مقالات

الاكفان والمنديل ابائيا

الاكفان والمنديل ابائيا

ونظر الاكفان موضوعة”

      اقتربا ونظرا الأكفان الكتانية موضوعة بنظامٍ وترتيبٍ، وهي علامة القيامة، فإنه لا ينزع أحد الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله. لأن السارق لن ينشغل بترتيب الأكفان، والذي ينقل الجسد لا يعرّيه. فلو كان البعض سرقوا الجسد فهل يربكون أنفسهم بنزع المنديل ويضعونه ملفوفًا في موضع آخر؟ ما حدث حتمًا لم يتم خلال نابشي القبور أو سارقي الجثث.

  انحنى يوحنا ليرى، أما بطرس فدخل ونظر الأكفان الكتانية موضوعة لم يستفسر فورًا بل توقف. أما الغيور فدخل أكثر وانحنى يتطلع في كل شيءٍ بدقة ونظر أمرًا أكثر، عندئذ دعا الآخر لكي ينظر، إذ دخل بعد بطرس ورأى الأكفان موضوعة والمنديل في موضع وحده

  كان لابد أن يأخذوه كما هو. لهذا السبب يخبرنا الإنجيلي يوحنا مسبقًا أنه دفن بمرٍ كثيرٍ، هذا يجعل الأكفان تلتصق بالجسد، ليس بأقل من الرصاص. هكذا عندما تسمعون أن المنديل في موضع وحده لا تسلكون كالقائلين بأنه سُرق. فاللص لا يمارس تصرفًا لا حاجة إليه. فإنه لماذا ينزع الأكفان ويزيل المنديل؟ بجانب هذا كيف يمكنه أن يهرب من اكتشاف أمره إن قضى وقتًا طويلاً في فعل هذا؟ فسيًقبض عليه خلال التأخير والتواني. بل ولماذا توضع الأكفان الكتانية منفصلة والمنديل وحدها ملفوفة؟ لكي تتعلموا أن التصرف لم يحدث في تسرع أو بطريقة صاخبة  إن قلت: فما الغرض في أن "المنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده"؟! أجبتك: لتعلم أن هذا الفعل ما كان فعل من كان مسرعًا ولا مضطربًا، فمن هذا الفعل صدقوا قيامته.

القديس يوحنا الذهبي الفم
لو أن الأعداء سرقوا الجسد، فمن أجل المكسب المادي ما كانوا قد تركوا الأكفان. لو أن الأحباء فعلوا هذا لما سمحوا بتعرية الجسد وأهانته… هذا يظهر بالأحرى إن الجسد وقد عبر إلى الخلود لا يحتاج إلى ملابس في المستقبل.

القديس أمونيوس الإسكندري
“والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان،

بل ملفوفًا في موضعٍ وحده”.

      ترك السيد المسيح الأكفان والمنديل الذي كان على رأسه ملفوفًا داخل القبر، فإنه قام ولا يعود يموت ليُكفّن مرة ثانية. لقد التحف جسده بثوب مجده تاركًا ثياب العالم التي تُبلى داخل القبر. ففي الفردوس لا نحتاج إلى ثيابٍ كما على الأرض، إذ نلتحف ببرّ المسيح ونشاركه مجده. عندما صعد إيليا في مركبة نارية منطلقة إلى السماء سقط ثوبه لأنه ليس في حاجة إليه.

      لنترك مع المسيح أكفان القبر خلفنا، إذ نحمل عربون عدم الفساد عوض الفساد الذي حلّ بنا.

      ترك لنا السيد المسيح الأكفان في القبر موضوعة بنظام، والمنديل الذي كان على رأسه في موضع وحده، حتى يجد كل مؤمن متى انطلق إلى القبر فراشًا أعده له الرب بأكفانه الثمينة، ويجد منديله يمسح الدموع التي سكبها في جهاده في العالم.

يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على ترك الأكفان والمنديل في القبر بأن مسيحنا المصلوب يحثنا ألا نبالغ في الأكفان عند دفن موتانا، فإن جسم الميت سيقوم في مجدٍ بهيٍ لا يحتاج إلى ثيابٍ فاخرة!

يا لعظمة قوة المصلوب! إنه يحث الذين يهلكون (جسديًا) بأن الموت ليس موتًا. فلا يعملون كأناسٍ هالكين، بل كأناسٍ يبعثون بالميت الذي أمامهم إلى موضعٍ بعيدٍ ومسكنٍ أفضل. يحثهم على أن هذا الجسم الأرضي الفاسد سيرتدي ثوبًا أكثر مجدًا من الحرير والثياب المذهبة، يرتدي ثوب عدم الفساد، لذا يليق بهم ألا يرتبكوا بخصوص دفنهم، بل يحسبوا الحياة الفاضلة هي ثوب كالنسيم العجيب…

أي عذر لنا إن كنا نزين جسمًا يُستهلك بالفساد والدود، ونهمل المسيح وهو عطشان ويسير عاريُا وغريبًا؟ لنكف إذن عن هذا التعب الباطل. ليتنا نتمم جنازات الراقدين بما فيه لصالحنا وصالحهم لمجد الله، لنكثر من العطاء لأجلهم. لنبعث معهم زادا في الطريق… لنبعث بالراقد إلى القبر وهو بهذه الثياب (التي للعطاء) فيكون المسيح ميراثًا له

زر الذهاب إلى الأعلى

معاني الكلمات في الأصحاح

إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

Please consider supporting us by disabling your ad blocker!