علم الكتاب المقدس

أرض الميعاد والصهيونية الحديثة



أرض الميعاد والصهيونية الحديثة

أرض
الميعاد والصهيونية الحديثة

الصهيونية المسيحية

في التعريف والمصطلحات

تم تعريف الصهيونية المسيحية على انها “الدعم المسيحي
للصهيونية”. وقد قيل أيضاً أنها “حركة قومية تعمل من أجل عودة الشعب
اليهودي الى فلسطين وسيادة اليهود على الأرض”. ويعتبر الصهيونيون المسيحيون
أنفسهم كمدافعين عن الشعب اليهودي وخاصة “دولة اسرائيل” ويتضمن هذا
الدعم معارضة كل من ينتقد أو يعادي “اسرائيل”.

مقالات ذات صلة

 

“والتر ريغنز” الأمين العام لما يسمى “السفارة
المسيحية الدولية” وهي من أحدث وأخطر المؤسسات الصهيونية ومركزها في القدس،
يعرف اصطلاح الصهيونية المسيحية بطريقة سياسية وعلى أنه -أي التعريف- أي مسيحي
يدعم الهدف الصهيوني لدولة اسرائيل وجيشها وحكومتها وثقافتها الخ.

 

أما القس “جيري فالويل” مؤسس جماعة العمل االسياسي الأصولي
المسماة “الأغلبية الأخلاقية” وهو الذي منذ فترة تكلم واتهم دين الإسلام
بأنه دين إرهابي، فإنه يقول: “إن من يؤمن بالكتاب المقدس حقاً يرى المسيحية
ودولة اسرائيل الحديثة مترابطتين على نحو لا ينفصم، إن إعادة إنشاء دولة اسرائيل
في العام ألف وتسعماية وثمانية وأربعين لهي في نظر كل مسيحي مؤمن بالكتاب المقدس
تحقيق لنبوءات العهدين القديم والجديد”. سنتعرض لهذه المسألة بعد قليل، إنما
وفي ختام التعريفات أقول إن الصهيونية المسيحية في نهاية المطاف تعبر، وكما جاء في
بيان اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط في نيسان (أبريل) عام ألف
وتسعماية وستة وثمانين (1986)، عن مأساة في استعمال الكتاب المقدس، واستغلال
المشاعر الدينية في محاولة تقديس إنشاء دولة ما، وتسويغ سياسات حكومة مخصوصة.

 

إذن لا يوجد مكان للصهيونية المسيحية في الشرق الأوسط، ويجب أن تنبذ
من قبل الكنيسة العالمية، إنها تشويه خطير وانحراف كبير عن الإيمان المسيحي
الحقيقي المتركز في السيد المسيح كما أنها تدافع عن برنامج سياسي قومي يعتبر الجنس
اليهودي متفوقاً. وكما وصفها احد القادة في الكنيسة الأنغليكانية: “إن إعطاء
وكيل عقارات الى الله يحطم القلب..إنهم لا يكترثون بالمسيح أبداً”.وبكلمات
رجل دين فلسطيني محلي: “إنهم أدوات تدمير وخراب، وهم لا يعطون أي اعتبار أو
أهمية للمسيحيين الأصليين في هذه البلاد”.

 

الجذور التاريخية والدينية للصهيونية المسيحية

نشأت الصهيونية المسيحية، وكما نعرفها اليوم، في انكلترا في القرن
السابع عشر، حيث تم ربطها بالسياسة، ولا سيما بتصور دولة يهودية تتميماً حسب زعمها
لنبوءة الكتاب المقدس، وانتقلت في مرحلة ثانية الى الولايات المتحدة الأميركية،
حيث أخذت أبعاداً سياسية واضحة وثابتة كما أخذت بعداً دولياً.

 

الألفية كتمهيد للصهيونية المسيحية

الصهيونية المسيحية هي أيديولوجيا دينية “رؤيوية” سياسية
حديثة العهد نسبياً، لكن جذورها تتصل بتيار ديني يعود الى القرن الأول للمسيحية
ويسمى بتيار الألفية (
Millenarianism). والألفية هي معتقد ديني نشأ في أوساط
المسيحيين الذين هم من أصل يهودي، وهو يعود الى استمرارهم في الإعتقاد بالمشيحية
الزمنية -المشيحية كلمة من أصل عبري والى تأويلهم اللفظي لما ورد في سفر رؤيا
يوحنا – 20/3-6، وهو أن المسيح سيعود الى هذا العالم محاطاً بالقديسين ليملك في
الأرض ألف سنة ولذلك سُموا بالألفية. ولربما أن هرطقة مونتانوس الفريجي، حوالي عام
مئة واثنان وسبعون، كانت التعبير الأكثر وضوحاً عن النتائج العلمية للحركة الألفية،
فلقد اعتبر هذا الأخير أن حياة أعضاء الكنيسة الروحية والأخلاقية قد تدهورت كثيرا
بسبب تأثير العالم السيء عليها، فأراد أن يرجعها الى العصر الرسولي الأول، وقد
ادعى انه النبي الجديد الذي أوكل الله اليه هذه المهمة، فراح يبشر بقرب نزول
أورشليم السماوية، ومجيء السيد الى فريجية العليا(آسيا الصغرى) لتأسيس مملكته
الأرضية ذات الألف عام.

 

وبقيت الحركة الألفية في مد وجزر. ففي القرون الوسطى اعتنق الألفيون
أكثر فأكثر عقائد مسيحية ابتعدت عن الإيمان القويم، كما أنهم وقفوا موقفاً معاديا
لروما وللباباوية وللكثلكة. وابتداءً من نهاية القرن الحادي عشر، نرى الحركات
الألفية تنضوي بكثرة تحت لواء الحملات الصليبية، لكن حتى القرن السابع عشر، لم
تحمل الحركة الألفية (أي عودة السيد الثانية وحكمه ألف سنة) أي طابع يهودي يشير
الى عودة اليهود الى فلسطين.

 

الصهيونية المسيحية البريطانية

إلا أن بوادر تفسير الكتب المقدسة تفسيراً حرفيا وربطها بالسياسة،
ولا سيما بتصور دولة يهودية تتميما –حسب زعم الألفيين- لنبوءة الكتاب المقدس، فقد
بدأت بشكل بارز في بريطانيا في القرن السابع عشر.

 

وقد تسارع هذا التطور إبان العصر الطهري “البيوريتاني”،
بعد أن كانت تلك المعتقدات الألفية قد تراجعت في العهد “الإلزابيتي”.
فمن هذا الإتجاه نذكر:

 

– إستعمال العبرية لغة للصلاة في الكنائس

– نقل يوم ذكرى قيام السيد المسيح من يوم الأحد الى يوم السبت
اليهودي

– مطالبة بعض البيوريتانيين الحكومة بأن تعلن التوراة أي العهد
القديم دستوراً لبريطانيا

– ونجد في العام ألف وخمسماية وثمانية وثمانين (1588) رجلاً بريطانيا
من رجال الدين واسمه “بريتمان” (1562-1607)، يدعو الى إعادة اليهود الى
الأراضي المقدسة تتميماً لنبوءة الكتاب المقدس

– وفي العام ألف وستماية وخمسة عشر (1615) دعا البرلماني البريطاني “السير
هنري فينش” الحكومة الى دعم عودة اليهود الى فلسطين حيث كتب: “ليس
اليهود قلة مبعثرة، بل إنهم أمة، ستعود أمة اليهود الى وطنها، وستعمر كل زوايا
الأرض..وسيعيش اليهود بسلام في وطنهم الى الأبد”.

 

إلا أن الركيزة الدينية /السياسية/ الأيديولوجية الأولى للصهيونية
المسيحية في بريطانيا قامت على يد “أوليفر كرومويل”، فقد كان هذا الأخير
على مدى عشر سنوات (1649-1659) رئيسا للمحفل البيوريتاني، وهو الذي دعا الى عقد
مؤتمر عام ألف وستماية وخمسة وخمسين (1655) للتشريع لعودة اليهود الى بريطانيا، أي
إلغاء قانون النفي الذي اتخذه الملك “إدوارد”. ففي هذا المؤتمر تم ربط
الصهيونية المسيحية بالمصالح الإستراتيجية لبريطانيا، ومن خلال عملية الربط تلك
تحمس “كرومويل” لمشروع التوطين اليهودي في فلسطين منذ ذلك الوقت المبكر.

 

بعد العام ألف وثمانماية برز”القس لويس واي” الذي صار مدير
الجمعية اللندنية لترويج المسيحية بين اليهود في العام ألف وثمانماية وتسعة (1809)،
وقد تحولت الجمعية بجهوده قوة كبرى في التعبير عن عقائد الصهيونية المسيحية بما
فيها عودة اليهود الى فلسطين.

 

شخصية أخرى ساهمت في تطوير هذا الإتجاه في بريطانيا هو “الشريف
هنري دارموند” عضو مجلس العموم البريطاني. فقد تخلى “دارموند” عن
عمله السياسي بعد زيارة الأرض المقدسة ونذر حياته لتعليم الأصولية المسيحية
والكتابة عنها وعن صلتها بعودة اليهود الى فلسطين.

 

أما “اللورد شافتسبوري” (1818-1885)، وهو من أكابر
المصلحين الإجتماعيين الإنجيليين البريطانيين، وقد عمل لتخليص بريطانيا من
العبودية، ومن ممارسات تشغيل الأحداث الظالمة، فقد كان من الألفيين المتحمسين
والمناضلين من أجل عودة اليهود الى فلسطين، وكانت نظرته تتسم الى حد بعيد بالعداء
لليهود، إذ كان يفضل رؤيتهم يقيمون بالأراضي المقدسة بدلا من أنكلترا.

 

وأشد الصهيونيين المسيحيين البريطانيين ضلوعاً في السياسة فهو القس
“ويليام ه هشلر” (1845-1931). فقد عمل في السفارة البريطانية بفيينا
ونظم عملية تهجير اليهود الروس الى فلسطين. وفي العام ألف وثمانماية وأربعة وتسعين
(1894) نشر كتاباً عنوانه “عودة اليهود الى فلسطين” وطرح هذه العودة على
قاعدة تطبيق النبوءات الدينية الواردة في العهد القديم، والأهم من كل ذلك انه كان
من المؤمنين المتحمسين لأبي الصهيونية تيودور هرتزل وقد أتاح “هشلر”
الدعم السياسي والإتصالات لهرتزل خلال المرحلة الحاسمة، وبذل مساعيه في اللوبي من
أجل القضية الصهيونية لمدة تناهز الثلاثين سنة.

 

وأخيراً، لا بد من ذكر إسم “اللورد آرثر بلفور” مهندس وعد
بلفور الذي صدر في العام ألف وتسعماية وسبعة عشر (1917). لقد كان
“بلفور” من الألفيين ومن الصهيونيين المسيحيين، وقد أدت لقاءاته بكل من
“تيودور هرتزل” و”حاييم وايتزمان” الى ما يقارب الإنسجام، رغم
انه كان معروفاً عنه بمواقفه المعادية لليهود.

 

نهاية العالم على الطريقة الأميركية

إنتقلت في القرن العشرين الصهيونية المسيحية الى الولايات المتحدة
الأميركية، ولا سيما بعد إنشاء دولة اسرائيل وترجمت بعض الآيات الدينية بعد ان
حرفت تفاسيرها الروحية ترجمةً سياسية مباشرة صبت بقوة في دعم دولة اسرائيل.
واستخدم الصهيونيون المسيحيون الأميركيون وسائل الإعلام الجماهيرية بشكل منقطع
النظير لنشر أفكارهم وأوهامهم وأحلامهم ومعتقداتهم.

 

فإذا أخذنا على سبيل المثال، نهاية العالم كما تتصوره الصهيونية
المسيحية، وجدنا فيه بعض الملامح التي ترافق الغزو الأميركي الحاصل حاليا على
العراق، وقبل ذلك، بعض الملامح هي رد الإدارة الأميركية الحالية على أحداث الحادي
عشر من أيلول ألفان وواحد (2001)، وذلك بشن حملة إرهاب في العالم أجمع تصدياً على
حد زعمها للإرهاب الذي طالها.

 

هذا وإن نهاية العالم على الطريقة الأميركية الصهيونية تستند شكلاً
على بعض أسفار العهد القديم، كسفر حزقيال وسفر دانيال، ومن العهد الجديد على سفر
رؤيا يوحنا، وتستنتج أن العالم كما نعرفه قد أشرف على النهاية، وأن ألفا من السنين
سيبدأ بعد هذه النهاية، وهو يتميز بالسلام ووفرة الخيرات والأخوة بين الناس، وسيحل
السلام بين الحيوانات أيضاً. العالم آت الى نهاية – حسب زعمهم- لا بفعل جنون جنرال
أو سياسي يشعل الحرب النووية، بل لأن هذا هو قصد الله. نهاية العالم ليست مدعاة
للقلق بنظر “الألفيين” لأنها تمهد لمجيء المسيح الثاني. لكن قبل هذا
المجيء على بعض الأحداث أن تقع، إنها “علامات الأزمنة” أي تبشير العالم،
وعودة اليهود، وإعادة بناء دولة اسرائيل وظهور “المسيح الدجال” وموجة من
الصراعات. كل هذا يتوج بمعركة “هرمجدون” وهي قرية مذكورة في سفر الرؤيا،
وتقع الى شمال القدس حيث تزج الأمم الكبيرة في معركة بين “الحق والباطل”
وعند اقتراب إفناء العالم يظهر المسيح. وهناك أكثر من رواية تفصيلية لهذا الحدث
الإنقضائي، لا مجال لذكرها هنا، لكن المهم في هذا التصور “الرؤيوي” أن
السلاح النووي يصبح عندئذ أداة لتحقيق مقاصد الله، وأن الميل الى تفسير أحداث
السياسة الدولية بمنظور “نهاية العالم” يصبح مشروعاً، لا بل ضرورياً،
علماً بأن دعاة الألفية مجمعون على اعتبار الشرق الأوسط مسرحا للحرب-الكارثة
المذكورة أعلاه.

 

نقطة الإرتكاز اللاهوتية “القدرية”

 

معظم المسيحيين الأصوليين هؤلاء، إن لم يكن كلهم، يسلمون بمذهب
“القدرية” أو كما يسميها البعض أيضاً “التدبيرية”. والقدرية
هي محاولة لتفسير تاريخ علاقة الله بالبشر بأحوال وأحقاب مخصوصة.

 

يقول “س.أي.سكوفيلد”، من أكابر الناطقين بهذا المذهب: “كل
قدر دور من الزمان يمتحن فيه البشر حسبما أوحاه الله من وحي مخصوص”.

 

ويجمع منظرو القدرية في معظمهم على سبعة أقدار أو حقبات زمنية تدل
على تطور علاقة الله بالبشر، حيث يمتحن الله الجنس البشري في إطاعة إرادته.
“القدر السادس” من هذه الأقدار هو الحقبة الحالية، أي “دور الكنيسة
والنعمة”، وينتهي بعودة المسيح لإقامة مملكته الألفية، وهذا هو “الدور
السابع”.

 

إن هذا المذهب يرتكز على افتراضين:

الإفتراض الأول هو الفصل ما بين اسرائيل (أي الشعب اليهودي،شعب الله
على الأرض) والكنيسة (أي شعب الله في السماء).

أما الإفتراض الثاني فهو وجوب تفسير الكتاب المقدس دائماً بطريقة
حرفية.

 

وهكذا يؤدي هذا المذهب الى أقله نتيجتين:

الأولى: أن الأرض هي ملك للشعب اليهودي

والثانية: أن النبوءات المتعلقة برجوع اليهود في الشتات الى الأرض قد
تحققت ثانية في القرنين التاسع عشر والعشرين.

 

من هنا نتبيين كم أن هذا المذهب هو من جهة تحريف للمسيحية، ومن جهة
ثانية أيديولوجيا سياسية عنصرية.

 

السفارة المسيحية والبعد الدولي للصهيونية المسيحية

 

إن التأييد المسيحي الأصولي لإسرائيل يستند عند الكثيرين كما رأينا
الى “رؤية” للعالم، أو بالأحرى لنهايته، تفترض تبشير اليهود. ولكن، هل
أن تبشير اليهود يرضي اليهود؟ وأنا دائما أسأل هذا السؤال. يبدو أن هذا الأمر لا
يثير مشكلة كبيرة لدى الساسة الصهاينة، ولو أنه يزرع الشك في نفوس بعض المتشددين
اليهود، ذلك أن أولوية كسب التأييد السياسي لدولة اسرائيل تغلب الإعتبارات الدينية
الصرفة.

 

مع ذلك، فإن مواقف أصولية مسيحية صهيونية، ورغبة منها بتطمين اليهود،
راحت تقول بعدم تبشير اليهود، بل بالوقوف الى جانبهم – “تعزيتهم”على حسب
ما جاء في سفر أشعياء في التوراة – 1: 40-2 “عزوا شعبي يقول إلهكم، طيبوا قلب
أورشليم ونادوها بأن جهازها قد كمل”.

 

أبرز ممثلي هذا التيار وأخطرهم اليوم هم جماعة “السفارة
المسيحية العالمية في القدس”. تأسست هذه السفارة في العام ألف وتسعماية
وثمانين (1980) رداً على سحب ثلاثة عشرة دولة سفاراتها من القدس استنكاراً
لإعلانها عاصمة لإسرائيل، ولهذه السفارة فروع في خمسين دولة في العالم، ولها في
الولايات المتحدة الأميركية عشرون مكتباً قنصلياً. المكاتب تقوم بعمل دعائي من
مختلف الأنواع، وتجمع المساعدات المالية والعينية وتسوق البضائع الإسرائيلية. من
نشاطات “السفارة” المؤتمر الدولي للقادة المسيحيين الصهاينة الذي عقد في
بازل (سويسرا) خلال شهر آب عام ألف وتسعماية وخمسة وثمانين (1985) والذي انتهى الى
إصدار بيان، يضيف الى تكرار المواقف التقليدية المؤيدة لدولة اسرائيل
و”التائبة عن اللاسامية”، تهنئة لدولة اسرائيل ومواطنيها على إنجازات
الأربعين سنة الأخيرة، ودعوة للإعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وبيهودا والسامرة
(الضفة الغربية) كأجزاء من أرض إسرائيل، وتحذيراً للأمم التي تعادي الشعب اليهودي.

 

لقد أدان مجلس كنائس الشرق الأوسط هذا البيان بشدة. إن السفارة
المسيحية في القدس هي مثال واضح ومفضوح لانحياز التيار المسيحي الأميركي الأصولي
لدولة إسرائيل، ولتوظيف الدين توظيفاً مغرضاً في السياسة.

 

وهناك عدة أصناف من السلوك تصف الصهيونيين المسيحيين كأصدقاء
لإسرائيل ومنها:

 

1. تشجيع الحوار ما بين اليهود والمسيحيين

2. مقاومة معاداة السامية

3. التعريف بالأصول اليهودية للإيمان المسيحي والتركيز عليها لدرجة
تبدو فيها المسيحية وكأنها إحدى الطوائف اليهودية

4. العمل الإنساني بين اللاجئين اليهود

5. مقاومة المواقف اليهودية “المعتدلة” التي تسعى الى
التفاوض بموجب مبدأ الأرض مقابل السلام

 

الصهيونية المسيحية في ميزان الكنائس الأميركية

 

تقول الكاتبة “هيلينه كوبان”: “قرأنا جميعا التحليلات
الإخبارية التي تشير الى ان أقوى دعم سياسي حصل عليه أرييل شارون في الولايات
المتحدة الأميركية لم يكن من الطائفة اليهودية الأميركية، ولكن من الجمعيات القوية
لليمين المسيحي، هل هذا يعني أن جميع المسيحيين تقريبا في الولايات المتحدة أصبحوا
ضد المصالح الفلسطينية والإسلامية والعربية؟ وهل يعني هذا أن المجتمع الأميركي على
وشك أو تسيطر عليه الرغبة القوية ليحول مواجهة دولته مع المجتمع الإسلامي الى
حملات صليبية عدائية؟”وتجيب الكاتبة على هذا التساؤل الذي هو حقا في مكانه
قائلة: “لحسن الحظ فإن الحالة داخل المجتمع الأميركي ليست سيئة لهذا الحد.
فمع ان جمعيات اليمين المسيحي قوية الا أنها ليست على وشك أن تسيطر على كل المجتمع
الأميركي ومن المفيد ان نذكر هنا أن نسبة صغيرة فقط من المسيحيين الأميركيين تدعم
برنامج الشرق الأوسط للجمعيات التابعة لليمين المسيحي، غير أن المشكلة تكمن في أن
اليمين المسيحي هو في أفضل درجات التنظيم، وله تأثير فعال في العمل السياسي بينما
الطوائف والجمعيات المسيحية غير اليمينية ليست بذات التنظيم الكبير، لكن هذا الوضع
يجب أن يتغير”.

ما تقوله هيلينه كوبان هو عين الصواب. ففي الواقع تمثل الصهيونية
المسيحية عدديا نسبة ضئيلة ما بين الكنائس الأميركية، لكنها نسبة فاعلة جدا، وتقود
جماعات الصهيونية المسيحية جمعيات من المعمدانيين الجنوبيين (
Southern Baptists)، هذا ويشكل المعمدانيون بمجملهم مع الكنائس
الأخرى ذات التوجه اليميني وليس فقط المعمدانيون الجنوبيون نسبة تبلغ حوالي الستة
عشر بالمئة فقط من السكان، أما الطوائف البروتستانتية الأربع الكبيرة غير المعمدانية
أي المثوديست واللوثريون والمشيخيون والأنغليكان أو الأسقفيون فإنها تشكل نسبة
خمسة عشر بالمئة من عدد السكان, ومن الأهمية بمكان أن هذه الطوائف الأربع بالإضافة
الى الكاثوليك والطوائف الأرثودوكسية هي متعاطفة عموماً مع القضية الفلسطينية
وجميعها حتى كنيسة الميثوديست التي ينتمي اليها شكلاً الرئيس جورج دبليو بوش قد
أصدرت بيانات نددت فيها بالحرب على العراق ووصفتها بأنها حرب لا أخلاقية ولا شرعية
ومدانة مسيحيا.

 

مسيحيون أم متصهينون؟

 

عرضت سابقا كيف أخذ الكثيرون يرفضون قبول العهد القديم ويدعون إلى
الفصل بين العهدين, وراحوا يشهّرون بما ورد في العهد القديم من حوادث وأخبار,
وسآتي اليوم على ذكر جماعات تتطرّف في تفسيرها وفهمها لحوادث وروايات العهد القديم
والجديد أيضا. هؤلاء أسؤوا الفهم وانحرفوا إلى مفاهيم وعقائد خاطئة غير قويمة,
ونصّبوا أنفسهم منابر للفكر الصهيوني الذي يسعى, في جملة ما يسعى إليه, إلى تدمير
الكنيسة. رأىهؤلاء المتطرفون أن الكتاب المقدس يضم عددا من النبوءات التي تشير إلى
أن الله سيجمع ” شعبه” من أنحاء الأرض ويأتي بهم إلى أرض اسرائيل ”
أرض الميعاد”التي وعد بها ابراهيم ونسله. من هذه الآيات على سبيل المثال لا
الحصر ما ورد في (أش27: 12, إر16: 14, حز28: 24-26,..). وقد وصل الأمر ببعضهم إلى
حدّ الإعلان أن الله بدأ فعلا بتنفيذ ما وعد به في كتب الأنبياء منذ أن بدأت
الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين وقيام دولة إسرائيل في الأرض التي وعد بها الله
خليله ابراهيم ونسله. ورأى هؤلاء أن دعم هذا العمل وهذه الدولة هو واجب ديني
وتنفيذ لمشيئة الله تعالى, حتى أن الكثيرين منهم يؤثرون في مراكز صنع القرار في
العالم. إن هؤلاء ويا للأسف يقدمون شهادة مغلوطة عن المسيحية وعن الكنيسة إذ
يصورونها مؤمنة بحق عودة اليهود إلى (أرضهم) قبل أن يعود المسيح ثانية ليحكم شعبه.!
وبدون تسمية أحد, أشير هنا إلى أن الولايات المتحدة والقارتين الأمريكية
والأوروبية تشكل مهدا لهذه الجماعات التي تتكاثر بسرعة وتضلّ الكثيرين إذ تحولهم
أتباعا لها, والكنيسة منهم براء. وحتى لا يكون في الكنيسة الجامعة الرسولية التباس
حول المفهوم الحقيقي لتعابير ” الاختيار” و” شعب الله”
و” أرض الميعاد”, لا بدّ من عرض هذا المفهوم بشيء من التفصيل.

 

أرض الميعاد، الاختيار، الشعب المختار

أرض الميعاد

في هذا الموضوع الشائك، لا بد أن نشير إلى النظرة الدينية اللاهوتية،
وإلى النظرة السياسية لمعنى أرض الميعاد.

من جهة أرض الميعاد، هي عبارة عن مسيرة البشرية منذ يوم الخلق إلى
يوم البعث. نرى في العهد القديم أن الإنسان كان في تنازل وتباعد عن أرض الميعاد،
وفي العهد جديد تصاعد واقتراب، ويوم البعث بالحقيقة سيستوطن الإنسان أرض الميعاد

 

في بدء الحديث لا بد أن نشير أيضاً ان مصطلح ‘أرض الميعاد’ يرتبط
تلقائياً مع مصطلح ‘أورشليم’ وكذلك مع مصطلح ‘شعب الله المختار’ ومع ‘إسرائيل’،
ولا يجوز الفصل بينهم. فجميعهم هي خطة واحدة في الإعلان الإلهي لخلاص الإنسان.
ولكن المشكلة تكمن في استعمال المصطلح من البشر البعيدين عن الله.

 

مقدمة:

نرى في عملية الخلق، أن الله تعالى خلق الخليقة كلها لأجل الإنسان،
وأسكنه ‘أرض الجنة الموعودة’ وأعطاه كل شيء وأقامه سيداً على سائر الخليقة. (تكوين
19: 2)، اُختير الإنسان من بين سائر الخليقة الروحية والمادية، فأصبح الإنسان ‘شعب
الله المختار’. وأرض الجنة هي ‘أرض الميعاد’.

 

الشرط: ولكي يبقى الإنسان ‘شعب الله’ وساكن في أرض الميعاد – الجنة،
كان عليه المحافظة على وصية الله، على العهد الذي بينهم، فالله أعطاه الحياة، وقال
له لا تأكل من شجرة وسط الجنة فمتاً تموت، ولكن الإنسان اختار الموت، والابتعاد عن
الحضرة الإلهية، عن أرض الميعاد. فطرد إذاً من أرض الجنة وسكن أرضاً غريبة عنه
تقسو عليه. (تكوين 24: 3).

 

من هذه المقدنة البسيطة نرى أن أرض الميعاد وشعب الله هي حقيقة
واقعية روحية هي الإنسان وعلاقته بالعزة الإلهية.

 

في موضوع يومنا علينا البحث في ثلاثة نقاط:

 

1- من هو شعب الله اليوم؟

 

2- ماذا تعتقد المسيحية واليهودية في شأن شعب الله وأرض الميعاد في
الماضي والحاضر والمستقبل؟

 

3- ماذا تعتقد الصهيونية في هذا الموضوع؟

 

 أرض الميعاد والعهد القديم:

 

نرى في العهد القديم أن الله العلي كان دائماً بجانب رجالاً صديقين
معينيين، وكان ذلك رباطهم الإيماني بالله. وعندما تشتت الشعب من جديد في بابل
الكبرياء، صار شعوباً كثيرة كل بلغته وقوميته، والمخطط الإلهي هو اعادة وحدة صف
الإنسان في شعب واحد يسير على أسس الإيمان والمحبة. لهذا اختار الله شعباً له من
بين الشعوب كلها كرمز توحيد ومحبة، وكإشارة للشعب الحقيقي الآتي اختياره في العهد
الجديد.

 

الإختيار: ان اختيار الشعب العبراني ‘شعباً لله’ كان لا بد منه، وذلك
ليكون تناسق ووحدة وقوة في التعبير عن رسالة التوحيد، ولكن الاختيار لم يكن أن
الله تعالى أحب الشعب العبري أكثر من غيره أو ميزه عن غيره. بل كان المحبة
الإلأهية تعمل في توحيد البشرية وخاصة أنه تواجد بعض الأشخاص ممن تربطهم مع الله
علاقة إيمان وتقوى. والهدف من هذا الاختيار تعليم وإرشاد الأمم أنه من يحافظ على
وصايا وتعاليم الله يحظى بالعناية الإلهية. يشير سفر التثنية (7: 7) وأيضاً سفري
أشعياء (8: 41 و12: 48) وهوشع 1: 11) أن الله اختار العبرانيين لا لإستحقاقات منهم
ولا بسبب عددهم، بل بسبب محبة الله ورحمته.

 

قطع الله مع هذا الشعب عهداً، ونراه واضحاً ومتبلوراً مع إبراهيم،
ومن شروط اختياره هوعهده أن يحفظ شعبه تعاليمه ووصاياه تعالى، وإلا فإنه سبحانه لا
يعترف به شعباً (تثنية (11: 7). قُطع العهد بين الله والشعب بدم الذبيحة (خروج 8: 24)
وصار الشعب مُلك الله وميراثه تعالى (تثنية 6: 7 وأرميا 3: 2) وصار الشعب مملكة من
الكهنة (خروج 6: 19) وصارت رسالتهم أن يكونوا شهوداً لإله الواحد بين الأمم (أشعيا
8: 44). وأخرج الله الشعب من أرض العبودية ونقلهم من الصحراء إلى أرض كنعان، حيث
أصبح الإلأه الواحد الحقيقي يملك بعد أن كانت أرضاً وثنية (1 ملوك 15: 8) وهي
الأرض التي وعد الله بها أجداد العبرانين.

 

هكذا تتضح لنا الصورة أن الله في العهد القديم يُهيء البشرية لشعب جديد
وعهد جديد، فيقول بولس الرسول في رسالته للعبرانيين (19: 7، 9: 9، 1: 10) أن شعب
العهد القديم لم يبق ‘مقدساً’ لكثرة خطاياه وخياناته التي جلبت عليه العقاب
والجلاء والشتات. ويؤيد النبي هوشع كلام بولس في (6: 1-9).

 

إذاً لم يعد الشعب العبراني شعباً مقدساً ولا مستحقاً لأن يكون يكون
شعب الله. وبما أمه فقد هذه الميزة فإنه طرد وتشتت من أرض الميعاد كما طرد آدم من
الجنة، لهذا يخلق الله شعباً جديداً يقول حزقيال (26: 36)، وأن الله سيقطع عهداً
جديداً وسيكون شعباً مقدساً، (راجع أرميا 31: 31 حزقيال 26: 27 أشعياء 12: 62) وهذا
الشعب يصبح قطيع الله وعروسه (هوشع 21: 2 وأرميا 10: 31) وستألف الشعب الجديد مع
جميع الشعوب (أشعياء 2: 2) ويكون لجميع الأمم شركة في البركة الموعودة لإبراهيم
(أرميا 2: 4)، ويضيف أشعياء في (6: 42) أن الأمم ستكون شعباً لله وستشترك في العهد
عن طريق وسيط عظيم عبد الرب المتألم.

 

 مما تقدم من مقتطفات العهد القديم نرى أن إختيار الله للعبرانيين
كان خطوة أولى لعهد جديد مع جميع الناس. شعب جديد أمة جديدة، عرق جديد تتجمع فيه
الشعوب مع ‘شعب إله إبراهيم’ (مزمور 10: 47) وستكون شريعة الرب في القلوب لا على
ألواح من حجر (إرميا 33: 31) وسيملك ابن داود على جميع الشعوب وتعترف جميع الأمم
بملكية الله (زكريا (16: 14)، وسيكون هناك للشعب الجديد خروج جديد من العبودية،
عودة إلى أرض الميعاد، وسلام شامل (هوشع 17: 2 أرميا 21: 31، حزقيال 21: 37) أرض
الميعاد ستكون أرض مقدسة جديدة للشعب المختار الجديد (حزقيال 14: 34).

 

أرض الميعاد والعهد الجديد:

ان العهد الجديد قطع بدم المسيح (2 كورنثوس 16: 6 ورؤيا 3: 214) وشعب
مختار جديد مقدس بدم المسيح (عبرانيين 12: 13) ويدخل المرء في هذا الشعب عن طريق
الإيمان، ويصبح ابناً لإبراهيم بالإيمان (غلاطية 7: 3 روميا 3: 8) شعب جديد تُطبق
عليه صفات الشعب المختار سابقاً وألقابهم. شعب مختار أمة مقدسة، عروسة الله،،،،،

 

وطن الشعب الجديد هو السماء يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل
فيلبي (20: 3)، وفي رسالته إلى أهل غلاطية (26: 2) يقول هم أبناء أورشليم السماوية.
وترتل الكنيسة في عيد البعث: استنيري استنيري يا أورشليم الجديدة. إذاً العهد
الجديد يشير أن أرض الميعاد هي أرض السماء الجنة.

 

ان صلب الإله الإنسان يسوع المسيح من قبل اليهود، الشعب المختار
سابقاً، فتح للشعوب كلها باب الدخول في شعب جسد المسح الكنيسة – شعب الله المختار
الجديد، وأبطل امتياز الشعب العبراني. وعملية الفداء أعطت مفتاح الدخول إلى الوطن
السماوي ‘أرض الميعاد’ إلى أورشليم الجديدة. (راجع أفسس 14: 2 يوحنا 25: 11 أعمال
14: 15 رومية 25: 9 بطرس 10: 2 أعمال 18: 26)

 

وكذلك من أمثال السيد المسيح كمثل الابنين (متى 28: 21) والمدعوين
إلى العرس (متى 1: 22) والكرامون القتلة (متى 33: 21) نرى أن الشعب الرفدي
العبراني رفض ملك الملوك، وبإختياره فقد ميزة الشعب المختار.

 

إذاً من هو شعب الله المختار؟

 

يتضح لنا من العهد القديم والعهد الجديد أمراً واحداً هو أن شعب الله
المختار هو الشعب المؤمن والعامل بوصايا الله تعالى. الذي أُفتدي من الرب يسوع على
خشبة الصليب. وهذا الشعب هو الأمة المسيحية. وأرض الميعاد في حاضرنا هي الكنيسة.
وفي المستقبل في يوم البعث ستكون أرض الملكوت، وسيقطنها الشعب المسيحي، شعب الله،
وسيجلس على العرش المسيح القائم من بين الأموات.

 

هذا من الوجهه الدينية اللاهوتية التي تؤمن بها الكنيسة ويعلم بها
الكتاب المقدس. أم من ناحية الوجهه السياسية، فيختلف الأمر.

 

إنه عبر العصور المنصرمة حافظ اليهود على ديانتهم بلا قومية. ومن
كثرة النكسات التي جلبوها على أنفسهم بسبب حب السيطرة. ضاق العالم بهم. فأين حلوا
كانوا سبب خيانة وفوضى، أو سبب سيطرة وقوة إقتصادية. فكان جزائهم إما الطرد كما
حدث في القرن الخامس حيث طردوا مقاطعة الأندلس الإسبانية، وإما الإطهاد أحياناً.

 

حاول العالم الغربي في الزمن الأخير التخلص من اليهود، بحجج وأساليب
متنوعة. وقد شعر اليهود بالبغض المخفي والعلني أحياناً، ولم يكن لهم مخرج في كثر
من الأحيان. فعقدوا سنة 1896م المؤتمر الصهيوني الأول يزعامة هرتسل، لحل هذه
المشكلة، وتوجهت أنظار المؤتمرون على ضرورة إيجاد أرض يسكنها اليهود تكون تحت
سيطرتهم. ووضعت عدة دول لتحقيق غايتهم، كمثل الأرجنتين أو غينيا أو فلسطين، وغيرها..
كان كل اقتراح يلاقي ترحيباً من بعض الدول الغربية التي يتوافق مع مصالحها. إلا أن
اختيار أرض فلسطين كان أقوى وذات مصلحة بريطانية آنذاك. وهكذا أخذوا يحبكون الأمور
في تهيئة العالم لهذا الغرض، ووجدوا استغلال الكتاب المقدس وسلية ناجحة في اقناع
العالم الغربي من ناحية حق ديني.

 

عندها ظهرت الفكرة ‘فلسطين هي أرض الآباء والأجداد’ هي أرض الميعاد’
وأن ‘الشعب اليهودي هو شعب الله المختار’ لم يكن بوسع الإنسان الغربي البسيط تفهم
أبعاد هذه البدعة، وبدون أن يعلم أنه يخالف تعاليم الكتاب المقدس والكنيسة أخذ
يتشجع ويساعد اليهود لتحقيق أهدافهم، وما زال العالم الغربي (أو أغلبيته) من
الناحية الدينية مخدوعاً بهذه البدعة.

 

ومن جهة سياسية لاقى اليهود تأييداً من الحكومات الغربية التي كانت
تهدف التخلص منهم وزرعهم بعيداً عن أراضيهم. وأيضاً لاقى اليهود تشجيعاً من أصحاب
الإقتصاد الغربي. ومع أنه قد تحقق هذا إلا أن دهاء اليهود كان أنجح، فقد حقق
الصهاينة هدفهم من عدة نواحي: تضليل المسيحيين في إعتقادهم الديني. السيطرة
الفكرية والإقتصادية على العالم، كسب أرض لم تكن لهم أقاموا عليها وطناً، وأخيراً
جعلوا الحكومات لا تستطيع التخلي عنهم.

 

هكذا ظهر تيار جديد في العالم، يشكل خطراً كبيراً على العالم يُسمى
الصهيونية، فاستطاعت التغلغل الخفي والتدخل غير الظاهر في حكومات العالم وخاصة
الغربي. ونرى هذه الخطة واضحة في ‘برتوكولات حكماؤء صهيون’.

 

ونحن كعرب أيضاً نساعد اليهود في مخططاتهم بشكل غير مباشر، فالكراهية
والعنصرية العمياء، جعلت العالم الغربي بالأخص يرأف ويشفق على اليهود. أعتقد أنه
علينا أن نعايش الأوربيين والأمريميين خطوات في العطف وأن نوضح لهم أنهم لم يخطئوا
في العطف على اليهود إلا أنهم يخطئون إذا استنتجوا الصهيونية. ونكون نحن مخطئون
إذا خلطنا بين الصهيونية واليهودية.

 

والحق أن صميم المشكلة اليهودية وحلها في الدول الغربية. قد تكون
المشكلة في مقاصد الله أبعد مما نظن. وفي هذه الرؤية لا يسهل ردها إلى مجرد قضية
سياسية. اليهود جزء من لهبة إلهية (ان جاز التعبير)، هم حملة لأثم كبير خلاصُهم في
الارتداد عنه. ولذلك كان كل حل لتوطينهم في فلسطين أو غيرها حلاً سياسياً محضاً
مبنياً على رؤية للتاريخ سطحية، تجاهلاً لسر عظيم. ومع ذلك هذ فحريتهم في البلاد
التي يأتون منها إلينا تعني غهتداء الأروبيين والغرب أنفسهم إلى بدء مصالحة تاريخية
مع عرق كرهوه، ونعني أن أوروبا وأمريكيا أوجدتا جواً روحياً من شأنه أن يرفع إثم
الدم عن عواتق اليهود. كل هذا هو اعطاء قومية لليهود، ومحاولة لبعث القومية
اليهودية عند الشعوب الغربية هو نكران للإعتقاد المسيحي القائل: اليهودية لن تكتمل
ولن تنتعش إلا في المسيح. ولذلك كان تحويلها إلى صهيونية حركة منافية للتراث
المسيحي واستغراقاً في التهوّد. وكان جمع شمل هذا الشعب في كيان قومي توطيداً
لشعوبية كان عليهم أن يتجاوزوها ليصبحوا جزءاً من كيان روحي لا قومية فيه.

 

وأصبح العالم الغربي المتشبع بالأفكار الصهيونية أو المُسيطَر عليه
فكرياً واقتصادياً قوة ضاربة بيد الصهيونية. لهذا ظهرت الخرافة الأمريكية المشهورة
‘ان إسرائيل قامت لتبقى’ داعمين مقولتهم الساذجة بشهادة من العهد القديم من سفر
إرميا (14: 29) وكذلك حزقيال (53: 16). وهي أن الله يخاطب العبرانيين قائلاً: ‘سأرد
سبيكم’. هذا ما يحاول الغرب المتصهين إثباته. ونحن لا نعترض مع هذه النبؤة، بل
نؤكد أنها تحققت قديماً منذ زمن بعيد جداً. ونقول: ألم يرد الله اليهود من سبي
بابل بقيادة زربابل وعزرا ونحميا، عندما سمح لهم كورش ملك الفرس بالعودة.

 

ونذكر هنا أيضاً ان السيد المسيح لم يشر بتاتاً عندما أخبر عن دمار
أورشليم وسقوطها سنة 70 م على يد تيطس الروماني، أن لهم عودة بعد تشتيتهم من جديد.
وكذلك الرسل والتلاميذ ولا آباء الكنيسة أشاروا إلى ذلك. إنما بولس الرسول في
رسالته إلى العبرانيين (22: 2 و14: 13) يشير أن اليهود الذين قبلوا الإيمان المسيحي
‘أنهم باهتدائهم قد أتوا ليس إلى أورشليم الأرضية بل إلى أورشليم السماوية،،، لأن
ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلي الآتية’.

 

الصهيونية واليهودية:

 

يوجد يهود عقلاء وربانيون كثيون يكافحوا الفكر الصهيوني، كمثل
عمانوئيل ليفين الذي كتب في جريدة ليموند عدد 24 أيار لسنة 1967 أن اسطورة وطن
لليهود هي قصة صهيونية وليس لها علاقة بالديانة اليهودية.

 

أكرر وأقول انه لا يجب أن نخلط بين اليهوية والصهيونية. فاليهويدة لا
تدعوا لانشاء دولة. وقد عُرفت بلادنا محاولا سياسية متعددة المشارب للرد على
الصهيونية باسم الحضارة الكنعانية والآلهة الكنعانية والسلفية الأثرية اليمينية،
كأن المهم أن نُبين تفوق أجدادنا الحضاري على اليهود، وكأن الصراع أصبح صراع متحفي
وتراشق أساطير. ولكن مأخذنا بالضبط على الصهيونية تحريفها كتاب العهد القديم. وجعل
التوارة ملحمة قومية، وفي عقل الأنبياء هي قصة الله مع الناس لا قصة الناس. هي
رواية تدخل الله فيها لانقاذ الناس، وهي كذلك رواية خيانة اليهود للحيلولة دون
الخلاص. إن محاولة بعض اليهود ليصيروا عنصريين لا نكافحهم بزخم عنصري مضاد، ولا
نرمي بالكتاب الإلهي جانباً لكون الصهيانة جعلوه دستورهم القومي.

 

أما فكرة ‘الشعب المختار’ فلا يجب التخوف منها فهي لا تعني إلا محبة
الله لشعب موحد تحت بركة إبراهيم. فلا فضل لأحد على أحد بسبب جنس بل بسبب الفضل
الإلهي. وأن كلام الرب يسوع المسيح لشعبه المختار الجديد، الكنيسة، هو أحبوا بعضكم
بعضاً باركوا لاعنيكم. لا يعني أن نتقاعس عن أحابيل وألاعيب الصهاينة الباطلة. بل
علينا مكافحتها. ففي كفاحنا في سبيل فلسطين لا يجوز الطعن في التوراة. مصالحتنا هي
مع الشعوب. وحتى تمم المصالحة الصادقة ينبغي أن يزول من الأرض كيان قام فيها ضد
الله والسماء، هذا الكيان المُسمى دولة إسرائيل، هو كيان ظلم، يجب التعفف منه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى