يذكر أيضا يوسابيوس دفاعا لأريستايدس وقد كان موجها لأنطونيوس وقد ظل
غير معلوم لفترة طويلة. تم اكتشافه جزئيا أو كليا أولا من ترجمة أمريكية ثم سورية
وأخيرا من النص الأصلى فى حياة س برلام وجوزيف. يبدأ أريستايدس كتاباته بشرح
الإيمان برؤيا نقية وسامية ولكنها تبقى على أرض الفلسفة الطبيعية. وهو يميز أربعة
أنواع من الشعوب – فى محاولته لشرح الديانات الإنسانية – اليونانيين والبربر
واليهود والمسيحيين. وهذا يقوده لشرح الحياة المسيحية بأسلوب جميل ومؤثر للغاية:

 

“المسيحيون
هم أقرب الشعوب للحقيقة. فهم يعرفون الله ويؤمنون به، خالق السماء والأرض به كل
الأشياء ومنه كل الأشياء ليس له نظير ومنه تقبلوا الوصايا التى حفروها فى عقولهم
والتى يحفظونها لرجاء الدهر الآتى.ولهذا السبب فهم لا يزنون ولا فيهم فسق ولا
يشهدون بالزور ولا ينكرون الودائع التى أخذوها ولا يشتهون ما لغيرهم ويكرمون
ابائهم ويحسنون إلى جيرانهم وحين يحكمون فإنهم يحكمون بالعدل. وهم لا يعبدون
أصناما ولا يفعلون بالآخرين ما لا يحبوا أن يفعل بهم. ولا يأكلون مما قدم للأصنام
لأن هذا غير طاهر. وهم يسامحون المسيئين إليهم ويحسنون لأعدائهم. بناتهم طاهرات
وعذارى والرجال يحفظون أنفسهم من كل ارتباط غير قانونى ومن كل نجاسة. نسائهم
محتشمات على رجاء المكافأة فى الدهر الآتى. أما بالنسبة للعبيد ان وجدوا وأطفالهم
فهم يقنعونهم بالمسيحية من أجل محبتهم لهم وحين ينضمون إليهم يدعونهم اخوة. ولا
يعبدون آلهه غريبة، لطفاء صالحين متواضعين مخلصين يحبون بعضهم بعضا لا يحتقرون
الأرملة ويحافظون على اليتيم والذى عنده يعطى من ليس له بدون تذمر. ويدخلون
الغرباء بيوتهم ويفرحون معهم ويعاملونهم كأخوة ويدعونهم كذلك. فالأخوة عندهم ليس
بالجسد ولكن بالروح. حين يموت انسان فقير ويعلمون بذلك يجمعون تبرعات من أجل
الجنازة. وإذا علموا أن أحدهم دخل السجن من أجل المسيح فإنهم يجمعون الصدقات
ويرسلونها حيث يكون الاحتياج.وإذا أرادوا مساعدة عبد أو انسان فقير فإنهم يصومون
يومين أو ثلاثة ويرسلون طعامهم إليه وهذا يفرحهم كثيرا. ويدققون جدا فى الوصايا
الإلهية ويعيشون بطهارة وبر كما أمرهم الرب ويشكرونه فى كل صباح وفى كل الأوقات من
أجل الطعام والشراب وكل الخيرات. وإذا مات رجل تقى منهم فإنهم يفرحون ويشكرون الله
ويصلون من أجله ويصاحبونه كانهم فى رحلة. وإذا رزق احدهم بطفل يشكرون الله وإذا
مات الطفل يشكرون الله بالأكثر أنه مات بلا خطية. وإذا مات رجل فى خطية يبكون عليه
كما على من هو ذاهب ليأخذ عقابه. هذه يا ملكى هى قوانينهم. وهم يأخذون من الله ما
يطلبونه وهكذا فإنهم يستمرون فى هذا العالم حتى آخر الزمان لأن الله سخر لهم هذا.
وهم لهذا يشكرونه فأنه لأجلهم خلق الله الكون والخليقة كلها.”

 

وقد
تعمدنا ترجمة هذه الفقرة الجميلة هنا فهى وثيقة قيمة. ورغم أنها لا تملك المهارة
الأدبية مثل الرسالة إلى ديوجنتيوس فهى تخلو من الفن وتركيب الجمل ركيك، ولكن فى
طيات بساطتها الغريبة تظهر الحياة المسيحية طاهرة ومخلصة لأن المسيحيون قد جعلوا
هدفهم ممارسة هذه الحياة فهم يميلون إلى المكافأة العظيمة التى وعد بها الله فى
الدهر الآتى. فأنهم يحاولون ان يعيشوا بغير خطية فى فرح وشكر نحو الله وفى شركة مع
الآخرين. وهذه السمة الأخيرة هى المدهشة فعلا فى عالم وثنى “بلا محبة بلا
حنو”. يا لها من حياة مملوءة حبا واخلاصا. أخيرا لنلاحظ الجملة الأولى فهى
تبين مصدر هذه الحياة المقدسة. إذا كانت هكذا هى حياة المسيحيين فالسبب هو انهم
يعرفون الله ويؤمنون به.

 

الرسالة إلى ديوجنتيوس

ونرفق
بهذا الدفاع العقيدى القديم وثيقة أخرى لانستطيع تحديد تاريخ كتابتها وإن كانت
تنتمى بلا شك لنهاية القرن الثانى أو بداية القرن الثالث وهى الخطاب إلى
ديوجنتيوس. فالكاتب المجهول لهذه الرسالة يشرح لمراسله ديوجنتيوس ما هية الحياة
المسيحية، ما هى مواضيعها ولماذا ظهرت مؤخرا ليرد بهذا على أسئلة الأخير. الحياة
المسيحية موصوفة فى صفحة نالت إعجاب رينين والتى قال عنها تيلمونت أنها رائعة وذات
أسلوب بليغ. فى تركيب هذا العمل نرى تأثير القديس بولس. ونراه بوضوح اكثر فى كشف
خطة الله الذى تألم كثيرا بسبب ظلم الانسان وأصلحه اخيرا فى تجسد ابنه الوحيد.

 

“كان
عند الله خطة عظيمة لا توصف وقد أظهرها فقط لإبنه الوحيد. وبينما أخفى خطته
الحكيمة بسرية ظهر وكأنه قد أهملنا او تركنا. وعندما أظهر ابنه الحبيب وكشف ما قد
اعده من البدء أعطانا كل شىء فى نفس الوقت. بعد أن رتب فى نفسه كل شىء بإتحاد مع
الابن تركنا نسير كيفما نشاء حتى الوقت الحاضر بطريقة غير مرتبة تقودنا ملذاتنا
وأهواءنا. ليس أنه قد سر بخطايانا ولكن لأنه احتملها، ليس أنه قد أحب الأزمان
الماضية زمن الظلم ولكن لأنه كان يعد للزمن الحاضر زمن الحق حتى نكون مقتنعين انه
بسبب اعمالنا فنحن لا نستحق الحياة ولكن بحسب صلاح الله أصبحنا مستحقين وأننا
بأنفسنا لا نستطيع أن ندخل ملكوت الله ولكن بقوة الله نستطيع. حين كان ظلمنا كاملا
واستحققنا بسببه العقوبة والموت جاءت اللحظة التى أظهر فيها الله صلاحه
وقوته.”

 

ونملك
هنا إجابة من هذا الكاتب لأحد أسئلة ديوجنتيوس وهى لماذا ظهرت المسيحية متاخرة
هكذا؟ ما قاله الكاتب سابقا عن ان الكلمة أرسلت إلى قلب الناس وهذا هيأ لإجابة
أخرى التى كان يميل إليها يوستينوس. لقد تركها الكاتب لناحية واحدة ولهذا السؤال
الصعب فهو لا يعرف سوى إجابة بولس الرسول “الجميع أخطأوا واعوزهم مجد
الله”. ومن خلال فداء السيد المسيح تحرروا بمجد الله. الذى قدمه الله ليكون
كفارة بالإيمان لإستيفاء عدل الله بدمه لمغفرة الخطايا السابقة. حتى يكون الله
عادلا والذى من الايمان بيسوع المسيح يكون مبررا. وهذا يستحق الملاحظة نظرا للظروف
المحيطة فى هذا التاريخ.

 

ونلاحظ
أيضا من ناحية أخرى أنه بالرغم ان الكاتب يتكلم عن تجسد الكلمة فهو لا يسمى باسم
يسوع المسيح ولا يذكر شيئا عن حياته ومعجزاته وموته وقيامته. وهذا الصمت ليس غريبا
على الكاتب. فأكثر المدافعون عن الإيمان ينتهجون نفس المنهج. فهم بلا شك يحتفظون
بكافة تعاليم الرسل لمرحلة ايمانية أخرى. ماعدا جوستين الذى ابتعد عن هذا التحفظ
فبينما الآخرون يقفون عند عتبة الإيمان نراه يدخل إلى عمق الإيمان ويأخذ معه
القارىء. ولهذا السبب وغيره كثيرا فهو يستحق دراسة خاصة متأنية. فهو الذى سيرينا –
أكثر من أى شخص آخر – ليس فقط بتعاليمه ولكن بسيرة حياته واستشهاده كيف يكون عمل
المدافع عن الإيمان فى القرن الثانى.

 

ومن
دفاعيات
القرن الثانى:

الدفاع
عن المسيحية، القديس يوستينوس الشهيد

الدفاع
عن الايمان، العلامة ترتيليان

الرسالة
الى ديوجنتيوس

دفاعيات
اثيناغوراس عميد مدرسة الاسكندرية

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى