علم

رسالة القديس كيرلس الكبير



رسالة القديس كيرلس الكبير

رسالة كيرلس إلى فاليريان

رسالة القديس كيرلس الكبير رقم 50 إلى
فاليريان أسقف أيقونية

كيرلس
يرسل تحياته فى الرب إلى أخى الحبيب وشريكى فىالأسقفية فاليريان
Valerian أسقف أيقونية Iconium.

 

(1)

يكفى
-كما أرى – أو بالأحرى هى طبيعة الحق، أن يُلتجأ إلى حكمة قداستكم، لكى برجولة
تامة وبقدر المستطاع تقدم الدقة والصواب فى مواجهة الملاحظات والتعليقات العشوائية
لبعض الناس، إذ مثل العجائز الثرثارين، يستخدمون عبارات تافهة ويخلطون كل شئ رأساً
على عقب، ويتظاهرون أنهم مشغولون بدقة بسر تجسد الرب الوحيد الجنس، إلا أنهم لا
يفهمون ولا حتى هذا، بل يحولون السر إلى ما هو خطأ، ويفعلون ذلك بإقتناع ورضا،
بينما يتمسكون بعقائد فاسدة منحرفة، وأصعب ما فى هذه الأمور جميعها هو أنهم
يتظاهرون بأنهم يُريدون أن يتمسكوا بأفكار صحيحة، ويتظاهرون بأنهم يميلون لهذا (أى
الأفكار الصحيحة) -كما لو كانوا قد لبسوا قناعاً- يسكبون سم فجور نسطور فى نفوس
هؤلاء الأكثر بساطة منهم، وبطريقة ما، يشبهون هؤلاء الذين يشفون الأجساد البشرية،
أى الأطباء الذين يخلطون العسل الحلو بأدويتهم المرة، وإذ يخدعون بالصفة التى لما
هو مفيد (الحلاوة)، يُزيلون مفهوم ذاك الذى هو بالطبيعة كريه.

 

(2)

لكننا
لا نجهل أفكارهم لأن “لنا فكر المسيح” (1كو 2: 16) كما يقول بولس العظيم
المعرفة، وإذا كان هناك من قال أن الله الكلمة الوحيد الجنس، المولود من الآب
بطريقة غير موصوفة، والذى هو خالق الدهور عينها، نال بداية لوجوده من العذراء
القديسة، فبالنسبة لهم هو لم يخطأ فيما قاله. إذا كان كلمة الله بطبيعته روح، كيف
وُلِد من جسد، لأن الرب يقول “المولود من الجسد جسد هو” (يو3: 6)؟ ([1])

وطالما
أن العقيدة الخاصة بسر المسيح تنتهج درباً آخر أو طريقاً نحو ما هو مباشر وثابت
راسخ وليس فيه تحريف، لماذا إذاً يهذون بلا جدوى “وهم لا يفهمون ما يقولون
ولا ما يقررونه” (1تى 1: 17)؟

 

(3)

إننا
نقول أن كلمة الله الوحيد الجنس، إذ هو روح كإله، بحسب الأسفار المقدسة (قارن يو4:
24) تجسد وتأنس من أجل خلاص البشر، ليس بأن حول (صنع) لنفسه جسداً من طبيعته
الخاصة به (أى لاهوته)، ولا بأن فقد ما كان عليه “ألوهيته” ولا بأن حدث
لها أى تغيير أو تحول، بل أخذ جسداً طاهراً من العذراء القديسة، جسداً مُحيياً
بنفس عاقلة
animated rationally، وهكذا أعلن أن الجسد هو جسده من إتحاد لا يُدرك وبلا إختلاط ولا
يوصف على الإطلاق، ليس كجسد شخص آخر، بل جسده هو الخاص جداً به
His
very own
، وهكذا أتى الوحيد الجنس
إلى العالم ك” البكر” (رو 8: 29) وصار ذاك الذى لا يُحصى مع الخليقة –
إذ هو الله- “بين إخوة كثيرين”.

وبالتالى،
عندما يقال أنه وُلِد”من إمرأة” (غلا 4: 4) يستنتج بالضرورة أنه وُلِد
بحسب الجسد، لكى لا يظن أنه يأخذ بداية لوجوده من العذراء القديسة.

ورغم
إنه كائن وموجود قبل كل الدهور، وإنه الله الكلمة الشريك فى الأزلية مع أبيه
والكائن فى وحدة معه، إلا أنه عندما أراد أن “يأحذ صورة عبد” (فى2: 7)
بحسب مسرة أبيه الصالحة، عندئذ قيل أنه خضع لميلاد من إمرأة بحسب الجسد مثلنا،
لذلك بلاشك المولود من الجسد جسد هو، ولكن المولود من الله إله هو، أما المسيح فهو
الأمران، إذ هو إبن ورب وله جسده الخاص به، ورغم ذلك ليس “الجسد” غير
مُحيياً- كما قلت- بل مُحيياً بنفس عاقلة.

 

(4)

دعهم
إذاً لا يقسمون لنا الإبن الواحد، جاعلين الكلمة والإبن الواحد على حدة، ويفصلون
عنه الإنسان الذى من إمرأة -كما يقولون – بل فليعرفوا بالحرى أن الله الكلمة لم
يكن متصلاً بإنسان، بل أعلن أنه تأنس “معيناً نسل إبراهيم” بحسب الكتاب
المقدس
،
وصار “يشبه إخوته” (عب 2: 17) “فى كل شئ فيما عدا الخطية”
(قارن عب 4: 15 + 2 كو5: 21) وهذا الشبه التام كان من اللائق أن يأخذه – وفوق كل
التشابهات الأخرى -“يأخذ شبهنا فى” ميلاده من إمرأة، والذى (أى الميلاد)
يُعد فينا (نحن البشر) لائقاً بالطبيعة البشرية ومثلنا، لكن فى الوحيد الجنس،
يُفهم (الميلاد) أنه أعمق وأعظم من هذا، لأن الله صار جسداً، وبالتالى العذراء
القديسة تُدعى والدة الإله (ثيؤطوكوس
Theotokos).

 

(5)

إذا
كانوا يقولون أن الله والإنسان بإجتماعهما معاً كوّنا المسيح الواحد الذى فيه
أقنوم (
hypostasis) كل منهما محفوظ بغير إختلاط ولا إمتزاج ولكن يُميز
بالعقل، فمن الممكن أن نرى أنهم لا يفكرون ولا يقولون أى شئ صحيح فى هذا.(
[2])

إن
الله والإنسان بإجتماعهما معاً
by coming together
لم يكوّنا المسيح الواحد
-كما يقولون -بل، كما قلت، أن الكلمة الذى هو
الله فعلاً تشارك فى الدم واللحم مثلنا ليعرف أن الله تأنس وأخذ جسدنا
وجعله خاصاً به
، لكى- تماماً كما هو معروف أن أى إنسان مثلنا يتكون من نفس
وجسد- كذلك هو أيضاً يعترف به أنه واحد، إبن ورب معاً.

 

(6)

إن
طبيعة الإنسان يُعترف بها أنها واحدة، وأنها أقنوم (هيبوستاسيس
hypostasis) واحد، حتى بالرغم من أنه معروف عنها أنها (مكونة) من
عناصر
realities مختلفة متباينة الأنواع، لأن من المعروف أن الجسد من طبيعة مختلفة
عن النفس، لكنه جسد النفس، ويُكمّل أقنوم الإنسان الواحد. ورغم
أن الفرق المذكور بين النفس والجسد ليس غامضاً فى عقلنا وتفكيرنا
، إلا أن
إجتماعهما معاً أو تقابلهما – لأنه (أى الإجتماع) غير مُقسّم (غير منفصل) -يكون
إنسان واحد حى.

لذا
لم يأت (يظهر) كلمة الله الوحيد الجنس كإنسان بأن أخذ إنساناً،([3])
بل-رغم أنه
مولود بطريقة غير موصوفة من الله الآب- تأنس بأن صنع لنفسه هيكلاً بالروح القدس
المساوى فى الجوهر، ولذلك أيضاً هو واحد، حتى بالرغم من أن جسده، فى فكرنا
وبحسب تفكيرنا، من طبيعة

مختلفة
عنه

(أى عن لاهوته)، وليُعترف فى كل مكان أن جسده لم يكن غير مُحيياً بل كان مُحيياً
بنفس عاقلة
rational soul.

(7)

لقد
علمت أن البعض وصلوا إلى درجة من الجنون حتى أنهم لا يخافون أن يقولون أن الله
الكلمة، بسكناه فى إبن مولود من عذراء، ألَّهه
deified him، لكن يا رجالى الأحباء – سأقول لهم أن هذا ليس كلمة الله المتُجسد
والمتأنس، بل هو مجرد سكنى فى إنسان، تماماً كما هو الحال -بالطبع- فى أحد
الأنبياء القديسين.

لكن
وصف السر بالنسبة لنا، كما شرح فى العبارات المذكورة عاليه، يعنى أن
“الكلمة” المولود من الله الآب”صار جسداً” (يو 1: 14) بحسب
الكتب، ليس أنه حدث لطبيعته تبديل أو تغيير أو تحول إلى جسد، بل جعل
الجسد جسده هو الخاص به جسداً مُحيياً بنفس عاقلة، وصار إنساناً وهو لم يتصل
بإنسان أو سكن فيه -كما يقولون- وكيف لا يكون فى القول بأن ذاك الذى كانت
فيه
السكنى (أى الإنسان) قد تأله
has
been deified
(تحول إلى
إله) كما يعتقدون – لأن هذا مرفوض تماماً فى رأينا – دليل واضح على غباوة تامة؟ أنه
(فكر) معارض لتعليم الكتاب المقدس.

(8)

يقول
بولس الموحى إليه أن كلمة الله، رغم أنه بالطبيعة إله ومساو فى كل شئ لأبيه
“لم
يُحسب خِلسة أن يكون مُعادلاً لله، لكنه أخلى نفسه”
و”آخذاً صورة عبد” و”صائراً فى شبه الناس” كإنسان “ووضع
نفسه” (فى 2: 6 -8) لكنهم بتغييرهم طبيعة الأشياء إلى العكس تماماً،
وبتقسيمهم معنى الحق بلا تقوى، يقولون أن إنساناً تأله. ([4])
إذاً يا رجالى الصالحون، من هو الواحد الذى أخلى نفسه وكيف وضع نفسه؟ أخبرونى أى
نوع من أى صورة عبد أخذ؟ لأن تفكيرهم -كما يبدو لنا- يُقدم إنساناً رُفع من كونه
وضيعاً مثلنا، ويصعد
من الخواء
emptiness مثلنا إلى ملء الألوهية ويتغير من صورة العبد إلى صورة السيد، لذلك لا
أستطيع أن أفهم كيف يقولون أن وحيد الجنس أخلى

نفسه
أو كيف تحمل ضعتنا
our
humility
، إلا إذا كانوا
يقولون أنه أخلى نفسه لأنه كرّم إنساناً بمجده الخاص به
، (لكن) لو
أضير بسبب تكريمه لإنسان، ولو أخلى بسبب تمجيده لإنسان، كيف لا يكون من الأفضل أن
يقول المرء أنه لم يمنح كرامة ولامجد لأى أحد؟ إذ سيظل فى فرادته وتفوقه إذا لم
يُكرم أو يُمجد الإنسان الذى -كما يقولون- سكنه.

(9)

ألا
تبدو الأشياء التى صمموا أن يعتنقوها وسُروا بأن يقولوها، مستحقة
تماماً للضحك، ومليئة بالغباوة التامة؟ أما تقديم الحق فلن يثير أى شك فى أنه أخلى،
فلو لم يكن له الملء بحسب طبيعته، لما كان هناك أى تفكير فى أنه وضع نفسه، ولو
لم يكن سامياً تماماً وعال أقصى علو فى المكانة، لما نزل إلى ما لم يكن هو عليه
(أى التجسد)، وذاك الذى يأحذ صورة العبد يعرف تماماً بلا شك أن له الحرية بالطبيعة
قبل أن يأخذ صورة العبد، وذاك الذى تأنس لم يكن هكذا قبل أن يتأنس.

(10)

إذاً
طالما أن الكتاب المقدس الموحى به إلهياً يُسمى هذا إخلاء وصورة عبد بل
وأيضاً بشرية
humanity (ناسوت)، ويقول أن ذاك الذى إحتمل ذلك بحريته هو كلمة الله الآب،
لماذا إذاً يُحرفون معنى حكمة التدبير الحسن إلى العكس، ويقولون أن إنساناً
جُعل إلهاً، واضعين فى أذهانهم أن المسيحين لا يزالون مثل هؤلاء الذين “عبدوا
المخلوق دون الخالق” (رو1: 25)؟

ربما
سيظنون بطريقة ما أن الملائكة القديسين أنفسهم أخطأوا معنا، فالكتاب المقدس يقول
أن الملائكة أمرت أن تعبد ” البكر متى أدخل إلى العالم ” (قارن عب 1: 6).

كيف
يُسمون وحيد الجنس بكراً إلا إذا تجسد؟ لأنه إن كان القول “بكر بين إخوة
كثيرين” (رو 8: 29) صحيحاً، إذاً بصواب عُرِفَ أنه البكر، لأنه نزل إلى
الأخوّة
brotherhood التى هى بوضوح أُخوة معنا، لأنه صار إنساناً مثلنا، إذ “شابه
إخوته فى كل شئ” (قارن عب 2: 17) “فيما عدا الخطية وحدها ” (قارن
عب 4: 15+ 2كو 5: 21)،
وهذا الرأى والفكر كاف لتقوانا، أى أن جسد الله،
مُعطى الحياة لكل شئ، بعد أن أتى إلى الوجود (أى الجسد) صار له قوته وفاعليته
المعطية للحياة، وهى تُغنى وتُثرى مجده الذى لا يُنطق به ولا يُدنى منه.

 

(11)

إلا
أنه من المحتمل أن هؤلاء الذين صمموا على التمسك بهذه الأفكار، يُضيفون إفتراءات
أخرى ضد التعاليم المقدسة، تلك الإفتراءات التى تنزع عن شخص (بروسوبون
prosopon proswpon) وحيد الجنس الإهانات التى إحتملها على أيدى اليهود، وأيضاً موته
بحسب الجسد، وتنسبها كما إلى إبن آخر من إمرأة منفصلاً وحده، لأنه يبدو أن أحسن شئ
بالنسبة

لهم -لا أعرف كيف- أن يقفزوا، عبر طريق لا يتجه صوب التقوى، فى مصيدة الجحيم
وفخ جهنم (أم 9: 18) كما يقول الكتاب المقدس.

ومن
المعترف به أن الإلهى -لأنه بلا جسد- لا يُمس ولم يُمس على الإطلاق، لأن الإلهى
يفوق كل خليقة، منظورة وعقلية، وطبيعته غير جسدانية، طاهرة بلاعيب، لاتُمس
ولاتُدرك، ولأن كلمة الله الوحيد الجنس، بعدما أخذ جسداً من العذراء القديسة وجعله
خاصاً به -كما قلت قبلاً مرة ومرات- بذل نفسه رائحة سرور لله الآب كذبيحة بلا عيب،
لذا تأكد (لنا) أنه إحتمل عنا ما حدث لجسده، فكل ما حدث للجسد يُنسب بصواب إليه، فيما
عدا الخطية
،([5]) لأنه (أى
الجسد) جسده هو الخاص به
His own
body
، وبالتالى، لأن الله
الكلمة تجسد، ظل غير قابل للألم كإله، ولكن لأنه بالضرورة جعل أمور الجسد أموره
(أى جعلها خاصة به)، لذا تأكد (لنا) أنه إحتمل ما هو بحسب الجسد، رغم أنه بلا خبرة
فى الألم عندما نفكر فيه كإله.

 

(12)

لذلك،
سيقودهم مظهر التقوى (الذى يتظاهرون به) بعيداً عن الحق، لأنهم لم يفهموا أن عدم
القابلية للألم
Impassiblity قد حُفظت لأن له وجوده الإلهى ولأنه إله، لكن التألم من أجلنا
بحسب الجسد يُنسب أيضاً إليه لأنه – إذ هو إله بالطبيعة – صار جسداً، أى صار
إنساناً كاملاً.

لأنه
من هو ذاك الذى قال لله الآب الذى فى السموات: “ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن
هيأت لى جسداً (بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسر) ثم قلت هأنذا… أجئ لأفعل مشيئتك
يا الله” (قارن عب 10: 5 -7 + مز 40: 7-9) لأن ذاك الذى كان بدون جسد كإله،
يقول إن الجسد هُيئ له كى يستطيع – عندما يبذله لأجلنا – أن يشفينا جميعاً ”
بحبره (بجلداته) ” (أش 53: 5) بحسب قول النبى، لكن كيف يكون “واحد قد
مات لأجل الجميع” (2كو 5: 14)، واحد مساو للجميع كلهم، إذا إعتبرنا ببساطة أن
الألم خاص بإنسان ما؟ وإذ تألم بحسب طبيعته الناسوتية، لإنه جعل آلام جسده
آلامه هو، لذا نقول، وبصواب تام، أن موته هو وحده، بحسب الجسد، يُعد مُساوياً
لحياة الجميع ([6])، فهو
ليس موت إنسان مثلنا
، حتى بالرغم من أنه صار مثلنا، بل نقول أنه – لكونه إله
بالطبيعة -تجسد وتأنس بحسب إعتراف الآباء.

 

(13)

لكن
إذا نزع البعض عن وحيد الجنس التألم بحسب الجسد لأنه شئ مروع وغير لائق وغير مناسب،
فلينزعوا عنه أيضاً -ولنفس الأسباب- ميلاده بحسب الجسد من العذراء القديسة، لأنه
إن كان القول بأنه تألم فى جسده غير لائق به، فكيف لا يكون (غير لائق أيضاً) ذلك
الذى كان قبل التألم، أى ميلاده بحسب الجسد، أو حتى – إذا تكلمنا بصراحة وحسم-
طريقة تأنسه؟ وهكذا يضيع السر المسيحى، ويفقد رجاء الخلاص معناه من الآن
فصاعداً
.

 

(14)

يقول
البعض لكن كيف يتألم ذاك الذى لم يعرف الألم؟ (أجيبهم قائلاً):

إن
كلمة الله -كما قلت – هو بلا شك غير متألم فى طبيعته الخاصة (أى لاهوته)، لكنه
تألم فى جسده الخاص به بحسب الأسفار المقدسة، لأنه هو نفسه كان فى جسده المتألم،
وبطرس يعطيكم دليلاً (على ذلك) إذ يكتب عنه ” الذى حمل هو نفسه خطايانا فى
جسده على الخشبة”
(1بط 2: 24)، لذلك كلمة الله غير متألم عندما يُنظر
إليه كإله بالطبيعة، ومع ذلك، آلام جسده هى آلامه بحسب خطة التدبير.

إذ
كيف يكون أن ذاك الذى هو”بكر كل خليقة” (كو1: 15) والذى به خُلقت
الرياسات والسلاطين والعروش والسيادات (قارن كو 1: 16)، الذى فيه تجتمع وتتماسك كل
الأشياء معاً، قد صار “بكر من الأموات” (قارن كو 1: 18) و”باكورة
الراقدين”(1كو 15: 20) إلا إذا جعل الكلمة – لكونه إله – الجسد المولود من
أجل التألم جسده هو؟

لكن
تماماً كما أنه “مولوداً من إمرأة” (غلا 4: 4) بحسب الجسد، وجعل له
ميلاداً ثانياً فى طبيعته الناسوتية،
رغم أن له ميلاده من أبيه، كذلك أيضاً
تألم فى جسده وفى طبيعته الناسوتية مثلنا، رغم أن له عدم التألم بالطبيعة (غير
متألم بحسب طبيعته اللاهوتية) لأنه إله. وهكذا عُرف أنه المسيح، وهكذا جُلّس أيضاً
مع أبوه، ليس كإنسان كُرم بسكنى كلمة الله (فيه)، بل كإبن بالحقيقة حتى
عندما تأنس، لأن كرامة عظمته الجوهرية الفائقة محفوظة له، حتى ولو ظهر
فى”صورة عبد” بحسب التدبير، لذلك أقول أنه حتى بالرغم من أنه إشترك فى
طبيعتنا كإنسان، إلا أنه إستمر فى الوقت عينه فوق كل خليقة كإله.

 

(15)

لكنى
علمت أن شخصاً ما يفسر سبب الصعود إلى السموات ويقول أنه صعد إلى مكان آمن وأعتبر
مستحقاً للجلوس مع الآب، ويقول (ذلك المبتدع) أن هناك (فى السموات) لايستطيع عدو
طبيعتنا أن يُخطط ضده ثانية أو يقترب منه.

اخبرنى
إذاً، هل صارت السماء حصناً أو قلعة له، وهل صار مُضيه عنا -والذى نبتهج به ونتهلل-
هروباً وليس صعوداً؟ لكنه خاف -هكذا يبدو- من أن الشرير سوف ينصب له فخاً
آخر بطريقة ما -حسبما أفترضُ- وأنه إذا لم يصعد ستُنصب له فخاخاً -كما يبدو- حتى
بعد القيامة.

من
ذا الذى لن يهرب بعيداً عن مثل هذه التقيؤات، أو من ذا الذى لن ينهض ويبتعد عن
الحديث عن (هذه) العجائب المخُزية جداً، مودعاً وداعاً طويلاً هؤلاء الذين يتجرأون
على التفكير فى مثل هذه الأشياء أو على التفوه بها؟ فليغرب (عنا) هذا الفكر العفن
جداً والساقط! أعتقد أنه لايوجد أى شئ خرف أو غبى أكثر من هذا، لقد وصل الأمر إلى
درجة من سوقية الأفكار التى عندهم، حتى لم يعد هناك أى شئ أكثر خِزياً (منها).

عندما
أكمل المسيح التدبير معنا، وسحق الشيطان، وطرح كل قوته وأباد “سلطان
الموت” (قارن عب 2: 14)، إستعاد لنا طريقاً جديداً حياً، وذلك بأن صعد
“إلى السماء” و”ظهر أمام وجه الله (الآب) لأجلنا” كما هو
مكتوب، وجُلّس معه حتى فى الجسد، ليس كإنسان يُرى منفصلاً وحده، أو كإبن مُختلف
بجانب الكلمة، ولا كإنسان يسكن فيه الكلمة،
بل لأنه الإبن الذى هو حقاً إبن
واحد وحيد عندما تأنس، إبن مع أبوه بالحقيقة، إذ هو هكذا بالطبيعة حتى بالرغم من
أنه صار ذا جسد.

 

(16)

وربما
لن يكون صعباً أن نوضح عُمق جهلهم بمناقشات أطول، لكن تفنيد أفكارهم
الفارغة هذه ببراهين أكثر سيكون –نوعاً ما- أمراً غبياً شبيهاً
بغباء هؤلاء الذين يهذون بهذه التفاهات.

أعتقد
أنه ضرورى بلا شك، بالإضافة إلى ما قيل، أن نهاجم الوسائل التى يعتقدون أنهم
قادرون بها على محاربة شعب الرب، كما هو مكتوب و” يرموا فى الدجى مستقيمى
القلوب” (مز 11: 2) أى هؤلاء الذين إختاروا أن يحيوا فى بساطة الهدف والغاية،
والذين أعطوا فى نفوسهم تقليد الإيمان كوديعة ويحفظونه مقدساً وبلا تغيير، وهؤلاء
البارعون فى الخداع، بإبتداعات أفكارهم المخترعة بتعقيد، يدفعون هؤلاء الذين هم
أقل منهم علماً كفريسة بعيداً عن الإيمان بالحق، وبمحاكاتهم بجهل لشر باقى
الهراطقة، يقدمون ما هو معتاد بالنسبة للهراطقة دون أن يأخذوا فى الإعتبار ماهو
مكتوب “ويل لمن يسقى صاحبه سافحاً حموك ومسكراً” (حبقوق2: 15).

 

(17)

إن
هؤلاء الذين يدافعون عن أريوس يقولون أن كلمة الله الوحيد الجنس ([7])
هو من جوهر مختلف
different
essence
ويضعونه فى منزلة وترتيب
تالى لذاك الذى ولده، وبجرأة يقولون أنه مخلوق ومولود ويحصونه ضمن الخليقة وهو
الذى “به كل الأشياء” (قارن رو 11: 6) و”فيه خلق الكل” (كو1: 16)
وهكذا، إذ يتدخلون فى سر تدبير وحيد الجنس بالجسد، يفسدون بشر تام قوة الحق،
وتنطبق عليهم أيضاً الإتهامات الموجهة لرأى أبوليناريوس، لأنهم يؤكدون بثقة
وجرأة ([8]) أن
كلمة الله أخذ جسداً، لكن
جسداً غير محيياً بنفس عاقلة، بل يقولون أنه (أى
الله الكلمة) كان فى الجسد محل العقل والنفس،
لكن -كما قلت- فى فعلهم هذا، هم
ساقطون برداءة عظيمة.

([9])
ولكى لا نؤمن أن العبارات البشرية التى قالها ربنا كانت بحسب التدبير وبحسب القدر
المناسب للناسوت لأنه تأنس، لذا يسلبون جسده من النفس العاقلة الساكنة فيه،
وهكذا يقللون من مكانته ويقولون أنه جوهرياً ضمن هؤلاء الأقل من الآب، ويجمعون
ذرائع لإدعاءاتهم هذه من الأسفار المقدسة.

 

(18)

لكن
انظروا حتى الآن هؤلاء الذين يقلدون جهلهم يُهيجون بعنف ضد هؤلاء الذى لا يقرون
“الكلام الباطل” (1 تيمو6: 20) الذى لنسطور، والذين (أى المستقيمى
الفكر) يصونون إيمانهم بلا عيب بعد أن يجمعوا معاً نفايات أفكارهم التافهة (أفكار
الهراطقة)، لأنهم (الهراطقة) يقولون أن بولس الموحى إليه إلهياً يقول عن المسيح
مخلصنا كلنا أنه “أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس، وإذ وُجد فى
الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه
إسماً فوق كل إسم” (فى2: 6 – 9) وفى موضع آخر “إن الله كان فى المسيح
مصالحاً العالم لنفسه” (2كو5: 19) وأيضاً “فيه يحل كل ملء اللاهوت
جسدياً” (كو2: 9) وهم يكيفون أنفسهم مع كلمات بطرس إذ قال “يسوع الذى من
الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذى جال يصنع خيراً ويشفى جميع
المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه” (أع 10: 38) وأيضاً “(الله)
متغاضياً عن أزمنة الجهل، لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل
برجل قد عينه مقدماً للجميع إيماناً إذ أقامه من الأموات” (أع17: 30-31).

 

(19)

بتقديم
مثل هذه الكلمات، وأيضاً الكلمات([10]) التى
ذُكرت بطريقة أخرى بحسب ناسوته، وبتكوين محاججات رديئة من أفكارهم البائسة، يسألون:
لمن أعطى الله الآب الإسم الذى فوق كل إسم؟ لكلمته هو؟ ويقولون كيف لا يكون هذا
ببساطة أمراً لا يُصدق لأنه كان دائماً إلهاً مولوداً منه بحسب الطبيعة، وهذا
الإسم يُعتبر بصواب إسماً فوق كل إسم، لأنه أى إسم أعظم من ذاك الذى لله بالطبيعة؟
ومن ذا الذى مسحه بالروح القدس، أو من ذا الذى كان الله معه؟ وإذ يُقدمون أفكار
وموضوعات أخرى بجانب هذا، يُخلطون الأمور لأقصى حد، ويملأون عقول البسطاء إضطراباً.

 

(20)

وإذ
يُقيمون تمييزات فى كل إتجاه لأنهم ” نفسانيون لاروح لهم” (يهوذا 19) ويقسمون
المسيح والإبن والرب الواحد إلى إثنين، سوف يُدانون نتيجة لأعمالهم، لأنهم
يتظاهرون أنهم يعترفون بمسيح

واحد
وإبن واحد ويقولون أن شخصه
His
Person
واحد،
لكن إذ يقسمونه ثانية إلى أقنومين
Two Hypostaseis غير متصلين ومنفصلين الواحد عن الآخر، يلغون تماماً عقيدة
السر، وهم يقولون فعلاً أن ذاك الذى من إمرأة، أى صورة العبد، نال -وحده وبنفسه-
إسماً فوق كل إسم، ومُسح بالروح القدس وأعطى سكنى الله الدائمة، أى كلمة الله الآب،
لكنهم يصيحون علانية بمحاججات تفوح منها رائحة فساد الحماقة لأقصى حد، ولأنهم
” أشرار” لذا لايستطيعون أن “يتكلموا بالصالحات” (مت 12: 34)
بحسب قول المخلص.

 

(21)

من
المعترف به أنه كان وسيظل دوماً إله ورب، له ولادته غير المنظورة وغير الموصوفة من
الله الآب، ولأنه وُلد من إمرأة بحسب الجسد بطريقة عجيبة تفوق إدراكنا، بحلول
الروح القدس عليها وتظليل قوة الله (لها)، ولأنه وُلد مثلنا، لذا نعترف أنه أخلى
ذاته ووضع نفسه وأطاع حتى الموت والصليب، وهكذا، وبصواب تام، ذُكر أنه أعطى إسماً
فوق كل إسم “تجثو له كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف
كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (قارن فى 2: 9 – 11).

 

(22)

لأنه
لم يكن هناك خليقة عاقلة تجهل أن الكلمة الذى تأنس هو الله، وبالرغم من أنه صار
مثلنا وتشارك فى الدم واللحم، إلا أنه لم يترك عنه، كونه الله، ولاجعله ذلك يُلقى
عنه ما كانه قبلاً (أى ألوهيته)، لأنه ظل معبوداً فى مجد الله الآب، ومجده (أى
الله الآب) هو أن يحكم إبنه
الوحيد معه ويُعبد معه حتى رغم أنه بحسب
التدبير صار إنساناً كى يُخلص كل خليقة تحت السماء
.

 

(23)

لذلك،
عندما آمن الملائكة القديسون، وآمنا نحن الذين على الأرض أنه الله بالطبيعة والحق
بالرغم من أنه فى الجسد، عندئذ أعطى إسم فوق كل إسم، ليس أنه إنتفع فى هذا الأمر
عن طريق إضافة ما، فذاك الذى كان والكائن دوماً، كيف يأخذ مثل أى أحد ليس له
(ينقصه شئ)، بل بالحرى لأن الله الآب أنار عقول الجميع ولم يسمح أن يكون أمراً
مجهولاً أن الكلمة المتجسد هو الله بالطبيعة، لأنه يقول “لا يقدر أحد أن
يُقبل إلىّ إن لم يجتذبه الآب الذى أرسلنى” (يو6: 44).

 

(24)

ومسحهُ
أيضاً (بالروح القدس) كان خاصاً بناسوته
، لأن الإبن الوحيد
الجنس المولود من الآب قدوس بالطبيعة تماماً كما الآب، وقيل أنه مُسح كإنسان، أى
أن الآب قدسه، لأنه كان -بوضوح- إنساناً، لذا يكتب بولس الكلى الحكمة عنه وعنا
“لأن المُقدِّس والمُقدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحى أن يدعوهم
إخوة قائلاً أخبر بإسمك إخوتى” (عب2: 11- 12)، لذلك عندما حمل وحيد
الجنس – الذى هو قدوس بالطبيعة ويُقدس الخليقة – إسم أخونا، عندئذ نعترف
أنه مُسح كإنسان بيننا دون أن يُهمل أو يستخف بالحد اللائق والمناسب لناسوته بسبب
التدبير، لذا يتحدث إلى المعمدان الموحى إليه إلهياً “يليق بنا أن نكمل كل
بر” (مت 3: 15).

 

(25)

لكن
إذ قيل عن الآب أنه معه، كيف لم يعرف هؤلاء المجادلون المرهفو الملاحظة أن الآب
دوماً بالطبيعة مع الإبن لكونه (الإبن) فيه ولأنه (الآب) معه؟ أم عساهم لم يتذكروا
المسيح وهو يقول “أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفنى يا فيلبس؟ الذى رآنى
فقد رأى الآب” (يو14: 9) “أنا والآب واحد” (يو10: 30) “ألست
تؤمن أنى أنا فى الآب والآب فىّ؟” (يو14: 10) ولكنه تحدث أيضاً فى موضع آخر
إلى تلاميذه قائلاً “هوذا تأتى ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى
خاصته وتتركونى وحدى، وأنا لست وحدى لأن الآب معى” (يو16: 32).

 

ليس
كما يعتقد هؤلاء المملؤون بغباوة من تقيؤات الآخرين، أن الكلمة -لكونه الله- كان
كإبن مع إبن آخر، أى الإنسان المُتخذ([11])، فهذا
تقسيم وفصل ينتج عنه ثنائية الإبنين
duality of sons
لكن الله الآب كان مع الإبن، أى مع كلمة الله المتجسد المتأنس، لأن الآب غير منفصل
عن الإبن.

 

(26)

وبالرغم
من أن الله “مزمع أن يدين المسكونة (بالعدل) برجل قد عينه” (أع17: 31)
لن يعتقد أى أحد فى عقله السليم أن الكتاب المقدس يقول أن وحيد الجنس، كما لو كان
فى إنسان منفصل عن الإبن المولود من إمرأة، سوف يُدين كل ما هو تحت السماء،
لكننا نتمسك بثبات بالأحرى -وبالضرورة- أن هذا هو التعليم المقدس الذى يجب أن نؤمن
به، التعليم عينه الذى يقوله المسيح “أن الآب لا يُدين أحداً بل قد أعطى
كل الدينونة للإبن
، لكى يُكرم الجميع الإبن كما يُكرمون الآب”
(يو5: 22-23) لأن كلمة الله، رغم أنه تأنس، وأحصى ضمن الناس ودُعى إنساناً مثلنا،
مع ذلك سوف يُدين كإله ورب وإبن واحد، لأن الله الآب فيه عندئذ أيضاً “أى عند
الدينونة” (قارن يو14: 11)، فكما قلت الآب فيه وهو فى الآب، ومثلما هناك الله
آب واحد
منه توجد جميع الأشياء، كذلك هناك رب واحد يسوع المسيح
به([12]) توجد جميع
الأشياء.

 

(27)

بالرغم
من ذلك، يُحرفون ويُغيرون إلى شئ كريه ما قيل بصواب على لسان المبارك بولس، لأنه
قال بصواب تام أن “الله كان فى المسيح مصالحاً العالم لنفسه” (2كو 5: 19)،
لكن بوضعهم مرة ثانية خط فارق ردئ فى المسيح الإبن الواحد، يُقسمون الله الكلمة
تماماً، ويقولون أنه فى مسيح آخر على حدة (وحده)، لكى يُعتقد أنه سكن فى إنسان
وليس أنه تجسد
، لكن، أيها الرجال الحكماء، الكتاب المقدس لايسمح بأن يكون هذا
صدق. لقد خلطتم قراءة ومعنى الأفكار بأن حولتموها إلى ما هو غير لائق، إلا أنه من
الضرورى لنا أن “نستأثر كل فكر إلى طاعة المسيح” (2كو15: 5) كما هو
مكتوب، لأن الله كان فيه مصالحاً العالم فى المسيح، وعندما صُولحنا مع المسيح،
صار لنا مُصالحة مع الله الآب، لأن الله الكلمة المولود منه ليس مختلفاً عنه بحسب
الجوهر، ولم يتغير من حيث أنه الإبن الواحد بالطبيعة حتى بالرغم من أنه تأنس، وقد
كان هكذا (إلهاً) حتى بعد تجسده.

من ذا الذى يستطيع أن يُنكر أنه صار لنا مُصالحة
فى المسيح وأنه “هو سلامنا” (أف2: 14)؟ لأنه “الباب” (يو10: 7)
و”الطريق” (يو14: 6) “وفيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كو2: 9).

 

(28)

 لكن
مرة أخرى يعترض ذاك النشط فى الرأى والبارع فى الإفتراء ويقول: “إذا كان ذاك
الذى يسكن هو واحد، وأيضاً الذى يُسكَن فيه هوآخر، كيف لا يكون ضرورياً أن نقسم
الأقنومين (نفصل بينهما) وأن نقول أن كل منهما كائن وحده “فى إنفصال عن
الآخر”؟ إذاً إخبرنى، هل يبقى فى النهاية شخص واحد (بروسوبون
proswpon
لأنهم إذا إدعوا أنهم يقولون أن هناك شخص (بروسوبون) ([13])
واحد للمسيح، بينما هناك أقنومان
hypostasies
منفصلان ومتمايزان([14])، إذاً
لابد أنه سيكون هناك شخصان أيضاً، لكنهم يُجيبون -كما لو كانوا مُشَّرعين
legislators – مؤكدين بكل طريقة ووسيلة ما يبدو لهم صواب، إذ يقولون: بينما
نفصل الأقنومين (عن بعضهما) نُوحّد الشخص([15]).

 

(29)

لكن
كيف لا يكون هذا أمراً لا يُصدق وجاهل ومستحيل؟ وكما قلت، بالتأمل
speculation يستطيع المرء أن يفهم أن الجسد من جوهر مختلف عن الكلمة المتحد به، لكن لأن
الأسفار الموحى بها إلهياً تقول أنه يوجد إبن ومسيح ورب واحد، وتقليد الآباء
(أيضاً) علّم بذلك وليس بأى تعليم آخر، لذا
نحن- بتأكيدنا على
الإتحاد غير المفترق بين الله الكلمة والجسد المُحيا بنفس عاقلة
نعترف أنه يوجد مسيح وإبن واحد، ولأنه يوجد إبن واحد، لذلك
نقول أن أقنومه واحد
one
person (hypostasis)

متبعين بكل السبل الإنجيل الإلهى المقدس، وهؤلاء الذين كانوا منذ البدء معاينين
وخداماً للكلمة، لكن يتجهوا إليه بإبتداعات المنطق الحمقاء، قائلين لهم
“اسلكوا بنور ناركم وبالشرار الذى أوقدتموه” (أش50: 7).

 

(30)

لكن
إذ علمت أن واحداً من هؤلاء الرجال الأغبياء يجول قائلاً أن تعليم نسطور الفاسد قد
إنتشر وسط كل الأساقفة خائفى الله الذين فى الشرق، وأنهم يعتبرونه صحيحاً وأنه من
الضرورى إتباعه رأيت أنه يجب توضيح ما يلى:

أوضح
الأساقفة خائفو الله فى الشرق كله مع سيدى يوحنا، أسقف أنطاكية الكلى المخافة لله،
بإعتراف مكتوب واضح للجميع أنهم يدينون “الإبتداعات الدنسة” (1تى6: 20)
التى لنسطور ويحرمونها معنا،
وأنهم لم يعتقدوا أبداً أنها تستحق أى إعتبار (أو
إهتمام)، بل يتبعون العقائد الإنجيلية الآبائية ولا يمسون على الإطلاق إعتراف
الآباء.

 

(31)

لأنهم
إعترفوا أيضاً معنا أن العذراء القديسة هى والدة الإله (ثيؤطوكوس
qeotokoV) ولم
يُضيفوا أنها والدة المسيح)خريستوكوس
(CristokoV أو والدة الإنسان (انثرو بوطوكوس anqrwpotokoV) كما يقول هؤلاء الذين يُدافعون عن آراء نسطور
البائسة الكريهة، بل يقولون بوضوح أنه يوجد مسيح وإبن ورب واحد، الله الكلمة
المولود بطريقة تفوق الوصف من الله الآب قبل كل الدهور، وإنه وُلد فى الأيام
الأخيرة من إمرأة بحسب الجسد، وبهذا يكون إله وإنسان فى وقت واحد (فى نفس
الوقت) كامل فى اللاهوت. وكامل فى الناسوت. ويُؤمنون أن شخصه (بروسوبون) واحد، دون
أن يقسموه بأى شكل إلى إبنين أو مسيحين أو ربين
. لذا إذا كان البعض يكذبون
ويقولون ان أساقفة الشرق يعتقدون أى شئ مختلف عن هذه الإعترافات، فلا يجب أن
يُصدقوا، بل يجب أن يُبعدوا كغشاشين وكذبة ويُرسلوا إلى أبوهم الشيطان كى لا
يزعجوا هؤلاء الذين يرغبون فى السير بإستقامة، وإذا زّور البعض رسائل لأغراضهم
الخاصة ونشروها كما لو كانت مكتوبة بيد أحد الرجال الأكثر شهرة منهم، فيجب أن لا
يُصدقوا، إذ كيف يستطيع هؤلاء الذين إعترفوا بالإيمان كتابة، أن يكتبوا شيئاً آخر،
كما لو وصلوا آسفين (على أنهم آمنوا قبلاً بالحق) إلى حالة من عدم الرغبة فى
الإيمان بالحق.

 

(32)

سلّم
على الإخوة الذين معك. الإخوة الذين معنا يُحيونكم فى الرب.


أُصلى لتكون حسناً فى الرب”.

___________________

ترجمت
هذه الرسالة نقلاً عن الترجمة الإنجليزية المنشورة فى:

 Fathers of The Church CUA Press, Vol. 76: St.
Cyril of
Alexandria

مع
الرجوع الى الأصل اليونانى المنشور فى:

Patrologia Graeca, J.P.Migne,
Vol. 77,
Athens 1994



[1]) هذه العبارات يُقدم فيها كيرلس فكر معارضيه ومبادئهم.

[2] ) واضح هنا أن القديس كيرلس يعتبر أن الأقنوم ليس هو
طبيعة مخصصة فقط بل ومشخصنة

[4] ) الإله تجسَّد وليس الإنسان تأله.

[5] ) يقصد إرتكاب أو وراثة الخطية (أنظر الفقرة رقم 14)

[6] ) هذا النص فيه شرح لقضية الفداء عند القديس كيرلس الكبير كما سبق
وشرحها القديس أثناسيوس فى كتابه عن التجسد.

[7] ) الإبن الوحيد

[8] ) نقطة تلاقى بين أريوس وأبوليناريوس

[9] ) أى أن قصد الأريوسيين هو أن يمنعونا من أن نؤمن بذلك

[10] ) شرح أسانيد أو إدعاءات النساطرة

[11] ) هذا ماقالته المصادر الأشورية فى نصوص مجامعهم الخاصة.

[13] ) يقصدون شخص من شخصين

[14] ) هنا يظهر أن الأقنوم عند القديس كيرلس لايمكن أن يتكون بدون
شخص خاص به.

[15] ) يقصدون شخص الإتحاد (من شخصين).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى