علم التاريخ

5- أغريباس الثاني (48-93م) على المناطق الشمالية:



5- أغريباس الثاني (48-93م) على المناطق الشمالية:

5- أغريباس الثاني (48-93م) على المناطق
الشمالية:

لمَّا
مات أغريباس الأول (سنة 44 م) كان ابنه الوحيد أغريباس الثاني ما يزال حدثاً ابن
سبع عشرة سنة فقط. وكان في روما يتعلَّم تحت رعاية الإمبراطور كلوديوس قيصر([1])
الذي أراد تعيينه ملكاً على اليهود عوض أبيه، ولكن حسب مشورة الحكماء عيَّن والياً
رومانياً مؤقتاً وبقي أغريباس الثاني في روما حتى سنة 48م، وحينئذ أرسلوه ليتولَّى
الحكم على ولاية “خالقي” التي هي لبنان، وكانت تحت حكم هيرودس المدعو “خالقي” أحد
أبناء أرسطوبولس أي عم أغريباس الثاني، وكانت ولاية غير مرموقة!.. وأخيراً في سنة
50م عيَّنوه حاكماً على رئاسة ربع فيلبُّس وهي المناطق الشمالية وأضافوا إليه
بتانيا وتراخونيتس وأبيليّه التي كانت ضمن رئاسة ربع ليسانيوس([2]).
هذا في أيام الإمبراطور كلوديوس، ولكن في أيام حكم الإمبراطور نيرون أضافوا إليه
أجزاء أخرى من الجليل وبيريه وأربع عشرة قرية أخرى([3]).

وزيادة
في التقرُّب إلى مراضاة اليهود أعطوا لأغريباس الثاني السلطة لعزل وتعيين رئيس
الكهنة وحرَّاس الهيكل، والإشراف على خزانة الهيكل، وضمناً الإشراف الكلي على
الخدمة داخل الهيكل. وكانت الملابس الكهنوتية قد وقعت منذ مدة طويلة تحت يد
الحامية الرومانية لما استولوا على قلعة أنطونيا ووجدوها مخبأة فيها، وظلت بعد ذلك
تحت يد الحكَّام الرومانيين يسلمونها لرئيس الكهنة في كل مناسبة ثم يستردونها بكشف
بعد الخدمة. وكان فيتليوس حاكم سوريا قد سلَّمها للهيكل سنة 36م. وفي زمان أغريباس
الثاني حكم كلوديوس قيصر أن تُسلَّم لليهود مرَّة واحدة بلاكشوف لتكون تحت إشرافهم
الدائم([4])،
وذلك حينما أراد الوالي الروماني كاسبيوس فادوس في أيام أغريباس الثاني الاستيلاء
عليها من جديد. ولكن تولِّى أغريباس الثاني هذه السلطة والإشراف على هذه الأمور
أنشأ مجالات مستمرة للاحتكاكات، وذلك بسبب عدم دراية أغريباس بدقائق الناموس التي
لم يكن يدركها إلاَّ الفريسيون المتفرغون للنقد وإثارة أحقاد الشعب على أتفه حركة
تبدو لهم غير منسجمة مع تقاليدهم، مما تسبب في ازدياد روح التحفز والحقد والتذمر
المستمر بين اليهود والحكام الرومانيين والأمميين على وجه العموم.

وبالرغم
من إشراف أغريباس على أُورشليم والهيكل إلاَّ أنه لم يكن له اتصال مباشر مع اليهود
ورؤساء الفريسيين، لأن عاصمة أغريباس الثاني التي كان مقيماً فيها لم تكن أُورشليم
بل قيصرية فيلبُّس الواقعة على منابع الأُردن الشمالية، وهي غير قيصرية
التي على البحر مركز الجيش الروماني.

ولكن
كان لأغريباس الثاني قصرٌ متاخمٌ لسور الهيكل يقيم فيه أثناء وجوده في أُورشليم،
وبالأخص أيام الأعياد وخدمة المناسبات الدينية، وقد رفع البناء في القصر حتى أصبح
قادراً أن يشرف على الحركة والخدمة داخل الهيكل، مما أثار عجرفة الكهنة الذين
تضافروا وبنوا سوراً مرتفعاً داخلياً يفصل الهيكل عن قصر أغريباس، مما أثار حفيظة
أغريباس، فاتصل بوالي اليهودية الروماني دوركيوس فستوس المذكور في سفر
الأعمال (27: 24) ليهدمه ويزيله. فلم يرضخ كهنة اليهود بل أوفدوا لجنة منهم للشكاية
لدى الإمبراطور نيرون (امبراطور ذلك الزمان الذي كان يقصده ق. بولس حينما قال
لفستوس “إلى قيصر أنا رافع دعواي
“. وتوسطت بوبيا زوجة نيرون اليهودية الأصل فأمر بترك السور
وعدم هدمه. وهكذا ظلت العلاقات متوترة بين أغريباس واليهود([5]).

والمعروف
عن أغريباس الثاني أنه كان ذا أخلاق منحلة، فقد كانت له علاقة غير شريفة بامرأة
عمه هيرودس خالقي التي كانت في نفس الوقت أخته (برنيكي) والتي كان يعيش معها
كزوجة، ولكن سفر الأعمال في الأصحاحين (25و26) لم يشأ أبداً أن يذكر أنها كانت
زوجة له لعلم الكاتب بأنها كانت علاقة آثمة.

ويذكر
سفر الأعمال أن أغريباس وبرنيكي انحدرا من قيصرية فيلبُّس (عاصمة مقاطعته التي كان
يترأَّس عليها) إلى قيصرية التي على الساحل مركز إقامة الحاكم الروماني فستوس
ليسلما عليه، إذ كان استلم حديثاً رئاسته على اليهودية (أع 24: 27، 13: 25)، وكان
بولس الرسول في ذلك الوقت مقيَّداً ومسجوناً في قيصرية ومقاماً عليه دعاوي وشكاوي
من اليهود.

ويُلاحَظ أن الاعتراض الوحيد الذي قدَّمه فستوس الروماني على
ق. بولس أثناء احتجاجه كان لمَّا ذكر المسيح أنه عتيد أن يكون نوراً للأمميين،
فاعتبرها فستوس بذكاء ومبادرة أنها تمس الإمبراطور بصفته إلهاً، فاحتجّ!
(أع 26: 2324).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى