علم الخلاص

26- الغنوسية | المانوية | الدوسيتية



26- الغنوسية | المانوية | الدوسيتية

26-
الغنوسية | المانوية | الدوسيتية

2-
البدع التي ثارت بشأن جسد المسيح: وتتمثل هذه البدع في الادعاء بأن جسد المسيح نزل
من السماء فهو منَّزه عن المادة، أو أنه جسد خيالي هيولي، أو انه ذاب وتلاشى في
الطبيعة الإلهية، والآن نعرض باختصار شديد أهم هذه البدع:

 

أولاً-
الغنوسية والمانوية: ليست الغنوسية مذهباً واحداً، ولكنها مذاهب شتى تجمع بين
المسيحية واليهودية والوثنية والأفكار الفلسفية الهيلينية، ولكن جميع هذه المذاهب
تنظر للمادة على أنها شر ونجاسة وخطية، والإله العظيم منزَّه عن الاتصال بالمادة،
لذلك فهو لم يخلق العالم إنما صدر منه آلهة أخرى، وأكثر هذه الآلهة بعداً عنه هو
الإله الذي اتصل بالمادة وخلق العالم، واعتقدوا أن الأرواح كانت موجودة في عالم
سماوي منير ولكنها سقطت فجأة إلى الأرض واصبحت سجينة الجسد المادي، وتحتاج إلى من
يخلصها، والخلاص يأتي عن طريق المعرفة، فغنوسيس
gnosis
أي معرفة، والغنوسيون هم أصحاب المعرفة (راجع كتإبنا تفسير رسالة كولوسي ص 13، 14،
19) وبالمعرفة يعرف الإنسان أصوله، ويعرف من هو، ويعرف كيف يخلص.

 

وعندما
دخل بعض الغنوسيين إلى المسيحية وقف أمامهم التجسد حجر عثرة، إذ كيف يتحد اللاهوت
المنزَّه عن المادة بالجسد المادي، ولذلك إدّعوا بأن جسد المسيح ليس هو جسداً
مادياً إنما نزل من السماء، وبذلك أنكروا التجسد، وفصلوا السيد المسيح عن بشريته،
وابعدوا الله عن الاتصال بالعالم.

 

وظهرت
الدوسيتية
Decestiom كأحدى الطوائف الغنوسية وهي مشتقة من كلمة Dekeo
أي يظهر، فادَّعوا أن جسد المسيح ليس جسداً حقيقياً ولكنه ظهر مثل جسد حقيقي له
لحم وعظم، وظهر كأنه يجوع ويعطش ويشعر بالألم والحزن، ولكن في الحقيقة – بحسب
تصورهم – هو مجرد خداع، وانه جسد شبحي مؤقت. وانتشرت الغنوسية في سائر الأقطار،
وفي عام 1945 تم اكتشاف مكتبة غنوسية زاخرة في نجع حمادي تشمل 51 مخطوطاً منها
انجيل الحقيقة، وإنجيل توما، وإنجيل فيلبس، والقيامة. (راجع تاريخ الكنيسة ج 1 0
جون لوريمر ص 102، وموسوعة آباء الكنيسة ج 1 ص 255).

 

ولأن
جذور هذه البدعة الغنوسية بدأت مبكراً في الكنيسة ولذلك نجد الآباء الرسل قد تصدوا
لها بقوة، فمعلمنا بولس الرسول يؤكد أن كل الأشياء هي من الله الآب بما فيها
المادة فيقول ” لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له ” (1كو
8: 5) واستخدمت الكنيسة المادة في الأسرار المقدسة، فاستخدمت الماء في سر
المعمودية، والزيت في أسرار الميرون ومسحة المرضى والزيجة، وعصير الكرم والحنطة في
سر الافخارستيا، وتصلي الكنيسة من أجل الأمور الروحية والمادية أيضاً. وعندما
انتشرت بعض الأفكار الغنوسية في كنيسة كولوسي ركز بولس الرسول في رسالته إليهم على
كل من الطبيعة الإلهية والناسوتية للسيد المسيح فأكد على حقيقة اللاهوت عندما قال
عن المسيح أنه هو صورة الله غير المنظور (كو 1: 15) وهو مذخَّر فيه كل كنوز الحكمة
والعلم (كو 2: 3) وفيه حلَّ كل ملء اللاهوت جسدياً (كو 2: 9) كما ركز أيضاً على
حقيقية الناسوت بقوله ” بدم صليبه ” (كو 1: 20) و” جسم بشريته
” (كو 1: 22) أما يوحنا الحبيب فقد أكد على حقيقة التجسد حتى أنه قال ”
والكلمة صار جسداً ” (يو 1: 14) وذكر لمس توما لجسد المسيح بعد القيامة (يو
22: 27) وقال عن السيد المسيح ” الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي
شاهدناه ولمسته أيدينا ” (1يو 1: 1) وأكد أن كل من ينكر التجسد فهو ليس من
الله ” كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح
لا يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فليس من الله. وهذا هو روح جسد المسيح
” (1 يو 4: 2، 3) وأشار للغنوسيين قائلاً ” لأنه قد دخل إلى العالم مضلُّون
كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتياً في الجسد. هذا هو المضل والضد للمسيح ”
(2يو 7) (راجع تاريخ الفكر المسيحي ج 1 ص 396 – 406، ص 473- 489).

 

أما
المانوية فانها تعد الشكل الأخير للغنوسية، والأشد خطورة، ونادى ماني بثنائية
تتكون من عالم النور وعلى رأسه الإله الطيب مع ملائكته، وعالم الظلمة والمادة على
رأسه القوى الوحشية التي لا يمكن السيطرة عليها أي ابليس، والإنسان نفسه جزء من
عالم الظلمة وجسمه جزء من المادة الشريرة، وأدعى أن المسيح هو إبن الإنسان الأول،
وهو روح الشمس لأنه يسكن في الشمس بقوته وفي القمر بحكمته (راجع موسوعة أباء
الكنيسة ص 255 – 257).

 

ورد
البابا أثناسيوس على المانويين قائلاً ” الذي يقول أن جسد الرب نزل من السماء
وليس هو من مريم العذراء، أو أنه استحال اللاهوت إلى الناسوت، أو اختلط معه أو
تغير، أو أن لاهوت الإبن تألم، أو أن الجسد الذي للرب غير مسجود له كأنه جسد إنسان
فقط، ولا يقول أنه مسجود له لأنه جسد الرب الإله، فهذا الكنيسة المقدسة
تحرمه” (1).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى