اللاهوت المقارن

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل السادس

الصوم

48 نقط الخلاف مع البروتستانت في
الصوم

49 اعتراض الصوم في الخفاء

50 اعتراض الصوم الجماعي

51 إعتراض على مواعيد الصوم

52 لا يحكم عليكم أحد في صوم

53 اعتراض الصوم النباتي

54 اعتراض “مانعين عن
أطعمة”

55 تنظيم الصوم وسلطة الكنيسة

 

48- نقط الخلاف مع البروتستانت في الصوم

واضح أن الصوم لم يكن رمزاً، أنما هو وصية قائمة
في العهد القديم، كما هي قائمة في العهد الجديد، والبروتستانت لا ينكرونه بصفة
مطلقة، إنما يلغونه تقريباً من الناحية العملية.

 

وهنا سوف لا أتكلم عن الصوم بصفة عامة، وأهميته
وفائدته، وروحانياته فهذا كله يمكن قراءته في كتابنا (روحانية الصوم).

 

إنما أريد أن أركز على نقط الخلاف بيننا وبين
البروتستانت في موضوع الصوم.

 

نقط الخلاف مع البروتستانت:

1- يقول البروتستانت أن الصوم ينبغى أن يكون في
الخفاء، بين ألإنسان والله، عملاً بوصية الرب في العظة على الجبل (متى 6: 17، 18).

 

2- ليست للبروتستانت أصوام ثابتة يصومها جميع
المؤمنين، في مواعيد محددة لها، وفى مناسبات خاصة بها. إنما الصوم عندهم – غالبيته
– عمل فردى، يصوم الفرد منهم متى يشاء، وكيف شاء ولا سلطان للكنيسة عليه في هذا،
ولا تدخل لها فى صومه.

 

3- يعتمدون على فهم خاطئ للآية التى تقول (لا
يحكم أحد عليكم فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هى ظل الأمور
العتيدة، وأما الجسد فللمسيح (كو 2: 16، 17).

 

4- لا يوافقون فى الصوم على الطعام النباتي،
والأمتناع عن الأطعمة الحيوانية ويتهموننا بأننا فى ذلك ينطبق علينا على الأقل
الجزء الأخير من الآية التي تقول (في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الأيمان..
مانعين عن الزواج، وأمرين أن يمتنع عن أطعمة خلقها الله لتتناول بالشكر) (1تى 4: 1-3).

 

49- اعتراض الصوم في الخفاء

الصوم فى الخفاء خاص بالعبادة الفردية وليس
بالعبادة الجماعية. لأنه يوجد هذان النوعان من العبادة..

 

أ- ففي الصلاة مثلاً: توجد الصلاة الفردية، التي
تصليها في مخدعك، ولأبيك الذى يرى في الخفاء.

وهذا لا يمنع من وجود الصلاة الجماعية التي
تصليها معاً كل جماعة المؤمنين بروح واحدة ونفس واحدة وصوت واحد.

 

وأمثلتها كثيرة في العهد الجديد. منها صلاة
المؤمنين بعد إطلاق الرسولين بطرس ويوحنا من السجن (فلما سمعوا رفعوا بنفس واحدة،
صوتاً إلى الله وقالوا) (أع 4: 24).

 

طبعاً مثل هذه الصلاة لا تنطبق عليها وصية الرب
الخاصة بالصلاة في الخفاء (مت 6: 6).

 

ب- كذلك في الصدقة: يوجد عطاء في الخفاء كعمل
فردى، لا تجعل فيه شمالك تعرف ما تفعله يمينك (متى 6: 3).

ولكن هذا لا يمنع العطاء العام الذي يجمع من
الكل، كما جمع داود النبي من أجل بناء الهيكل وذكر ما قدمه هو بالتفصيل، وما قدمه
رؤساء الآباء، ورؤساء الأسباط، ورؤساء الألوف والمئات، ورؤساء أشغال الملك) (1
أى29: 3-9)..

 

ومثل هذا العطاء ما كان الناس يضعونه في الخزانة،
كالتى وضعت فلسين في الصندوق (لو 21: 1،2).

 

 ج- كذلك
في الصوم: يوجد الصوم الفردي في الخفاء. وهذا لا يمنع الصوم العام، لكى يشترك كل
المؤمنين معاً فى صومهم.

فهل الصوم الجماعي تعليم كتابى أم لا؟

 

50- اعتراض الصوم الجماعي

هناك أمثلة كثيرة في الكتاب عن الصوم الجماعي،
ومنها:

 

أ- صوم الشعب أيام أستير:

الشعب كله صام معاً، في وقت واحد، من أجل غرض
واحد، وبصلاة وطلبة واحدة إلى الله. وقبل الرب صومهم، واستجاب لهم (أس 4).

 

ب- صوم أهل نينوي:

الكل صاموا معاً، وليس في الخفاء. وقبل الرب
صومهم فغفر لهم خطاياهم (يون 3)

 

ج- صوم الشعب أيام عزرا، ونحميا:

يقول نحميا (وفى اليوم الرابع والعشرين من هذا
الشهر، اجتمع بنو إسرائيل بالصوم، وعليهم مسح وتراب) (نح 9: 1).

 

ويقول عزرا (وناديت بصوم على نهر أهوا، لكى
نتذلل أمام إلهنا، لنطلب منه طريقاً مستقيمة، لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا) (عز 8: 21).

 

د- الصوم أيام يوئيل:

ورد فيه (الآن – يقول الرب – ارجعوا إلى بكل
قلوبكم – وبالصوم والبكاء والنوح)

 

(قدسوا صوما نادوا باعتكاف. اجمعوا الشعب، قدسوا
الجماعة ليخرج العريس من مخدعة، والعروس من حجلتها..) (يوئيل 2: 12 – 17).

 

ه – وفى العهد الجديد صوم الرسل:

لما سئل السيد المسيح لماذا لا يصوم تلاميذه؟
أجاب بأنه (حين يرفع عنهم العريس، حينئذ يصومون) (متى9: 15). وقد صاموا فعلا، معاً
وليس في الخفاء.

 

و قبل الله صومهم. ومن أمثلة صوم الآباء الرسل،
قول الكتاب (وفيما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: افرزوا لى برنابا
وشاول للعمل الذي دعوتهما إليهما. فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادى) (أع
13: 2، 3).

 

و- والقديس بولس الرسول صام صوماً كثيراً وكل
أهل السفينة (أع 27: 21).

الصوم الجماعي مقبول إذن، وهو تعليم كتابي، ويدل
على وحدانية الروح في العبادة وفي التقرب إلى الله، وبخاصة إذا كان غرض الصوم
أمراً يهم الجماعة كلها، أو إذا كانت تشترك في الصوم، كما في الصلاة، بروح واحد.

 

وليس في الصوم الجماعي رياء لأنه ليس أحد مميزاً
على غيره فيه. أما درجة الصوم وأعماقه بالنسبة إلى كل فرد فهذه تكون في الخفاء.

وفي العهد الجديد لا يوجد نص واحد يمنع الصوم
الجماعي.

 

51- إعتراض على مواعيد الصوم

إن الصوم في مواعيد محددة هو أيضاً تعليم كتابي،
كما حدد الرب – في سفر زكريا النبي – صوم الشهر الرابع، وصوم الشهر الخامس، وصوم
السابع، وصوم العاشر (زك 8: 19).

ولعل الحكمة فى تحديد مواعيد الصوم هو تنظيم
العبادة الجماعية.

وفي المسيحية أخذت مناسبات الصوم طابعاً مسيحياً،
لكل منه حكمته وتأثيره وهدفه الروحي.

 

52- لا يحكم عليكم أحد في صوم

لم يقل الرسول (لا يحكم أحد عليكم في صوم) إنما
قال (لا يحكم أحد عليكم في أكل أو شرب.. وكان المقصود بذلك المحرمات فى الأطعمة
بالنسبة إلى اليهود، كأصناف الطعام التي كانوا ينجسونها.

 

وهذا يذكرنا بالرؤيا التي رآها القديس بطرس الرسول
في قصة هداية كرنيلنوس، لما رأى ملاءة عظيمة وعليها كل أنواع الأطعمة، وسمع صوتاً
يقول له اذبح وكل.

 

فقال بطرس (لا يا رب، لأنى لم آكل قط شيئاً
دنساً، أو نجساً، فصار إليه الصوت ما طهره الله لا تدنسه أنت) (أع 10: 11- 15). عن
هذه الأطعمة المعتبرة نجسة ودنسة، قال بولس الرسول (لا يحكم عليكم أحد فى أكل
وشرب). وذلك لأنه

 

في مبدأ الإيمان بالمسيحية، كان أول من دخل
المسيحية هم اليهود، فأرادوا تهويد المسيحية أى أن تدخل فى المسيحية كل العادات
اليهودية مثل النجاسات والتطهير.

 

و كذلك ما يخص اليهودية من حفظ السبت والاحتفال
بالخلال وأوائل الشهور، والأعياد اليهودية كما هى (مثل، والفطير، والأبواق،
والمظال، ويوم الكفارة) فاراد بولس مقاومة تهويد المسيحية. ولذلك قال (لا يحكم أحد
عليكم فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هى ظل الأمور العتيدة) (كو
2: 16، 17).

 

إذن لم تكن مناسبة حديث عن الصوم، إنما عن
العادات اليهودية التي يريدون ادخالها إلى المسيحية.

 

53- اعتراض الصوم النباتي

أ- نحب أن نقول أولاً أن الصوم فى كنيستنا ليس
هو مجرد طعام نباتى، إنما هو انقطاع عن الطعام فترة معينة يعقبها أكل نباتى (خال
من الدسم النباتي).

 

ب- الطعام النباتي كان الطعام الذي قدمه الرب،لآدم
وحواء فى الفردوس (تك1: 29) وبعد الخطية أيضاً (تك 3: 18). وكانت الحيوانات كلها
تأكل طعاماً نباتياً هو العشب (تك1: 30).

 

ج- لم يسمع الكتاب بأكل اللحم إلا بعد فلك نوح
(تك 9: 3) وكان العالم قد هبط مستواه جدأ للدرجة التى ألجأت الرب إلى الطوفان.

 

د- لما قاد الرب شعبه في برية سيناء، قدم لهم
طعاماً نباتياً هو المن (عدد 11: 7، 8) ولم يسمح بأكل اللحم (السلوى) إلا بعد
تذمرهم وبكائهم وهبوط مستواهم. ومع عطية اللحم ضربهم ضربة شديدة. فمات منهم كثيرون
(عدد 11: 33) وسمى ذلك المكان قبروت هتأوه (أى قبور الشهوة)، لأنهم هناك اشتهوا
أكل اللحم.

 

ه – ونلاحظ أن الطعام النباتي هو الطعام الذي
أكله دانيال النبي والثلاثة فتية،و بارك الرب طعامهم، وصارت صحتهم أفضل من كل
غلمان الملك (دا 1: 12 – 15).

 

 ولعل
الحكمة في استخدام الطعام النباتي هي أمران: استخدام الأطعمة الخفيفة البعيدة عن
الشهوة والتي لا تثير الجسد، كما أن الطعام النباتي كان النظام الأصلي الذي وضعه
الله للإنسان.

 

54- اعتراض “مانعين عن أطعمة”

الكتاب في النص الذي اعتمد عليه البروتستانت، لا
يتحدث عن نظام في الكنيسة، إنما يقول (يرتد قوم عن الإيمان، تابعين أرواحاً مضلة
وتعاليم شياطين مانعين عن الزواج وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله للتناول
بالشكر (1تي4: 1-3).

 

ولعل المقصود بهذا المانعين والمونتانيين الذين
حرموا الزواج، وحرموا اللحم، وحرموا الخمر، وقد حرمتهم الكنيسة وشجبت كل ما نشروه
من بدع.

 

والكنيسة لا تحرم اللحوم وما ينتمي إليها، إنما
تمتنع عنها في الصوم نسكاً وليس لأنها نجسة. بدليل أن الصائمين يأكلون هذه الأطعمة
حينما يفطرون.

 

إن دانيال أكل القطاني فقط وامتنع عن باقي
الأطعمة، ولم يقع تحت حكم هذه الآيات. وكذلك يوحنا المعمدان في كل ما امتنع عنه من
أطعمة وكذلك النساك في كل زمان ومكان.

 

عن النسك – ولوقت محدد – شئ، وتحريم الأطعمة شئ
آخر
.

 

55- تنظيم الصوم وسلطة الكنيسة

تنظيم الصوم وسلطة الكنيسة.

إن الكنيسة نظمت الصوم، ووضعت له أسسه الروحية،
ومواعيده الثابتة المبنية علي قواعد روحية ليس الآن مجالها. وهكذا احتفظت بالصوم،
وبقي كعمل روحي لا يستغني عنه احد.

 

والكنيسة من حقها أن تنظم، بل من واجبها أن تنظم،
من أجل صالح جماعة المؤمنين لكي يعبدوا الله جميعاً روح واحدة. وهي تعتمد في ذلك
علي قول الرب لقادتها (ما ربطتموه علي الأرض يكون مربوطاً في السماء. وما حللتموه
علي الأرض يكون محلولاً في السماء) (مت18: 18).

 

وهكذا يستند التنظيم الكنسي علي نص كتابي.

 

أما الأخوة البروتستانت، فمن أجل حرية الفرد،
اضاعوا فائدة الجماعة كلها واختفي الصوم تقريباً عندهم. وهو ووساطة روحية لا ينافس
أحد في مدي نفعها.

 

والنظام عموماً نافع للفرد، ولا يعتبر مانعاً
لحريته، بل هو منظم لاستخدامها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى