اللاهوت الدستوري

(3) بحث تعدد الزوجات في العهد القديم وإلغائه في المسيحية



(3) بحث تعدد الزوجات في العهد القديم وإلغائه في المسيحية

(3) بحث تعدد الزوجات في العهد القديم
وإلغائه في المسيحية

أ) فساد الجنس البشري وتدهوره

لكى يتضح هذا الأمر جيدا، علينا أن نعرف أولا
ظروف قيامه، حينئذ تظهر لنا حكمة الله فيه:

فساد الجنس البشرى وتدهوره:

1- كان آدم بتولا فى الفردوس، وكذلك كانت حواء.
ويقول عنهما الكتاب المقدس ” وكان كلاهما عريانين آدم وإمرأته وهما لا
يخجلان” (تكوين25: 2). ولكنهما – بعد الخطية – فقدا حالتهما الأولى السامية
الفائقة للطبيعة، وأحسا بعريهما فكساهما الله وستر عريهما. وبعد أن طردا من
الفردوس، يقول الكتاب ” عرف آدم حواء إمرأته فحبلت وولدت قايين…”
(تكوين1: 4).

 

ولم يكتف الإنسان بالنزول من سمو البتولية إلى
عفة الزواج الواحد، بل تدرج البعض إلى تعدد الزوجات (تكوين19: 4)، وبدأت الشهوة
الجسدية تسيطر على الرجال ” فرأوا بنات الناس أنهن حسنات ” فاتخذوا
لأنفسهم نساء منكل ما اختاروا” (تكوين2: 6)، ويصف الكتاب الحالة السيئة التى
وصلت إليها البشرية فيقول ” ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر فى الأرض، وأن كل
تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم… فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذى
خلقته” (تكوين7،5: 6). وكان الطوفان…

 

ولكن حتى نسل نوح الذى أنقذ من الطوفان أخطأ
ايضا إلى الرب. وعاد الشر فكثر فى الأرض. ولم يكتف الناس بالزنا، بل انحطوا أكثر
من ذلك إلى الشذوذ الجنسى، كما ظهر ذلك ببشاعة فى أهل سادوم التى أحرقها الله
بالنار هى و عامورة (تكوين24،5: 19). وظهرت بشاعة الزنا فى حادث سبط بنيامين
(قضاة29: 20-33).

 

وانحدرت البشرية إلى هوة أخرى فعبدت الأصنام دون
الله، حتى أن لابان خال يعقوب أب أسباط إسرائيل الإثنى عشر، كان هو أيضاً يعبد
الأصنام (تكوين30،19: 31). وظهر التسرى وانتشر (تكوين2: 16و 9،3: 30). وتطور الزنا
بالناس، حتى عرف بينهم البغاء أيضاً (تكوين16،15: 38).

 

ووسط هذا الجو الوثنى الفاسد، كان تعدد الزوجات
يعتبر عملا شريفا جدا إذا قيس بالممارسات الأخرى. وهكذا كانت البشرية تتطور – فى
البعد عن الله – من سئ إلى أسوأ. ولم تكن الشريعة المكتوبة قد أعطيت لهم بعد.
فماذا يفعل الله؟ هل يفنى الإنسان مرة أخرى من على وجه الأرض، ويتوالى تكرار قصتى
الطوفان ونار سدوم؟! أم هل كان هناك حل آخر تقوم به مراحم الله لأجل إنقاذ
الإنسان؟.. كان هناك حل آخر. فما هو؟

 

ب) كان لابد من سياسة تدرُّج لإنقاذ الإنسان

1- انتقى الله من البشرية إبراهيم أبا الآباء،
لكى يجعله نواة لشعب جديد، ينشأ بتربية إلهية خاصة، ويكون كمتحف حى للديانة
الإلهية وللعبادة الحقة، وسط الشعوب الوثنية التى تملأ الأرض. ونظروا إلى حالة
البشرية المنحطة لم يتقل الله بوصايا صعبة على الشعب الناشئ المحاط فكرياً وعمليا
بألوان من خطايا الوثنيين.

 

وحتى فى هذا الشعب المختار ظهر تعدد الزوجات
أيضا. لم يأمر الله به، و لكنه تسامح فيه: إذ كانت له ظروفه الخاصة من جهة، ومن
جهة أخرى فإن المستوى البشرى المعاصر لم يكن يسمح وقتذاك بالسمو الذى أراه الله
للإنسان منذ البدء. لابد من سياسة تدرج يتخدها الله الرحيم الشفيق، لكى يأخذ بيد
البشرية الساقطة، و يقودها خطوة خطوة إلى الوضع الإلهى الذى كان فى البدء.

 

وكمثال لسياسة التدرج التى عامل بها شعبه تشريع
الطلاق مثلا: فى البدء لم يكن هنك طلاق، ولكنه ظهر لما فسدت البشرية. فلم يلغه
الله دفعة واحدة، وإنما تدرج مع الناس. تركهم فترة طويلة فى حريتهم المطلقة، يستخدمون
الطلاق بدون قيد و لا شرط. ثم قيدهم فى الشريعة بكتاب طلاق يعطى للمطلقة. ويقول
القديس اوغسطينوس إنه ” فى هذا الأمر كان يظهر التوبيخ أكثر من الموافقة على
الطلاق. فمن المعروف أن إجراءات قسيمة الطلاق كانت نوعا من التعطيل، لأنه تستغرق
وقتا يراجع فيه الزوج نفسه. ومع ذلك فقد قال السيد المسيح لليهود “من أجل
قساوة قلوبكم، أذن لكم أن تطلقوا نساءكم” (متى8: 19).

 

إذن فلم يكن السبب آن الأمر كان يتمشى مع قصد
الله، وإنما هى تنازل من الله ليتمشى مع ضعف الإنسان. وقد قال ذهبى الفم: “أن
الزوجة المكروهة، وإذا لم يكن يؤذن بطلاقها، كان يمكن أن يقتلها الزوج، لأنه هكذا
كان جنس اليهود الذين قتلوا الأنبياء… فسمح الله بالأقل ليزيل الشر الأكبر…
فيخرجوهن بدلا من أن يذبحوهن فى البيوت”.

 

ولكن الله صبر على ذلك زمنا، ثم وبخ الشعب
علانية على الطلاق، مظهرا لهم كراهيته لهذا الأمر (ملاخى16: 2). وأخيرا ألغى
الطلاق فى العهد الجديد، إلا لعلة الزنا، لأن هذه الخطية بالذات تكسر جوهر الزوج
من أساسه، كما سيظهر ذلك عند كلامنا عن “الجسد الواحد”.

 

تنازل الله إذن فى تشريعه مع مستوى الناس، لكى
يرفعهم تدريجيا إلى المستوى الذى يريده لهم: سمح لهم بأكثر من زوجة، سمح لهم
بالطلاق، سمح لهم بالتسرى، سمح لهم برجم الزناة… كل ذلك لأنهم كانوا وقتذاك لا
يحتملون السمو الذى أراده لهم.

 

وكان من غير المعقول أن يعطى الله الناس شريعة
فوق مستواهم لا يستطيعون تنفيذها. ولذلك حسنا وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين
بقوله عنهم “يحزمون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس”
(متى4: 23).

 

وهكذا اختار الله نقطة بدء منخفضة تتفق ومستوى
الناس، مع عرضه الكمال عليهم يختاره من يشاء ومن يحتمل، دون أن يكون إجباريا.
ولكنه تدرج شيئا فشيئا فى تشريع هذا الكمال حتى تم ذلك فى المسيحية. وحتى فى هذه
أيضا ترك درجات عليا من الكمال اختيارية، لأنه كما قال ” ليس الجميع
يحتملون” (متى11: 19). غير أنه احتفظ فى المسيحية بسمو للحد الأدنى.

 

من أجل هذا قال العلامة ترتليانوس ” كل
واحد يعلم الآن، أنه قد سمح لآبائنا – حتى رؤساء الآباء أنفسهم – ليس فقط بالزواج
وإنما بتعدد الزيجات أيضا، بل إنهم احتفظوا كذلك بسرارى. ولكن على الرغم من
استعمال الطريقة الرمزية فى الكتاب فى الكلام عن الكنيسة والمجمع، فإننا سنشرح هذا
الإشكال فى بساطة بقولنا إنه ” كان من الضرورى فى الأزمنة الماضية، أن تقوم
ممارسات ينبغى إبطالها فيما بعد أو تعديلها”. بقى علينا أن نشرح لماذا كان
ذلك ضروريا فى تلك الأزمنة.

 

ج) فكرة “شعب الله” وبركة النسل

1- كان تعدد الزوجات يتمشى إلى حد كبير مع فكرة
” شعب الله”، هذا الشعب الذى علمه الله الشريعة، وأرسل إليه الأنبياء
ليحفظ فيه العقائد السليمة إلى أن يحين انتشارها فى الأرض كلها، فتصبح جميع الأمم
هى شعب الله.

 

وكان لابد أن يكثر هذا الشعب: ليس فقط ليستطيع
الصمود أمام شعوب الوثنية القوية، وإنما أيضا ليستخدمه الله فى القضاء على
الوثنية. كما حدث فيما بعد، عندما طرد الوثنيين من الأرض وسكنها، فصارت مقدسة، إذ
أنها كانت المركز الوحيد لعبادة الله الحقيقية فى العالم كله.

من أجل هذا كانت كثرة النسل بركة توارثها الآباء
وسعوا لنيلها. وهكذا نسمع أن الله قال لإبراهيم أبى الآباء”… وأجعل نسلك
كتراب الأرض، حتى إن استطاع أحد أن يعد تراب الأرض فنسلك أيضا يعد” (تكوين
16: 13). وقال له أيضا ” انظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها…
هكذا يكون نسلك” (تكوين5: 15). وقال له ثالثة ” من أجل أنك فعلت هذا
الأمر، ولم تمسك ابنك وحيدك ” عنى”، أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا
كنجوم السماء وكالرمل الذى على شاطئ البحر. و يرث نسلك باب أعدائه، ويتبارك فى
نسلك جميع أمم الأرض” (تكوين 16: 22-18). و أقام الله عهداً مع إبراهيم قال
له فيه ” لأنى أجعلك أبا لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيرا جدا وأجعلك أمما،
وملوك منك يخرجون. وأقيم عهدى بينى وبينك وبين نسلك من بعدك فى أجيالهم…”
(تكوين 5: 17-7).

 

ونفس هذه البركة منحها الله لإسحق بن ابراهيم
فقال له ” فأكون معك و أباركك… وأكثر نسلك كنجوم السماء وتتبارك فى نسلك
جميع أمم الأرض” (تكوين 3: 26،4). وكرر الله هذه البركة عينها ليعقوب بن إسحق
(12: 32،11: 35).

 

د) زيجات إبراهيم ويعقوب وفكرة الرمز

1- أعجيب”… بعد كل هذه المواعيد بكثرة
النسل كنجوم السماء ورمل البحر… أن يتخذ ابراهيم له أكثر من زوجة؟! ظانا فى نفسه
أن هذا قد يتفق ومشيئة الله فى مباركة نسله!

 

ولم يفعل إبراهيم ذلك عن شهوة جسدية، وهو رجل
كان قد شاخ واجتاز الثمانين من عمره بسنوات، دون أن يتخذ لنفسه إمرأة أخرى غير
سارة زوجته الوحيدة العاقر! إلى أن أعطته هى أمتها هاجر سرية قائلة له ” هوذا
الرب قد أمسكنى عن الولادة. ادخل على جاريتى لعلى أرزق منها بنين” (تكوين2:
16). وكانت له ست وثمانون سنة من العمر حين ولدت له هاجرا ابنا” (تكوين16:
16)

 

وقد قال القديس اغسطينوس فى كتابه Bono
Conjugali
عن أبينا ابراهيم انه عاش
فى حالة الزواج بعفاف. وكان فى مقدوره أن يعيش عفيفا بدون زواج، ولكن ذلك لم يكن
مناسبا فى ذلك الزمان. فأى زمان يقصده أوغسطينوس؟ إنه ليس زمنا وثنيا فاسدا تكتنفه
ظلمة الجهل فحسب، وإنما تسرى ابراهيم فى عصر خافت فيه إبنتا قريبه لوط من انقرض
العالم بعد حرق سادوم و عمورا، وهرب هذه العائلة الصغيرة وحيدة في الأرض، فأسكرتا
أباهما، وأنجبتا منه نسلاً دون آن يعلم (تكوين 19: 31-38)… ليس عن شهوة ولا دنس،
وإنما رغبة في النسل، وخوفاً من أنقراض الأسرة في الأرض… ليست المسألة أذاً شهوة
حسية أو عدم ضبط نفس. فإن القديس أغسطينوس في الأجابة عن هذه النقطة “وهي
زواج إبراهيم بأكثر من واحدة يصيح متسائلاً في تعجب” هل لم يضبط نفسه، هذا
الذي قدم أبنه ذبيحة”؟!

 

أما العلامة ترتيليانوس فيضيف رأياً أخر بقوله
“كان زواج إبراهيم مثالاً ورمزاً” وهذه الفكرة شرحها إيضاً القديس
ايرونيموس بالتفصيل في رسالته إلي أجيروشيا. وكلا هذين الكاتبين المسيحيين
الكبيرين لم يتكلم من ذاتيهما، وإنما أعتمد علي شرح القديس بولس الرسول بهذه
النقطة بذات في رسالته إلي غلاطية (4: 22- 30). في الواقع كانت كثير من الأشياء في
تصرفات وحياة الآباء الأول والإنبياء هي – كما قال القديس ايرونيموس – “رموز
لأمور ستأتي”. وهذا الموضوع شرحة بالتفصيل القديس هيلاري أسقف بواتيبية الذي
كان يلقب “أثناسيوس الغرب” في كتابه
Tractatus
Mysteriorum
فتحدث عن هذه الرموز منذ
آدم، وتعرض فيه الزيجات إبراهيم ولزيجات يعقوب إيضاً. وهذا المر أوضحه القديس
أوغسطينوس في عبارة موجزة قال فيها ” كانت زوجات الإباء الكثيرات رمز لكنائس
مستقبله من شعوب كثيرة تخضع لعريس واحد هو المسيح. أما سر الزواج بواحده في
أيامنا، فيشير إلي وحدتنا جميعاً في خضوعنا لله، نحن الذين سنصبح فيما بعد مدينة
سمائية واحدة”.ومع ذلك فإن إبراهيم لم تجده زوجاته الكثيرات شيئاً إذ قال له
الله ” باسحق يدعي لك نسل” (تكوين12: 21). ولما مات لم يدفن كما لاحظ
القديس أمبروسيوس إلا مع زوجته سارة وحدها.

 

وإبنه اسحق لم يتخذ في حياته كلها التي بلغت 180
عاماً (تكوين 35: 28) غير زوجه واحده هي رفقة، التي كانت حياتها هي الأخري تحمل
رموزاً كثيره بالأخص في زواجها وفي إنجابها.

 

أما يعقوب أبو الأسباط الأثني عشر، فمعروف أنه
خدع من خاله لابان الذي زفه إلي زوجه من إبنتيه غير التي أختارها لنفسه. وفي الصباح
اكتشف يعقوب أنها ليست خطيبته التي أختارها، وإنما هي أختها الكبري. وأجابه لابان
عن هذه الخدع بقوله “لا يفعل هكذا في مكاناً آن تعطي الصغيرة قبل البكر”
(تكوين 29: 36). وعلاجاً للمشكلة زواجه الصغري أيضاً. وتسري يعقوب بنفس السبب الذي
من أجله تسري أبراهيم: دفع إلي ذلك دفعا من زوجتيه أن يتخذ له جاريتهما سريتين
لينجب لهما نسلاً (تكوين 30: 3،9). وكانت في تلك الزيجات أيضاً رموز لأمور ستأتي،
شرحها القديس ايرونيموس في رسالته الأنفه الذكر.

 

وهكذا نري أن الأب الكبير لم يطلب تعدد الزوجات
ولم يشتهيه، ولكنه أيضاً لم يرفضة عندما دفع إليه دفعاً بحكم ظروفه الخاصة. بل علي
العكس سري بأن ير له نسلاً كثيراً كان يرن في إذنيه وعد الله له ولأبيه وجده بإن
نسله سيصير كنجوم السماء ورمل البحر لا يعد من الكثرة، وأن به ستتبارك جميع قبائل
الأرض.

 

ه) العنصر الروحي الأول لتعدد الزوجات

1- كانت هناك أسباب روحية خطيرة من أجلها تسامح
الله فى قيام تعدد الزوجات.

أما السبب الأول الخطير فهو مقاومة طغيان
الوثنية:

تلك الوثنية التى كانت قد انتشرت بشكل مريع، حتى
كادت تكتسح العالم كله بدون استثناء. ولذلك كانت فكرة الله فى اختيار شعب يعبده
تقوم على ثلاثة عمد أساسية، و هى عزل هذا الشعب، وإنماؤه، وتعليمه. أما سياسة
العزل فبدأت عندما قال الله لإبراهيم “اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك
إلى الأرض التى أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك…” (تكوين1: 12،2). وكان
العزل لازما حتى لا يتأتر شعب الله بالوثنية فيعتنقها نتيجة لاختلاطه بالوثنيين.

 

وكان من مظاهر هذه السياسة: السكن المنفرد، وعدم
التزاوج مع شعوب الأرض الوثنية، وعدم التعامل معهم. وحرص إبراهيم على تنفيذ هذا فى
فى تزويجه لابنه إسحاق (تكوين3: 24-4) كما حرص عليه اسحق فى تزويج ابنه يعقوب
(تكوين 1: 28-4). وعندما كان شعب الله يكسر قاعدة العزلة هذه، كان يقع فى عبادة
الأوثان ويحل عليه غضب الله، كما حدث ذلك مرات سجلها سفر القضاة.و لكن سياسة العزل
وحدها عن الشعوب الوثنية لا يكفى، لأن الشعب المؤمن إذ كان قليلا وضعيفا، حتى إن
هو اعتزل عن الوثنيين يمكن أن يطغوا هم عليه ويستعبدوه لهم ويخضعوه لعبادتهم. فكان
لابد أن تصحب عملية العزل عملية إنماء فى العدد، حتى يستطيع الصمود أمام قوة
أعدائة، وحتى يرث أرضهم و ينشر فيها عبادة الله. وعملية الإنماء صحبها بالضرورة
تعدد الزوجات، لأن الأمر لم يكن سهلاً، إذ هو تكوين شعب من فرد واحد.

 

ولهذا كان إنجاب البنين وقتذاك عملا مقدسا. لأن
المقصود به كان حفظ الايمان بالله من الضياع، والوقوف أمام خطر العبادات الفاسدة.
وهكذا نرى حقيقة هامة وهى:

 

فى تعدد الزوجات – قبل مجئ السيد المسيح – لم
يكن المقصود هو الزوجات، وإنما البنين الذين تلدهم الزوجات والبنون لم يقصدوا
لذاتهم، وانما لحفظ الإيمان فى عالم وثنى. فخرج الأمر اذن عن الغرض الجسدى الى
الغرض الدينى. ومن الواضح أن هناك فرقا بين الحالة هنا، والحالة أيام آدم وأيام
نوح بعد الطوفان. ففى هذه الحالة الأخيرة كانت الأرض خالية، ولكنها كانت نقيةليست
فيها وثنية تهدد الإيمان السليم بالفناء. فكان يمكن للإنسان أن ينمو على مهل فى ظل
قصد الله السامى بشريعة “الزوجة الواحدة”. أما فى أيام ابراهيم فكان
العكس هو السائد: كانت فى الأرض شعوب كثيرة من الناس. وإذ كانو كلهم وثنيين، صاروا
خطرا على القلة الضئيلة جدا التى تعبد الله. ولذلك كان يبدو أن تعدد الزوجات
بالنسبة لعابدى الله لازم ليرفع نسبتهم العددية ولو قليلا.

 

و) لم يكن مناسباً أن يلغي تعدد الزوجات في
شريعة موسى

1- كل هذا حدث ولم تكن الشريعة المكتوبة قد
أعطيت بعد ونريد أن نعرف في أي ظروف أعطيت هذه الشريعة علي يد موسي النبي، لكي
نفهم مدي مناسبتها للناس وللظروف المحيطة بهم. أعطيت الشريعه منحة لشعب مؤمن.
ولكنه علي الرغم من كونه وقت ذاك الشعب الوحيد الذي يعرف الله الحقيقي ويعبوده،
فإنه كان شعباً قاسياً (متي 19: 8) عنيداً ” صلب الرقبة ” بشهادة الله
نفسه عنه (خروج 32: 9، 33: 5) وبشهادة موسي النبي أيضاً (خروج 34: 9). كان شعباً
متذمراً كثير الشهوات (خروج 15: 24، 16: 3) أتعب موسي النبي جداً، علي الرغم من
المعجزات التي رأها، حتي قال لهم هذا النبي العظيم، “ليس تذمركم علينا بل علي
الرب” (خروج 16: 8).

 

لقد أعطيت الشريعة أيام موسي لشعب قال الله
لموسي عنه ” دعني أفني هذا الشعب”. ولولا شفاعة موسي، لأهلك اله الشعب
كله في البرية وأفناه (خروج 32). نعم أعطيت الشريعة لهذا الشعب، الذي لم أبطئ
عليهم موسي مع الله – إذا كان علي الجبل يستلم الشريعة – قال هذا الشعب لهرون
” قم اصنع لنا آلهه تسير أمامنا، لأن موسي هذا الرجل الذي أصعدنا من ارض مصر،
لا نعلم ماذا أصابه “(خروج 32: 1). وهكذا لم نذل موسي من علي الجبل، وجد
الشعب يعبد عجلاً من ذهب! هذا الشعب الذي قال الله عنه فيما بعد ” ربيت بنين
وبنات ونشأتهم وأنهم فعصوا علي. الثور يعرف قانية، والحمار معلف صاحبه. وأما
اسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم ويل للأمه الخاطئة، الشعب الثقيل الأثم، نسل فعلي
الشر أولاد مفسدين” (اشعياء 1: 2-4) لم يكن ممكناً لمثل هذا الشعب الذي
أوضحنا شيئاً من حالته، أن يحتمل مستوي عالياً، فكان لابد أن يتدرج الله معهم.

 

هذا الشعب الذي بكي بدموع مشتهياً أن يأكل لحماً
(عدد 11: 4، 10،15)، والذي عادي فأشتهي العبودية من أجل اكلأ اللحم (خروج 16: 3)،
هل كان ممكناً أن يمنع الله عنه تعدد الزوجات؟! مثل هذا الشعب الذي ارتكب الزنا في
بيت الرب نفسه، والذي بسبب زناه عبد آلهه اخري وسجد لها في حياة موسي نفسه (عدد
25)، هل كان ممكناً آن يمنع عن تعدد الزوجات؟!… لم يكن مناسباً أذن أن يمنع تعدد
الزوجات في شريعة موسي، علي الأقل لسببين:

 

أولاً: لأن ذلك لم يكن مناسباً لمستوي الشعب
الأسرائيلي ذاته، وألا أقتيد إلي الزنا.

 

ثانياً: لأن ذلك لم يكن مناسباً للرغبة في
مقاومة الجو الوثني الطاغي المحيط بالشعب.

 

وإنما كان لابد من سياسة تدرج، يسمح فيها لمن
يريد من الشعب بأتخاذ النساء كزوجات، مع رفع فكرة ليتسامي بفكرة الزواج فيتخذها
بغرض روحي، لتكوين شعب لله، بدلاً من التفكير في الزواج كمادة لأشباع شهوة جسدية.

فما الذي فعل الله في سياسة التدرج هذه؟

 

ز) سياسة التدرج التي اتبعها الله

7- بدأ الله في شريعة موسي يغسل هذا الشعب من
نجاسته ويرفع مستواه، حتي يستطيع أن يصل به في المسيحية إلي الطهارة التي أرادها
له منذ البدء، و التي كانت شريعة “الزوجة الواحدة” أحد مظاهرها. فماذا
شرع له حتي أقتاده إلي ذلك؟

 

أ‌- حرم الله علي الشعب كثيراً من الزيجات:

حرم عليه التزوج بالأخت، وكان ذلك ممارساً في
القديم. فابراهيم أبو الآباء أتخذ ساره زوجه له (تكوين 20: 12). وحرم عليه الزواج
لأختين وكان ذلك أيضاً ممارساً في القديم، كما حدث مع يعقوب أبي الأسباط الأثني
عشر (تكوين 29: 26، 27). وحرم عليه زيجات اخري كثيرة، بلغت في سفر الاويين 17 حاله
(أصحاح 18). وهكذا لم يعد الزواج مطلقاً كما كان من قبل. وقد تدرج هذه المحارم
وتطور حتي وصلت إلي حد اكبر فيما بعد. ومن يكسر هذه المحارم كان في الغالب يقتل.

 

ب‌- أمره بالأبتعاد عن النساء في ظروف روحية
معينه:

فقبل أن يقتر بالشعب من جبل سيناء لسماع
الشريعة، أمره موسي آن يتطهر ويغسل ثيابه، ولا يقرب النساء ثلاثة أيام (خروج 19:
15). وكان محرماً علي اي فرض من الشعب آن يتقدم ليأكل من ذبائح الله المقدسة، إلا
وهو طاهر لم يقرب أمرأة (لاويين 22: 6). وهكذا كانت هناك أيام عامه، يتعفف فيها
الشعب كله، ويتفرغ للعبادة وهي موسم الرب وأعياده، التي تقدم فيها ذبائح عامه
وكانت كثيرة (لاويين 23) تضاف إليها المناسبات الخاصة بالأفراد التي يقدمون فيها
ذبائح للرب عن أمور خاصه بهم.

 

وهكذا عندما طلب داود النبي من أخيمالك الكاهن
خبزاً، أجابه ذاك”… يوجد خبز مقدس، إذ كان الغلمان قد حفظوا أنفسهم ولاسيما
من النساء”. ولم يعطيه إلا بعد أن أجابه داود ” أن النساء قد منعت عنا
منذ أمس وما قبله” (صموئيل الأول 21: 4، 5).

 

ج- كان أمر الله الشعب بالأبتعاد عن النساء في
ظروف خاصة بهن:

مثال ذلك “أيام طمث المرأة”. أن مسها
وهي “في نجاسة طمثها” يصبح هو أيضاً نجساً إلي المساء وكذلك أن كانت ذات
سيل، في الغير أيام طمثها (لاويين 15: 19، 27). أما أذا أضطجع رجل مع إمرأة طامث
فكلاهما يقطعاً من بين الشعب (لاويين 20: 18). كذلك كان المرأة لا تمث في أيام
نفاسها حتي تطهر (لاويين 12).

 

د- ولكي يمنع الله الشعب من الأنغماس الشهواني
في المعاشرات الجنسية اعتبر أن “كل من اضطجع مع امراة أضطجع زرع يكون نجساً
إلي المساء” (لاويين 15: 16) فيغتسل الأثنين ويغسلاً ملابسهما هذا إذا كانا
زوجيين، أما آن لم يكونا كذلك فإنهما يقتلان (لاويين 20: 10). فكأن الله شرع لهم
أن الأبتعاد عن النساء طهارة، حتي الزوجات! فإن كانت هذا مع الوحدة، فكم بالأكثر
في حالة تعدد الزوجات؟!

 

ه – وهكذا حتي في شريعة موسي كشف الله للشعب ولو
من بعيد قبساً من جمال البتوليه وسموها عن الزواج.

وكمثال لذلك قال عن الكاهن الأعظم “هذا
يأخذ أمرأة عذراء أما الأرملة والمطلقه والمدنسة والزانية، فمن هؤلاء لا يأخذ بل
يتخذ عذراء من قومه أمراة (لاويين 21: 13، 14). وتدرج الله حتي بارك الخصيان وقال
“لا يكن الخصي اني شجرة يابسه… أني أعطيهم… أسماً أفضل من البنين
والبنات” (أشعياء 56: 3، 5).

 

و- أصلاح آخر قام به الله في شريعة الزواج وهو
يختص بالطلاق:

وقد شرحنا قبلاً ما اتبعه الله فيه من تتدرج
أنتها إلي أنه قيل في سفر ملاخي النبي ” لأنه يكره الطلاق قال الرب إله إسرائيل”
(2: 16). هذه امثله قليله من التدرج الذي أحدثة اله في شريعه الزواج، ورفع به
الشعب من الممارسات البدائية التي تشابه الوثنين إلي درجات قربتهم إلي شريعة
المسيحية التي رجعت فيها الوضع الألهي الأصلي. أما تعدد الزوجات فإن وقت إلغائه لم
يكن قد حان بعد.

 

ح) السبب الروحي الثاني لتعدد الزوجات

8- عملياً سمح الله بتعدد الزوجات لن مستوي
الشعب لم يكن يتفق وإلغاءه. ولكنه لكي يسمو بهم وجههم إلي إتخاذ الزواج لإنجاب
البنين لسببين.

أ- لينمو شعب الله ويقف أمام قوة الوثنيين

وفي ذلك يقول القديس أوغسطينوس “إن الآباء
في العهد القديم كان واجباً عليهم أن ينجبوا أولادا لأجل تلك الأم اورشليم… حتي
الأنبياء الذين كانوا لا يعيشون حسب الجسد كانوا أيضاً مضطرين أن يجتمعوا
بأجساد”.

 

ب‌- لأنه بهذا النسل ستتبارك الأرض، إذ أن منه
سيخرج المسيح.

كان مجئ المسيح أو “المسيا المنتظر”
هو أمل كل فرد من أفراد الشعب. حتى إن المرأة السامرية – على الرغم من أنها كانت
خاطئة – قالت للسيد المسيح قبل أن يعلن لها ذاته “أنا أعلم أن المسيا الذى
يقال له المسيح يأتى. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ” (يوحنا 25: 4).

 

و هكذا كانت قلوب جميع أبناء إبراهيم معلقة بالمسيا
ومجيئه. وكانوا يعرفون أنه المقصود بوعد الله لإبراهيم “ويتبارك فى نسلك جميع
أمم الأرض” (تكوين 18: 22)، وهو نفس الوعد الذى سمعه إسحق أيضا (تكوين 4:
26)، وكذلك يعقوب (تكوين 14: 28).

 

كل رجل كان يتمنى أن يأتى المسيح من نسله وكل
أمرأة كانت تذوب شوقاً فى أن يكون المسيا من ثمرة أحشائها. ولهذا يقول القديس
أغستينوس ” فاشتعلت النساء القديسات –ليس بالشهوة وانما بالتقوى–
للأنجاب”. وقال عن الآباء القديسين ” كان الزواج واجباً علي القديسين،
ليس طلباً له في ذاته وإنما لأجل شئ أخر”. من أجل أي شئ؟ يريد القديس في نفس
كتابة ” ليوا من أجل العالم، وغنما من أجل المسيح صاروا أزواجاً ومن أجل
المسيح صاروا أباء”. لذلك فما أصدق القديس أوغسطينوس عندما قال في موضع اخر
“كانت الرغبة في انجاب الأولاد روحيه وليست جسدية”. ولهذا اصبحت قلة
النسل عاراً. فرحيل زوجة يعقوب، لما كانت عاقراً قالت ليعقوب ” هب لي بنين
وإلا فإنا اموت”! (تكوين 30: 1). ولم فتح الله رحمها فولدت، قالت “قد
نزع الله عاري” (تكوين 30: 23). وإليصابات العاقر لم ولدت أبنها يوحنا
المعمدان سبحت الله قائلاً ” نظر إلي لينزع عاري من بين الناس” (لوقا 1:
25) وعلي عكس ذلك كان كثرة البنين بركة. فقيله ” البنون ميراث من
الرب…” (مزمور 127: 3)…. وكان من البركة أن يقال ” أمرأة مثل كرمه
مخصبه في جوانب بيتك، وبنيك مثل غصون الزيتون الجدد حول مائدتك…
“(مزمور128: 3)…

 

لذلك فعلي الرغم من أن الزواج بإمراة الخ كان
محرماً حسب الشريعه (لاويين 18: 16)، فإنه كان يتحول إلي واجب حتمي أذا مات الأخ
بدون نسل، فيضطر أخوه إلي أتخاذ أرملته زوجه ليقيم نسلاً للأخ المتوفي، فالبكر
الذي تلده يحسب أبناً للمتوفي “لئلا يمحي اسمه من اسرائيل” (تثنية 25:
5- 10).

 

ط) تطور الأمور وزوال أسباب تعدد الزوجات

إذن لم يكن تعدد الزوجات في قصد الله منذ البدء،
بل انه وضع للبشرية شريعة “الزوجة الواحدة” ورأي أنه حسن. ولكن لما سقط
الناس في الفساد في تعدد زوجاتهم تنازل الله إليهم ويرفعهم اليه، وتسامح في هذا
المر محاولاً آن يوجه أفكارهم في أتجاه روحي. فسار هذا الأمر فتره من الزمن، ثم
استجاب لهم القديسون فقط الذين قال عنهم اوغسطينوس ” كان الآباء يستطيعون أن
يضبطوا انفسهم لكنهم – لأجل الأنجاب وليس لمرض الشهوة – إتخذوا لهم نساء. ولنا في
السماء شركاء زاهدون.. لم يستعملوا نساءهم أطلاقاً للحبل”. وقال عنهم ايضاً
” لم يتقدموا في المعاشرة الجنسية اكثر من حاجة أنجاب البنين”. امام
غالبيه الشعب فلم تسر في هذا الطريق الروحي، وإنما انحرف عن الطريق السليم،
واستغلت سماح الله استغلالاً رديئاً.

 

وكما قال العلامه ترتليانوس في كتابه إلي زوجته
“هناك احتياجات اسئ استعمالها”. ولم يقف الناس عند هذا الحد بل تدنسوا
بالزنا وخالفوا وصايا الله وعبدوا آلهه أخري وسجدوا للاصنام. لذلك أسلمهم الله
للسبي، فسباهم نبوخذ نصر ملك بابل. واورشليم ذاتها أنهدم سورها واحرقت أبوابها
والذين نجوا من السبي وبقوا فيها صاروا في شر عظيم وعار (نحميا 1: 2، 3).

 

وسمح برجوع المسبين وبناء السور أورشليم، ولكن
الشعب لم يتحول عن فساده حتي قال الله لارمياء النبي أكثر من مرة “لا تصل
لأجل هذا الشعب للخير. حين يصومون لا أسمع صراخهم، وحين يصعدون محرقه لا أقبلهم.
بل بالسيف والجوع والوباء أنا أفنيهم” (ارمياء 14: 11، 12). وبالفعل اسلمهم الله
فعلاً لليونان فحكمهم الأسكندر الأكبر وخلفائه البطالمه، ومن بعد هؤلاء أسلمهم إلي
الرومان فاستعبدوهم. وجاء المسيح وهم كذلك.

 

هكذا لم تستمر فكرة “شعب الله الذي يصمد
أمام الوثنيين” فإذا قد سلموا المسيحية وديعتهم العقائديه من نبوات ورموز
وتقاليد وكتب موحي بها، انتهت فكرة الشعب المختار، واصبح المؤمنون في العالم كله
هو شعب الله، ولم يعد هناك فرق بين يوناني ويهودي كما قال بولس الرسول (كولوسي 3:
11)

 

وفكرة إنجاب المسيح تطورت هى الأخرى.

 

إذ ما لبثوا أن عرفوا من النبوءات أنه سيأتى من
سبط يهوذا، وهو واحد فقط من الأسباط الإثنى عشر. ثم عرفوا أيضاً أنه سيأتى من قرية
بيت لحم، من بيت داود بالذات، وهو فرع من سبط. ثم عرفوا أخيرا أنه سيولد من عذراء.
وهكذا زال هذا السبب أيضاً كما زال سابقه. و هكذا يقول القديس أوغسطينوس فى كتابه
De
Bonon Viduitetis
عن حنة النبية،
التى تفرغت للعبادة وهى بعد شابة بعد ترملها المبكر، عابدة بأصوام و صلوات مدى 84
سنة لم تفارق الهيكل ” كانت حنة كنبية تؤمن أن المسيح سيولد من عذراء، و لذلك
لم تتزوج ثانية”.

 

ثم ولد المسيح أخيراً، وانتهى هذا السبب أيضا.

 

بل أننا وجدنا ظاهرة أخرى قد جدتفى تاريخ شعب
الله، وهى البتولية. فإذا بأنبياء كثيرين عاشوا بتوليين، مثل يشوع وإيليا واليشع
ودانيال والفتية الثلاثة القديسين وكثيرين غيرهم، وأخيرا يوحنا المعمدان الذى عمد
السيد المسيح.

 

و لم يعد عدم الانجاب عارا، بعد دعوة المسيحية
إلى البتولية وإلى البقاء فى الترمل. والشعب اليهودى نفسه، بدأ يقلل من تعدد
الزوجات، إذ لم يجد داعيا إليه، حتى إنه ندر فى الفترة التى سبقت ولادة المسيح.
” وقد ألغته الآن طائفة اشكنازيم ولم تعد تسمح به. كما ألغته غيرها من
الطوائف”. وهكذا فى مجئ المسيحية، كان الجو معدا من كل ناحية، ولم يعد هناك
سبب واحد للإبقاء على تعدد الزوجات، الذى كان كسرا للنظام الذى وضعه الله منذ
البدء.

 

ي) الزمن الآن قد تغير

10- عرضنا فى الفصول السابقة، الظروف التى نشأ
فيها تعدد الزوجات فى العهد القديم قبل المسيحية، والأسباب التى كانت تدعو إليه
وكيف زال بزوالها. وبقى أن نردد الآن ما سبق فقاله القديس ايرونيموس: “ما
شأننا وهذا؟! نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، الذين قيل لنا: الوقت مقصر، لكى
يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم” (1كو29: 7). وأيا كانت الحالة فى العهد
القديم فإننا نضع إلى جوارها قول بولس الرسول ” الأشياء القديمة قد مضت، وهو
ذا كل شئ صار جديدا”. فما أعجب قول من يقول آن المسيحية توافق على تعدد
الزوجات مستدلا على ذلك بأن إبراهيم أبا الأنبياء كانت له أكثر من زوجة! إن كان
المسيحى إذن يقلد إبراهيم فيتخذ لنفسه زوجات، فهل يستطيع المسيحى أن يتزوج أخته
لأن إبراهيم كان متزوجا اخته؟! وهل يستطيع المسيحى أن يتخذ له سرارى ومحظيات مثل
ابراهيم وسليمان؟! وهل يحق للمسيحين أن يملأوا هياكلهم ذبائح ومحرقات لأنه هكذا
كان أيام موسى والأنبياء؟!

 

لا شك أن الزمن غير الزمن، والشريعة القديمة
اليهودية قد كملت فى المسيحية، والسيد المسيح نفسه قال إنه جاء ليكمل (متى17: 5).

 

قال القديس أغسطين ” سمح للأزواج باتخاذ
نساء عديدات، ولم يكن سبب ذلك شهوة الجسد ولكن فكرة الانجاب… أما الآن فلم يعد
إنجاب البنين واجباً كما كان فى القديم”. ويقول أيضاً “حتى حينما كان
النساء يلدن بنينا كان مصرحا بتزوج نساء أخريات للحصول على ذرية أكثر، ولكن هذا
الآن بالتأكيد غير شرعى، لأن الاختلاف بين الأزمنة يحدد جواز الشئ أو عدم جوازه.

 

الآن يعمل الرجل أحسن لو أنه لم يتزوج حتى زوجة
واحدة، إلا إذا كان لا يستطيع أن يضبط نفسه” (اكو1: 7،9).

بقى أن نعرف الآن كيف ألغت المسيحية تعدد
الزوجات؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى