علم الله

الفصل الخامس: نبذة في الفرق المسيحية



الفصل الخامس: نبذة في الفرق المسيحية

الفصل
الخامس: نبذة في الفرق المسيحية

يستغرق
الموضوع مجلدات. ففي القرون الأولى اكتسحت بدعة العرفان العالم القديم كحية ذات
عشرات الرؤوس، ولكنها اندحرت. وفي القرن الرابع ظهر آريوس. هو كاهن ليبي درس في
أنطاكية. أنكر الثالوث وقال أن ناسوت يسوع بلا روح. فشل، إنما انتقلت البدعة إلى
الجرمان ثم تابوا عنها. حوالي العام 352 أو 360 ظهر في اللاذقية عالم كبير اسمه
ابوليناريوس. آمن بالثالوث وحاول أن يفسر كيفية اتحاد لاهوت وناسوت في شخص واحد.
قال أن في يسوع أقنوم واحد، شخص واحد، طبيعة واحدة إلهية تتحد بها طبيعة بشرية خالية
من الروح العاقل، مشيئة واحد، فعل واحد…

 

رد
عليه آباء الكنيسة العظام ودانوه. إنما غالى الأنطاكيون فركزوا على تماميّة
الطبيعتين الإلهية والإنسانية. فاوهنوا الإتحاد بينهما. هناك اليوم من يقول أن
ابوليناريوس كان رداً على تطرف الأنطاكيين. والله أعلم. الممثل الأكبر للمدرسة
الأنطاكية المنحرفة هو تيؤذوروس أسقف المصيصة {كيليكيا السورية}. لم يفتضح في
حياته. إلا أن تلميذه نسطوريوس أسقف القسطنطينية غالى جداً فافتضح أمره، إذ أوهن
جداً الإتحاد بين الطبيعتين واخذ لفظة شخص اليونانية بمعناها الحرفي القديم لا
بمعناها اللاهوتي. ردّ عليه كيرللس السكندري قائلاً بطبيعة واحدة. قاومه
ثيؤذوريتوس أسقف قورش الأنطاكي ثم تصالحا. وقع سوء فهم لآن كيرللس اعتمد كتابات
منسوبة إلى سلفه في القرن 4 أثناسيوس الكبير بينما هي أبولينارية مدسوسة. ولكن نشب
الخلاف مجدداً مع أوطيخا فدانته الكنيسة في 448 ونهائياً في 451. إلا أن قسماً
تمسك بحرفية ألفاظ كيرللس دون أن يكون أوطيخيا. أوطيخا يمزج الطبيعتين. هذا الفريق
تقلص بعد الفتح العربي، فانحصر في السريان والأقباط والأرمن والأحباش. وفي 1970
صدر عنهم وعن الأرثوذكس تصريح يعلن أن الخلاف لفظي لا جوهري.

مقالات ذات صلة

 

أما
المسيحية في فارس فتأثرت بثيئوذوروس المصيصة الأنطاكي دون أن تكون نسطورية كما
نعتها السريان وأخذها عنهم، غالباً، الأرثوذكس والكاثوليك. أحدث الأبحاث تدل على
أنهم ليسوا نساطرة وأنهم أرثوذوكسيون تقريباً.

 

أساس
الصراعات هذه هو عجز اللغة اليونانية. كان الاختلاف فيها. فبعد جهد جهيد صاغ آباء
الكنيسة العظام المصطلحات التي تردُّ المعنى. اللاتين {الكاثوليك} تلاميذ اليونان
وكانوا والأرثوذكس واحداً حتى 1054. قبل الفتح العربي لم يكن المذهب
القبطي-السرياني محلياً. ولغة الأقباط الدينية كانت اليونانية وما زال قداسهم
يوناني اللفظ. في سوريا، كانت اليونانية لغة شائعة يجيدها أي إنسان ذو نصيب من
الثقافة.

 

المسيحيون
في فارس تلاميذ ثيئوذوروس الأنطاكي اليوناني اللغة والثقافة. شاهبور الأول غزا
أنطاكية في العام 240 ونقل كمية من السكان اقطعهم جنديسابور {30}. سحرته الثقافة
اليونانية فاهتم بنقلها. نعرف أن مدرسة جنديسابور كانت تخرِّج الأطباء للخلفاء
العباسيين. ولذلك، نرى أن الفكر اليوناني غزا كل المتوسط وحتى فارس، ثم انتقل إلى
العربية.

 

وهكذا
سقطت الآريوسية والابولينارية والنسطورية والاوطيخية والمونوثلتية {أصحاب المشيئة
الواحدة} نهائياً. دانتها المجامع المسكونية فانتصر الإيمان الأرثوذكسي في الدنيا
كلها رغم انف الأباطرة والملوك والسلطات المعادية. أرهق قسطنديوس ابن قسطنطين
الكنيسة أقسى الإرهاق عبثاً ومرمر الأساقفة في كل مكان، ففشل هو وخليفتاه يوليانوس
المرتد وواليس لأن الشعب أرثوذكسي يؤمن بالثالوث. وفشل نسطوريوس لأن الشعب يسمي
العذراء “والدة الإله”. ونصر الشعب مكسيموس المعترف والدمشقي وبالاماس
ومرقس الأفسسي ضد الأباطرة وأتباعهم من رجال الدين وسواهم ففشلوا وانتصر الشعب.

———-—-

[30]
وفي العام 540 احتل الفرس أنطاكية وسبوها ونقلوا الناس إلى بلادهم فاقطعوهم منطقة
أسموها “أنطاكية”.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى