اللاهوت الروحي

6- حول آلام المسيح



6- حول آلام المسيح

6- حول آلام
المسيح

الرب الذي لا تتفق طبيعته الإلهية مع الألم، أخذ
له طبيعة بشرية مثلنا، قابلة للألم. وتألم عنا، لكي يعرف عنا الآلام. هذا المتواضع
الوديع، أسلم ذاته للمتكبرين، فتعجرف عليه هؤلاء القساة.. بذل ظهره للجالدين، وخده
للناتفين (أش 50: 6). خداه لم يمنعهما عن الطم، ولم يرد وجهه عن خزى البصاق! وتحمل
كل هذا من التراب والرماد، من الإنسان الضعيف الذي لو تخلت عنه رحمة الله لحظة
لفنى وضاع..

مقالات ذات صلة

 

وجهت إليه إتهامات باطلة، ولكنه لم يدافع عن
نفسه.

 

ولو دافع، لأمكنه أن يدحض كل تهمة ويتبرأ. ولكن
بذلك ندان نحن. ففضل أن يحمل الدينونة عنا، ويصير هو مذنباً لكي يتبرر نحن. ويحكم
عليه بالموت، لكي يحكم لنا بالحياة.. ولم يدافع عن نفسه، لأنه تجسد لكي يبذل نفسه،
ولكي يوفي للعدل الإلهي حقه عن خطايانا.

 

وخطايانا ما كانت تحتاج إلي دفاع، بل تحتاج إلي
فداء.

 

تحتاج إلي ذبيحة تموت عنها، إلي كفارة، إلي نفس
بارة تموت عن نفس آثمة. نفس تؤخذ عوضاً عن نفس الدفاع الوحيد الذي يدافع به، هو أن
يقدم ثمن الخطية.

 

أي أنه يقدم دمه الطاهر ليسفك عن كثيرين لمغفرة
الخطايا. فيتنسم الآب من ذبيحته رائحة الرضا، ويقول للبشر: لما أرى الدم أعبر
عنكم” (خر 12: 13). دفاع المسيح ليس هو دفاعاً عن نفسه، إنما دفاع عنا. وهو
دفاع ليس بالكلام ولا باللسان، إنما هو بالعمل والحق بإرضاء العدل الإلهي.. بالموت
عنا..

 

وفي بستان جثسيمانى، أستعد المسيح ليحمل خطايا
العالم كله. ووقفت أمامه كل خطايا البشر في كل الدهور، بكل ما فيها من بشاعة
ونجاسة.. كانت كأساً مملوءاً بالمرارة. وقال الرب:

 

نفسي حزينة جداً حتي الموت (مت 26: 38).

 

كان حزينا علي البشرية التي وصلت إلي هذا
المستوى الحقير، وفقدت الصورة الإلهية التي خلقت علي شبهها ومثالها. عجيب أن الرب
الذي هو مصدر كل تعزية وفرح، ويقول “نفسي حزينة حتي الموت).. ذلك لأنه كان
أمامه كل الصور البشعة لخطايا الناس، الظاهرة والخفية، مع كل صور أفكارهم الداخلية
ومشاعر قلوبهم، وما يتصورون ارتكابه من خطايا..

 

كيف ينحنى القدوس، ليحمل كل هذه النجاسة؟!

 

يا أبتاه، إن شئت أن تعبر هذه الكأس، وإلا فلتكن
مشيئتك.. (مت 26: 42). قد يستنكف بار من النظر إلي صورة خطية نجسة، فكم بالأولي
القدوس الكلي القداسة وهو ينظر إلي كل النجاسات مجتمعة، ثم يحملها كأثيم، نيابة عن
جميع فاعليها، ليموت عنا.. ويقف ليحتمل كل غضب الآب وكل قصاصه..

 

يا أخوتي، لا تظنوا أن آلام المسيح، كانت هي
آلام الجسد فقط، إنما هناك أيضاً آلام النفس والروح..

 

آلام الجسد كانت تتمثل في الجلد والشوك
والمسامير والصلب، وأيضاً في الضرب واللطم وحمل الصليب والوقوع تحته، ومشقته
الطريق، والعطش الشديد وما إلي ذلك. ولكن كانت هناك آلام أخري، من نوع آخر، عبر
عنها بقوله “نفسي حزينة جداً حتي الموت).. آلام الحزن علي البشرية الساقطة، ولآلام
التي صادفها من خيانة الناس وغدرهم وقسوتهم، وآلامه من جهة هذا الشعب المخدوع،
الذي يهتف في جهل أصلبه أصلبه.. حقاً أنها لا يدرون ماذا يفعلون. وهناك أيضاً آلام
المسيح من جهة تلاميذه الذين ملكهم الخوف والشك فهربوا واختبأوا، وترصد بها رؤساء
اليهود ليفتكوا بهم..

 

كل هذا والسيد الرب في بستان، وهو “عالم
بأن ساعته قد جاءت” (يو 13: 1)، “وهو عالم بكل ما يأتي عليه” (يو
18: 4)، وهو يصارع حتي صارت قطرات عرقه كقطرات دم.

 

ومع ذلك فقد داس المعصرة وحده (أش 63: 3).

 

حتي تلاميذه، تركوه في هذه الساعة الحرجة، ولم
يستطيعوا أن يسهروا معه ساعة واحدة، علي الرغم من طلبه ذلك منهم ثلاث مرات، وقوله
لهم “اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في تجربة” (مت 26: 41).

 

إني أريدكم أن تسهروا من أجل أنفسكم، وليس من
أجلي.

 

اسهروا، لا لكي تسندوني في وقت ضيقتي، وإنما
اسهروا لأجل أنفسكم لكي لا تقعوا في تجربه، لأن عدوى قد أقترب، والظلمة زاحفة بكل
سلطانها، والشيطان مزمع أن يغربلكم. والمقصود ليس فقط أن يضرب الراعي، إنما لمقصود
أيضاً أن تتبدد الرعية. أسهر يا بطرس قبل أن يصيح الديك. أسهر مع الرب، وصارع في
الصلاة أيضاً، لكي تدخل إلي التجربة وأنت محصن.

 

ربما يا بطرس لو كنت سهرت، ما كنت أنكرت..!

 

ولكن “العين الثقيلة” لا تبصر التجربة
المقبلة ولا تستعد لها. هل الشخص الذي يقول لمعلمه “أضع نفسي عنك” (ولو
أدي الأمر أن أموت معك). هل مع هذا الكلام، لا يستطيع أن يسهروا معه، ولا ساعة
واحدة!

 

إن كنت لا تستطيع أن تسهر معه، فكيف يمكنك أن
تموت معه؟! إنتبه إذن إلي نفسك واستعد..

 

ما أقسى التجربة حينما تأتي لأناس، فتجهم
نياماً، وأعينهم ثقيلة! لهذا كان الرب متألماً لأجل تلاميذه..

 

ومع ذلك أن كنتم لا تستطيعون، ناموا الآن
واستريحوا. أنا الذي سوف أسهر عنكم. فأنا لا أنعس ولا أنام مثلكم، لأني ساهر علي
خلاصكم.

 

كان السيد المسيح يحمل آلام جسده، وآلام نفسه،
وآلام الناس، وألم خطايا البشر كلها.

 

 ولعل
الخطية كانت أثقل ما حمله المسيح لأجلنا. فالذي بلا خطية وحده”ملنا كل واحد
إلي طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا” (أش 53). ولعله بسبب هذه الخطايا، عبر
عن أعظم آلم مر به بقوله للآب “لماذا تركتني).. أي تركه للعدل يحتمل كل قصاصه
الواقع علي البشر منذ آدم.

أن كانت التوبة سبب فرح السماء، فماذا عن
الخطية؟

 

يقول الكتاب إنه يكون فرح في السماء بخاطئ واحد
يتوب. إذن علي القياس يكون حزن علي من يسقط. فكم وكم كان حزن المسيح إذن لا بسبب
سقطة إنسان، إنما بسبب كل سقطة لكل إنسان.. بما يحمل ذلك من ملايين الملايين
للصورة الكئيبة التي وقفت أمام الرب، ليحملها وينوب فيها عن الكل

 

ومن النجاسات التي يحملها الرب، خطايانا نحن
الخاصة..

 

إن كل خطية، لكل واحد منا، كانت قطرة مرارة في
الكأس المر الذي كان لابد للرب أن يشربه..

 

ولو لا أن الرب قد حمل خطايانا هذه ليمحوها
بدمه، ما كان يمكن أن يغفر لنا.. إذن فنحن قد آلمنا الرب وكنا جزءاً من آلامه يوم
الجمعة الكبيرة. لهذا ففي كل خطية نرتكبها ليس غريباً أن نقول له:

 

لك وحدك والشر قدامك صنعت

 

إن كنا قد آلمناك يا رب، فلا تسمح أن نتسبب في
ألمك مرة أخري. ولا تسمح أن نضيف إلي كأسك قطرات مرة أخري. أنضح علينا بز وفاك
فنظهر. واغسلنا فنبيض أكثر من الثلج.

وليكن فرحك بخلاصنا، أكثر من ألمك بسبب خطايانا.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى