علم الكتاب المقدس

30- خاتمة على نقد الشكل



30- خاتمة على نقد الشكل

30- خاتمة على نقد الشكل

إسهامات نقد الشكل

قصور نقد الشكل

إن
لكل منهج أو دراسة نقدية من يؤيدها ومن يعارضها، ولها إسهاماتها، وكذا لها مناطق
قصورها. وهذا الفصل يقدم بعض إسهامات وقصور مدرسة «نقد الشكل».

 

1(أ)
إسهامات نقد الشكل

سلَّط
ب.س. ايستون الضوء على مساهمة نتجت عن دراسة لنقد الشكل عندما قال: «إن دراسة
الشكل جعلتنا نتلاقى مع أصول التعليم المسيحي المبكر، ومن ثم أبرزت مجالاً خصباً
للدراسة، وخاصة من خلال الضوء الذي ستسلطه على الاهتمامات المسيحية الفلسطينية
المبكرة. وهذا سبب كاف يجعلنا نهتم اهتماماً شديداً بهذه المدرسة الجديدة». (
Easton, GBG,77)

 

أما
باركر ولاني ومايكلز فهم يشرحون الإسهامات التالية لنقد الشكل:

 

1-
إنها تقدم مساعدة لا حدّ لها في إدراك قيمة الأسلوب والبنية المميزة للتقليد
(الخاص بالأناجيل المتوافقة). حيث أن شكل الأناجيل المكتوبة تعكس بشكل جوهري
التقليد الشفوي الذي سبقها.

 

2-
ليس من المتاح ولا من الضروري المطالبة بالتوافق التام بين الترتيبات الزمنية لكل
من الأناجيل المختلفة. وبالتالي فإن رواة الأناجيل يتم تقسيمهم إلى نماذج متنوعة.

 

3-
نقد الشكل يساعد في توضيح وتفسير بعض الاختلافات المحيرة في الروايات المتوازية
(الأزائية) لنفس الحادثة. فالجزئية التفصيلية التي أهملها أحد الإنجيليين ربما
اهتم بها كاتب آخر لأنها من وجهة نظره وثيقة الصلة بالحالة التي في إطارها قام هو
بالكتابة. (
Barker,NTS,70)

 

وهناك
بعض النتائج الأخرى التي يذكرها فلويد فيلسون:

 

إن
التقليد الإنجيلي في الواقع كان محفوظاً شفهياً فعلاً لفترة. وحقيقة أيضاً أن هذه
الفترة المبكرة كانت لها الأهمية القصوى في تحديد مدى إمكانية الوثوق بكل الأشكال
اللاحقة للتقليد، ومن ثم فهي تستحق تدقيقنا وفحصنا الشديد لها.

 

كما
أنه من الحقيقة أن وحدات صغيرة من التقليد، سواء كان تقليداً تعليمياً أو محتوى ذو
طابع روائي، كانت معروفة ومستخدمة لأغراض عملية حسبما تتطلب المناسبة. كما يمكن
القبول كأمر منطقي أن ثمة أحداث وتعبيرات قياسية قد تمَّ حفظها، وفي بعض الحالات
ربما تكون هذه الوحدات قد تمَّ تأليفها أو تركيبها.

 

ومما
لاشك فيه حقيقة أن المحتويات الإنجيلية التي وصلت إلينا ليست سوى جزء ضئيل من
الكمّ الإجمالي الذي ربما كان قد تمَّ حفظه. وبالمثل حقيقة أن اختيار ما يتم حفظه
خضع في معظم الأحوال لما له أهمية خاصة متصلة بعقيدة وحياة الكنيسة، وتماماً كما
أن الوعَّاظ في أيامنا الحالية سوف يتذكرون بشكل خاص معالم الكتاب أو العنوان الذي
يؤثر في حياتهم وتفكيرهم ووعظهم، كذا كانت ذاكرة هؤلاء المسيحيين الأوائل محكومة
باحتياجاتهم واهتماماتهم.

 

كما
يحق أيضاً أن نقول إن الحاجة إلى إرشاد وتعاليم وعبادة ومناظرة، هذه كلها كانت
مؤثراً سائداً في كل هذه العملية بجملتها، وإن موقف أو توجُّه الأشخاص الذين نقلوا
التقليد لم يكن لأجل هدف البحث أو تسجيل سيرة حياة. وهذا يعني أن الدراسة الحريصة
والحذرة للأناجيل سوف ترى حياة الكنيسة في فتراتها المبكرة منعكسة على هذه
الأناجيل، لأن اهتمامات ومشاكل الكنيسة المبكرة يمكن الاستدلال عليها من خلالها. (
Filson,OG,103-105)

 

وهناك
مظهر آخر مهم أشار إليه عالم العهد الجديد هارولد و.هوشنر، وهو أن نقد الشكل ركَّز
انتباهنا على الحقبة الشفهية. (
Barr,BEJ,n.p)

 

ويتفق
معه ستيفن ترافيس: «لقد ساعدنا نقد الشكل – ولو مؤقتاً – لكي ننفذ إلى «الفترة
الضيقة» بين 30م و50م قبل أن يتمّ كتابة أي من نصوصنا الخاصة بالعهد الجديد. فعلى
سبيل المثال، نجد أن نقد الشكل قدم لنا مفاتيح لفهم أساليب الوعظ والتعليم بين
المسيحيين الأوائل، وكذا فهم مناقشاتهم مع معارضيهم من اليهود». (
Barnes, GCFC,161)

 

ومن
النتائج المهمة للدراسة النقدية للشكل أشار إليها موينس:

 

«إن
نقد الشكل هو مذكِّر جيد بطبيعة تعاليم يسوع: اختصاره وقابليته للتوسع. مالدينا في
الأناجيل هو تركيبة انتقائية من التعاليم المناسبة للتطبيق العام. (
Mounce, INTHA, 144)

 

كما
كشف ردليش عن نتيجتين مهمتين لنقد الشكل:

 

1-
إن نقد الشكل من خلال اعترافه أن مجموعات من الأقوال كانت موجودة في فترة مبكرة،
قد أشار إلى احتمالية أن «الكلمات الدقيقة» لربنا قد تمَّ حفظها كوحي إلهي للإرشاد
والتحكم في مصائر الأفراد والكنيسة.

 

2-
حفِّز نقد الشكل دراسة أصول ومصادر الإنجيل، كما أن منهجه البحثي والفحصي قد يقود
لدراسة علمية أكثر اتساعاً في المستقبل. (
Redlich, FC,79)

 

2(أ)
قصور نقد الشكل

يلخص
باسيل ردليش قصور التكنيك النقدي لمدرسة نقد الشكل:

 

1-
إن التصنيف يجب أن يقوم على الشكل وليس على أي شيء آخر، مثل التصنيف إلى: قصص
المعجزات، وقصص الحِكمَ والتعاليم والأمثال. وعندما لا تتوافر الأشكال، هنا يصير
التصنيف تبعاً للمحتوى وهذا ليس من بين صلاحيات مدرسة نقد الشكل.

 

2-
المجموعات التي بلا شكل لا يجب أن تُمنَح أحكاماً قيمية تاريخية قبل فحصها. وكذلك
عندما لا يتوافر شكل أو طراز، عندها لا يمكن تبرير أي تقييم تاريخي، حيث أن نقد
الشكل يجب أن يفحص أشكال التقليد، ويفسر الأشكال، ويحاول أن يتبع تطور الأشكال
وحدها فقط.

 

3-
لم يقم نقد الشكل بالاستخدام الملائم لنتائج مدرسة النقد الأدبي للأناجيل، مثل
تواريخ المصادر النصية (الوثائقية) للأناجيل المتوافقة وعلاقة هذه المصادر
بالمراكز العظمى للمسيحية.

 

4-
نقد الشكل في تركيزه على تأثير الجماعة البدائية يتجاهل تأثير يسوع كمعلم ونبي.
فمن جهة، هذه المدرسة تجعل الجماعة جسداً مبدعاً، وهذا ما لا يمكننا الاستدلال
عليه في العهد الجديد إلا ربما بضآلة. فالمسيحيون الأوائل لم يكونوا كلهم معلمين
ولا جميعهم كانوا مثل سليمان الحكيم. ومن جهة أخرى، من غير المتعارف عليه أن يسوع
لم يكن معلماً كان يكرر الحِكم نفسها دوماً أو يحفظ عن ظهر قلب الخطب التي قالها
دون أي اختلاف. فيسوع من المحتمل أنه كان يكرر نفس القول بشكل مختلف وكثيراً ما
ينوِّع خطبه. وكذلك، يمكن إرجاع الاختلافات في الأناجيل لكثرة وفيض المعلومات.
وصار بإمكان متى ولوقا ويوحنا – الذين كتبوا أناجيلهم بعد مرقس – مراجعة وتعديل
السرد الروائي من المعرفة الإضافية.

 

5-
تتجاهل مدرسة نقد الشكل كثيراً جداً وجود شهود عيان في الفترة البدائية، وتتجاهل
كذلك قدرتهم على فحص التقليد وحمايته.

 

6-
كما تتجاهل مدرسة نقد الشكل دلائل وبراهين كتَّاب القرن الثاني وما تبعه.

 

7-
لم تحدد المدرسة بدقة حدود الفترة المبكرة للمسيحية.

 

8-
زعمت مدرسة نقد الشكل بلا مبرر أن السياقات والخلفيات وتفاصيل التتابع الزمني ليست
ذات قيمة تاريخية أو أهمية لسيرة الحياة.

 

9-
لا مبرر لنقد الشكل في زعمه أن التشابه الجزئي هو مرشد للحقيقة التاريخية
لأساطيرهم وخرافاتهم.

 

10-
إن مدرسة نقد الشكل في تقييمها للعوامل الأساسية لا تعطي اعتباراً كبيراً لكل
الاهتمامات المختلفة للكنيسة الأولى.

 

11-
تهتم مدرسة نقد الشكل بالمعالجة الذاتية المتحيزة والتي يولع بها مؤيدوها تماماً.

 

12-
تتغاضى مدرسة نقد الشكل عن الحقيقة الأكيدة أن الكنيسة البدائية كانت تقبل على
الألم والموت لأجل إيمانها بيسوع وبقوة اسمه. لقد كان يسوع شخصاً حقيقياً وكان
مسيحهم الذي أكد مسيانيته بأفعاله وتعاليمه.

 

13-
إن مدرسة نقد الشكل من خلال تركيزها المبالغ فيه على توقع مجيء المسيح ثانياً ضاع
منها رؤية الحياة العادية التي عاشها الناس، رغم أن المجيء الثاني كان متوقعاً
حدوثها على الأبواب. (
Redlich, FC,
78
)

 

يعلق
ماكجنلي على عيوب نقد الشكل التي وقع فيها بولتمان وديبليوس.

 

فشلت
مدرسة نقد الشكل أن تحدث نظرية مستقلة عن نظرية المصدرين. ولقد تجاهلت الاختلافات
الجوهرية بين الأناجيل والتقليد الشفهي وقبلت بالنظرية الكاذبة القائلة بالإبداع
التجميعي وطبقتها على المجتمع الذي لم تكن موجودة فيه ولا يمكنها أن تكون فيه. كما
أن فيها تبسيطاً خاطئاً للأسلوب في التصنيف الخلْطي، فلقد تمَّ تحديد الأشكال بدقة
شديدة على حساب المزيد من الاستئصال للنصّ. كما اهتمت المدرسة بالتنقيب في كل
مظاهر حياة الكنيسة الأولى فيما عدا أهم مظاهرها: وهي الرغبة المسيحية لمعرفة حياة
يسوع. وفي جميع أجزاء هذه النظرية لا يوجد أدنى اهتمام بالشهادة التاريخية: وهي
ثروة غنية تمّ تجاهلها نتيجة المبالغة في الانشغال بالشكل، كما تمّ تجاهل عنصر الوقت
المسيطر، كما توافرت لديها أحكام مسبقة ضد القيمة التاريخية لقصة الإنجيل بأثرها.
(McGinley,FCSHN,154)

 

إن
أحد الأهداف الخارجية لنقَّاد الشكل الراديكالي هو بناء يسوع تاريخي يثبت صحته
وأصالته من خلال تحليل الشكل.

 

لقد
أسهمت مدرسة نقد الشكل في الفهم الإنجيلي الحديث للأناجيل بالمعنى السلبي، وذلك من
خلال فشلها في بحثها. ويوجز ج.أ. لادد ذلك قائلاً: «لقد فشل نقد الشكل أن يكتشف
يسوع تاريخي مجرد». (
Ladd,NTC,157)

 

ويستنتج
ف.ج. بابكوك:

 

ولكن
عند استخدام هذا الدليل، يمكننا من النفاذ بقدر ضئيل إلى عقل المؤمنين الأوائل
وكذا معلميهم، ولذلك نجد أن كل أساسات نظرية نقد الشكل قد تفككت وتلاشت مع أنها
بارعة، كما أنها معقولة وجديرة بالتصديق إلى حد ما، وثمة اقتراحات أنها ربما تحتوي
على شظايا من الحقيقة. وكذا كان حال النظريات الفاشلة الأخرى التي سبقتها، وليس
هناك ما يدعو للشك أنه خلال فترة قصيرة سوف تلحق نظرية نقد الشك بغيرها من
النظريات الفاشلة وتشاركها مصيرها. (
Babcock,FC,20)

 

ويعلق
روجرز: «إن المنهج يفترض حلولاً لأسئلة مازالت مفتوحة، مثل الأسئلة المتعلقة
بالمصدر والتوافق. وهي تفترض صحة نظرية المصدرين (مرقس والتقليد
Q)
باعتبارهما الأساس الذي قام عليه متَّى ولوقا. كما يفترض أيضاً أسبقية مرقس. (
Rogers, ULNCNTIET,np)

 

ويقدم
ماكجنلي انطباعاً عاماً على نقد الشكل: «على أفضل تقدير، معظم الحقائق في مدرسة
نقد الشكل ليست بجديدة، ومعظم ما هو جديد ليس بحقيقي، ويبقى على أسوأ تقدير بعض الحنطة
بين التبن يمكن غربلتها». (
McGinley,
FCSHN,154
)

 

ويصرح
ماكجنلي برأيه في بولتمان: «لو كما يزعم بولتمان أن شميدت قد دمَّر إطار قصة
الإنجيل، فإن خليفته بولتمان شوَّه الصورة نفسها بدون أدنى إدراك، وصار التحليل
الخاص به إبادة واستئصال للنص». (
McGinley,
FCSHN,68
)

 

وباختصار،
يقترح ف.ف. بروس على ناقد الشكل: «عندما تم إنجاز هذا العمل المجتهد وجوهر التقليد
أصبح موثقاً وآمناً بقدر الإمكان، فسوف يفعل ناقد الشكل فعلاً طيباً عندما يتنحى
للوراء بين العساكر والجنود من قراء الإنجيل وينصت معهم لشهادة كتَّاب الأناجيل، وينضمّ
لمعرفة أن هذه الشهادة تمتلك رنين الحق». (
J.B.Philips, Ring of Truth, A Translator’s Testimony (London, 1976).
(Bruce, TON,57
)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى