اللاهوت الادبي

9) مفهوم الحق والعدل



9) مفهوم الحق والعدل

9) مفهوم الحق
والعدل

1- هو الصدق

مقالات ذات صلة

2- خطورة أنصاف الحقائق

3- حقوق الناس

4- الحق ضد الباطل

5- ضياع الحق

6- الحق هو الله

 

1- هو الصدق

أول مفهوم أنه الصدق Truth:

وكثيرا ما كان السيد المسيح يبدأ كلامه بقوله
(الحق أقول لكم) (مت 5: 18) (مت 8: 10).

وأحيانا كان يكرر كلمة الحق،

فيقول (الحق الحق أقول لكم) (يو 5: 19، 24، 25)
(يو 8: 34، 51، 58)

وفى المحاكم يقسم الشاهد قائلا:

(أقول الحق، كل الحق، ولا شئ غير الحق)،

ذلك لأن هناك قاعدة هامة وهى:

(أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق).

 

2- خطورة أنصاف الحقائق

أو كما يقال (أنصاف الحقائق ليست إنصافا
للحقائق)

فقد تأتى إمرأة تشكو زوجها، وتشرح أنه ضربها أو
اهانها.. وتترك النصف الآخر من الحقيقة وهو إغاظتها له بطريقة أثارته، فخرج عن
وعيه أو فقد أعصابه، فضربها.. وهكذا تذكر ما حدث لها كأنه تصرف من الزوج، وليس
مجرد رد فعل لتصرفها.

 

أو يذكر إنسان أن الكنيسة قد عاقبته، أو أن
إرادة عمله قد فصلته، دون أن يذكر السبب الذي من أجله قد عوقب أو فصل.

 

المهم أن كلامه لا يعطى صورة حقيقية عما حدث.

لذلك في القضايا يحدث تحقيق. والمقصود به الوصول
إلى الحقيقة.

وتتكامل الحقيقة حينما يبحث الأمر من جميع
جوانبه. ويسمع الرأى، والرأى الآخر. ويبحث السبب والنتيجة. وأيهما الفعل وأيهما رد
الفعل.. أما الذي يسمع من جانب واحد، فلا تتضح له الصورة الحقيقية. ولهذا يلجأ
المحقق إلى مواجهة، أى يقف كل جانب في مواجهة الآخر.

 

فى كل قضية تعرض عليك، يمكنك أن تسأل: لماذا؟

 

وعلى رأى المثل (إذا عرف السبب، بطل العجب) فإن
قال لك شخص مثلا (أب إعترافى منعنى أن أكلم فلانا) فلا تقل في نفسك عجبا، هل أب
الإعتراف يدعو إلى الخصام؟!) ربما لو أدركت السبب لعرفت مثلا أن هذا الشخص عثرة له
وسبب خطيئة، أو أنه كل مرة يلتقى به يحدثه عن أمور تتعب ضميره، وتسبب له أفكار
متعبة.. أو أن يثيره ويغضبه، وخلاصة القول إنه ينطبق عليه عبارة

 

(المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة) (1كو
15: 33) أو تنطبق عليه عبارة (اعزلوا الخبيث من وسطكم) (1كو 5: 13) أو طوبى للرجل
الذى.. طريق الخطاة لا يقف. وفى مجلس المستهزئين لا يجلس) (مز 1).

 

أنصاف الحقائق التي ليست هى حقائق، تنطبق أيضا
في اللاهوتيات:

 

مثال ذلك من يستخدم آية واحدة، ويترك باقى
الآيات المتعلقة بالموضوع. والتى بها يتكامل فهم العقيدة. كأن يتكلم إنسان على
الإيمان وحده فيقول لك: مكتوب (آمن بالرب يسوع، فتخلص أنت وأهل بيتك) (أع 16: 13)
مثل هذا نقول له: ضع إلى جوارها قول الرب (من آمن واعتمد خلص) (مر 16: 16)
.
وأيضا قول القديس بطرس الرسول لليهود الذين في يوم الخمسين (توبوا، وليعتمد كل
واحد منكم على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس) (أع 2: 38)0

 

نعم، إن قال لك أحد: مكتوب، قل له (مكتوب أيضا).

فهكذا فعل السيد المسيح في التجربة على الجبل،
مقدما الطريقة المثلى للحوار وللرد على الأفكار وهكذا يكون الحق معناه الحقيقة
كاملة. فإخفاء شئ منها قد يعطى فهما خاطئا.

 

3- حقوق الناس

معنى الحق أيضا هو حقوق الإنسان rights:

ومن هنا جاء المثل (اعط لكل ذى حق حقه) ومن هنا
جاءت أيضا عبارة (حقوق الإنسان
human rights) وهكذا كانت وزارة العدل تسمى قديما (وزارة الحقانية) وكلية
القانون تسمى (كلية الحقوق) أى تدرس فيها القوانين الخاصة بحقوق الناس، ما لهم وما
عليهم هنا كلمة حق ليست بمعنى صدق. وليس عكسها الكذب أو شهادة الزور، إنما عكسها
هنا الظلم الذي تضيع فيه الحقوق.

 

ولعل من اشتقاقها هنا عبارة يستحق أو لا يستحق.

أى من حقه كذا، أو ليس من حقه. وبنفس المعنى وبخ
اللص اليمين عل الصليب زميله اللص الآخر قائلا: (أما نحن فبعدل جوزينا، لأننا ننال
استحقاق ما فعلنا) (لو 23: 41).

 

ومن هنا أيضا تأتى عبارة (يتناول باستحقاق من
الأسرار المقدسة) أو يتناول بغير استحقاق (1كو 11: 27) أى ليس من حقه أن يتناول،
فمناولة الأسرار تأخذ حقها من التوبة ونقاوة القلب.

 

لعله بنفس المعنى قال الإبن الضال لأبيه (لست
مستحقا أن أدعى لك إبنا) (لو 15: 21) وقيل أيضا (الفاعل مستحق أجرته) (مت 10: 10)
(لو 10: 7).

 

4- الحق ضد الباطل

معنى آخر للحق، وهو أنه ضد الزيف أو ضد الباطل.

فالذهب الحقيقى غير الذهب الزائف. والزواج
الحقيقى (أى الشرعى) عكس الزواج الباطل أى غير الشرعى. وهكذا يقال عن السيد المسيح
إنه (النور الحقيقى) (يو 1: 9) وقيل عن يوحنا المعمدان (لم يكن هو النور، بل ليشهد
للنور) (يو 1: 8).

 

قال السيد المسيح عن نفسه (أنا هو نور العالم.
من يتبعنى لا يسلك في الظلمة) (يو 8: 12) وقال لنا (أنتم نور العالم) (مت 5: 14) ولكنه
هو النور الحقيقى، لأنه نور في ذاته. أما نحن فلسنا كذلك، وإنما بنوره نعاين النور.

 

نور الشمس نور حقيقى. أما نور القمر فليس كذلك،
بل هو مجرد إنعكاس نور الشمس عليه، وبدون نورها يصبح مظلما.

 

هنا كلمة حق أو حقيقى بمعنى True أو Genuine
تدخل في أمور عديدة:

 

 قد يقول
شخص إنه إبن في الإعتراف لكاهن معين، ولا يكون إبنا بالحقيقة لأنه لا يطيعه ولا
يستشيره. وقد يقول شخص إنه قد تاب، ولا يكون تائبا بالحقيقة لأنه في كل مرة يترك
الخطية، يرجع إليها مرة أخرى. وقد يقول شخص إنه يصلى، وهو ليس مصليا بالحقيقة لأنه
يكلم الرب بشفتيه، وقلبه مبتعد عنى بعيدا.

 

وقد يقول شخص إنه صائم، وليس هو صائم بالحقيقة،
إنما هو مجرد إنسان نباتى، يتناول الأطعمة النباتية ويحرص أن تكون شهية. وليس له
ضبط نفس أثناء الصوم، ولا ينطبق عليه قواعده الروحية.

 

هكذا بالنسبة إلى الله، هو الإله الحقيقى وحده
(يو 17: 3)

 

لأن كثيرين دعوا آلهة، كمجرد لقب، ولم يكونوا
آلهة بالحقيقة. كما ورد في المزمور (الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضى)
(مز 82: 1) (ألم أقل أنكم آلهة، وبنى العلى تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد
الرؤساء تسقطون) (مز 82: 6، 7)

 

قال الرب لموسى (جعلتك إلها لفرعون) خر 7: 1)
ولكن بمعنى (سيد) وليس بمعنى خالق، أو كلى القدرة أو موجود في كل مكان. وقيل أيضا
أن آلهة الأمم شياطين (أو أصنام) (مز 96: 5) هنا الفرق بين الحق والزيف.

وبنفس الوضع تكلم بولس الرسول عن الأرامل:

فقال (ولا يثقل على الكنيسة، لكى تساعد هى
اللواتى هن بالحقيقة أرامل) (1تى 5: 16).

وبنفس الوضع أيضا يمكن التكلم عن المؤمن الحقيقى،
وأبناء الله بالحقيقة.

كثيرون لهم إسم أبناء الله، ويصلون قائلين
(أبانا الذي في السموات) ولكنهم ليسوا أبناء بالحقيقة، ولا ينطبق عليهم قول القديس
يوحنا الرسول (المولود من الله لا يخطئ، والشرير لا يمسه. ولا يستطيع أن يخطئ،
لأنه مولود من الله) (1يو 3: 9) (1يو 5: 8 1)
. ولا ينطبق
عليه قول الرسول عن الرب (إن علمتم أنه باتر هو فأعلموا أن كل من يصنع البر مولود
منه) (1يو 2: 29)

 

كذلك من يقول إنه مؤمن، ولا يبرهن على إنه
بأعماله. يقول القديس يعقوب عنه (هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان
بدون أعمال ميت) (يع 2: 20).

 

بل أن القديس بولس الرسول يقول عبارة خطيرة هى
(جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان. امتحنوا أنفسكم) (2كو 13: 5) بل ما أصعب تلك
العبارة التي قالها الرب لملاك كنيسة ساردس: (إن لك إسما أنك حى، وأنت ميت) (رؤ 3:
1)

 

كلمة حى هنا ليست إسما حقيقيا يستحقه ذلك الراعى.
لأنه ليس حيا بالحقيقة، إنما هو ميت روحيا.

 

إنما يبدأ الحق بالقيم التي يراعيها الإنسان في
حياته.

كل ما يتمشى مع القيم الروحية هو حق. وكل ما
يتفق والعقائد اللاهوتية السليمة هو حق وغير ذلك زائف وزائل.

 

5- ضياع الحق

والحق أيضا ضد الرياء،

ذلك لأن الرياء ضد الحقيقة. لأن فيه زيفا، إذ أن
الداخل عكس الظاهر من الخارج. ولهذا السبب وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين
المرائين، لأنهم كانوا مثل القبور المبيضة من الخارج وفى الداخل عظام نتنه (مت 23:
27).

فالمرائى يتظاهر بما ليس فيه. يعطى صورة جميلة
عن نفسه، وحقيقته غير ذلك تماما.

النفاق أيضا ضد الحق:

لأنه مديح باطل للغير، أو دفاع عنه. بينما
الحقيقة غير ذلك. وما يعتقده وما يوجد في قلبه عكس ما يقوله بلسانه.

ويضيع الحق أيضا تحت ستار المجاملة أو (الحب)،
أو تحت ستار الحب الزائف. وقد يدعى أنه صديق لشخص آخر، بينما يجره معه إلى الهاوية،
أو يشجعه على الخطأ، ويكون هذا التشجيع ضد الحق، يجعله يستمر فيما هو فيه من خطأ.
وقد يدعى أنه يحبه، بينما هو بهذا (الحب) الزائف يضيعه تماما.

 

كالأم التي تظن أنها تحب إبنها، فتدلله تدليلا
يفسده. ولا يكون حبها له حبا حقيقيا له القيم الحقيقية للحب وقد يدعى شاب أنه يحب
فتاة، بينما تكون علاقته بها شهوة وليست حبا. وتحت ستار ما يسميه (حبا) يضيع
أخلاقها وسمعتها ومستقبلها
. ولا يمكن
أن يكون ما بينهما حبا بالمعنى الحقيقى للحب مادام قد خلا من القيم.

 

وفى هذا المجال، نذكر أيضا من يدافعون دفاعا
باطلا عن المخطئين، وينسون قول الكتاب: مبرئ المذنب، ومذنب البرئ، كلاهما مكرهة
للرب (أم 17: 15).

 

لماذا؟ لأن كليهما ضد الحق. وقد ينفر البعض من
عبارة (مذنب البرئ) إذ يرى فيها ظلما. ولكن ما أكثر ما يوجد مبرئ المذنب، ظانا أن
هذا لونا من الإشفاق والرحمة ولكن هذا الإشفاق ضد الحق من جهة. ومن جهة أخرى لأنه
ليس إشفاقا حقيقيا. فالمشفق الحقيقى هو الذي يقود المذنب إلى التوبة، ومن شروط
التوبة الإعتراف بالذنب، والإقلاع عنه. أما تبرئة المذنب فإنها تشعره بأنه لم يفعل
خطأ، فسيتمر فيما هو فيه، ويفقد الندم وإنسحاق القلب. ويكون من برأه قد أضر به..

 

وقد يبرئ إنسان شخصا مذنبا، ويكون ذلك عن جهل.

ويكون هو أيضا مكرهة للرب، لأنه لم يبحث عن
الحقيقة، أو على الأقل فعل ما هو ضد الحقيقة ولو عن جهل وربما فيما يكون مبرئا
لشخص مذنب، يكون مذنبا لشخص آخر برئ، يكون قد ظلمه بهذا وأساء إليه. وفى كل
الحالات هو بعيد عن الحق، أو ظالم للحقيقة.. ونصيحتى لمثل هؤلاء دافع عن الحق،
بدلا من أن تدافع عن شخص.

 

وقد يكون دفاعك عنه ضد الحق.

ولكى تدافع عن الحق، ينبغى أن تعرف الحق.
وكثيرون ليست لهم هذه المعرفة وقد يسيرون في جو من الشائعات. وقد يتلقون المعلومات
عن أشخاص هم أيضا ليست لهم المعرفة الحقيقية.

 

وما أكثر ما نجد أشخاصا يقول الواحد منهم (أنا
أدافع عن الحق، بينما يكون ما يدافع عنه بعيدا عن الحق تماما..

 

أو قد يوجد إنسان يدافع عن الحق، أو عما يظنه
حقا، بأسلوب بعيد عن الحق تماما.

 

أو يتجاوز حقه في الكلام، أو يقول كلاما ليس من
حقه أن يقوله، أو يلجأ إلى طرق التشهير والإدانة والإيذاء وجرح شعور الآخرين، أو
نشر المعلومات خاطئة. ويكون بذلك قد أساء إلى غيره إساءة كبيرة، ووقع في أخطاء
عديدة يدينه الله عليها.

 

ويبدو أنه يدافع عن (الحق) بطريقة غير قانونية!

 

 ويمكن
أن يسأله البعض (وهل من حقك أن تفعل هكذا؟!) ويكون الحق قد ضاع في دفاعه عن (الحق)
أو عما يظنه أنه حقا.

 

إّذا أردتم أن تتمسكوا بالحق، ابعدوا عن
الشائعات، ولا تصدقوا كل خبر يصل إليكم وتذكروا أن الذي ضد الحق، هو ضد الله نفسه.
فلماذا؟

لأن الله هو الحق. هو الحق المطلق.

 

6- الحق هو الله

قال السيد المسيح له المجد (تعرفون الحق، والحق
يحرركم) (يو 8: 32) وقال أيضا (أنا هو الطريق والحق والحياة) (يو 14: 6).

فالذى يبعد عن الحق، إنما يبعد عن الله. وهنا
الخطورة.

والإنسان الحقانى هو إنسان عادل.

وإنسان له قيم في الحياة يسير بموجبها. والإنسان
الحقانى فيه روح الله، لأنه روح الحق (يو 14: 17) (يو 15: 26).

 

إذن البعيد عن الحق، بعيد عن روح الله. الذي
ينفصل عن الحق، ينفصل عن الله.

 

كذلك الإنسان الحقانى لا يكيل بكيلين: لمحبيه
بكيل، ولغيرهم بكيل آخر.

 

ويكون في ذلك قد إنفصل أيضا عن الحق.

 

لما انفصل الشيطان عن عشرة الله، قال عنه الرب
(إنه كذاب وأب لكل كذاب) (يو 8: 44) وقال عنه (ذاك كان قتالا للناس منذ البدء، ولم
يثبت في الحق، وليس فيه الحق) (يو 8: 44).

 

انظروا أية عقوبة عوقب بها حنانيا وسفيرا لأنهما
لم يقولا الحق.

 

وقال القديس بطرس لحنانيا (أنت لم تكذب على
الناس، بل على الله)
(أع 5: 4)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى